الخميس، 14 نوفمبر 2013

المرتضى /محمد اشفق
الكتاية مغامرة

يمر النص قبل ان يصبح مادة معروضة في موائد الفن والادب , ووجبة من وجبات الثقافة والفكر , بمراحل مخاض عسيرة ..وتعترضه عقبات جمة ومعيقات موجعة , ومعابر محروسة صعبة الجواز...
فهذا الرقيب اللغوي واشدد به من رقيب عتيد ...يمرك على طريق طويل اول مفتشيه سيبويه , وبعد ان يرهقك جرا ونصبا ورفعا , ويشبعك فحصا وتمحيصا ونصحا بالاحتياط , وايقاعا في مهامه التاويل وتعدد القراءات , يجيزك الى الفراهيدي ليزن حتى اوتاد خيمتك بالدانق ومثقال الذرة...قبل ان يستبقيك مدة في غرف الحجز الست عشرة ..ثم تعرج على الجاحظ  ليجس نبض نصك ببيانه وتبيينه ويلقي عليك درسا مستفيضا في الفرق بين المقتصد والبخيل....فان وضع الثلاثة ختم القبول على تاشرة مرورك ,  ووهبوك رخصة التجوال الحر, وظننت ان قد تعديت الصعاب, وتراءت لك الطريق منبسطة سالكة الى العوالم البكر  , اعترضتك المفازات التيه المتنفسة بفيح الحميم لتنضب شلال عطائك , وتمتص الندى في نضارة كلماتك  , وتذر الغبار الرمادي على الق عباراتك ... تجد نفسك في قبضة الرقيب الاجتماعي والخلقي فتشعر بحدة الضغط  , والصرامة في التحقيق ,  والتفتيش في تجاويف حقائب سفرك عن مادة محظورة , او مخدر ملفوف في الجيوب الداخالية ..اوحزام متفجرات لنسف الحواجز المنصوبة امام النصوص المتمردة. ...الكاتب في هذه المرحلة من الرحلة يحتاج جرعة جرءة زائدة , ويحتاج شجاعة لاقصاء المعيق حتى يتحرر من الكتابة تحت الوصاية , لا بد ان يتحلى بروح التحدي المسؤول لاختزال بعض الوقفات الشكلية من برنامج التحقيق معه.....
هنا يخبرك حراس  بوابات العالم الذكوري ان الكلمة  "الانثى"ممنوعةالدخول...قطيع الكلمات الماذون له هو فحول كثئران"الجلابة" كل كلمة فيه طويلة اللحية مثل "كارل ماركس" يتدفق من علبائها وقذالها عرق اسود كريه الرائحة ...لامجال ابدا لكلمة فيها تغنج ودلال , فتلك فاجرة تشيطن الضعفاء وتدغدغ مشاعرهم وتحرك فيهم طبعا غير مرغوب , وهنا اما ان تطيع  فيتحول النص الى درس محض في الارشاد والوعظ المتشدد..او ترفض الركوع والاملاء فتسجل في الآثمين...  
ظاهرة التطرف والغلو والارهاب لا تهدد فقط القادة والسياسيين ..هي مع هؤلاء ظاهرة فتية , اما في المجال الادبي فقديمة قدم الكتابة نفسها , تتجلى تارة في صراع الاصالة والمعاصرة ...(معركة التجديد والتقليد ...اشكال القدامة والحداثة , الثابت والمتحول) , وغير ذلك من المصطلحات التي غزت الساحة الادبية والنقدية خصوصا...بجيشين عظيمين من المحافظين والمجددين.... هذه حقا مراحل قاسية , مخيفة , مثبطة , صارفة عن رحلة مغامرة غير مامونة العواقب .
فاذا حانت لحظة الحسم , وجاء الاديب المخاض بعيدا عن جذع نخلة يهزه اليه هزا لتساقط عليه رطبا جنيا , يقول له قائل مشفق عليه : ياابن ءادم ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا , لقد جئت شيئا فريا ..
الكتابة  اذن معاناة ووجع ... وءالام , وترقب لاحكام قاسية تصدر في حق كل من ءامن ان سلطة الفن  سلطة حاكمة غير محكومة , وان حرية النص ورجولته يتجليان في رفضه الرضوخ لثقافة التدجين...
هي حرية في ظل الالتزام بالمبادئ الكبرى والقيم السامية (دينية - خلقية – اجتماعية – جمالية...وهي قيم ينبغي ان تظل متداخلة) خدمة للامة والفرد في مناحي الحياة المختلفة .....بطرق مباشرة , او غير مباشرة , تلميحا اوتصريحا , وعندها يجب ان ننظر الى النص -  شكلا ومضمونا- بعين اخرى مكبرة ملتمسة - بامكانية تعدد التاويلات – الفهم الكبير المشحون بالتاسمح والانفتاح بعيدا عن التقليب لرؤية الجانب الملتصق بالارض , فهو لا شك متسخ معفر بالرغام ....
هدف النص  اثارة لقيمة او لمجموعة من القيم , وخصوبته  وثراؤه يكمنان  في امكانية تعدد التاويلات ..لهذا يرى البعض ان النص الخالد يولد مع كل قراءة , وكاتبه يبقى صاحب النسخة الاولى  التي خرجت نتيجة عوامل وظروف معينة....وقد تتغير رؤية الكاتب كما تتغير ءاراؤه وافكاره ومطامحه , لكن النصوص التي كتبها بآراء وافكار قديمة ينبغي ان تبقى كما هي , لانها شهود حقبة , ولانها ابناؤه الشرعيون , ولا يجوز ابدا ان ننكر ابناءنا حتى وان خالفونا الراي والفكر....فبعض الادباء عندما تتقدم به السن يرى  بعض اغراضه الادبية القديمة لغوا وفضولا , ان لم يرها ءاثاما تستوجب التوبة النصوح  بالحرق قبل ان تعاجله كف المنون...وبذلك تضيع تجارب وحقب وعوالم من الجمال والسحر الحلال...  
والماساة ان  لابد لزوار وادي عبقر من شر ينتفعون به , وضر يسعدون به ,  ضريبة يستدرون بها ملوك ذلك العالم الليلي , الجني , المخيف عندما يبدا التشكل الداخلي للنص ,  واعراض وحم الكتابة , وءالام الحمل , والخوف على الجنين الذي يريدون له ان يكون خلقا سويا....

                                    

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

الرحالة موهوب (3)
المرتضى / محمد اشفق

ادرك موهوب  انه تدفق بكلام كثير امام "محمدو"..وتذكر ان احد خواصه همس في اذنه مرة قائلا : يا موهوب خذها مني نصيحة خيرا لك من حمر النعم , وصرر التبر الاحمر : لتكون نجما لا معا في سماء السياسية  تعلم اللغة الديبلوماسية , فقال موهوب : تلك لغة متخصصة يجيدها السفراء والقائمون بالاعمال ومن شاكلهم فكيف لي ان اتعلمها ؟ يا موهوب اللغة الديبلوماسية عندنا هي ان تتحاشى الحقيقة , هي الكذب , حتى اذا سئلت عن اسمك فلف ودر , ومص شفتك السفلى , وقل "أ" برواية ورش واشبعها مدا , وتعمد الغلط...ثم تبسم وانت تقول : اسمي مع السكرتير الخاص..ولوح بخنصرك وبنصرك فقط....وانج بنفسك....
تذكر موهوب هذه النصيحة لكن بعد فوات الاوان....وبدا له ان يكفر عن خطيئة قبلي الكلام ببعدي الصمت......
لكنه في سره مطمئن سعيد.....انقطع لنفسه في مناجاة داخلية , استخلص منها ان رحلاته علمته ان الكرم السياسي في بلاده رائع , وان الوافد - جديدا او عائدا بعد هجرة- تتحات ذنوبه السياسية حتى يكون كيوم ولدته امه.....فلا الذاكرة الجمعية وان احتفظت بتفاصيل سيرته غير المطهرة تحاسبه عليها...فلا يحتاج الى شهادة تبريز , ولا كفارة صغرى....بل لا يحتاج الى ان يعلن توبته ...حسبه ان يكون خشبا يزيد النار اشتعالا ولو بدخان اسود كالقطران...وان يغتسل في نهر الادران , ويمر على عرايا التشويه  ليجعل مسوح التقبيح على قيهله من جديد , تلك طقوس المؤمنين الاوفياء  لعقيدة النجعة والرحيل.....ولا تهمه الحدود الوهمية بين الفريقين المتصارعين ...هو سيمثل في كل فريق ...وسيكون بطلا في كل حلبة صراع ..فهو فنان في افتعال"الغيظ وتوززت"... سيقول حكماء كل فريق ألاّ صاحب بلا عيوب وسينشدون قول الشاعر:
ولست بمستبق اخا لاتلمه               على شعث أي الرجال المهذب
وقد دخل خلوة اصطحب فيها ديوان الحطيئة وبشار ....وحفظ كثيرا من "درر الشمت" من الشعر الحساني حتى امتلا وفاضه ومزوده ...بل اصبح هو نفسه لايصبر على اللغة المهذبة ...يصيبه الدوار فلا يهدا حتى يغرق خصومه المفترضين باسهال نتن من بذاءات لسانه , كان يتمرن في توجيه خطبه الى الحميراولا – فالحمير مامونة الشر , لاتعض كالكلاب والجمال , ولا تنطح كالكباش والبقر-  ليتخلص من حالات الارتباك امام الآدميين , واستعمل لغة جسده كمفتون خجول سحره لحظ عيطموس شرود.....استعرض موهوب كل هذا وهو يشغل مخزون ذاكرته وما سجله من تجارب اصدرها في كتاب سماه : المختار في  فوائد الاسفار واضرار المكث والاستقرار .
اكسبه شروده مع هذه الافكار شجاعة وهو يعود الى من هجرهم امس واعلن على الملإ افلاس خطابهم , وقذارة افكارهم , وانحطاط مراميهم ...فاسمعوه من الثناء والتمجيد ما لم تسمعه اذن المعز والرشيد , فالعود احمد والطالع اسعد....فقال موهوب ايها الناس ....ايها الناس  انا الهدهد لقد ذهبت عنكم لآتيكم من "سبإ بنبإ عظيم" ....فالحمد لله الذي تداركني من عثرتي , وسدد خطاي بعد ضلتي ...لم انس ايامي  بينكم كم كانت حلوة كاحضان الامهات ..كم كانت جميلة كاحلام الاطفال كم كانت عميقة كشعر المعري  ....لقد ساقتني شقوة رأيي , ونحس طالعي الى قوم غالبت القيء لما تبدت لي جموعهم , فهم كما ساصف لكم :
عيونهم غائرة كضحايا الإسهال....
ابتساماتهم شاحبة كرعاة الصيف
بطونهم منتفخة كالحوامل
أطماعهم كبيرة كجيف الجمال
أفكارهم صغيرة كأرجل النمل
لحاهم خجولة كخمر البغايا
يريدون غنى الدهر في يوم
وربح القرن في ساعة
يلبسون كالمشردين , ويأكلون كالمساكين
الحمد لله ان نجاني منهم كما نجى عيجلوف من جند سليمان
دوى تصفيق الجماهير حتى ذعر بعض الحاضرين وذعر موهوب نفسه من لجبة الاكف....فنتر مرافقه دراعته قائلا : انت غلطت هذا نص خطابك امام اصحابك الشهر الماضي ..قال موهوب ما زلت في غبائك القديم ..هم ايضا يعلمون ذلك ....لكنهم يقبلون مكرهين ...وينخدعون عارفين .....هذا مكمن الداء يا محمدو....نحن امة عطلت عبقرياتها في مختلف الفنون لتتمحض لفن العصر : التكسب السياسي.....نحن مجهزون على ضحية اسمها الوطن نمزقه ونحتقره  , ونختزل عظمته في حماقة طفلية....نطحنه ليسهل ازدراده الى كهوف معداتنا المظلمة ...الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا....ان اصررت على ان ترافقني فلا تسالني ولا تعلق على  احاديثي ...فساكشف لك في قابل الايام من امرها خبرا....لقد نسيت احاديثي الماضية..الم اقل لك في سالف الحقب والاعصار , اننا في زمن العهر السياسي , ورجولة المخنثين ....وان الزمن الرديء سمح للخصية من اشباه الرجال ان يدّعوا افتضاض ابكار المواقف والافكار ...وتدنيس عذرية الفضائل والاخلاق .....الا نركض مسرعين لاختطاف رغيف من امام مسن قعيد....
لقد نسيت ان اخبرك ....نسيت وليتني ما تذكرت ....
في طريق عودتي يا محمدو اعترضني فارس غريب ...له قرنان يرتفعان حلزونيا فوق اذنيه....وقد ضفرهما ودهنهما ورطبهما بمسك غليظ سميك ...تقطر على رقبته حبات عرق ازرق وتختفي بسرعة ..تذكرت حكايات البادية والطفولة و"بوتويلتميت من لحديد"...اقشعر جلدي واحسست بشعري ينتفش وحركة غير محددة المكان تهزني هزا وتأزني أزا.....قال لي وقد ادرك اني انكر منه كثيرا : لا عليك انا نزيل مقبرة في تلك الاكمة التي امامك.....استاذنت حارسها فابى ..فغافلته وانسللت مسترخصا ما سانال من ضرب المقامع.....وعض الثعابين , انا هو انت ياموهوب....اهتزت الارض تحت قدمي وتلاحقت دقات قلبي حتى حسبته انسل وطار الى السماوات العلى ...ربت على منكبي قائلا : لا عليك يا أنا ..الا تذكر ؟ انت مت منذ دهور في رحلتك عن مضارب القبيلة ....واسلمت نفسك راغبا الى مقاصل القوم فشنقوك وصلبوك وعلقوك حتى سال الصديد الاسود من اظافر قدميك وتجمهرت الخنافس والنمل الاحمر يروون ويدخرون....انتفخت كالبالون الطائر وتساقطت اعضاؤك منتنة تملا جوف الوادي فلم يبق فيه ذربان, وتحلقت حولك الذئاب تاكل مشمرة على انوفها....دفنوك هنا ....وانظر يديك وقد مجلتا حتى سال القيح من اخاديد راحتيك ولما دفنوك حكموا عليك بالتصفيق رغم المجل ....تحسس تجاويف فمك فانت أدرد ولسانك مدور كافعى يسمك شدقيك الم تك خطيبا تقيء العوراء ؟؟ واليوم في قبرك الزموك ان تظل تمص لهاة عجوز مغراء من آل شارون , مثقوبة المنخر , بخراء , جخنّة , دقيقة الساقين....نخامتها كالمح..سرتها تدمى باستمرار وتقطر في محارة مشدودة بشعرة من لحيتك حتى اذا آلمك المص ولغت في ما تحلب في المحارة فيكون كالضماد وتعود العافية الى لسانك... وانظر الى تلة الجنادل تلك , ذاك احد رموسك وهناك حولوك الى شيخ وقور واجلسوك في بؤبؤ عوراء عيناء مغلولة اطرافك من خلاف لك ثدي واحد يتدلى الى كعبك ترضعه ديدان  رقطاء وثعابين صغيرة لا تروى كلما امتلات بطونها وضاقت بما حوت تسلقت على شعر لحيتك وبالت في انفك....هل ترى ذلك العجوز الاحدب الجالس جنب ذلك الجدث....انه شيخ من الجن خاله الشيطان يريد ان يستقضيك عن رشاوى دفعها لك ولم تف بالوعد كما هو ...لقد كنت اكرم من المطلوب وذلك جالب للضرر على الذين امتهنوا عد الحصى واستعذبوه....هل ترى ذلك الشاهد الرمادي الباهت ذاك واحد من اجداثك لكنهم حنوا عليك , بل اكرموك توقيرا لأمارات النبل البادية في صلعك من الخلف , وشعر صدرك فانت من عرق نقي لم تشبك كعاعة من نسب.....هناك حولوك الى كائن وديع في روضة ندية ..انت هناك قملة كسيحة ترعى عانة قرد عنين....
يا محمدو!! كل هذا وانا جالس يقظان ...نهضت مسرعا , واستعذت بالله من الشيطان الرجيم , وقرأت سورة يس وصليت الصبح لاول مرة في المسجد وكدت اصلي الضحى ....لكنني تذكرت انها "تكره" لمن لا يواظب عليها ...
هؤلاء هم نحن فما ذا تامل ان يفعل موهوب واشباح كابوسه ترافقه انى حل؟؟هل ترى ان ما نعيشه اليوم هو نفسه ما انبأتني به الكوابيس بعد ان نزعت الغشاوة من عيني واضمحل وهم الحياة....يا صاحبي انظر الي جيدا هل انا هو انا ؟؟هل انا  نائم ام يقظان ؟؟ ..

الخميس، 24 أكتوبر 2013

تائه بين المواقع
المرتضى محمد اشفق


ظاهرة الحنين الى الماضي تعبير عن افلاس الحاضر وعدم قدرته على توفير البدائل عما افتقده الانسان مع غروب شمس امسه...فيعوض عن ذلك بحنين الى ماض مفقود  , اوامل في مستقبل مجهول , يظن ان ما تسطره له احلام يقظته خير لا محالة مما يعيشه ويمتلكه....ذلك ان الخيال احلى من الحقيقة ....خذ صورة التقطت لك قرب بيتك فسيخيل اليك ان المنظر العام اكثر رومانسية من الواقع ..وبين المفقود والمجهول يتيه  الانسان في رحلة غامضة كلما قست جذبت , وكلما عذبت عذبت....
الامل وهم لا يدرك , ...فكم تحققت ءامال قادت الى ءامال غيرها ....وتستمر رحلة مطاردة المجهول.....
اما الحنين فهو توهم الانسان ان امسه خير من يومه...
رب يوم بكيت منه ولما          صرت في غيره بكيت عليه
والماضي لا يعود ...انه مفقود لا سبيل اليه...وحين يرى الانسان تجاعيد شيخوخته , وارتعاش اعصابه , وترهل عضلاته....ويرى الموازين قد تغيرت...فلم تعد اوامره منفذة , ولم يعد رايه صالحا لزمان غيره , يحاول الفرار الى الوراء  , فيتحرك الالم والحسرة والحنين الى حقبة الشباب والقوة والنضارة وسيادة قيم المجتمع.....فتتقد لواعج الشوق لادراك المستحيل....
اما حنيننا فالى ايام سوالف , كنا نسمع فيها المذيعة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلاملة الموريتانية اليكم نشرة الاخبار مبدوءة بالمقدمة....(ما زلت اذكر وانا تلميذ في السنة الثالثة اعدادية قول استاذ اللغة العربية التونسي هادي احميده في بوكى: لموريتانيا ان تفتخر بالناه بنت سيدي نظرا لسلامة لغتها وحسن نبرتها وتوقفها عند الفواصل....)
كانت الاذاعة الوطنية مصدرا وحيدا للخبر في عموم التراب الوطني...لكن المواطن كان يصدقها بل كان يؤمن بعصمتها من الكذب والتلفيق.
ويمضي الزمن وتتلاحق مراحل تطوره لنصبح اليوم مع هذه الطفرة الغريبة من وسائل النشر وما تقذفه لنا على مدار الثانية من اخبار وكتابات....وكم رجونا ان تنعم بلادنا بثورة معلوماتية واعلامية تخرج البلد من حقب الظلام وندرة المعلومة والخبر ....كم رجونا ان يشرق يوم صحو ونرى السماء صافية قد اغتسلت من ادران الغيوم والاتربة والتعتيم....
نعم تحقق شطر الرجاء...فغصت ساحاتنا الاعلامية بالمواقع والصحف ...فاستبشرنا بتنمية شاملة تسح على البلد وتخرجه من عذابات الفاقة والجهل الى طمانينة السعة والازدهار....انتظرنا ان يرى المواطن في كل شبر قوة خلاقة وجيشا جرارا متراص الصفوف متوحد الهدف يزحف ليدك حصون حقب من التخلف والتهميش والظلم..لا بذخيرة تسفك الدماء وتنهب الاموال وتحرق العباد والبلاد ...بل بمعركة قذائفها كلمات طيبة وطنية بناءة , وافكار نيرة مخلصة تنبع من مرجعية الاسلام الذي يعصم للانسان حقه كاملا غير منقوص ....
كم انتظرنا ان تظهر اقلام شريفة ولاؤها للوطن وحده تنير للمواطنين الابرياء الدروب , وترشدهم الى الصواب وتمنحهم الحقيقة كما هي لاكما تهوى الاقلام , وتهديهم التحليل بريئا من شوائب الانتماء الضيق : عرقا او لونا او وجهة نظر سياسية...ان المواطن البريء تربكه هذه الاشياء الغريبة على تاريخه وحضارته ودينه وقيمه ...فالموريتاني محفورة في ذاكرته الثقافية ومكونته الاجتماعية صورة الكوخ والخيمة يتعانقان عناقا عضويا بلحمة اسلامية ترتل (انما المؤمنون اخوة....ان اكرمكم عند الله اتقاكم ...لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى),  صورة العمامة والقلنسوة , خوار البقرة البيضاء وحنين الناقة الشقراء ...
ان المواطن البريء لا يفهم مفردات الزمن الرديء التي تجزئ غير المجزإ , وتتبنى الفكر الدعي الدعائي , ان المواطن البريء في خلقه وخلقه ركب من عجينة محظرية يمتزج فيها اذان الفجر بسورة الرحمن , والحبر الاسود بالالواح الخشبية واقلام "الجريد" والصمغ وفحم الطلح....و-عبد الاله الشنجطي يشتري....- في ولاته , وءايرمبار, ووادان , وغابو وشنجيط...
لكن هذا الانفجار الكبير ما ان بشرنا حتى انذرنا وما ان انذرنا حتى دمرنا ....فعمدت مواقع كثيرة الى الغوص في اعماق عكرة تتراكم فيها الجيف والنفايات لتخرج وقد نتنت كلماتها وتلوثت افكارها فحركت في القارئ حالة الغثيان وارغمته على التقيء وتشمير اللثام على الانف , بدل ان تنزل الى المياه الصافية وتوزع ما اخرجت من درر على زوار الشطآن النظيفة....
صفحات بعض المواقع انقلبت الى ميادين استعراض العضلات اللغوية والمهارات الفنية , واصبح الناس يتفرجون عليها تفرجهم على حلبات مصارعة "الكتش" ويتسلون باساليب التجريح والاقذاع , تماما كما يتسلى الاطفال وعديمو الثقافة بالضربة القاضية يصوبها الملاكم الى مقتل خصمه...
بعض المواقع يبدع في صياغة العنوان , فلا يتمالك القارئ عن نشر التفصيل قبل قراءة بقية العناوين , ليدرك ان الجهد الصحفي انحصر في جملة العنوان , كمن يطلق قذيفة لقتل نملة...
بعض المواقع ينزلق خضوعا لمتطلبات  السبق والسرعة الى التكبير اربعا على مزية التروي والتحري والتدقيق..فهناك صنف تعجله هذه الاكرهات عن الروية والصدق....وهناك صنف لا يعتمد على أي مصدر مهما ضعف خبره , بل يختلق ويروج حسب ما يمليه عليه المزاج النفسي , والراي الشخصي او السياسي ...وبين هؤلاء واؤلئك تضيع الحقيقة ويحن القارئ الى سماع السيدة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلامية الموريتانية اليكم نشرة الاخبار ابداها بالمقدمة....

 المرتضى / محمد اشفق

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

الانحناءة الأولى

المرتصى محمد اشفق

اكتوبر 1983 دخل حائط إعدادية البنين بانواكشوط  يحمل حقيبة صغيرة فـــــــيها معدات أستاذ حدث يتقاسمه عالمان: عالم الأحلام الوردية التي يغرق فيها ذوو العشرين ربيعا عادة، يهيمون في دنيا الصفـــــــــــــاء والخيال والجمال قبل أن تنزل بهم من فضاءات الحلم أثقال الهموم وعقبات الحياة، عالم آخــــــر كانت مخالبه تخز خاصرة الأستاذ الشاب فـترميه بعيداعن عالمه الجميل: عالم الــــــــفقر ومسؤولية اجتماعية تحملها مبكرا كانت وراء اختياره وظيفته تلك.


يقبل الأستاذ بأعوامه العشرين، و بـــــهمومه على عمله راضيا حينا ومستميتا لا يرى في الدنيا أنبل منه رسالة ولا أشرف عملا حينا آخر. حسبك أن تعلم أنه طلب من المدير أن يملأ له جدول عمله فهو لم يأت إلا ليكون وقته كله في سبيل الوطن، أليست هــــذه قناعة الفتى الأبي؟ وقد بلغ الحماس بفتانا أنه كان يشتري المشروبات لزملائه الأســــــاتذة وأعضاء الإدارة أوقات اجتماعات الفصول.. كم هو ساذج وغبي حسبما تسره تلك الوجوه المحيطة به من كهول الأساتذة.. وهـــــــــم يتناولون الشراب وينظرون إلي (الطفل) زميلهم بعيون منكرة ساخرة مستزيدة...

سنوات ست قضاها صاحبنا فــــــــي انواكشوط مدرسا فــانيا في عمله، مواصلا مشواره الجامعي ومؤديا مسؤوليته الاجتماعية كما ينبغي له...

وينتقل أستاذنا إلى الداخل مدرسا بحماسه المعهود ليلتقي بزملاء تقاسموا معه ذلك الحب الصوفي للتدريس بل تكونت لديهم عقيدة مهنية ترفــــض كل شيء يبعد عن هذه المهنة التي هي قدرهم وهم قدرها، والناس من حولهـــــم زملاء فصول وتلاميذ تارة يختزلون درج الترقيات بسرعة برقية، وواصل صاحبنا ورفاقه التحليق سافـــــلا في أحط الوهاد المهنية داخل الفصول التربوية حتى بلغوا من العمر المهني عتيا.. ثم قدر لهم أن ينالوا ترقيات صعدوا إليها صعود سلحفــــــــاة عرجاء مقيدة تجر فــيلا إلى قمة كثيب رخو الرمال، رقوا إلي مديري دروس مكلفين بالتدريس؛ نعم مكلفـون بالتدريس لأنهــــم لايستحقون أن ينالوا هذه الترقية إلا أقساطا بعد أن تجاوزوا النصف الثاني من العقد الثانــي من عمرهم المـهني في الفصول.. وكيف لهم أن ينالوها كاملة وهم الذين رفضوا إن يدفعوا ثمنها لإيمانهم أن السياسة عكـــاز يتوكأ عليها العرجان، أما هم فقد أنعم الله عليهم بأرجل صحيحة.. وتفضل عليهم بعد ذلك بالتفــــــــريغ، وأغدقت عليهم الوزارة شآبيب فضلها فرقوا كالقابلات إلى مديري مؤسسات في بطون أمهاتها عرضت علــى غيرهم فأباها، ولا يفتك أن الحصول علـى تلك الاجنة لم يتم إلا بجهود وسطاء أنفقوا في سبيلها ما يعلمه الله.

بعد عشرين سنة من الخدمة التربويـــــة أنعمت الدولة على صاحبنا بوظيفة جليلة: مدير إحدى هذه الأجنة في بلدة نائية، وما أدراك ما إنشائية فــي بلدة نائية؟ هذا موضوع حديث آخر.. وافق عليها بعد أن رفضها اثنان، وما قبلها إلا لأنها خطوة إلى العودة.

وعاد، عاد الــــــــى مؤسسة تشده اليها أواصر خاصة: أواصر الأمومة فــــقد كان ضمن أول دفعة ولجت أبوابها للدراسة، وفــــــيها درس وكان أبا علميا لأفـــــواج من التلاميذ لم ينكر منهم ولم ينكروا منه.. وفيها تسلق درج الترقيات ببطء وعـــــــناء شديدين ومن طبع الأمهات أن لا يتركن أبناءهن يصعدون عاليا شفقة ورحمة وحبا لقربهم.

هو الآن إذا مدير مؤسسة ثـــــانوية، وكم كان يحلم أن يصبح كذلك، كم تمنـــــــى أن يتحرر من طباشيره ومحفظته وتلاميذه ويجد نفسه يوما في مكتب مغلق.

تذكر أيام كان يمضي 3 أيام فـــــــي الفصول بين تلاميذه يقدم لهم وجبات علمية فيها عطر الكبرياء، تذكر كيف كان ينفق بقية أيامه في القراءة والكتابة مرتاح الضمير مستريح الخاطر..

واليوم وبعد أن أصبــــح مديرا... أصبــــــح عليه أن ينحني و يتملق ويجامل وينحرف أحـــــيانا عن مثله وقيمه، يخيل إلى غيره أنه صعد والحق أنه انحط،، انحط فكريـا فيوشك أن يصبـــح أميــــــا لانشغاله بأمور قتالة للشعور، بأرقام ونصوص هزيلة يحرر بهــــا الـــــــــرسائل الإدارية، انحط خلقيا لأنه أصبح يثمن البخس ويحسن القبيح ويصدق الكذوب، وأصبح يصفق وربما يزغرد كالمخنث..

استفاد لقب المديريقولها له اثنان: ســاخر وساذج، ساخر يدرك أنه ليس شيئا ولا قريبا من شــــيء، وساذج  مسكين يرى له شانا أي شان؟؟؟ يستقدمه الوالــــــي أو الحاكم لأتفه الأسباب.. يأتيه البسطاء والمغفلون في
حاجاتهم يخيل إليهم أن له ذراعا طويلة في سائر أجهزة الدولة، وهم يريدون منه أن ينفعهم لدى الوزير فلان أو لدى الوالي فلان أو القائد فلان الخ وهنـا إما أن يكذب ليحافظ على الصورة المزيفة والمقام العالي الذين تختزنهما له ذاكرات لمغفلين، وإما أن يصدقهم فيقول لهم إنه يخاف حتى من بواب الوالي ومن سيارة الوزيرفيسقط من أعينهم ويزدرونه...

تحيط به طواقم بشرية بين أساتذة ومعاونين: أمـــا بعضهم فينصفه ويؤازره، وأما بعضهم فـــــيراه خصما تجب محاربته من أول يوم ، وأما بعضهم فيرى مخالفة رأيه فتحا يسجل في ذاكرة الايام.

يجب عليه أن يصل ليله بنهاره من 15سبتمبر حتى 30 يوليوكل سنة مع ما قد يجد من الطــوارئ تجد معها أمور أخرى، خلال هذه الفترة لا بد أن يمثل دور الأب والمدرس والعامل اليدوي والمراقب والشرطـي والمتحسس والمتربص حتى يضمن توفر جو عمل مريح هذا مع قلق دائم وهمِ ملازم،فـــهو المسؤول عن حرب لبنــــــان وانفجارات العراق بل هو من القاعدة يجب أن يرحل الى اكونتينامو، فـمن باب أولى إذا رمى مشاغب حجرا على السقف وروع التلاميذ، أو إذا أسند الأقسام النهـــــــائية إلى أساتذة أكفاء ودعم جهودهم بحصص تقوية، وتحقق من اكتمال البرامج ثم تدنت نسبة النجاح فهو السبب أيضا. كأنك يا قارئي الكريــــم تقول لي: والميزانية ياسيادة المــــدير وأنت محق وإلا فلماذا يبذل الأساتذة الجهود الجبارة للحصول على هذه الأتعاب المتواصلة؟ وأنا شخصـــــيا ما زلت حائرا في تلك الدوافع: هل هي من أجل تحسين الوضع المادي أو المعنوي للأستاذ؟؟؟.

وصحيح أنه من بداية تسعينات القرن الماضي لم تعد المعرفة قيمة محمولة فــــي المجتمع وتقزمت قامة المدرس إلى أقصر من ملمترنظرا لطغيان قيم الفساد التي تفرزها الـحياة السياسية للبلد يومــذاك.. أما الوضع المادي فمستحيل أن يتحسن بالعلاوة الجديدة بل قد يتدهور لما ينتــظر منه بحكم وجودها إلا إذا طاشت يد المدير إلى الحرام.. طريقان أمام المدير: طريق نجـــــاة فــــــيها حر وقر ورمل ووحل وثعابين معالمها إن كل لحم نبت من حرام النــــار أولـــــــى به، وإن من غل يأت بما غل يوم القيامة، وإن المال العام حق أمة تجيء وواحدة تعيـــــــش وأخرى تذهب، وطريق آخـــر يزينه لك الشيطـــــــــان والناس موسوسين إليك باستبقاء ما أمكن ليكون نزيل جيبك تنــــــــــال به شيئـــــــــا من زخرف الحياة الدنيا ترفع به رأسك بين أقرانك، وللشيطان والناس من وسائل الإقناع مـــــا تأنس اليه الأذن وترتاح له الأنفــــس،..الإدارة إذا فترة احتضارمهني قيمي خلقي للاستاذ اعترف بذلك أم تجاهل.

هذا هو صاحبنا تسلق زحفا رتب الترقيات كأمي لايملك المؤهلات العلمية، هو الآن يريد أن يعود أدراجه فينفض الغبار عن محفظته وطباشيره ويوقظ دفـاتره القديمة ليجد نفسه من جديد أمام أبناء تلاميذه القدامى، فهل يقبل الجيل الجديد عودة جد من رحلة تيه وضياع لم تنسه عظمة الحرف وكبرياء الكلمة...
                                                                   
 المرتضى ولد محمد أشفق (2006)

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013


1+1+1+1 =1

المرتضى محمد اشفق
يسر مدونة اغشوركيت ان تؤكد لقرائها الكرام تمسكها بالخط الثقافي - العلمي - الادبي , بعيدا عن الاخبار والسياسة , منطلقة من مبادئها التي عرفت بها نفسها اعلى الصفحة , فقد اخذت عهدا الا تسيء الى احد ولا تجرح خاطرا, فللسياسة والاخبار ميادينهما ومواقعهما وفرسانهما ....
وفي رد على طلبات من بعض المتصفحين بادلاء المدونة دلوها في ما يجري اليوم في الوطن من نزال بين المعارضة والموالاة , تكتفي المدونة بالقول ان الكلمتين مصدران على وزن مفاعلتن من فعلي (عارض  و والى ) وكلاهما على وزن (فاعل) ويصح من هذا الوزن وزنان للمصدر هما (فعال بكسر الفاء مثل وافق وفاقا ) (ومفاعلة مثل خاصم مخاصمة ) , وقد انقلبت اللام  في موالاة الفا لانها ياء مفتوحة وجاء ما قبلها مفتوحا (موالية = موالاة= مفاعلة ) هذه هي القاعدة المبسطة لنا معشر المبتدئين بعيدا عن تفاصيل وتدقيقات اهل هذا الفن....
اما موريتانيا فهي الوطن والحمى ونحن لها الفدى , نرجو ان يصونها ابناؤها كما مات اسلافهم في سبيل حريتها , املنا ان يؤمن كل الموريتانيين ان الوطن امانة مشتركة , وانه يسع الجميع باختلاف مذاهبهم واعراقهم وافكارهم...
ونرجو ان يتمسك الكل بثوابت الامة : الاسلام , الوحدة الوطنية , واللغة العربية بوصفها لغة الدين لا لغة الجنس...
والاسلام دين التعددية قبل ديمقراطية الغرب ....فقد تعددت القراءات...وتعددت روايات الحديث...وتعددت المذاهب الفقهية...وتعددت المدارس النحوية الخ...
 وطني ليس وظيفة سامية , او منصبا كبيرا ان اعطيتهما رضيت وقلت عاش الوطن ...وان حرمتهما سخطت وقلت لا للوطن....وطني ليس صفقة مدرة لدخل جيبي , مضرة بدخل قومي , اصفق واطبل ان وهبتها , و العن الحياة والوطن ان حرمتها ....انا لا اختزل وطني في مكسب وغنيمة , فهو اكبر واعظم واغلى من كل شيء ...ليس وطني قماشا اخيطه بحجم جسمي , بمقاسات ابعاد قامتي , بعرض اكتافي وتدور راسي ...انا قزم ووطني دنيا اكبر من جوغرافية افكاري وتضاريس رؤيتي ....وطني انقى من اوساخ اطماعي  ...وطني هو وجودي وحريتي وامني ...انا لااحب وطني لتقريب وتولية , ولا اقلوه لعزل وتصفية , وطني يجب ان يبقى مدارج صبا اطفالي , ومسارح انعامي , وملهم افكاري,  ومفجر ينابيع عطائي ..وطني صرح تاريخي عملاق يتربع على عرش من كبرياء , واركان من شموخ ورفض واباء ....وطني حاضر جميل يتنفس عبق البطولات و التاريخ الوضاء , جبار الاصول تليد المنبت , وطني نور تدفق ذات  يوم في عرصات الحضارات الكبيرة  ليصنع من عظمة جذوره الممتدة في اعماق لا تسبر , ومن عز حاضره ومجده الاقعس  مستقبلا من رخاء ,  ومنارات من ثقة وطمانينة وازدهار....
وطني منابر حق وصدق ومحبة للجميع...محاريب عرفت اخبات الاتقياء والصالحين ....وطني تراتيل , وخشوع , وتجاف عن المضاجع  للتفكر في خلق الرحمن....وطني معركة وازدحام لزرع قيم الفضل والاخاء والتسامح....وطني عرق تصبب من جباه شريفة ليغرق الوهاد والانجاد ويخلق حياة العز والكرامة .....وطني سهر, وجد , وقهر للتراخي والتكاسل ليفجر بحار علم تهدر امواجها فوق كل ربوة , وجبل , وتكتسح كل منبسط وسهل لتحيي رميم تراثي وتنير دروب الماضين على سبل الخلق والبذل والوجود....
وطني عطر محابر المحاظر وصرير اقلامها , وطني صهيل خيل الفاتحين , وحنين نوق الصحراء ...وطني اثمان , واقفاف , واشعار تدوي اذا هدا الليل و نامت نجومه في احضان بدر مهيب وسط سماء صيف صافية....وطني كلاب تنبح في الهزيع كلما اقتربت سابلة الليل من زريبة غنمنا....وهو اذان السحر , وديك الحي الغربي يصيح لفجر كاذب.....
وطني نغم جميل تردده زهر الليالي في كل واد من اودية الحياة الطاهرة....وطني نفحة ندية تهبط مع كل غيمة تجرر اذيالها فوق تموجات رمل بري ابيض...
وطني عناق ابدي بين ضادي ودالي , بين سوادي الفاحم , وسمرتي الداكنة , وبياضي ...هو خصوبة تنوعي , وانصهار تمايزي , وتوحد تعددي......هو اشهد واسهد , هو اسأل واسعل , هو 1+1+1+1 = 1 هو اربعة تساوي واحدأ .

المرتضى محمد اشفق

الأحد، 6 أكتوبر 2013


حكايات محمذ سالم
المرتضى / محمد اشفق

لم يبق رمل ابيض او اسود الا غرس فيه محمذ سالم رجليه.....وحل فيه قصره...زاحم نينان محيطات الاطماع فابتلع مرجان البحر وهياكل السفن الغارقة.....صارع قردة الغابات على "تيفنكران" فالتقط السليمة والعوراء....طارد الكلاب والنسور عن جيف الاعنز الجرباء ....غالب الخنازير البرية على بقايا شوك القتاد المتوارية بين حجارة الاجداث, فتشققت اشداقه وسالت الدماء تخضب لحيته وعارضيه .....لزقت بين اصابعه اشساع النعال لمواصلة الترحال....ولصق ذقنه على ترقوته من طول ما نظر الى اسفل ليرى درهما تسلل من تكة بخيل...لاحظ جلاسه على وجهه مسحة حزن وجهومة حتى شبهوه بابن قزعة الذي يقول فيه بشار:
ولا تبخلا بخل ابن قزعة انه            مخافة ان يرجى نداه حزين
رغم جده المجدب , وحظه العاثر , استطاع محمذ سالم ان يحافظ على هندام مقبول ...دراعة من بزاه (درجة متوسطة )....نعلين ينتميان الى اعلى السلم الطبقي للنعال....ساعة يد يجعلها في يمناه لانه "امعسر" وهي صفة يزعم انها للموهوبين والعباقرة....يدعي ان له صداقات واعمالا مع اجانب ....يحرص على لبس البذلة في المدينة , ويدعي انه استوردها من "الخارج" الى ان جرت سفينة دعاويه بما لا يشتهي , دخل احد اعضاء حلقته في "لخيام" عليه في حانوت لبيع "افوكوجاي" ورأه في غرفة تجريب الملابس....فبادر – وقد سقط في يده قائلا – هل تعلم يا فلان ان اللباس الجيد لا يوجد الا عند باعة الملابس القديمة , انا والاروبييون وبعض العرب اكتشفنا ذلك منذ ايام......
محمذ سالم رجل ناقم ...يضمر حقدا لم تسطع الليالي الباسمة ان تمحوه من قلبه...مثلا يبتهج كثيرا اذا علم ان احد اقاربه اواصدقائه ماتت له بقرات ....او سطا اللصوص على تجارته فتركوها اثرا بعد عين....او ان احدهم عزل من وظيفته...
هو محارف مكدود , لم يفلح في حرفة .....له زاد علمي محظري وعصري لم يجلب اليه منفعة....لذلك راى ان الدنيا الحقيرة الغدارة تبخل عليه بنعيمها ....وتضن برخائها الا على الذين هم اراذل الناس وشذاذ الآفاق...كان جلاسه في الغالب يصغرونه سنا و علما ....وكانت احاديثه المسترسلة واحكامه وفتاويه التي يطلقها دون اكتراث بالدليل - لانه آمن في مجلسه من الملاحقة العلمية - تسحر هؤلاء البسطاء وهم يشاركونه كراهية اهل الحظوة والمنعمين... كان يتلذذ بتشويه من يرى انهم اسعد منه حظا  , يتمنى ان تزول النعم عن اصحابها  ويراهم غرقى بين المصائب والنقم ...وكان ينتقم لنفسه باذاعة قصص يطمع ان تكب رجالا بسمت لهم الايام , - وأرته هو عبوسة وجهها- على مناخيرهم في وحل الفضائح والرذائل...
وكثيرا ما ينطلق بعد حران ,  وينبجس بعد رشح ...طبعا لسانه لا يده ...
قدم ذات يوم من المدينة , بعد سفرة بائسة استعمل فيها ما أوتي من اساليب الاستجداء المدعوم بالاقذاع , اطلق لسانه يرعى في اعراض القوم , ويطعس كل عوراء من الكلام ....قاء كثيرا ..ولطخ اسهال لسانه كل بر بريء لكنه كذلك لم يفلح فى التصيد  بالسباب والارجاف....
قال محمذ سالم وقد قرر ان يأخذ بثأره ممن ضحكت لهم الحياة , بكشف ما اخفته الليالي ووارته الايام , قال وهو يعرك جمله :هل تعرفون "احميميد" الذي يدعوه القوم اليوم زعيما , ويتسابق رجال المسجد للسلام عليه ؟ هذا كان ياكل لوحه ....كررها , لما راى الحيرة طافية على وجوه المتحلقين حوله...فتابع : كنا عند لمرابط نيفا وثلاثين نفرا , وفوجئنا ب"كتبة" احميميد تصبح كل يوم ممحوة من لوحه وتحل محلها آثار غريبة كأثار أخفاف الحيران على الحصباء الناعمة - ذلك ربما لاتعرفونه انتم اهل هذا الزمان - هي اذن كرسم بزاه الصين الذي يلبسه الملعون "اسويد"هذه الايام .....فقال قائلنا ان الجن تسري على لوحه ...وقال بعض ان الجن تخاف من القرآن.....هددنا لمرابط واتهمنا بالكيد ل"احميميد" رغم انه لم يستطع حفظ سورة البينة, حتى قال له لمرابط انت شقي , هذه السورة لا تمكث في صدور الاشقياء....رغم ذلك توعدنا لمرابط وهددنا , وكان هو الآخر خائفا من تكرار الظاهرة.....حتى اكتشفنا انه خلال ذلك الاسبوع نفد الصمغ الذي كان لمرابط يصلح به حبر الكتابة , فعوضه بقطعة صغيرة من السكر ...وكان احميميد ينزوي بلوحه ليلحس كتبته يتحسس طعم السكر...هل رايتم هذا الحقير القبيح  ؟ انه يمتلك السيارات والقطعان والفيلهات الجميلة...هذه ليست حياة....وهذه ليست دولة...
وهل تعرفون "امحيفيظ" الذي يتقلب  بين المناصب السامية اليوم , وتزاور عنا وتقرضنا ذات اليمين وذات الشمال ؟ انا الذي غششت له في (لبريفى) ...وعند الامتحان يكرم المرء او يهان , لقد حللت له تمارين الحساب , واعربت له الجمل , وكتبت له القرآن على كمه...كان دائما ذيل الراسبين.....ولما كنا في الابتدائية كان يسبق فرق الكنس الى الفصل لياكل "عداتنا" وهي سبحات طويلة من "امبسكيت" والتمر الرديء الصلب ينظمها المعلم في خيط ويعلقها على جدار الفصل ليشرح بها دروس الحساب , كان امحيفيظ ياتي الكسرة والتمرة من اطرافهما حتى لا يبقى منهما غير الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلك , كان شيطانا ماهرا في صنعته كنا نسميه "الفار" ...اريتم ان مثل هذا لايستحق ان تعينه الدولة في منصب....لكنها الدنيا الدنية التي لا تزن عند الله جناح بعوضة.....هذه ليست حياة...وهذه ليست دولة....
هل تعرفون "امزيدف" صاحب الحظوة والمقام والحوانيت على رصيف العاصمة ...وقد سمعتم ان والد خديجة فضله علي , هذا الرجل أغرل..وعند الختان يكرم الرجل او يهان..عندما اكمل الشيخ محمود عمليته ....وجاء دور امزيدف صاح مغضبا :....هنو ابنكم لا تدركه الابصار , ولا تقدر عليه المناقيش....انا لم ار الا نتوء دقيقا كلسعة البعوضة خلتها اولا حبة من "لحمير" ملتصقة اسفل بطنه  ..هذا بنت .. انا لااختن النساء...فردت والدة امزيدف غضبى : ابني طفل نبيل ذوحسب ونسب وليس مثل هؤلاء الحمير وابناء الزناء...
امزيدف يا اخواني ولد خداج...القته الرحم بعد ان خافت من صورته , هل ايقنتم ان الحياة اليوم غدارة فاجرة ..هذا العنين الاغرل يقيم في كل موسم عرسا تغني فيه الملاح حتى الصباح..هذه ليست حياة..بطن الارض خير من ظهرها للرجال الاقحاح...لا حت الطلائع الاولى لفجر جديد ..انفض المجلس ...وتفرق القوم , وانهم ليحنون الى الاستزادة من احاديث محمذ سالم...



المرتضى محمد اشفق

السبت، 21 سبتمبر 2013


المرتضى محمد اشفق


الرحالة موهوب (1)


اسرج حصانه وغافل قمرا قوسته تسع عشرة ليلة من الادلاج المتواصل , حجبته جوابة آ فاق من سحب لا تكاد تؤنس حتى تيئس ...عابرة للقرى والارياف لكنها  تختفي بسرعة وقديما قال كثير عزة 

واني وتهيامي بعزة بعدمــــــا     تخليت عمــا بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما     تبوا منها للمقيل اضمحلت

...سحب رقيقة وشفافة كملاحف صبايا ليالي الصيف...لكن عشاق السرى يحبونها ويرونها سميكة انخداعا لداعي الغاية ...وانتهازية النهم وصاحب المشروع الميت.....
غادر موهوب مضارب قبيلته ويمم اللاوجهة محددة ...عدا الحصان ملء فروجه....اشرقت الشمس ...واعلمت التائه المتحمس بحرارتها الشديدة....انذرته عبر اشعة كانت تختلس المرور بين بقايا سحب الليلة الماضية التي بدا جمعها في التشتت والتلاشي كمهرجان شعبي يخطب فيه عيي والشمس في رابعة النهار..و كمصلين غالبوا الاستماع الى محاضرة في التركة بعد احدى جمع ايار..في وادي ذات الافاعي حط سرجه ...وفي ظل "طلحاية" عجوز جلس واخرج من جرابه ورقة فيها مكتوب متعرج السطور كآثار نملة عرجاء...قرا ثم اخرج ادوات حلاقته وارسل على لحيته اعصارا جعلها كالحجر الصلد الاجدب بعد ان كانت غابة من شعر...اخرج سيجارة ...ورحل....تمتم: صرت مقبولا بينهم ....استقبل موهوب بحفل كبير وثناء كثير فهو الحسيب النسيب...العالم العامل..المثقف المتوقد....والجهبذ العبقري....والسياسي الواعي....انه غمامة مباركة تداركت ضعف الصدي...كابد كبت خواطر متفرقة ازدحمت في صدره ...الجم بعسر قهقهات ساخرة كادت تفضحه وهو يسمع الثناء عليه من علية لم يحلم بان يصافحوه ....لكنه لجا الى حيلة غريبة..استحضر قطيعه الذي فقده ...والذي استنتج منه ان هناك لعنة اسمها المطر ...تبيد القطعان ان حبست وتقضي عليها ان ارسلت....فغلب الحزن البشارة....اطرق اطراقة المفكر الشارد في اجواء الحيرة والشك...او ان شئت اطراقة حمار يستظل ضحوة بجدار بيت خرب يخيل الى رائيه انه يفكر في ازلية الكون وابديته....لقنوه ما يجب ان يؤدي من ادوار...كالخروج من القمقم القبلي والديني والثقافي....فمن التخلف والحيف ان يظل موهوب غير موهوب يحشر فكره المتنور وءاراءه الحرة لتبقى راكعة لوثن القبيلة واله العلوم التلقينية , كما كان يفعل هو "ل اماكليف" كلما ضعفت شهيتها عن العلف  ...كان يحشو بطنها مستعينا بالماء وبعض الاصحاب في عملية عدوانية راحمة...غلط  مرة في حديث تعبوي امام جمهور بسيط فقال : هيدال ولد داداه ولما صوبوه صب لعناته على الدولة وعلى الحاضرين وقال همسا لا يهم كلهم سواء ....الاعيان لا يميزون بين الرجال والنساء...
لم تمت في موهوب نزعته البدوية بعد , فما زال يكشف المستور , ويذيع احاديث الليل والسر...وما زال ضعيفا امام صوت الانثى ..يرمق اعجاز النساء باعين قذرة....اعطوه الميكروفون مرة ليذيع بنبرته الجهورية بعض الوعود لجمهور مختلط.....لاحظ ان جمع المؤنث السالم غالب على الجموع...فقال انه التقى "ماري تشوي" وهي في الطريق لتمويل مشاريع نسوية مدرة للدخل...غمزه احدهم مصوبا ....فارعد الطبل وقال هكذا كان يفعل زعماؤنا المحليون من قبل.....واضاف ان بعثة طبية يرأسها "بوتن" وبعضوية "شيراك وميشل ابلاتين ومسي وكوفي عنان " قريبة لاجراء عمليات العين والانف ....دوى التصفيق وفاجا موهوب , فارتعش ولم يصدق ان حناجر القوم بحت بالدعاء والتمجيد....فكاد يصدق ما قال وشرع يصفق لنفسه.....
في قاعة الاستراحة علل موهوب لرفقاء البعثة الحزبية انه عمد الى تلك الاسماء ليكون مثقفا...وهو لا يعرف من تكون ...حفظ بعضها من الاطفال والآخر من خصم صديقه العائد من الخارج...وقد اكتشف بعد دربة وطول مراس ان الشعب تسحره اسماء النصارى واستعمال الكلمات الاجنبية  وان كثرة الاستشهاد بها اكبر دليل على التميز الثقافي والحظوة في امتنا الغالية.....
ثم بدا لفارسنا انه لم يخلق للسكون والقرار ...وكيف يالف البدوي طول مكث في الدار....اليست الصحراء الشاسعة ميدان ترحال ...ورمزا للحرية والانعتاق....
اطلق لجواده العنان ...فتحرر بعد حبس..وتنفس الصعداء.....وطوى الارض ميلا...ميلين...عشرة اميال ثم اختلط الزمان والمكان واستحال العد.....في وقفته قرب قطيع بقر تحلق يندب فقيدة لعلها كانت ذات شان وقرن اخرج ورقته ....وقرر المكث حتى تتبدل حاله.....استوحش وجهه وهو يرى في المرآة شيخا وقورا يصلح ان يكون له اتباع وان تقدم له الهدايا والنذور....فاطمان وقال مخاطبا نفسه بصوت مسموع : " الثانية بقي كم ؟ ثلاثة اواربعة لا يهم العدد الآن"....وجد نفسه مسبوقا باثنتين...فاكمل الفائت ..لكنه تذكر انه سها عن تفقد صلاتهم هل يقبضون ام يسدلون....قرر ان يجمع بين القبض والسدل .....اكرم موهوب مرة اخرى وصيغت بيانات محكمة النسج بتثمين التحاقه...فهو العالم بن العالم ...والقلمس الثبيت.... القدوة الفهامة....والمتخطرف الخانر كما قدمه  احدهم بلغة "فيروزآبادية"....واستحفظ ادوارا بدات سطحية ثم صار موهوب مفكرا محللا وخطيبا مفوها.....كان يكثر من التلاوة ....يبدا شطر الآية جهرا ثم يخمن نهايتها سرا مع انين طويل كالضارع يرى جهنم تلقاء وجهه....في احدى اماسيه الدعائية تحدث للناس عن عظمة القائد الكبير "مراد علم دار" وكيف وقف امام النصارى في معركة عين جالوت ...حاول احد مجاوريه على المنصة ان يصوبه فقال انا لا اعرف هذه الاسماء لي طفل صغير "يهدرز" بمراد ولي ابن اخ يقرا التاريخ سمعته يقول حطين وعين جالوت...لكن المهم ان يدرك القوم اني عالم ومثقف عالمي وهذا كما تعلم زمن "الحراقة" ...وانا عضو في التجمع الموريتاني "للحراقة" وفيه كثير من علماء البلد وادبائه وشعرائه ....
تمهر موهوب في قنص الجمهور من الصف السفلي....وكانت سهاراته الدعائية مشوقة ...كان حسن الصوت ...قال ليلة لبعض السمار انه في بلاد الافرنج جعل قدمه اليسرى مباشرة على خط "اكرينتش " الاحمر وكان يبدو كعرف ديك فرنسي...
واصاب موهوب الدوار ...ومل التقيد ببرنامج محدد .....فتابط  جرابه وقرر الرحيل....وما احوجه للنجعة وقد استبدت آلهة القحط وبسطت سلطانها تاكل الخلق ناحلا وسمينا.....ادرك انه اشتهر وانه لم يعد بحاجة الى هوية مظهرية .....وقال في خطبة الوداع : ايها الناس اسمعوا مني ابين لكم ...والسلام عليكم ورحمة الله .....
في طريق عودة موهوب استوقفه رجل في لباس غريب وساله من تكون ؟ فاجاب موهوب : انا حقيقة هو انا كما تراني لا انقص ولا ازيد...هل انت اعمى يا رجل ؟
الرجل  - قدم بطاقة هويتك
موهوب – انا اشرف واشهر من بطاقة الم تتابع التلفزون والاذاعة ؟
الرجل -  نعم هو انت اذن
موهوب – لا انا لست انا ...من تعني ؟ قل لي انت منهم ام منا ؟
الرجل – وانت منهم
موهوب – نعم انا منا
الرجل – من ؟
موهوب – الذين انت منهم سواء لم اكن منهم ....فمن هم؟ اريد ان أ ؤخر جوابي عنك هل تعرف " انكام " في كلام "البيظان" اذن " انكام"
الرجل- انا منهم
موهوب – انا في الحقيقة لا اعرف من انا ولا غيري يعرف من انا......انا تارة اكون انا وتارة اكون غير انا الذي هو انا ....مثلا اسمع هل تعرف الوجيه ....هل تعرف الاحزاب السياسية ...والطوائف القبلية ...هل سمعت بالمعارضة والموالاة؟؟؟؟ فانا الذي لست انا انتمي اليها جميعا , وانا الذي هو انا لا انتمي الى شيء لاني دعي سياسي ..ولقيط فكر وجدني الناس ذات يوم في بركة "آمنيزير" .. .........فهل عرفتني يا رجل؟؟؟ ....لقد علمتني تجاربي ورحلاتي ان الرجل لا يتوقف عن الحركة الم يقل الشاعر:
سافر تجد عوضا عمن تفارقه   وانصب فان لذيذ العيش في النصب
اني رايت وقوف الماء يفسده   ان يجر طاب وان لــــم يجر لم يطب
ونحن مطالبون بالانتشار في لارض والابتغاء من فضل الله قال تعالى (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله)....اما التوقف فدليل الموت ...والاستقرار صفة القبور...والدور....و نحن احياء نتحرك لنعيش ...وليس لنا وطن محدد ..فالوطن المحدد هو السجن والقيد ...وطننا  حيث يكون الرعي والماء والصحراء الواسعة والافق الحر....وقد رايت بعض الاغبياء يستوطن حزبا معينا او جماعة محددة وهذا عين السخف وقلة الفهم وقصور الوعي...قدرنا ايها العاقل الالب ان نظل في حالة ترحال كلما اجدبت دار بدلنها بدار مخصبة ...وكلما اجدب حزب قربنا اجمالنا ورحلنا الى حزب ادسم طعاما واسخى يدا.....فانا كما ترى وسمعت هو كل هؤلاء لا تسعني ارض ولا سماء ولا منصة ..ولا لون ...والتلون ميزة الحذاق الذين رضعوا الدهر اشطره ...اما الشقي في هذا الزمان فهو المتخلف عن ركب المحظوظين ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما ينشد في مرابع المغفلين اشعار عنترة ولبيد وابن الطلبه , ويلقي على الدمن والاثافي ارجازا واقفافا بتمجيد الضمير والتشبث بالمبادئ والقيم السامية.....ان ذلك هو الخسران المبين..قل لي : هل رأيت قصرا فخما شيدته المبادئ ؟ هل رأيت سيارة راقية جلبها نقاء الضمير ؟وهل رايت قطعانا تملا مابين "آفطوط  الساحلي وفم لكليته" وفرتها يد مغلولة عما تسمونه المال العام.....ومذهبي ايها الرجل  هو ممارسة السياحة السياسة بالانتجاع والترحال لذلك ترى حصاني مسرجا ابدا....واحزابنا السياسية التي تفوق احزاب القرآن الكريم عددا كلها تسعى لبناء الوطن وحماية الوحدة الوطنية والتشبث بالاسلام....هي جميلة ومتجانسة في طرحها النظري....اما زعماؤها فهم من خيرة ابناء الوطن ....ان جئتهم اخجلوك بالثناء والتبجيل , لكن – هل انت مصغ الي ؟- اياك والعجلة فكلما تباطأت ظنوك تستشير عقلك  فابق ردحا من الزمن في منطقة التردد والتحري مفتعلا انك حرون اذا تعلق الامر بالبحث عن الافكار المقنعة والطرح السليم , سيتتدفق اليك المال تحت عناوين مناسبة تقيك الشعور بالمهانة والاذلال ..سيقال لك هذه هدية متواضعة يشرفنا ان تتقبلوها منا فانت شريف لان الشرف من الام وخالة "نسيبتك " ارضعتها "لوادية" تدعي انها كانت ماشطة احدى الشريفات....وهذا يساعدك في ما تجود به على اتباعك المتحمسين لنا.....ثم امكث طويلا مع المؤلفة قلوبهم فهم ايضا اصحاب حظوة واكرام......واسلل لسانك على كل من تأمن شره وبوائقه حتى يخافك الاقوياء والكبار, فتنحل صوبك صررهم ,وتتدفق اليك دنانيرهم.....وجرد قلمك فهو كلب صيد اهل المدينة ,وأرسله خلف كل صاحب مقام يتتبع عوراته ويكشف سوآته ...وتقوَل عليه ان لم تمتلئ معدة قلمك من نقائصه, ثم ترصده وغافله بزخات متواصلات من قيء قلمك تدنس بريقه وتعفي نضارته ....سيبتغي اليك الوسيلة ناطقة وصامتة , سمها هندا وقل ماقال بن حامدن رحمه الله:

مشت بيني وبين الشعر هندي   وهندي املح الشفعاء عندي

عفوا قبل ان نفترق  هذه محفوظات قد تنفعك ان وعيت وصاتي وهي سر حصاتي : جمال عبد الناصر..سيد قطب...البناء...ميشل عفلق..صدام حسين...لينين....كاسترو..القذافي...الربيع العربي......سانكارا...السلفية.....مبارك.....الصين....جفارا....حماس....نجدة العبيد...الاعتصام....افلام....الشرعية الدستورية...النقابة الوطنية للاحذية المسروقة.....رابطة هواة قتل العصافير....جمعية تشريع عقوق الامهات......نادي القمامة الوطنية....المؤسسة الوطنية لبيع حليب النمل..المنظمة الخيرية لمحاربة الصلاة في المساجد....

المرتضى / محمد اشفق


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013


محمود في القصر
المرتضى / محمد اشفق

..شيد القصر باحدث المعايير المعمارية , وجهز باثاث اسلمه بحر الى بحر , ومحيط الى محيط ....ارائك وحشايا وستائر جزلة الغزل , آسرة النقش , زاهية الالوان....دواليب رقيقات الحواشي تعصبها سبائك دقيقة متراصة من الزبرجد الصافي , تتوسطها مرايا من البلور الناصع ,  وثريات زمردية تتدلى  من السقف المزيف في قداح مرمرية بديعة الاشكال , ترسل اشعة قزحية  في بخل مدني محكم ....وفي بعض الزوايا كومات من نفائس المتاع لم تعرف "افاتو" بعد طريقة استعماله , ما زالت تنتظر من صديقتها في مدريد مهاتفة ب"كود": التشغيل , الجدران تبرق من آثار طلاء عجيب تداخلت فيه الالوان المختلفة كانها تتنكر حتى لا تحدد هويتها , التلفزيون فن فريد انجزته امهر انامل التكنولوجيا وارقها ذوقا , ضامر كطاوي عشر , يلتصق بالجدار يعوذ به كالخائف من عدو مداهم....لكن محمودا وهو شقيق المختار (صاحب الدار) حل ضيفا ليصل رحم اخيه وقد فرقت بينهما الايام , وساقت كلا منهما الى منكب قصي من مناكب الارض ..... هو رجل نحيف , طويل اللحية كثها , شيبتها شمس الصحراء ونفنف ايار , آدم البشرة تتناثر فيها مساحات صغيرة هي اطلال لون فاتح استوطنها ذات مرة , رقبته كجذع شجرة المراح تعلق عليها السرج والحبال , وقيود الحمير , وارسان الخيل ..والمحاليب....نعم في رقبة محمود سيور ممعوسة كالانساع يتعلق ببعضها غمد موساه , وببعضها محفظته الجلدية التي تحوي وثائقه وقلم الرصاص الصغير , وغير بعيد نسع آخر يتدلى منه غمد طويل رقيق هو ملم المسواك , مع مكتبة من التمائم المتفاوتة الاحجام , بعضعها محفوظ في اطار نحاسي والاخر في غلاف جلدي سميك ...اقعس الظهر كمن يتوقى سوطا ثانية , و كا لمتشوف ابدا الى طلائع قافلة الزرع القادمة من شمامه....سحب خنشاته الثلاث وصب متاعه على الزرابي المبثوثة : امداد ا من طحين النبق , واخر من كسكس البادية المجفف , كومة من مساويك الاراك والبشام .ثم رزم من عيدان مثقفة , منزوعة اللحى , ناعمة الملمس.....هي هداياه الى اخيه وزوجه وبنات اخيه الثلاث ....سال الغبار الابيض الناعم غزيرا على "التراكي" والحشايا المتنفسة برائحة المصانع الراقية ...كان محمود لكرمه البدوي مصرا ان يحفن حفنات يدسها في جيوب الداخلين كبارا وصغارا قائلا (كلوا , هذا حدثني من لا اشك في امانته ان "اوفى" رحمه الله اخبره انه هاضم جيد).......
في المساء عاد المختار وافاتو من العمل ليفاجآ بمنظر غريب في هذا القصر المشيد.....استشاطت افاتو غضبا ودعت زوجها الى اجتماع عاجل في غرفة النوم لمناقشة قضايا خطيرة تمس الامن العام والاستقرار في حوزتهم الترابية.....فمحمود صورة نشاز مقززة في المنزل ولا يمكن مهما كانت الظروف والنتائج ان يبقى فيه , لا بد من تدبير حيلة سريعة لترحيله ...كيف تتحمل افاتو منظرا متخلفا لمخلوق غريب طويل اللحية , متسخ الدراعة خلقها , لا يغطي بطنه  , متشقق القدمين , متصلب اصابع اليدين , كلامه جلجلة , وضحكه فرقعة , كيف ستتحمل ان يراه اصدقاؤهم و ما ذا ستقول لصديقاتها عندما يتخذن من منظره تسلية وسخرية ؟؟ كان المختار وهو المعروف بالضعف امام سيدة قصره يهمس في استجداء مفتعل : لكنه اخي ..فترد المراة اياك ان تعيدها , انا لا احب ان يعرف زوارنا ان لك به صلة نسب , حتى بناتي ما كنت احب ان يعلمن انه عمهن.....على كل حال سنجعل له حصيرا في "الكاراج" بينما نكمل تدابير ترحيله , انسحب المختار مهزوما , لكنه توسل بكبرى بناته الى زوجه ان تقبل انضمام اخيه الى معلم القرآن في بيته , فهو لصيق "الكراج" ويخاف ان يراه احد اقاربهم فيذيع في الحي عقوقه....
كانت الليلة معتدلة الطقس , النسيم الرطب الخفيف يتسلل على استحياء من فتحات الستائر فيحرك خيوط الدخان الرقيقة السابحة في سماء الصالون ممزوجة بعطر خفي منعش , ويشتد تارة فيحدث وهو ينساب بين فجوات الاغصان صفيرا ضعيفا كاصوات هوام الليل الآتية من بعيد...
كان السمار من اصدقاء المختار وصديقات افاتو سارحين غائبين في جو تتخلله احاديث فضول منحطة , وخرجات من افانين الغفلة اغلبها اجترار ماتلوكه الشاشات الصغيرة من نفايات الفنون الرخيصة تتخلص منها كبريات شركات الافلام العالمية , كانت افاتو - اذا سكت اللغو- تعرفهم على مكونات اثاث الدار ومواطنه الاصلية....
دخل محمود جامعا طرفي دراعته بيده لان سرواله تحت وسادته وبدأ يسلم فنهض القوم للسلام عليه , فكانت يسراه على رؤوسهم تفرق شعر كل واحد منهم وتنغرس اظافره في جلدة الراس مباشرة , فيضيع على القوم جهد كبير قضوه امام المرآة للحصول على تصفيفة  عصرية انيقة , لكن الحسنات اهم من ذلك فمحمود مؤمن انه بقدر ما يمسك من شعر راس المسلم عند المصافحة تتدفق اليه الحسنات , اما يمناه فكانت تضغط على ايامينهم حتى تلمس الراحة الراحة..وما اصعب ان تلامس راحة محمود راحة مصافحه فهي مجوفة كنصف المحقن ..وبين وقت وآخر تفشي موجات الصبا سرا كانت تستره اطراف دراعته قبل ان يحررها محمود ليتمكن من تطبيق مراسيم التحية ....كان بعضهم يسترق النظر اليه فيغبطه على هيفه وضمور ثدييه ....جلس وشرع يسالهم عن قبائلهم , و اسعار النعاج في قراهم وعن سعر مد "تغليت" وليس الزرع الابيض.....وحدثهم عن تفاصيل حياتهم في البادية ....وعن انشغال اخيه الاصغر بالرعي والسقي عند البئر....اما امه فكانت غازلة وبر,  وناسجة بنائق الصوف والحصر, تضرب اليها ظهور الحمر وكانت رحمها الله تقيت عيالها بمداخيل ذلك العمل الجميل, ومنه صرفت على المختار ليواصل دراسته في كيهيدي.....ويواصل لكن الايام الجميلة ولت مع المختار ولد داداه , كما ولى البقر  الاحمر, والعوذ المطافيل.....
انسحب النساء الى الصالون الافريقي... فتذكر محمود امرا مهما عاد الى بقية متاعه , واحضر رزم العيدان الناعمة المثقفة المنزوعة اللحى , دخل على النسوة وقال خذي يافاتو هذا "مكرش" وهو واق من الحكة الداخلية لانه من شجر
 السدر, وقد تعلمين ان الماء مضر بالنساء "يدخل عليهن البرد" ..
وانتقل الى الصالون الاوروبي وفرق بقية العيدان على ضيوف اخيه وهو يشرح لهم , وهم لا يفهمون , فاستنجد باخيه قائلا : تعلم ان والدنا رحمه الله ما كان "مكرش" يفارقه في سفر ولا اقامة ...
لم يكن جو غرفة النوم في الليلةالثانية اصفى ولا اهدا منه في الليلة الاولى....بل ان ما بدر من محمود قطع الشك باليقين فهو لعنة نزلت بهذا البيت وحولت احلام ساكنيه الى كوابيس مروعة , كل ساعة تجيء تلد من بوائقه ما لم تحبل به الساعات الماضية .حمي النقاش وكان المختار واهي الحجة هذه المرة خصوصا بعد احاديث اخيه مع الضيوف...فهو حقا لم يخلق ليزور المدينة .فطباعه الغليظة وحتى شكله وتضاريس جسمه كلها منكرة في الحياة المتحضرة وما يزينها من "ماكياج" يطوع الاجسام والطباع ,يحتاج ليصاغ جسمه من جديد الى ان يفكك ويفرق عضوا عضوا ويشرف على اعادة تركيبه وتقويم المعوج من عظامه والناتئ من مفاصله فريق متخصص ماهر من النجارين والصاغة.....
بدا لمحمود - وقد خلا له الجو - ان يتفقد مملكة اخيه , ففتح الدار بيتا بيتا , واطلع على المطبخ وما حوى , والمخزن وما اخفى , وغرفة النوم وفيها حدثت واقعة كانت ثالثة الاثافي ....رأى رجلا يشبهه شكلا , يتقدم اليه باشا هاشا , ومد يده لمصافحته , فبادر اليه هرولة وبادله ابتساما بابتسام وحفاوة بحافاوة , ليجد نفسه يصطدم بمرآة دولاب الملابس و الحلى , فتنكسر ويسقط محمود والدماء تنزف كالشلال من جبهته....فما كان الرجل الا صورته في المرآة...
مصائب الرجل متعددة متنوعة....فبعد ان يخلد اهل البيت الى النوم وقبل ان ينقطعوا عن عالم الصحو يبدأ الاستغفار وانشاد ميمية البوصيري باعلى صوته ...فيفر النوم - وهو زائر ليلي حذر وجبان يطرده الهمس والنجوى ويرتعد فرقا من مناغاة الرضيع , فكيف  يواجه جند البدو ودوي حناجرهم - يفر لا من دار الاسرة المنحوسة  فحسب بل من دور الجيران ايضا....
وحان يوم الرحيل فحجزوا له في "امشامله" ضخمة , ركابها من جنسيات مختلفة : ففي منكبها الايمن  ثلاثون طنا من الاسمنت , وفي منكبها الايسر  عشرون طنا من انواع الحديد , وفي صحن صدرها تتربع خمسة مولدات بجوارها اعمدة ضخمة من اصناف الانابيب ...ولم يكن لآدم بين تلك الاحمال ولد سواه , فاختار راكبا آ خر لا يثور غباره كالاسمنت , ولا ترتفع ضوضاؤه كالحديد....هو جار هادئ الطبع , طويل الصمت , مطرق كالمفكر في العواقب ,  يجثم على سرة الشاحنة , رتب محمود متاعه وخنشاته وقد حوت اعدادا من دراريع اخيه المصابة بداء ثقب الجيب وهو شيب الدراريع المنذر بدنو اجلها , وبعض الاقمصة المتساقطة الازرار, ونعالا نسائية  غير متجانسة تخلصت منها زوج اخيه ....فاطمأن الى جواره وانس اليه , وتمنى ان يقتبس الناس من اخلاق "صمبطل" ...