الاثنين، 30 يناير 2012



 الحساب الصحيح

بدا الزمن صباحا كالعادة  ..في الصباح غير الباكر استيقظ..فرك عينيه وتامل في الدنيا كانه لم يكن رءاها من قبل , فركهما مرة اخرى فاذا الدنيا كما يعرفها..انها هي بالتاكيد , لعن امس وشتمه , حاول ان يطوي سجل ذاكرته , ابعده , عانده , وجاهده وما كاد يمحوه من صفحة فكره  ..نهض نشيطا وهو يقول لنفسه : لك الساعة التي انت فيها والماضي عيب , لك الساعة التي انت فيها والتي تليها...
مضى لان حكمة العصر التي حفظتها العامة هي ان هذا هو عصر السرعة...نظر الى سيارته فاعجبته , ارتاح الى نظافة مظهرها ...فتح الباب جلس على مقعدها الوفير بجسمه الثقيل فزايله تعب الدنيا كله ...نظر في مرءاة السيارة لكنه ساءه مظهره وشعره الاشعث..لعن نفسه لانه فقط لم يقتنع بعد –لقرب عهده- بان السيارة هي الصورة الشمسية الملونة او غير الملونة ..وان الوظيفة هي تاريخ الميلاد وان المكتب هو محله....انطلق بالسيارة مسرعا كي يجمع اشتات بطاقة هويته الممزقة... وصل , اغلق باب السيارة بلطف ورحمة ثم سار الهويناء ...وفي خطا وئيدة دخل المكتب ... غشيه نسيم لطيف كانسمة الصبا انساه عصف الدبور..تمدد على المقعد , وتاوه طويلا لان عليه واجبات كثيرة ومواعيد عدة ..ادرك انه ما من بد من ان يكون له في هذا الزمن ثلاثة عقول..اربعة..خمسة..اواكثر, ليدفع الزمن والسرعة , ليجمع المال ويدبر الاعمال ..للسياسة والدين والاجتماع ..رتب اموره واقبل على عمله..عمله هو..ذاك الذي جاء من اجله ..باخلاص..انقطع عن العالم وهو يفكر في الحكمة القديمة الوقت من ذهب....تبسم وهو يقول في نفسه كلا بل هو من فضة.....
مضى الوقت سريعا  لم يكن تناول الفطورولكن بطنه ممتلئة , واقتابه مندلقة....ومن تحت قذاله يسح عرق دسم يجزم من رءاه انه قد شبع وارتوى ...يقسم لقد اكل كل شيء في المكتب ..الاوراق...المقاعد والسكرتير..لم يكن يدري ان الساعة ازفت الا عندما نظر ساعته ... كان خارج الزمن , لا يشعر بالوقت , اعتبر ثم ايقن ان الاعوام والايام كالساعات , لا فواصل بينها ولا حدود , وان تلك كذبة فضحها العام الفان..ولكنه الاحساس يكون كالزمن...استدرك مرة اخرى وهزئ من نفسه وهو يتفلسف ..اعترف بحقيقة الساعة الثالثة  ...خرج من مكتبه , محل ميلاده  مرتاحا كبطة عجوز ..امتطى السيارة بهدوء ..ساقها ببطء وعلى طول الطريق فكر في بقية يومه وفي حساباته ووعوده..وصل...نزل من السيارة يتابط  حقيبة حبيبة اليه ..خلع ثيابه ثم جلس على الوطاء ...شعر بكل تعب الدنيا ..شهق حتى امتلا صدره ثم اطلق زفرة طويلة كزفرة بقرة الخريف...


                                                 الاستاذ / الحسين ولد احويبيب

الجمعة، 27 يناير 2012


من ايام انواكشوط
المرتضى / محمد اشفق

المكان شاطئ المحيط الاطلسي ... الشمس تخلع آخرثيابها الداخلية لتغرق فــــي المدى اللامتناهي وتمتزج حمرة أشعتها المودعة بزرقة البحر الهائج ، الناس علــــــى الشاطئ بين هيط وميط  , نزل من السيارة ليرى البحر لأول مرة في يقظته، نعم ليراه حقيقة لاصورة شعرية أو لقطة  دعائية على الشاشة الصغيرة، سار فـــــي خطى الواثق من نفسه الذي تعود زيارة البحر وتعوده البحر ، وخيل الــــــــــيه أن ولد آدم كلهم قد حضروا ليشهدوا النهار يحتضر ويجود بآخر انفاسه وانهم يتأهبون لتشييع جنازته، راى البحر غولا يبتلع  الشمس رويدا رويدا ,  البحر دنيا العجائب والاسرار , امواجه المتصارعة مع نفسها هي لغته ورسائله  الى زوار الشاطئ , تخلق فيهم مزيجا من انس ووحشة , من انجذاب وخوف , من متعة واضطراب...
الفتيات على الشاطئ عابثات لاهيات، هذه تنزوي فـــــــــــي  حجر ربوة صغيرة مع أنيس يتدفق من فمه الدخان كبئر نفط تحترق، وتلك تسير حافية القدمين فـــــي مشية إوزية ساذجة، وهنالك شابــــــات أخر أشد عبثا يتناولن كــــــل مار بنكتة وشغب، اماهو فقد مر بسلام ولعله لم يبلغ عندهن مستوى الـــنكتة فضنن بها عليه اذ كل مايظهر منه صارف عنه ، نعلاه حديثتا عهد بإصلاح وتجميل الا أن رطوبة الــــبحر وانغراسهما في الحصباء الرخوة مساهما بعطب يتطلب علاجا مستعجلا، هكذا استفاد مـــــن سوء الــــمظهر ورثاثة الـــــحال , فقد نفعاه في هذه اللحظة الشعرية كما ينجوالسفلة من ضرائب الشرف الــــــقبلي، تقدم الـــــــى البحر ,  بل ان ألسنة أمواجه كانت تلحس قدميه لحسا خفيفا ومسرعا فيه حذر شديد ، فساءت الحالة الصحية لنعليه واحتاجتا الى اسعاف عاجل .
وقف على الشاطئ وراى البحر وامواجه ورأى المساء المتسارع مع هدير الأمواج ، وحانت لحظة القفول فعرج على الاحمدي والميناء وسوق السمك ورأى مستخرج الملح.
وفي الصباح كانت الــرحلة الى البنك وثم التقى ولد حامد وزميلا ءاخر وكان من نعم الله على ثلاثتهم  أن زائرات البنك في ذلك الصباح لما راينهم لم يكبرنهم ولم يقطعن ايديهن قائلات حاشا لله ما هؤلاء بشرا ان هؤلاء الا ملائكة كرام  .
كانوا بين تلك الجموع التي يتنفس فيها النعيم والبذخ والموضة , كرعاة بداة يجلبهم مسترعوهم الى المدينة للتصويت او لركوب الجمال في استقبال امير البلاد , فيظهر التشاكس والتنافر بين مظهرهم في الدراعة الجديدة المنتفخة من اءاثار الصمغ والصباغة وبين ما يتراكم على اجسامهم من ءاثار التعب وشظف العيش ولفح الشمس وجفاف الصحراء...مع التحملق في كل شيء في ديار الحكومة ...
دخل  البنك فولج الباب رجل معتم برداء اسود فـــــــي يده حقيبة سوداء سلم عليه بل احتضنه حتى سال على وجههي منه عرق غزير , جعله طول نفسه في الحديث يؤجل مهمته الى الغد.
في الطريق الى التصحيح بين ضجيج السيارات ولغط الــــمارة وباعة المتاع الرخيص راى نفسه  اهون من عبوة غاز صغيرة فارغة نال منها عبث الصبيان ، دخل القاعة فاذا الارض قد بدلت غير الارض والناس غير الــناس ، تفرس الوجوه فلم ير وجها يعرفه ,  كأنه قادم من إحدى مغارات اوكار ولأول مرة اقتنع بتفاهة وظيفته ، القاعة هي الـــمدرج الكبير , المصححون في جميع المواد حاضرون ، شارك في مناقشة موضوع العربية فاختلف مع اثنين فـي اعراب كلمة وصيغة اخرى اما الثالث فلم يتكلم ثم بداله ان ينضم الى الإثنين وبقي هو الاحد , لكنه لـم يآسف عليه لأنه قال في اول راي نحوي له ان (يمكن) مشتقة من كان وأن الاسم الذي بعد ها اسم لها، صاحب الراي من اكبر شعراء البلد في ايام الناس هذه... اتفقوا علـــى عدم الاتفاق فا نزوى صاحبنا في مقعد منعزل لأنه لا يآنس بأحد من الجالسين , في هذه الأثناء تقدمت الــــــيه فتاة شقراء بقدح من الشراب العذب وأخبرته أنها احدى تلميذاته القد يمات , وأنهاتصحح مادة الفيزيا وواظبت على عملها الطيب مدة التصحيح.
توجه الى زميلين كريمين ليستريح معهما باجترار حكايات الطلبة ، واستعادة بعض الاشراقات في عهود الفتوة والاحلام , اما أحدهما فقيل له انه أصبح تاجرا فـــــــي مستودع للإسمنت، واما الأخر فأخبروه أنه هجر مكتبه منذ زمن طويل وأصبح في دكان لبيع الحديد.....حضرته هنا مسرحية اهل الكهف وكان حديث عهد بالحديث عنها لتلاميذه....
المكان ابلوكات حيث الرمل الأسود الممزوج بوسخ الـــــغسالين، دخل قاعة هاتف عمومي وقبل أن يكمل الضغط على الأرقام دخل شاب من اهل قريته في بذلة مدنية يتأبط محفطة فـي حزامه جهاز الكتروني صغير تقدم اليه باشا ضاحكا  ، خرجا معا لكن الصحبة لــــــــــم تطل فافترقا قبل أن يصلا الى الشارع..وحق له ان يفعل فالبدوي اما ان يستهدي بك فيضيع وقتك , واما ان يركب معك فتتولى دفع التذكرة , واما ان يراك بعض معارفك المتمدنين معه فيحرجك قرب الاشعث الاغبر.. ذهب صاحبنا لموعد مع السيد الندى لينسى تعب الجسم , وفراغ البطن , وارهاق الفكر...ولما ودعه وجد نفسه من جديد وسط الــــــغبار والضجيج وصياح الـداعين الى ركوب الحافلات وفـي مساء ذلك اليوم التقى احد زملاء الدراسة كان يظنه من قاطني قصورلا قصور بها , قبل ان  يدرك انه يخفي في يده اليسرى (بطتين من اكلورياء )..انتهى اليوم في احد فنادق العاصمة مع السيد عبد الجليل ولد احويبيب في جو مفعم بكرم اصيل , وود اثيل...
                                                                          المرتضى ولد محمد اشفق 27/6/1994
                                                      

الأربعاء، 25 يناير 2012


       رسالةآيرمبار
المرتضى / محمد اشفق
                                                                                        
ماكنت اتصور ان انزل من السيارة عند ملتقــــى الطرق واودع الذاهبين الى الاك في رحلة عمل صباحية وقبلتي بلاد الزنج .
القيت نظرة تدبر وتفكر على هوائيـــي الاك وخزان مياهه المرتفع رغم اسقامه وانطلقت بي السيارة شطر بلاد السودان , ومــــازالت السرعة تــــاكل القرى الصغيرة بنهم شديد: علب اجمل, بوحديد, وقرية صغيرة ابتلعتها قبل ان اراهــــــا, والعزلات والطنطان ..... حتى بدا ضباب بوكى وخزان مياهه , وبدات الاكواخ تظهروعجائز الطلح و"تيشط " تتكئ هنا وهنالك منبئة عن رحلة الفناء, ثم توالت عربات الخيل بسائقيها ذوي الاطباق الضخمة عــــــــــــلى الرؤوس, تذكرت سقوط بغداد وذلك المشهد العسكري الشعري في مطاردة الطيارين الامريكيين في حقول القصب على ضفاف دجـــلة بين الرصافة والكرخ, ودخلت بوكى وحجزت في سيارة عجوز مزينة بصور اسد واشجار, بحثت عن سليل لحمير او كهلان فخاب سعيي.
ركبت بيني والسائق فتاة في تمام عزها الجنسي , بضة نــــــاعمة الجسد ينم مظهرها عن يسار, شعرها مكوي حتى لتكاد ترى صفــــــحة وجهك في تلألئه , نهداها جنحا الى الرشد وان بدا منهما طيش ونزق كلما توقفت السيارة توقفا مفـــــــــــــــاجئا او مالت عن احدى الحفر, فشلت في البكالوريا مرتين , انست اليها لفرنسيتها الرقيقة الحذرة, وانست الي لوظيفتي وغبائها, ونشا بيننا ود عابر, كانت كلما نزل السائق يستقضي النازلين من الركاب تضجع مظهرة التعب والضجر.
كانت الشمس تميل قليلا الـــــــــى الغرب عندما عرجت السيارة الــــــــــــى اليمين وقالت ميمـــــــــــــــــون كــــــــــــــــــــــي: CEST LE  VIRAGE DE AERE MBAR CEST EN PEU LOIN , وغابت السيارة بين المزارع والحفر واشجار "ايزن" والانجاد الصغيرة.
دخلنا القرية المستقرة عند سفـــــــوح الهضاب فرايت دور افريقيا الضخمة ذات السقوف الخشبية والدخان يتصاعد من كل اتجاه, ورايتنــي مسؤولا ينزل لا يدري حدود اقامته, ونظرت قبلي فرايت اشجارا ضخمة ومآذن وخزانات مياه قيل لي انها فــــــي ارض السنغال, سلمتني ميمون كي ورقة فيها عنوانها واوصلتني سيارة ابيها الى دار العمدة .
دخلت الحائط وكان العمدة جالسا تحت عريش له 12 قائمة خشبية واستقبلني بحفـــــاوة ازدادت عندما علم مهمتي, وجاء رجال القرية ذلك المساء لما شاع ان مدير "كوليج" وصل , جاؤوا علـــــــى رؤوسهم القلانس والطرابيش وفي ايديهم العصي المعكوفة مثل المجتمعات الشرقية قبل التحديث , وبدا العمـــــــــدة يعرفني عليهم واحدا واحدا بالاسم والوظيفة فجلهم  قدماء اطر متوسطة , يستفيدون من حقوق المعاش, خطبت فيهم بلغة خائفـــــة اولا ثم اصبحت جريئة .
غابت الشمس وراء اشجار السينغال, ذبح العمدة شاة جهزها بنـــــــــوه وكان في غاية الحفاوة والكرم .
قدمت ميمون كي هذه المرة متحجبة تريد السلام علي فشكرتها وقلت لها أنت مهذبة.
في الصباح ركبنا الى بابابى ودخلنا على الحاكــــــــم وكنت البس ذلك اليوم دراعة نظيفة راقية اهداها الي صديق لعلها كانت وراء نهضة الحاكم السريعة للسلام علي , ولما عرفـــه العمدة على وظيفتي سقطت من عينه وتشاغل بقراءة (لوريزون) والسير الذاتية لاعضاء الحكومة, وكــــان حديثه آلي شبه رسمي , حديث كبير الى من هو دونه: كان يقول غير منتبه : العمل لم يبدا, آن له ان يبدا ...الخ                                                                                                                                                                                                                         
ودخل ولد البدوي وكان اهش وابش وجذبني الى الخارج قائلا: انت من اهل اغشوركيت؟ قلت نعم , فقال : داري دارك متى جئت هنا زرنا. وانتهت المهمــة بزيارة ثانوية بابابى الواقعة في الجانب الجنوبي الشرقي من المدينة تكاد تبتلعها عفونة الجو ووحشة التضاريس واربك المدير عندما فــاجاناه خلي البال تحيط به جماعة كبيرة من الناس يعسر ان توزع عليهم الردود بانتظام.  
كنت اسمع بآيرمبار مبكرا عندمــا كانت الاذاعة الوطنية تذيع اسمــــــاء الناجحين في مسابقة دخول السنة         الاؤلى اعدادية  و كان في الحي آنذاك مذياعان: واحد لمحمد حيبلاه ولد اغربط , وواحد لاسلم ولد اداع.
 كنا نتحلق حول احد المذياعين فـي السبعينات من القرن الماضي نتابع مع زملائنا اذاعة اسمائهم, ومضت السنون واختفت آيرمبار من ذاكرتــي الطفلة بناجحيها الكثر لتظهر من جديد في قاموسنا السياسي عاصمة لاحدى بلدياتنا الريفية .
وما كنت اتصور ان تتجاوز علاقتي بهــــــا هذا المستوى , وليس لذلك مانع ابدا, فانا احب وطني كله لان موريتانيا في شرعي جسم غير قابل للتشريح, اليس التشريح خاصا بجثث لم تعرف اسرار موتها وانـــــــا لااحب ان يموت وطني , لااحب ان تعبث بجسمه الغالي سكاكين المشرحين , رغم هذا ما كنت اتصور ان اجيء آيرمبار مسؤولا مقيما لايدري حدود اقامته .
انزعجت عندما اخبروني بالاقتراح , وترددت كثيرا لا لاني ابيض يحل باسود فذلك سخف أي سخف , بل هنالك حاجز اللغة وهناك غربة ثقافية ما في ذلك شك , لكن الا يمكن ان نعمل معاول العزم في جدار اللغة السميك حتى يتهدم؟ الا يمكن ان ينقلب الإيحاش إيناسا عندما ندرك اننا نعاشر قوما طيبين؟, وفـــــي النهاية انقلبت هذه المعوقات الى حوافز, فما احلى ان نهدم حواجز البعاد, فتتكشف الصورة والقيمة الحقيقيتان لهذه المجتمعات وتختفي الصور السماعية التي يصوغها الرواة وما اكثرما يضعون وما اكثر ما يظلمون.
وطئت قدماي ارض آيرمبار يوم الاحد 16/11/2003 الساعةال3 ظهرا, عندمـا مالت بنا السيارة يمينا عن الطريق المعبد ودخلت الاحراج على طريق متعرج,ونظرا للأنجاد التــــــــــي تحجب القرية فان قاصدها لا يراها الا حين يطل عليها من نجد تستقر دورها الشرقية عند سفــحه , ولاشك ان الصيام ومتاعب السفر والشعور بالغربة كل اولئك قد اخذ من مزاجي قسطا كبيرا.                                        
بعد ان استقررت وبدا العمل يسير منظما متعبا لانه يقتضي خلق مؤسسة تربوية من  فــــراغ, جاءتني وفود السلام والعرفان بجميل لم اصنعه, جاء وفد آير كوليرفي اربعة رجال : نبيل ومتوسط الطبقـة وفلاح ومدير المدرسة الذي يقوم ايضا بمهمة الترجمة, وبعد تبادل الخطب وقد فجاتني بلاغة القوم وغنــى حقلهم التعبيري اروني كبشا وبعض الزاد قالوا انه ضيافة متواضعة يلتمسون مني تقبلها فاعتذرت بانــــــي لست ضيفا وبعد اخذ ورد اقنعني العمدة انهم لايساومون فـــــــــــي رفض المعروف, وجاء وفد سنوبوسوبى  في صورة مماثلة, ثم وفـــــد قرية آيرمبار في نفس الصورة وبدات اكتشف فضيلة الكرم وترسخ الثقافة الاسلامية في هذه المجتمعات .
بدء الزيارات:
  منتصف مارس 2004 الساعة ال8 و15د خرجت ودليلي من الباب الغربي وسلكنا مساحة شاسعة من سهل شمـــام المنبسط, كانت الارض حديثة عهد بمطر غزير وعاصفة هوجاء جاءا فـــي غير ابانهما واذاقا ضخام الشجر ودور الزنك مرارة الغلبة والبطش, وكنا على بعد كيلومترين من نهر السينغـال وقد غمرت المياه الوهاد والمنخفضات, اما القمر فقد بدا في عز تمامه فاضعف ذلك وحشة المكان وعفن البيئة.
لما اكملنا طريق السهل دخلنــــــــا القرية من زاوية منحرفة وسلكنا ممرات كطرائق النمل لايمكن ان نمرمنها  الاواحدا تلو الآخر , وكان دليلي يتقدمني وينبهني الـى المزالق والحفر, وقد اختفت الجهات في هذه المرحلة
من الرحلة والقمر وحده ينبئني انه فوق وانني علــــى الارض, قادنا الزقاق المتثني كآثار افاعي الصحراء الى الجامع القروي حيث يقابل بابه باب دار "ميكا".                                                                                             
سلم دليلي فرد شبح تحت شجرة عملاقة من "كين" يؤنــسه صوت مذياع استنفد اقصى درجات الصوت تبث منه RFI برامج مختلفة رد التحية وعلــى بعد 4 امتار ينتصب عريش اوى اليه بعض افراد اسرته, نهض الشيخ منحنيا واشار الى (مطلة ضامرة ) وقال لي تفضلوا( ديركتير) ونادى بناته قال هذا المدير انهضن لتحيته, رددت على البنتين باشارة يدوية,و جاءت احدى ازواج ميكا وبدات نشيد السلام بايقاعه وفواصله فجزمت انها تتقن البولارية وانـــــــا ارد بمزيج من حسانية وفرنسية الويهما ليا زعما ان ذلك اقرب الى فهمها لكن حاجز اللغة وقف سميكا غليظا فلا انا افــــهم مما تقول شيئا , ولاهي تفقه مما اقول شيئا وانخفض الصوت وتكررت عبارة : الحمد لله الحمد لله بسمل بسمل فادركت انها لحظة احتضار التحية.
ميكا جيب جاللو شيخ كبير , يتكلم الفـــــرنسية كما ورثها عن المعمر الفرنسي ولد حوالي 1926 ودرس في كصكص قرية على الضفة اليسرى للنـهر, عمل في سلك الشرطة السينغالية سنة 1952 ضابطا ثم مفوضا 1957 وتنقل بين سينلوي وانجربل وداكار واحيل الى التقاعد سنـــــة 1982 تاريخ تخرج محمد ولد حامد
يذهب كل 7 اشهر الى داكار لياخذ مرتب المعاش.
ميكا رجل مزواج قال لي ان ابناءه كثر لله الحمد والبنات منهم يفقن الذكورعددا .
ينتمي ميكا الى قبلة صوتين واللفظ كما يزعم عربي مثنــــــــــى صوت, وقد قدمت القبيلة من الشام حوالي 3000 سنة قبل الميلاد, واستقرت في المنطقة الممتدة من واد قرب انباني يسمــــــى ديرول الى انجـــرول قرب دار البركه, ونظرا للاحداث والحروب اضطروا الى اجتياز النهر وبناء كصكص سنة1617.
اما قرية آيرمبار فقد  بنيت على الضفة اليمنى حوالي1800.
تتكون قبيلة صوتين من ثلاث اسر رئيسية هي: -جاللو – جنك صاو ايدي – وتال.
وهنا ادركت ان وقت دخوال الشيخ مضجعه قد حان فودعته وللحديث بقية.

                                          
                                               في دار العمدة:

قضيت العام الدراسي 2003/2004 فــــــي بيت العمدة جنك ممـدو عبدولاي , وزوجه ام انجاي وبنته الشابة جارو وطفـــــــله عبدول , خصصوا لي اجمل غرف المنزل: الصالون ومن اول يوم زال كل حرج وشعرت اني في بيتي وبين اخواني.
كان جنك ممــــــــدو عبدولاي صديقا بشوشـا لـــــم يبد منه قط ملل او استثقال , رغم طول الاقامة , وكانت الابتسامة والدعابة والاحاديث الجادة الــــــــــصافية , تتخلل جلساتنا دائما ,وقد بذل جهـــودا جبارة لنجاح مهمتي ولانطلاقة الاعدادية, وفر قاعة الدراسة , وقاعة المكتب , والطاولات ولاحظت فــــــــي الرجل عمق الغيرة , والوطنية والشعور بالمسؤولية, وفر لي سيارته حتـى لمهامي الخاصة وباختصار كنت اشعر معه بالاطمئنان التام.
اما زوجه ام انجاي فمن النساء النادرات سمتا وكرما : لــقد عاملتنــــــي خلال سنة تامة بود لـــم ينقطع ونبل لم يفتر ... . لما قدمت , ولاحظت فـــي اليوم الاول اني تناولت قليلا مـن القهوة والخبز اخذت علــــــى نفسها ان تعد لي الـــنشاء كل فجر قبل العمل , تشرف عليه بنفـــــسها , ومـــــا ونت ولـم تتاخر يوما حتى فــــــــي فــترات البرد القارس..كانت تشرف مع ابنتها جارو علـى بناء قبتي (الناموسية) لـــم تـــــــــتركني مرة ابنيها بنفسي  وعند مــا جد ظرف يقتضي ان استقل فــــــــــــي بيت اخر امتنعت ان اخرج مـــــــن دارهم..تتلقاني كلما عدت الـــــــــى المنـــــزل بابتسامة وقور تختزل كـــــــل معانـي الـكرم الاصيل.غير حاسرة عن رأس ولا كاشفة عن ساق،  وكانت جارو وعبدول في غاية التهذيب والانضباط.
كان جنك ممدو عبدولاي عطوفـــــــا لاحظت ان داره ملآى  بـاقاربه, والـــده الشيخ مع ابنائه مـــــن زوج اخرى , ليست ام ممدو عبدولاي وهنـــــاك اخواتـــه واطفـــــالهـــــن , كــــــــــــــل هؤلاء ينعمــــــون بدفء الاسرة فــــــــــــــي جــو العطف والحنان والاحترام, ولاحظت امرا غريبــا فــــــــي اهل هذه الدار ,  فبحكم موقعها تختصر مسافة طويلة لبعض الــــجيران , فــيمرون من حائطها كأنه شارع رسمي دون ان يؤذيهم احد او يستثقل مرورهم , والـــــــــذي قد يكون في اوقات متأخرة.
هذه صورة مقتضبة من شـــأن هذا الـــــــبيت العظيم ,ارجـوالله ان يجزيهم عنــــي خيرا ويكــــــــــرمهم بعافيته وفضله.
امأ هل القرية بصورة عامــة فقد تحدثت عن ضيافتهم, وكانوا سواء  في احترامي وتقديري والحفــــاوة بي فلهم مني جزيل الشكر.
جنك ممدو عبدولاي: شكــرا لك ،ماذا أقول لك ومــــاذا أقول عنك ،وقد كنت نعم المضــيف ، ونعم الصديق ونعم الأخ ، شكرا لك ياهؤلاء جميعا اذكر دائما أن لك أخا وصديقا لن ينساك .....
أم نجاي....بل ماذا أقول لك أنت الأخرى ؟؟؟ شكرا لك لــن أنســى أم انجاي التي خدمتني بنفسها واستقبلتني بالبشر والحفــــــاوة بدرجة ظل مؤشرها متصاعدا عامــا دراسيـــا كـــاملا ,  اذكري أن لك أخـــا يحتفظ لك بكثير من التقدير والإحترام.
اما أنتم يااهل قرية آيرامبار، وجماعة الـمسجد كم أنا فخور بكم ، كم أنا سعيد لأني رايت من أبناء وطني من مازال يختزن معاني الكرم والدرجات العليـــا مـن المثل والقيم السامية الاسلامية , فلكم الشكر على ما ابديتم من صفاء وعطف وحسن سمت انا ابنكم دائما اينما كنت.




                                              المرتضى ولد محمد اشفق 2004

السبت، 21 يناير 2012


 بسم الله الرحمن الرحيم
الى مدونة الاك                   
هنيئا لك ال50000 /تقديرا لجهد وعرفانا بجميل
المرتضى /محمد اشفق



مدونتي العزيزة /مدونة الاك  شكرا لك حين دخلت تاريخنا ذات يوم من السنة الفارطة فكنت النجمة التي اشرقت في ليل مدلهم ما لبثت  سجوف ظلامه ان ولت الادبار امام تباشير الفجر الجديد....ولدت خلقا سويا واختصرت مراحل الحبو, والتعثر , والسقوط , فاستويت واقفة بقامة باسقة ووجه باسم يتلالأ بالق الاباء والشرف ..
عبرت الى الدنيا الفاضلة من درج الحياد والروية والالتزام....اقتنعت واقنعت انها الصراط المستقيم الى كل هدف نبيل..وادركت ان المتخففين منها ينبئهم قابل ايامهم- وقد ضاعت الفرصة ومات الابان - ان رحلتهم كانت الى اسفل..
ادركت - مدونتي الغالية - ان الصدق والعفة والتروي , لبنات اولى لكل صرح خبري علمي حريص ان تبقى صفحاته نقية حصانا من اطماع المتسللين وصيادي العتمة , هاؤلاء يطمعون في لي عنق الكلمة الابية وتدنيس عذريتها , يسلكون الازقة الملتوية الى اهداف يلفها عفن الانحراف والتضليل.. يستفيدون من صولة الباطل قبل ان يضمحل  فيتبين الناس ان اقلامهم فقدت رجولتها حين مثلت الرقص في جوقات المخنثين , ووقفت بقامات قصيرة  في بيوت من قش لتجميل العجزة فكريا وخلقيا وادبيا ..
ان العجل(بفتح العين وكسر الجيم) الذي يجري ملء رجليه الى سراب خداع , تتلاحق انفاسه ويدرك انه نسي نعليه ولباسه فتحاصره الاشواك ويسخر الفضوليون من سوءته.
القلم الحر لاتفرز غدد ه لعاب الشهية المالح...لانه مزكوم اعمى اصم , لايشم بخور محارق الاخلاق ولايرى تبرج الاغراءات واستهتارها  ولا يطرب للغناء في ماتم المفجوعين ...بل يتحسس عبق الشموخ في غبار العاصفة , وتتلقف اذناه انين المنكوبين في ظلمات النسيان والازدراء , وتتراءى له الكرامة  ملكة جمال تنصب عرشها على جبال من نور...وانتم لم يستخفكم الطفل ولم تفحص اقدامكم الارض طربا من عويل الجياع ولم تغرر بكم الجيوب المنتفخة من رماد شرف محروق....
شكرا لكم ,  لصونكم صفحات هذه المدونة الشابة المكتملة النضج  ولما تكمل عامها الاول , عن متعة الهواة , وطلاب زواج المتعة , شكرا لكم وقد صنتم عرضها عن اوساخ الفكر وا رضها عن احذية العرجان ...
ظن كثيرون اني من اصحاب هذه المدونة ان لم اكن المشرف الفعلي عليها , وعاتبك بعض فاستكثر ما تنشرين لي ووصموك بامور لا احب ذكرها , لا لشيء سوى انك التزمت بوعد : ان تنشري ما يصلك من قرائك الكرام , فلم يثن ذلك من مضيك على الدرب رغم مفاجآت الصحراء وادغالها , وجعلت عينيك على الهدف فنسيت وحشة الطريق ...وهل يصدق قراؤك اليوم بعد ان كادت تختفي منك كتاباتي لانشغالاتي وضيق ما تسمح لي به الظروف من وقت – هل يصدقونني ان قلت لهم وانت خير شاهد – اني لحد الآن لااعرف المشرفين على (الاك كوم ) وان وسيلة الاتصال الوحيدة بيننا هي البريد الالكتروني؟ وهل يصدقون انك تارة لا تنشرين - غير ملومة - بعض ما اكتبه اليك - ومنه هذه التهنئة المرسلة اليك منذ 4 ايام  - وكلي انصاف وتفهم ؟ اذن لطلبوا منك ومني الصفح والسماح..وعندها –بل قبلها- نقول لهم لا تثريب عليكم , يغفر الله لنا ولكم....
سيري على الدرب كما بدات وارجوا لك مزيدا من العطاء والتوفيق ...
                                                               المرتضى /محمد اشفق

الخميس، 19 يناير 2012


الكلمة:  (حبيبتي المتمنعة)


المرتضى ولد محمد اشفق
فرغت من مطالعة أبواب فــــــي الفلسفة والفكر الإسلامي ، وعشت مــــــــــع الـمتقدمين احتدام معاركـهم
الكلامية،ذكرت النص، قرأته، فأيقظ فـي عاطفة نائمة وحلما جميلا كنت إخاله تلاشى فـــي رحاب الأبدية، وابتلعه الزمن مع ما ابتلع من الــــعظماء والأفكار،.....أنا أحلم كثيرا وأحب كثيرا، لكنني أخفق كثيرا...... عشقتها أيام كنت صغيرا، أيام كنت أذوب هياما فـــي صوت المفتش إذ يزورنا فـــي خيمة الفصل، ويغني لنابصوته الــــــــعذب الجميل: هذا آخر نومنا،،، هيابنا، هيابنا....لاتلمني فــــــــي هواها، أحببتــها صغيرا فغيرت مجرى حياتــي، وخلقتني خلقا آخر،تحديت فـــــــــي حبي لها كــــل شيء،...كانوا يريدون منـــــي أن أكون عظيما، وكنت أريد منــــي ماتريد هي،،،طاردتها، تربصت بها كدت لــها، لكنها كـــــــانت سرابا لايدرك،، أغرتني،وأطمعتني فـــــــي نفسها، ولـــــما اقتربت وراقت لــي الــــــخلوة تأبت، وشردت إلـــى لامكان، وأدركت وقتها أن الــهجر قد يكون أحلى من الوصال....
 قبل18 سنة، كنت فـــــــــي عز الشباب، طالبا حديث عهد بنيل البكالوريا، حلم العصر، ومفـــــــتاح الدنيا الوسيعة آنذاك، فــــــي المدرسة العليا للــتعليم كنا النخبة الثقافية، وكانت الرومانسية دنيا تغمرنا مــــن كل اتجاه،:فـــــــي البحث العلمي، فـــــي النضال السياسي،ومد التيار الـــــــقومي،..كنا ننتمي الـــى هذه الدنيا الـعجيبة بتركيبتها فلا نحس بتضاد، و لاتنافر بين مكوناتها..... وكــانت أحداث عظام متلاحقة: كامب ديفد وسلام مصر واليهود، ثورة الخميني، موت السادات،الانفجرات فــــــي بيروت، حين كنا تلاميذ فــــــــــي الثانوية الــعربية واجتياح إسرائيل للـــبنان، وحصار قصر بعدبا، وإخراج الفلسطينيين من لبنان ونحن بعد طلبة فـــــي المدارس العليا فـــي رحلتنا الدؤوب مـــــــــع العلم : من الأسابيع الثقافية(ريح من الجنوب في الجزائر)، إلــــى الأمسيات الشعرية والمطالعات فـي المراكز الثقافية.....وفـــي مساكن(لنس) وفيها سجلنا أحلـــى أوقات الحياة: شهدت الجد و الهزل،النوم والسمروالأحاديث الـــــــمتدفقة بمكنونات الــــــــصدور، ووقتـها ماكنا نظن أن الأقدار ستسوقنا الــــى هذه الأستذة الهزيلة،لنظل كـــــــــل عام نجتر مالاكته ألسنتنا مـــن درس: الهمزة المتوسطة، وافعال المقاربة، والمذاهب الأدبية فــــــــــي القرن العشرين،، وقداستسلمنا، وكفر بنا الذين خلقناهم وهديناهم سواء السبيل......
واليوم، وبين خيوط العناكب القابعة فـــــي مدارج المكتبة العجوز المهجورة والـــــدعابة الرخيصة للعمال اليدويين وأنين الجرس المسكين الــــذي نجلده كــــل حين بين هذه الأشياء التـــــافهة يهزل الحب، وتنتحر العاطفة وتتعالى عشيقتي في عالم الشهوق بعيدا بعيدا عن أبناء التراب.







                                                              (اوراق منسية)                       المرتضى ولد محمد أشفق1998

الثلاثاء، 17 يناير 2012


حواء بنت ميلود: "لو لم أكن موريتانية، لكان حلمي أن أكون كذلك"


الكاتبة والشاعرة: حواء بنت ميلود
-   ما هي آخر إسهاماتك على الصعيدين الأدبي والفكري؟
حواء بنت ميلود: أولا أريد أن أشكر موقع المدى على اهتمامه بالمجال الأدبي بشكل عام والنسائي بشكل خاص، كما أود التنبيه إلى أن المرأة الموريتانية نادرا ما تجد الوقت الكافي للاهتمام بالأدب والتأليف وذلك لتعدد مهامها الاجتماعية، ورغم ذلك - وهذا ما أفتخر به دائما - فإن المرأة الموريتانية استطاعت أن تثبت وجودها في الحياة الأدبية كاتبة وروائية وشاعرة... وساهمت إلى جانب الرجل في إثراء الساحة الفكرية والأدبية.
أما عن آخر إسهاماتي، فأنا الآن أركز كل اهتمامي لإنهاء كتاب عن الصحافة المكتوبة في موريتانيا (1949 -2010). وقد بدأت البحث فيه منذ سنوات وأرجو أن يكتمل ويصدر قريبا.
-  ما هي رؤيتك للساحة الأدبية عموما؟
حواء: أنا لا أبالغ إن قلت إنها ساحة راكدة. ولولا جهود اتحاد الأدباء واستماتتهم في تنظيم مهرجان سنوي للأدب، وطباعتهم ونشرهم للعديد من الدواوين والقصص، لكانت هذه الساحة ميتة، ففي بلد مثل بلدنا كان ينبغي أن يكون هناك مهرجان شهري للأدب وأنشطة يومية ومسابقات شعرية وقصصية.
-  فزت بالمرتبة الثانية في مسابقة نظمت بالجزائر للشعر النسائي، ماذا عن هذه المسابقة؟
حواء بنت ميلود: هذه المسابقة تسمي "المسابقة المغاربية الكبرى للشعر النسوي"، تنظم سنويا في مدينة قسنطينة بالجزائر. وقد شاركت فيها السنة الماضية 81 شاعرة من المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا والجزائر. وحصلت على المركز الأول الشاعرة المغربية "حليمة الإسماعيلي"، أما المركز الثاني فكان من نصيبي، في حين كان المركز الثالث من نصيب الجزائرية "سميرة إراكزن".
-  إلى أي حد ترين المجتمع الموريتاني تغلب على هاجس التحفظ لديه تجاه ما تكتبه المرأة من أدب وشعر؟
حواء بنت ميلود: أنا لست من اللواتي يتهمن المجتمع بأن لديه تحفظ أو نظرة دونية لما تنتجه المرأة، بل أقول دائما إنني أعتز بكوني امرأة موريتانية، ولو لم أكن كذلك لكان حلمي الوحيد أن أصبح امرأة موريتانية، وذلك لأنني أقتنع بأن المجتمع يقرأ بعين الرضا كل ما تكتبه المرأة، ويستمع بأذن الرضا لكل ما تلقيه المرأة أيضا، وإذا كان البعض يرى أن المجتمع تحفظ على إنتاج المرأة في مرحلة معينة، فربما يعود ذلك إلى أن الكتابة في المجتمع القديم كانت تدور في أغلبها حول المسائل الفقهية والفتاوى الشرعية والنوازل، وكان المجتمع يرى بان تلك المهمة موكلة إلى الرجل أكثر من غيره، ومع تقدم المجتمع واتساع دائرة مجالات الكتابة ظهرت أوجه نسائية عديدة في كل المجالات الأدبية وتقبلها المجتمع وشجعها.
- ما هو باعث التحفظ لدى الشعب الموريتاني تجاه شعر المرأة، خصوصا إذا استحضرنا أن المرأة العربية ظلت تكتب الشعر في الجاهلية والإسلام؟
حواء بنت ميلود: المجتمع الموريتاني لا يختلف عن المجتمع العربي الذي يرى بأن الشعر يرتبط بالصعلكة والفروسية والعشق والمعاناة والسهر والهيام... وتلك صفات رجولية لا ينبغي للمرأة أن تتصف بها، ولكن مع ظهور أغراض جديدة للشعر فقد أصبح المجتمع يؤيد المرأة الشاعرة؛ فنحن نعرف المكانة الكبيرة التي تحتلها الشاعرات باته بنت البراء وخديجة بنت عبد الحي والسيدة بنت أحمد وليلى بنت شغالي...الخ
- ما هو انطباعك عن الأدب النسائي عموما في موريتانيا؟ وماذا تتوقعين له؟
حواء بنت ميلود: هو جزء من الأدب الموريتاني بشكل عام يحتاج للمزيد من النهوض والترقية والتشجيع.
- إلى أي مدى في نظرك ستظل قضية المرأة مثار نقاش؟
حواء بنت ميلود: أنا لا أؤمن بأن للمرأة العربية المسلمة قضية تخصها خارج إطار المعاناة العربية الإسلامية ككل.
- كلمة أخيرة تجاه المهتمين بالأدب في موريتانيا.
حواء بنت ميلود: أرجو من كل أحد أن يضحي ويساهم حسب جهده ومن موقعه للنهوض بالأدب الموريتاني.

         نقلا عن الاك. كوم

الجمعة، 13 يناير 2012

 ذكريات
المرتضى ولد محمد اشفق
لم ترق للطفل معلمة القرءان الاولى التي اشتهرت بالصرامة والجد "فطمة بنت ءابو" رحمها الله , فقد كان يخافها لكثرة ما يسمع من اساطير زملائه الاطفال حول شخصيتها ...رحل الى معلمة اخرى لم يطل مكثه معها "لجدل"رحمها الله , لانها لم تكن تستطيع ان تضربه لقرابته , وما زال الصبي يذكر انها عانت يوما من ءلام حادة في المعدة كاد يغمى عليها منها , ربطت بينها ومسك اذن الصبي الواجم الناظر الى الآفاق بعيدا عن لوحه و"كتبته" سمعها تقول ذلك لاختها وابنتها , فاستانس بالامر وخيل اليه ان معلمي القرءان مستقبلا سيخافون الاساءة اليه....ردته عنها , ليستقر عند معلمته " فطمة بنت ببكر " رحمها الله , وعليها تعلم الحروف ..تعلم القراءة والكتابة وقد كانت هادئة رزينة كثيرة الصمت , وكان كلامها اقرب الى الهمس , استانس الطفل بها فقد كانت تملك قدرة تربوية عجيبة لولا اظافر امها "اخديجتن" التي كانت تخز كالابر الاطفال المشاغبين, وكان صاحبنا طيلة "السبتة" خائفا يترقب ان يشي به بعض شياطين الاطفال الى هذه المراة التي لاترحم من اذنب..
ثم حانت لحظة انتظرها كثيرا..لحظة يتمناها الاطفال الذين هم في سنه ..لحظة الترقي من المعلمة المراة الى المعلم الرجل
اليس ذلك دليلا على انه تحول من مستوى الطفل الصغير الذي لايمكن ان يبرح رعاية المراة , الى طفل كبير قادر على ان يدخل عرين الرجال , لكن المسكين ما كان يتصور ان تسود بيض لياليه حين بدا مسلسل الترحال بين ثلاثة معلمين لا يكاد يبدا مع واحد منهم حتى تعبس له الايام وتضيق عليه الارض بما رحبت , فيضغط على والديه ليرحلوه الى ءاخر, لقد كفر بنعمة المراة عليه فهي ارق قلبا والين طبعا من الرجل....كان معلم القرءان الاول صديقا حميما لوالده وقد خيل الى الطفل ان ذلك سيشفع له عندما يرتكب بعض الاغلاط ك"الترواغ" والتباطئ في حفظ "الكتبة" كان الشيخ احمد رحمه الله يرعى مصلحة الطفل قبل اهوائه , فقد انساه مداعباته له عندما كان يحضر مع والده ..بل انساه بعض الهدايا التي كان يخصه بها , فحل الحبل والسوط محل ذلك...عند الشيخ احمد التقى كبير التلاميذ "بكاه" , كانوا جميعا يخافونه ولم يكن نصيب صاحبنا من ذلك الخوف اقل شانا فقد استقبله "بكاه" بتحريض تلميذ ءاخر "سليمان /حيبلا" عليه ل "يتراذخا" ثم بدا مسلسل تاليب اترابه عليه لانه في شرعهم طفل ءاثم من حي اهل المدرسة رغم انه لم يدخلها بعد....علمه كبار التلاميذ ان يدعو على معلمه ويكرر اثناء "تصناته له" عبارات مثل "اكصر عمرك"يعطيك اجدام" يقرا ذلك بين ءايات القرءان ....وحاولوا ان يشاركهم التبول في قرب "لمرابط"في الطريق الى البئر.....رحل عن الشيخ احمد الى محمد يحيى ولد محمد اشفق رحمه الله لكن جلدة من "اصراعه" غافله بها على الظهر كانت كافية لتقرير الرحيل عنه بسرعة رغم حرص الرجل على تحفيظ الطفل وخشاته ان يقتاد الى مدرسة "النصارى"...استقر صاحبنا اخيرا عند معلمه المرحوم محفوظ ولد المنجى الذي درس عليه القرءان حتى نهايته.
ثم كان يوم ..يوم جديد في حياته انتظره طويلا ...ها هي والدته تهتم بثيابه لا كما كانت تفعل من قبل , بل بشيء من الفحص والتدقيق هذه المرة , وها هو خاله "ناجين" يداعبه اكثر من اللازم ..علم ان وراء ذلك خبرا .
امسك ناجين بيده وقال له انت اصبحت رجلا واليوم ان شاء الله ستدخل المدرسة..تسارعت دقات قلبه خوفا او فرحا او كليهما لا يدري , واذا هو داخل خيمة المدرسة ويفاجا بالتلاميذ الكبار : التهى ولد الحاج محم رحمه الله , محمد محمود ولد محمد اطفيل رحمه الله والحاج احمد ولد المنجى وغيرهم , هاؤلاء كان كلما مر عليهم وهو يتبع عجول لمرابط الى المرعى يسمعهم يغنون في غيبة معلمهم لبعض شانه (باب ول يرب لباي الصرب) , قدمه ناجين للاستاذ (محمد ولد محمد المصطفى ولد احمد) ولم يكد صاحبنا يستانس ب"مجم رحمها الله والمكبول حتى فاجاته ضربة "بامشحاط"طار معها صوابه وترك ءاثارا متعرجة على جنبه الصغير وفخذه , خرج يصرخ لا يلوي على شيء تبعه الاستاذ معتذرا انه لم يكن يقصده..لكنه عدا حتى وصل حضن امه..
شكل هروبه من الفصل ازمة كبيرة لناجين , فالحق ان الطفل لم يبلغ بعد سن التمدرس وانما جيء به ليكمل العدد القانوني لاستمرار فصل تربوي قبل وصول بعثة تفتيش باتت على بعد اقل من نصف ساعة من الوصول , وبفراره يفقد الحي حقه في المدرسة....حاول ناجين اول الامر ارغامه بالتهديد كي يرجع الى الفصل لكنه ادرك ان التلطف انجع , فوعده ان يمنحه "رجو" مذياعا ...ووهبه في الحال خروفا اسماه جمال عبد الناصر.
لكن عام 1968/1969 كان عاما متميزا ففيه دخل المدرسة تلميذا مستوفي الشروط وكامل العدة...كان معه في الفصل امحيميد ولد سعيد وعبد الجليل ولد احويبيب وسيد محمد ولد اغربط....الخ  كان في المدرسة يومذاك معلمان هما : الناجي ولد اداع مديرا ومدرسا للفرنسية , ثم التحق به الندى معلما للعربية ...لكن الذي كان يشده اكثر هو صديق تجاوز مرحلة الدراسة في الحي وانتقل الى المدينة "الشيخ عبد الله ولد احويبيب" وكان يريه وزملاءه في الحي الاستعلاء لانه لم يعد من اطفال البادية , كان يحكي لهم بطولاته في المدينة ويروي لهم كثيرا من الاساطير , كان في تصوره وتصورهم فتى متمدنا وكيف لا وفي متاعه "صابونة من المسك" , ومشط كبير , وقنينات عطر ربما يكون في بعضها ماء ....
كان صاحبنا يتمنى ان يلتحق برفيق صباه في المدينة وينعم معه بجوها وحريتها وطعامها , ويتخلص نهائيا من المزاوجة بين المدرسة ودراسة القرءان , وتحققت امنيته , اذ تقرر ان يحول الفصل الى الاك...
في الاك سجل التلاميذ الجدد حسب مستوياتهم وسجل صاحبنا في CM1 وكان معه في الفصل سيد محمد ولد اغربط , مريم بنت اداع , توت بنت بحام , شيت بنت ببكر , خدي سي , رمل بنت صمب فال , الشيخ عبد الله ولد انجيه...الخ وكان معلمهم سيلا ابراهيما , سيلا رجل شديد القسوة , كان يمارس العنف الجسدي على التلاميذ بشكل غريب , لا ينسى صاحبنا يديه المتورمتين من ءاثار الضرب بعصا غليظة لانه لم يتمكن من وصف مضاعفات مرض اصابه...ولن ينسى فرار  الشيخ عبد الله ولد انجيه وصراخه بعد ان طرحه ضربا والتلاميذ يحاولون مسكه وجره من "اتويجيله" لاعادته الى عصا سيلا...كان ايضا يمارس العنف النفسي , كان يترك الكتب داخل الفصل واذا افتقد منها واحدا اوهم التلاميذ ان له قوى خفية تخبره بالمجرمين...كنا نخافه وننسج الاساطير حول شخصيته واصوله, اذ كان البعض يقول انه من مالي..
وفي CM2 درسه معلم ترك في نفسه اثرا كبيرا , هو اتيام صمبا , على يده اتقن قواعد اللغة الفرنسية من نحو وتصريف , ومنه تعلم اقامة الفرق الليلية التي كان يتفقد فيها تلاميذه ويراجع لهم وهم حلق صغيرة حول اضواء المصابيح التقليدية "اللمبات" يغرقون في دخانها ويستدفئون بحرارتها...تيام صمبا افتقده صاحبنا منذ عام 1975 .
ما زال يذكر يوما وحادثة طريفة سنة 1974 في الاك , كانت والدته معه في دار خاله اسلم ولد اداع وهو يومذاك مدير المدرسة2 , وكان بيته يغص بالضيوف القارين , وفي حائطه شبه مخيم من ضحايا الجفاف وضعفة اقاربه يقوم عليهم , وقررت والدته العودة الى " لخيام" وكان في السيارة المرحومان محمد حيب الله ولد اغربط ومريم بنت صالح , ولم تكد السيارة تختفي حتى علا صراخ سيد محمد ولد اغربط يبكي ويدعو الله ان تنقلب السيارة ويموت كل من فيها , اما هو فقد اكتفى بالتمرغ حتى انقذته ءامنة بنت القاضي وقادته الى دار والدها , فوجدا اخاها حمود يطبخ بيضة على فرن تقليدي وبوسائل بدائية , فقالت له : اذا نضجت البيضة اعط منها نصيبا لقريبك هذا , فصرخ حمود بالويل له واقسم الا يشاركه فيها احد ورفع يده وكاد يصفع بها الصغير لولا امر عاجله قبل التنفيذ : حدث انفجار روع الحاضرين جميعا وروع حمود اكثر لان بعض الشظايا اصابته , انفجرت البيضة لان فيه فرخا ..
نحج في "كونكور " سنة 1975 ودخل معه الفصل فتيان سيد محمد ولد اغربط ومحيميد ولد سعيد .....ويذكر من تلاميذ القسم كبادي ولد اندي , محفوظ ولد عم , يوسف ولد بحمادي , محمد يحيى ولد الكيرع, عيسى ولد بلال محفوظ ولد خي , فال ءابو بوبو ,ام صال , با ممادو جبريل, زينب بنت بل ومريم بنت اداع.....وكانوا اول فوج من التلاميذ تستقبلهم اعدادية الاك المفتتحة لاول مرة ...وكان فيها الرشيد ولد صالح مديرا واستاذا للعربية والتربية الاسلامية والمدنية , وديدي ولد باب استاذا للرياضيات والعلوم الطبيعية والتكنلوجيا , وبا فارا استاذا للفرنسية والتاريخ والجغرافيا والرياضة البدنية , ثم احمدو ولد احمدو مراقبا عاما ومقتصدا , وشيخن ولد احبيب مراقبا..كان الرشيد يقيم منافسات في الانشاء بين صاحبنا وزميل له في القسم هو السالم فال ولد اسلم , كان على الاول ان يصف قرية اغشوركيت وعلى السالم فال ان يكتب عن جونابه , ويحدد يوم للاستعراض يحضره الاساتذة وكبار التلاميذ وبعد قراءة الموضوعين يكتفي الرشيد من الحكم بالقول انه لا بد ان يزور تينك القريتين الجميلتين..اما با فارا فقد شد صاحبنا اليه شدا , كان يهتم به لصغر حجمه , بل كان يحمله على رقبته في بعض الايام بين الاعدادية والمدينة حيث كانت المسافة الشاسعة ءانذاك خالية من البنيان وكانت المدينة شرقا تنتهي عند حدود المدرسة رقم3 وهي حينئذ بيت واحد ويذكر  ان مديرها هو محمد محمود ولد حمادي..التقى با فارا عام 1985/86 عندما درسا معا في اعدادية البنين , وظل فتانا محافظا على سلوك التلميذ اتجاه استاذه بينما حاول الاستاذ ان يقنع تلميذه انهما صارا زميلي عمل , اعتقل با فارا بعدذلك في تهمة امنية وزاره صاحبنا في السجن وفاء لصحبة وتقديرا لاستاذ.
بدا امحيميد مشروعه في التخلف عن الدروس وكان احمدو ولد احمدو يحاول استبقاءه ....ثم بدا يهمس في اذن صاحبنا ان الدراسة جحيم لاصبر عليه وان عليهما ان يبحثا عن مستقبل غيرها....قال له يوما ان محمذن اوفر منهما حظا لان طعامه صار التفاح وان عليهما ان يلتحقا به في مندس..بدءا خطة الفساد بالذهاب الى اغشوركيت كل سبت في الشاحنات , ثم بشرب القهوة الرخيصة والغداء في المطعم الوحيد (مطعم اهل با مودي)الذي كان في الاك يومذاك ....وبدا يظهر في حياة صاحبنا امر خطير ! التدخين , اما امحيميد فكان طفلا مدللا بدا التدخين مبكرا وجهرا , وكان ياكل "كرت "الفستق حين كنا نمنعه لاسباب صحية , كانت له كاس خاصة من الشاي اما نحن فكنا " يخلى لنا" تترك لنا جرعة قليلة في الكاس جزاء خدماتنا , نعود الى الامر الخطير : التدخين ! بدا ذلك بجمع اعقاب السجائر من المحلات العمومية لان امحيميد قرر يومها ترك "البيت" - المحفظة التقليدية الصغيرة للتبغ – وصار عليه ان يحمل علبة السجائر ولا بد قبل ذلك من تدريب على اعقابها ريثما تتوفر القدرة والوسيلة...علمت ام الطفل بنبئه فقدمت واصلحت ما بينه وبين الدراسة ....لكن المشاكل بدات برحلة امحيميد الى نواكشوط مسجلا بذلك هدفا ءاخر من اهداف التحرر, والتفوق...وعاد , نعم عاد ليحكي لاصحابه تقريرا مفصلا وبرنامجا شيقا  عن رحلته العجيبة تلك.....قال لهم وهم يصدقونه انه رأى في انواكشوط ما لم تر عين انسان , وما لم يخطر ببال امرئ ...فقد كان كل يوم يتغدى مع المختار ولد داداه ومريم داداه , زار البحر(الاخظر) ورأى عرائسه وشاهد سقوط الشمس فيه ورأى الماء يغلي والنساء يغرفن منه ويصببن على الحوت والارز فينضجان في الحال , التقى سدات والشيخ ابني ءاب وغنيا له , زار مصنع الفضة , والاذاعة والفيلة والسباع , ثم تعرف على كثير من النصارى وخصوصا النصرانيات , اما شرابه في تلك الرحلة فكان غازيل وربما بعض الخمور, تعب من اكل وجبة لايعرفها الا اهل انواكشوط تسمى (امبور بير) دخل السينما وشاهد اشياء لا يمكن ان توصف ....على صاحبنا اذن ان يعد العدة للتعادل مع هذا الصديق الغريم!!! 

                                                                                 المرتضى ولد محمد اشفق

الخميس، 12 يناير 2012



    عفوا ايها الوطن انا مجرد شاهد: 
المرتضى ولد محمد اشفق

اختلفوا عليك وتحاربوا باسم هويتك...ارادك البعض اسود فاحما كخافية الغراب الاسحم بلا بقع  بيضاء كالبرص المقزز, تولي ظهرك لكل من ينطق الضاد سليمة...وارادك ءاخرون ابيض ناصعا كرغوة لبن اللقاح ,لامكان فيك لمن ينطق الضاد دالا لان البياض لا يحتمل الدنس...وارادك ءاخرون كالعين لابد لسوادها من بياضها ولا بد لبياضها من سوادها كي تبصر....تخاصموا وكادوا يقتتلون..وكانوا بحاجة الى ان يطلع عليهم الامين ويبسط رداءه ليحملوك جميعا فتتلامس الايدي والسواعد وتتقارب الافئدة  من بعضها ويشعر كل من فيك ان الاخر جزء منه.....لكنهم وجدوا انفسهم شركاء في التمثيل:
كتبوك نصا جميلا بلغة رصينة تتدفق سحرا وروعة , ديباجته قوية النسج , وفقراته محكمة الربط , وافكاره متناسقة متساوقة جمعت فصوله وابوابه جمال المبنى وروعة المعنى , وكيف لايكون ذلك كذلك وقد كتبوه جميعا وغربلوه ونقحوه واستعرضوا فيه كل مهاراتهم اللغوية والابداعية والفكرية..
قراناه وحلق بنا في ءافاق السعادة ..واحلنا الفردوس المفقود في ما يشبه سنة و نوما...ولما صحونا من سكر النشوة راينا النص يتحول الى مسرحية...تحولت لغته من رومانسية الشعر والبلاغة الى رطانة الحركة والفعل... ولانهم اذكياء جدا وبلداء جدا كانوا ايضا هم الممثلين...بالوانهم كلها وافكارهم كلها...الابطال ثلاثة : مفعول به ضحية...وفاعل..ومفعول له...وبدا العرض فتحولت الشعارات المخملية الى دخان ورماد , الى افعال بشعة , فراينا الابطال يميطون الثمتهم ويخلعون ثيابهم الكاذبة ويتحولون الى وحوش كاسرة رغم الشبع تتوقد جوعا , واشهرت كل ءالات الفتك واجهزوا عليك ايها الوطن الغالي (المفعول به).. ليذبحوك ويقطعوك اربا اربا وفي جسمك بقية حياة , لا يابهون بالامك...... همهم ان تنحر ويعود كل بقطعة من لحمك...لايسالون انفسهم : هل فقاوا عينا ام جدعوا انفا ام بقروا بطنا ام بتروا ساقا....انت بالنسبة لهم قصة مزورة ,  انت فيء , و الغبي من يتعفف عن نصيبه منك بحجة انك اغلى...وابقى واهل لان تبنى .....فهذه في شرعهم اغنيات عتيقة يؤمن بها المغفلون...ويكفر بها الذين يغنون بها بكرة واصيلا وقبل اذان الفجر..
زوروا حتى انتماءهم اليك ..فالشهود شهود زور, والمكان  زور, والزمان زور.. زوروا اسماءهم ...زوروا ءاباءهم , زوروا امهاتهم , زوروا اعداد اطفالهم , بل رايناهم في هذه المسرحية العجيبة زوروا اطفالا للاعزب والعقيم ليقتطعوا منك تعويضات عائلية زهيدة يرونها خيرا منك...تزوجوا اخواتهم وعماتهم وخالاتهم لياخذوا منك..... زوروا الحياة  للموتى  ففي نهاية كل شهر يهب بعض الموتى من قبورهم , ليسحبوا رواتبهم ثم يعودون الى مضاجعهم  ...زوروا الموت للاحياء , فقد تلتقي قوما رحلت لتعزي فيهم , قبل ان تدرك انهم اموات بشهادات مزورة حتى لا يدفعوا ديونك  لانها بالنسبة لهم خير منك...زوروا المرض - لم يمنعهم الفال السيء- لاصحائهم حتى لا يخدموك لان راحتهم واستمرارمخصصاتهم يرونها خيرا منك....اراملهم الفتيات اللائ تزوجن يبقين مترملات لتبقى معاشاتهن جارية منك , واطفالهم يبقون دون سن الرشد دائما لان تعويضاتهم خير منك...زوروا الوظائف ليتقاضوا رواتب مقابل لاشيء لكنهم يرونها خيرا منك ... فرغوا من وظائفهم الاصلية واغلقت مدارس وفصول ومعامل ومكاتب في كل الاجهزة  وتراكموا في قطاعات لم يروها ليمارسوا التجارة في الصين والهند وافريقيا والخليج وظلت رواتبهم نزيفا من شرايينك....زوروا المنازل ليؤجروها لانفسهم وتدفع انت... لان ما تدفع لهم خير منك...زوروا الجهل فدخلوا بيوت محو الامية وهم يحفظون القرءان ويحملون شهادات عليا في القانون والتشريع ويتهجون (بـــــا بــــــــــــوبــــــــي) لياخذوا منك ما يرونه خيرا منك...زوروا الغنى ليقترضوا منك ولايقضون.. وزوروا الفقر لياخذوا منك اذا حنوت وتكرمت ...زوروا الفواتير, فانت فيها فردوس وجنات نعيم تجري من تحتها الانهاروانت على الارض تنزف بعد ان نهشتك انياب المفسدين و طحنتك اضراس العابثين ...فقصورهم من دمك...وقطعانهم من دمك...وسياراتهم الفارهة من دمك .. وزيجاتهم من دمك..زوروا المدارس من اجل الكفالات وجلبوا الاطفال الابرياء من اماكن قصية ليكونوا شهود زور وليبداوا التعرف عليك بقصة ملفقة , ترى كبارالاطفال يتغامزون ويسخرون من كذب ءابائهم ...زوروا المحاظر واستعرضوا الالواح الخشبية والقرءان والاطفال الصغارلياخذوا منك..ما هو في شرعهم خير منك...اتعرف من هؤلاء يا وطني هم فاعلون ومفعول لهم وهم قبل ذلك ابناؤك وقد ائتمنتهم...فعلى كل وثيقة مزورة وضعوا ختمك ورمزك...ثم هم مسلمون يصلون في المساجد الليالي الممطرة لا تثنيهم ظلمة ولا وحل ولا بعد...يصومون رمضان و يتطوعون بصيام رجب وشعبان...يحجون ويعتمرون...يقراون القرءان ويبكون من خشية الله...يتحدثون عن مروءاتهم ونقاء سرائرهم ويستعيذون بالله من الضلال المبين ومن اكل مال المسلمين...يعظمهم البسطاء ويقبلون يديهم ويتوسلون بهم لنيل رضى الرحمن..
وبعد :
بين ثالوث طبقة سياسية متعفنة وادارات متسلطة ونخب ثقافية وعلمية راكعة يضيع الوطن بكبريائه , بشموخ جباله وكثبانه , بسخاء سهوله ووديانه , بجلال تاريخه وعز محاظره وعظمة علمائه.., بفروسية ابنائه ودماء شهدائه .. بنقاوة صحرائه وبراءة بداته الذين لايعنيهم منه سوى مواقع القطر ولا يدرون ما اسم السلطان...
عودتنا الطبقة السياسية المتعفنة على التميع والتلون وتبديل الادوار دون الحاجة الى فترات تدريب اواستراحات قصيرة...لاتستحي ان تحول التكشيرالى ابتسام ,  والادانة الى اشادة وعلى الخشبة نفسها دون اللجوء الى الستارلتبديل الديكور...تعودت حياة البذخ والترف واستنزاف المال العام , هرمت وحرمت بهاء الوقار ومات فيها كل شيء الا رمق الجشع والمتاجرة بضمائر العباد واغتصاب ءاراء الناس بالابتزاز واساليب الترويع والترغيب البدائية..همها تنمية راسمالها السياسي...وتلميع صورها المعتمة , لها قطعان مدجنة تحشرها في معالف متفرقة...وهي ذخيرتها في الحرب , لكنها لا تامنها رغم ما تضخ فيها من وسائل ورغم ما تبديه القطعان من رضى , فما تقوله المعزى في العلن وتقسم عليه في المصحف شيء وما تفعله حين تخلو بنفسها شيء ءاخر , و لها اوطان سياسية هي مدنها وقراها الداخلية...لاتزورها الااذا استحصدت مزارع السياسة...فتتداعى ربيعة ومضر وعبس وذبيان كما يتداعى الاكلة على قصعتها ويدقون بينهم عطر منشم  وتدور معارك قبلية وعشائرية واسرية يخف فيها الوقار ويجهل فيها الحلم...ويزورفيها التاريخ والجغرافيا والفقه , وتستعرض فيها القطعان لتتصارع الفئران والضفادع  والحيات وحتى النعاج السياسية , فاذا وضعت الحرب اوزارها سارعوا بالرحيل الى اوطانهم في نجد وتهامه وعطارد والمريخ  قبل تضميد الجراح وجر الموتى الى القليب ...مكتفية بذر بعض الحبوب المتقعرة لديكة المواسم تتقاتل  عليها وتشغلها عما هو اكبر, ويدوم الهجر الى ان ياذن الله بموسم سياسي جديد..
اما كثيرمن اداريينا فيسبح به الخيال الى عصور الظلام وجهل الرعية...يحلم بسياسة السلطان والصولجان والحراس الخصيان , وكسرى انوشروان , غير مدرك ان عهد : خذوا ابن الزانية الى السجن فقد ذكر الله قبل ان ءاذن له قد ولى , وان عصر هولاكو وحرابه وكلابه قد امحى حتى من ذاكرات المغفلين...... هؤلاء هم الدولة امام الشعب , فبهم يقتنع ان له وطنا يستحق الولاء او يدرك ان كلمة وطن مسمى للوهم...والظلم والغطرسة والتكبر والغلظة ...و يصير عدوا يستحق العقاب...ترى طوابير البسطاء الكادحين المعيلين اسرهم بعرق الجبين يتدفق كحبات اللؤلؤ على جباههم , رؤوسهم شعث يكللها غبار اجمل من النضار لانه اثر معركة مقدسة للكسب الحلال , تلفح وجوهم الشمس فتكسبها الق سمرة داكنة تختزن معاني الشرف وشهامة البدوي النظيف , لكنهم يدفعون بالابواب لانهم من ذوي الاطمار , اما من يفترض انهم مسؤولون ففي مكاتبهم  قابعون تحت عويل المكيفات يستنفدون طاقات الهواتف الرسمية , يخوضون في احاديث اللغو البعيدة من هموم المواطنين وتستهلكهم اعواد السجائر لايستقبلون الا من تبدو على وجوههم نضرة النعيم  ليكونوا شركاء في صفقات يذبح فيها الوطن والامة... بل ان كثيرا من هؤلاء الاداريين في قطاعاتهم المختلفة – خصوصا في الداخل - يخلقون بينهم ما يسمى رحم الغربة ويقتضي ان يتبادلوا المنافع كل حسب مااسترعي من مصالح الشعب وامواله لانهم لايدرون متى يعزلون على طريقة (ايها القاضي  بقم قد عزلناك فقم) - مسكين السيد القاضي عزلته ضرورة السجع - , ولو كان بعض هؤلاء المسؤلين مسؤلا حقا - كل من موقعه -  لانتهز فرصة عمله لترسيخ قيم المواطنة بتطبيق العدل والانصاف والمساواة والقرب من المواطنين , حتى يحبب الوطن الى الشعب فيقتنع ان الوطن يستحق الحب والتضحية والولاء وانه اغلى من الحياة نفسها...يروى ان حاكما فرنسيا كان يلهب ظهور المواطنين بالسياط ويقسو عليهم في كل امر خلافا لبعض دهاة الفرنسيين الذين كانوا يتملقون المواطنين بالهدايا و الهبات ليحببوا اليهم فرنسا ولما كتب الحاكم مذكراته اعتذر للموريتانيين عن قسوته قائلا انه من اصل عربي وانه كان يريد ان يقوي بغض الموريتانيين لفرنسا ...
اما النخب الثقافية والعلمية الراكعة فهي ءافة الوطن ومصدرالوجع الخلقي المستشري  والخارج على السيطرة..اليست هي من  يلوي اعناق القوانين والشرائع وحتى الاحاديث والايات القرءانية لتبرير وتمرير قيم الفساد والانحراف ؟؟؟ الم تتنازل عن عظمة الشرف وكبرياء العدل وانتصاب القامة يوم لهثت وراء المال وقبلت ان تكون سدنة في معابد ءالهة الثروة المسروقة؟؟؟امس كانوا قادة وكانوا ذادة وكانوا اهل الريادة واهل السيادة عندما كانوا فقراء يظنهم الجاهلون اغنياء من التعفف ... كانوا يحملون ثروة لا تنقص وقوة لا تضعف : قيمة المعرفة , واخلاق الثقافة  يتنفسون عبقها وشهامتها ,لايفكرون في السيارة الفارهة والقصر المشيد والقطعان السائبة بين الاودية , كانت اقصى امنيات اصحاب الاموال والسلطة ان تتزين مجالسهم بالنخب الثقافية  ايام كانت هذه النخب ترفض  لانها لاتحب الا كبرياء اليد النظيفة والضمير النقي  وعظمة النفس القانعة...واليوم وقد تسلل الوهن الى نفوسها كفرت بالمبادئ وابتدعت ثقافة التزلف والتكسب والنفعية الجشعة...فتحولت الى اذناب وخطباء اعيياء للدعاية الرخيصة وتسويق الفكر النحيل ..و ضاع وطن تنحني نخبه طمعا لاقزام الفكر والاخلاق والوطنية...نخب تصفق لخطابة باقل وتحلل ابعادها الجمالية والبلاغية والفكرية وتسخر من عي ابن ساعدة وسطحية ابي العلاء..نخب تتعفف عن سرقات المتنبي وقصائده البلاطية , وتمدح كلب الامير...وتتغزل بالعوراء ام جميل...   

                                                             المرتضى ولد محمد اشفق 
الاستاذ الاديب /الكور السالم ولد المختار الحاج













رثاء لفضيلة الشيخ المصطفى بن الشيخ القاضي رحمه الله

ترجلت عــن عليا لعليا ترجــــــلا          به حزت اعلــــى المكرمات واجملا

ترجلت مـــــن دار الفناء الــى التي           ستبقى بها الندب الكريــــم المبجلا

ترجلت محمـــود الشمـائل ماجـــدا          اغر ذرى العليــا تبوات منــــزلا

عرفناك صوام الهــــواجـر حســبة           تبيت الليـــالي قانتـا متبتــــلا

عرفناك تسدي النصــح للخلق كلهــم           عرفنــاك هجيــراك ان ترشـد الملا

عرفناك مفضالا عرفـــــناك ســيدا           عرفناك اوابــا عرفـنـاك الامثــلا

عرفناك ءاسي المدنفـــين وكـهفــهم           عرفناك للملهـوف غوثا وموئــــلا

عرفـناك عند البـين ترئب مــــا ثات           ايــادي وشاة تـزرع الكيــد والقلا

اضفت طريف المجد للتالـــد الــذي            تاثل فـــــي اسلافــكم وتاصلا

سيبكيك محراب سيبكيك مـسجــــد           ستبكـــيك ايتام ومن قد ترمـــلا

ستبكيك اسحـــار بها ظلت دائمـــا           تثور ءاي الوحــي غضا مــــرتلا

احبك لا تــفـــسير للحب انـــه          رباط الهي يفوق التخيــــــــلا

ترجلـــت عنا فــــالقلوب حزينة            عليك ولكن حتــــم ان نتحمــلا

ونحتسب الاجر الجـزيل من العلــــي           وموعوده للصابرين علــى البــــلا

ونرجو مـن الله العلـــي سوابـــغا           من الرحمــات الغر تترى علــى الولا

وان يجعل الفردوس الاعلـــــى مآله           ويخلفه فــي الاهل بالخير والعـــلا

وصلـــى على المختار والصحب كلهم            صلاة بهـــــا للغم والحزن انجـلا

                                                            الكور السالم ولد المختار الحاج