محمد المصطفى /الندى

 من مقدمة كتاب : دور المحاظر في موريتانيا 


ان نقل العلم والمعرفة عبر الزمن , وانتشال وغربلة ما اوشك منهما على الاندثار والخلط هو واجب سابق البشرية على لاحقها يوفر البقاء لكل فترة اطول . وتخليد المعارف عمل فطري في البشرية , فما كانت الكتابة على ورق البردى والصور والرسوم على سفوح الجبال والكهوف وبناء البنايات شبه الخالدة الا محاولة او خطوة من الغابرين لتخليد المعرفة والاحاسيس للاحقين.
ودين الاسلام دين علم وعمل وهو دين تاريخ بل ان تاريخ القرءان سلك طرقا لم تسلك من قبله.
فهو يبين القصد من وراء حركة الكون كله وانه للعبرة يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.
ويبين القصد من وراء سرد قصص العظماء : (لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب)..(وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك)....
اما عن عن الا عتداء على التاريخ والتزوير فنرى القرءان يجتث الزور من اصله:( يا اهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما انزلت التورية والانجيل الا من بعده افلا تعقلون)...(وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين).
وفي مصائر من حادوا عن السبيل يشخص ما حاق بهم للعبرة: (وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم).
ويرسم للذي لا يريد ان يكون ضحية التجربة للاخرين خطا وسطا , على ان باب التجارب مفتوح ولكن الثمن غال واستخلاص العبرة اصعب فهو مثل اللغز الذي لايحل الا بالموت.(نهاية المطاف).
فعاصفة الحدث تحول دون التامل بهدوء , وما كان للانسان ان يستشف او يستخلص الا اذا فكر بعد هدوء العواصف , او كان في جو هادئ فجاء ارشاده وسطا بين الطرفين.(تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ).
ولتاثر علماء الاسلام بتاريخ القرءان فقد استفادوا من منهجية البحث التاريخي اكبر وادق استفادة عرفها البشر , ويتضح ذلك جليا في ما عرف بمصطلح الحديث والسند القرءاني..و(شنقيط) <موريتانيا> شريحة من ذلك العالم المسلم وقد لعبت دورها المجهول , ولشنقيط والشناقطة الموريتانيين تاريخ مجيد في مختلف نواحي الحياة , ويكاد يكون كل شيء عنه منطمسا , لقد انطمس كيف حصلوا المجد وصانوه كرسالة للبش لايريدون منها جزاء ولا شكورا.
ويكاد يكون كل ما تبقى منه حكرا على ألسنة رواة معمرين يطويهم الزمن الاشهب في فترة زمنية وجيزة , او جذاذات ورق صفراء تآكلت اواكلها دود الكتب وعوامل التعرية , والتعامل معها اسهل منه على شبابنا الناهض فك الكتابة الهيروغلوفية. 
ثم ان فترة  تحول وجيزة لا تعدو عقدا من الزمن تجعل تضحيات ءابائنا لا اقول اجدادنا , ومسيرتهم المظفرة حديث خرافة لا تصدق بعد ان كانت امرا مالوفا لا يلفت انتباهنا.
والمنصف من شبابنا من يحكمها على المخبر وينظرها من خلال مجهر غير مصمم لذلك المناخ والبيئة , بيئة القطب الشمالي.
وماذلك الا نتيجة لسرعة التطور والتحول الثقافي بفضل الوسائل التي عرفها البشر بعد الثورة الصناعية.
والمسؤلية جد جسيمة وتقع على عاتق الجيل الحاضر او المخضرم , وهي اكثر من واحدة ومن الحها في الوقت الراهن - لنكون جديرين بحمل المشعل من جديد او الارث للآباء- ما ياتي :
1 - احصاء تركة او ما تركه الرعيل الاول
2 - حيازته وذلك لا يتاتى الا بعد معرفته وغربلته
3 - عرضه بفخر واعتزاز للآخرين على ما هو عليه لا كما يتصوره الاعداء
4 - تفسير الغامض منه , فكم كلمة مطروقة واضحة المعنى في العقد الماضي لا تعرف في العقد القادم الا بقاموس مصور , واتصور ذلك في : القتب , والقدوم والمحلاب والجحفة (الهودج) , بل المواليد بعد كارثة الجفاف في موريتانيا 1972م  لا يعرفون اليوم عن هذه المالوفات شيئا.
5 - توظيفه وفق نظامنا ولصالحنا.
وبتلك الاجراءات الواجبة والقليلة نكون قد انقذنا اجيال المستقبل من مسخ وتحول الى امم اخرى , اذ التاريخ لم يحدثنا عن انقراض امة من الامم او شعب من الشعوب , وما وقع في بعض شعوب ءاسيا وافريقيا انما هو تحول بواسطة الثقافة.
                                                                           محمد المصطفى/الندى