الاثنين، 28 مايو 2012


يحيى ولد اشفق
المرتضى محمد اشفق

رحــــل ليــــــــبقى :
سبع وعشرون سنة فقط عمر قصير..واي فتى لا يحلم ان تسير به سفينة الزمن مسافات طويلة...واي ام لا تنتظر ان يعمر طفلها وترى الشيب قد غزا قذاله ولحييه.....سبع وعشرون صفحة فقط  ويكمل الفتى تصفح كتاب حياته ويصل غلافه الايسرويرسم الزمن نقطة النهاية...
عرفته وانا طفل في ذلك الحي من اهله , اسمر اللون , هادئ الطبع , وادركت رغم حداثة سني ان للشاب احلاما اكبر من سنيه , في عينيه حالة شرود الى آفاق غير مرئية , وترتسم على محياه الوديع علامات استفهام لزمن شد راحلة اللانتظار , ومسحة حزن حيرى , وكان يبدو مسافرا عابرا , وفارسا لم يمنح فرصة حط سرجه , اذكر يديه الناعمتين واذكر كيف كانت صفحتا كفيه تختلفان عن باقي الاكف...كانتا تبدوان اكثر  لينا وبلون آدم....وكان يلفت انتباهي فيه طبيعة مدنية تميزه عن باقي اترابه الذين لم تسمح لهم الايام بالتخفف من اثقال البادية وكدرتها ...ومن بعض طباعها التي لا تختفي بسرعة عمن بدلوا بدار المدينة دارها....كان حسن الهندام نظيف الجسم......
احترام الفارق العمري يشرع غالبا اعتداء الكبير على الصغير....ولعل ما كان يحدث من معارك باسم "الاعصار" في مجتمعات محافظة ....متدينة....يتلى فيها القرآن ءاناء الليل واطراف النهار...وتقام فيها صلاة الجماعة...وتدرس فيها المتون الفقهية....كان راجعا الى طبع بدوي جاهلي لم يمت ,  تبيح فيه الرجولة المستمدة من العنف العضلي كل مظاهر الوحشية والدموية...كم راينا من اخ كاد يقضي على اخيه باسم الحمية "للعصر" ويتقبل المجتمع الحدث رغم قسوته وكانه امر طبيعي.....كنت اشاهد بعض تلك المظاهر التي جنحت في طفولتي الى بعض الخفة ....كانت تتجلى في بعض الالعاب ك"هيب" و"شات" وغيرها من فرص تصفى فيها الحسابات المختلفة..... كان بعض الكبار يتفنن في إيذاء الصغار وطردهم , خصوصا الكبار الجبناء الذين يبدون ضعافا امام من هم في اعمارهم , فيعوضون عن ذلك باهانة الاطفال والانتقام لانفسهم بهذه الطريقة , لكنني كنت ادرك ان اخانا يحيى لم يكن ابدا يميل الى تلك المظاهر التي يتضرر منها من حرمهم الله سواعد وعضلات قوية....بل كنت الاحظ فيه رفضا صامتا واانكارا لا ينزلق به الى مصاف المارقين على اخلاق "القوم" لان عليه ايضا ان ينتمي ....لكنه كان يتجاوز....
صاحبنا هو فتى لمع واختفى كبروق حزيران.....كم شخص اهل البادية في العشر الاواخر من حزيران الى الشرق وقد قضى المحل على المراعي وصوح النبت ورعي الهشيم......كم انتظروا برقا غير خلب يفرج كربهم .....كم رجوا ان تحبل السماء وتتفرق مواليدها في الاودية والسهول.....لتخضر بعد يبس وتندى بعد ذبول....
ذات يوم من ايام 1950 احتضنت المرحومة مريم بنت محمد اطفيل وليدها يحيى.....احبته وهي العطوف على كل عباد الله وربته ورعته وارضعته لا بلبانها فقط بل باخلاق فاضلات وطباع كريمات....اما والده فما ذا نقول عنه وقد دوى صيته في كل صقع واصاب كل جديب من سيبه صبب....محفوظ ولد اشفق الذي حفظت اخباره واخلاقه وعظيم قيمه مع الفاتحة وميمية البصيري....رجل تبهرك صنائعه يخيل اليك وانت تسمع قصصه عند رجال الحي انه عاش قرونا اوانه اسطورة ...والغريب انه لم يكمل عقده الخامس.....رحمه الله.....ما كان للطفل اذن ان يتخلف عن نهج ابويه فقد نشا يجسد تلك الاخلاق كلها رغم حداثة سنه .
رحل يحيى مبكرا الى المدينة , حل بنواذيب فترة ثم استقر في انواكشوط , في سنة 1975 عمل في قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي....ثم لم يلبث ان صار رئيسا لقسم المخطوطات الوطنية ....الى جانب فطاحلة العلم والادب مثل المختار ولد حامدن رحمه الله والشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر....وهناك في ذلك الوسط العلمي الكبير رسم يحيى لوحة جميلة سطر فيها بعض مخزونه الثقافي والاخلاقي العظيم , ولنا ان نحار في فتى لم يتجاوز يومها 25 سنة يزاحم بكرمه وموهبته وعظمته ونبله فرسانا من الوزن الثقيل في ميدان الممارسة والتطبيق....كان يسطر على صفحة الزمن حروفا لامعات ....مازالت دررا شاهدات تحملها ذاكرة الايام لفتى لم تمهله الاقدار طويلا....
في احدى ليالي  1977 وجمت قرية اغشوركيت واغبر افقها بما حمله صباح لم يدر عمق الجرح وجلال المصاب....لكن تلك النفوس المؤمنة ادركت ان الصبر عند الصدمة الاولى وان دواء كل مصيبة : انا لله وانا اليه راجعون ...استرجعت امه واهله وكل الناس اهله واحبابه....
المختار ولد حامدن
تعدى الجرح ذلك الحي من اهل الفقيد ...فبكاه اصحابه...ومعارفه والذين عايشوه من قرب بحكم العمل : فهذا علامة موريتانيا وموسوعتها المختار ولد حامدن يقول:


تفيض علــــى يحي ابن الفغ اعين     و تذكـــره بالخير و الفـــضل ألسن
 فلله من هـــــــو مومـن هو موقن    ولله من هو مسلم هــــــو محــسن
 كهمك منــــــه طاهر القلب طيب      كريم السجايـــــــا لين الطبع هيـــن
 واما الندي و الحلم و العلم والتقي   فأشياء من شمس الضحى فيه ابين
 و يشهد في دار الثقافــــــــة بحثه    علي انه الفـــــــــــــــــنـي و المتفنن
 فيا امه صبرا ويــــــــــــا اخواته     فليس عن اجر الصبر يرغب مومن
ويغنيك يا يحـــــــي من الله رحمة     عن الاهل ان بالاجر عنك هم أغنوا
لقد كنت في محياك دينك سالم         و حظك موفـــــــور و عرضك صين



وهذا الشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر يقول:
احمدو ولد عبد القادر
مالنا نملأ الحــياة امانــــــــــــــي     لم نفـــكر في طارق الحدثان                
مالنــــــــــــا و الحياة شــيء قليل     ثم تأتـــي المنون في غليان
 جل خطب هز العقول و غطــت     اوجــــه البشر بردة الاحـــزان
غاب شخص الايمان و الاحسـان      ذاك يحـيى اعجوبة الازمان
اننا اليوم بالمصاب ثكالــــــــــى      قد فـــــــجئنا بداهيات الزمان
و بكــي العلم فــوق ايك التعازي      عز منه تسلق السلـــــــوان
كان ينصــــــــــــاع للعبــادة لاه       بدروس الحـــــديث والقرءان
خلق يبهر الجبال الرواســــــــي       وعفــاف يسمو عن الاقران
قد عرفــــــــــــناه اريحيا كريما       أبي الضيــــم مستنير الجنان
يتأبي الخني و يسمو عن الجهــــــــــــــــل بنفـــــــس زكية ولسان
 فترة عاشها من العمر فـــــــينا       قلت لكن قد انتهت فـي امان
رب اذ طاب فــــــي الحياة هواه      اجعل القبر روضة من جنــان
 اجر الاهل في المصائب واخلف    عن فــــقيد الايمان والاحسان


الاثنين، 21 مايو 2012


المرتضى محمد اشفق

الرحالة موهوب (1)


اسرج حصانه وغافل قمرا قوسته تسع عشرة ليلة من الادلاج المتواصل , حجبته جوابة آ فاق من سحب لا تكاد تؤنس حتى تيئس ...عابرة للقرى والارياف لكنها  تختفي بسرعة وقديما قال كثير عزة 

واني وتهيامي بعزة بعدمــــــا     تخليت عمــا بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما     تبوا منها للمقيل اضمحلت

...سحب رقيقة وشفافة كملاحف صبايا ليالي الصيف...لكن عشاق السرى يحبونها ويرونها سميكة انخداعا لداعي الغاية ...وانتهازية النهم وصاحب المشروع الميت.....
غادر موهوب مضارب قبيلته ويمم اللاوجهة محددة ...عدا الحصان ملء فروجه....اشرقت الشمس ...واعلمت التائه المتحمس بحرارتها الشديدة....انذرته عبر اشعة كانت تختلس المرور بين بقايا سحب الليلة الماضية التي بدا جمعها في التشتت والتلاشي كمهرجان شعبي يخطب فيه عيي والشمس في رابعة النهار..و كمصلين غالبوا الاستماع الى محاضرة في التركة بعد احدى جمع ايار..في وادي ذات الافاعي حط سرجه ...وفي ظل "طلحاية" عجوز جلس واخرج من جرابه ورقة فيها مكتوب متعرج السطور كآثار نملة عرجاء...قرا ثم اخرج ادوات حلاقته وارسل على لحيته اعصارا جعلها كالحجر الصلد الاجدب بعد ان كانت غابة من شعر...اخرج سيجارة ...ورحل....تمتم: صرت مقبولا بينهم ....استقبل موهوب بحفل كبير وثناء كثير فهو الحسيب النسيب...العالم العامل..المثقف المتوقد....والجهبذ العبقري....والسياسي الواعي....انه غمامة مباركة تداركت ضعف الصدي...كابد كبت خواطر متفرقة ازدحمت في صدره ...الجم بعسر قهقهات ساخرة كادت تفضحه وهو يسمع الثناء عليه من علية لم يحلم بان يصافحوه ....لكنه لجا الى حيلة غريبة..استحضر قطيعه الذي فقده ...والذي استنتج منه ان هناك لعنة اسمها المطر ...تبيد القطعان ان حبست وتقضي عليها ان ارسلت....فغلب الحزن البشارة....اطرق اطراقة المفكر الشارد في اجواء الحيرة والشك...او ان شئت اطراقة حمار يستظل ضحوة بجدار بيت خرب يخيل الى رائيه انه يفكر في ازلية الكون وابديته....لقنوه ما يجب ان يؤدي من ادوار...كالخروج من القمقم القبلي والديني والثقافي....فمن التخلف والحيف ان يظل موهوب غير موهوب يحشر فكره المتنور وءاراءه الحرة لتبقى راكعة لوثن القبيلة واله العلوم التلقينية , كما كان يفعل هو "ل اماكليف" كلما ضعفت شهيتها عن العلف  ...كان يحشو بطنها مستعينا بالماء وبعض الاصحاب في عملية عدوانية راحمة...غلط  مرة في حديث تعبوي امام جمهور بسيط فقال : هيدال ولد داداه ولما صوبوه صب لعناته على الدولة وعلى الحاضرين وقال همسا لا يهم كلهم سواء ....الاعيان لا يميزون بين الرجال والنساء...
لم تمت في موهوب نزعته البدوية بعد , فما زال يكشف المستور , ويذيع احاديث الليل والسر...وما زال ضعيفا امام صوت الانثى ..يرمق اعجاز النساء باعين قذرة....اعطوه الميكروفون مرة ليذيع بنبرته الجهورية بعض الوعود لجمهور مختلط.....لاحظ ان جمع المؤنث السالم غالب على الجموع...فقال انه التقى "ماري تشوي" وهي في الطريق لتمويل مشاريع نسوية مدرة للدخل...غمزه احدهم مصوبا ....فارعد الطبل وقال هكذا كان يفعل زعماؤنا المحليون من قبل.....واضاف ان بعثة طبية يرأسها "بوتن" وبعضوية "شيراك وميشل ابلاتين ومسي وكوفي عنان " قريبة لاجراء عمليات العين والانف ....دوى التصفيق وفاجا موهوب , فارتعش ولم يصدق ان حناجر القوم بحت بالدعاء والتمجيد....فكاد يصدق ما قال وشرع يصفق لنفسه.....
في قاعة الاستراحة علل موهوب لرفقاء البعثة الحزبية انه عمد الى تلك الاسماء ليكون مثقفا...وهو لا يعرف من تكون ...حفظ بعضها من الاطفال والآخر من خصم صديقه العائد من الخارج...وقد اكتشف بعد دربة وطول مراس ان الشعب تسحره اسماء النصارى واستعمال الكلمات الاجنبية  وان كثرة الاستشهاد بها اكبر دليل على التميز الثقافي والحظوة في امتنا الغالية.....
ثم بدا لفارسنا انه لم يخلق للسكون والقرار ...وكيف يالف البدوي طول مكث في الدار....اليست الصحراء الشاسعة ميدان ترحال ...ورمزا للحرية والانعتاق....
اطلق لجواده العنان ...فتحرر بعد حبس..وتنفس الصعداء.....وطوى الارض ميلا...ميلين...عشرة اميال ثم اختلط الزمان والمكان واستحال العد.....في وقفته قرب قطيع بقر تحلق يندب فقيدة لعلها كانت ذات شان وقرن اخرج ورقته ....وقرر المكث حتى تتبدل حاله.....استوحش وجهه وهو يرى في المرآة شيخا وقورا يصلح ان يكون له اتباع وان تقدم له الهدايا والنذور....فاطمان وقال مخاطبا نفسه بصوت مسموع : " الثانية بقي كم ؟ ثلاثة اواربعة لا يهم العدد الآن"....وجد نفسه مسبوقا باثنتين...فاكمل الفائت ..لكنه تذكر انه سها عن تفقد صلاتهم هل يقبضون ام يسدلون....قرر ان يجمع بين القبض والسدل .....اكرم موهوب مرة اخرى وصيغت بيانات محكمة النسج بتثمين التحاقه...فهو العالم بن العالم ...والقلمس الثبيت.... القدوة الفهامة....والمتخطرف الخانر كما قدمه  احدهم بلغة "فيروزآبادية"....واستحفظ ادوارا بدات سطحية ثم صار موهوب مفكرا محللا وخطيبا مفوها.....كان يكثر من التلاوة ....يبدا شطر الآية جهرا ثم يخمن نهايتها سرا مع انين طويل كالضارع يرى جهنم تلقاء وجهه....في احدى اماسيه الدعائية تحدث للناس عن عظمة القائد الكبير "مراد علم دار" وكيف وقف امام النصارى في معركة عين جالوت ...حاول احد مجاوريه على المنصة ان يصوبه فقال انا لا اعرف هذه الاسماء لي طفل صغير "يهدرز" بمراد ولي ابن اخ يقرا التاريخ سمعته يقول حطين وعين جالوت...لكن المهم ان يدرك القوم اني عالم ومثقف عالمي وهذا كما تعلم زمن "الحراقة" ...وانا عضو في التجمع الموريتاني "للحراقة" وفيه كثير من علماء البلد وادبائه وشعرائه ....
تمهر موهوب في قنص الجمهور من الصف السفلي....وكانت سهاراته الدعائية مشوقة ...كان حسن الصوت ...قال ليلة لبعض السمار انه في بلاد الافرنج جعل قدمه اليسرى مباشرة على خط "اكرينتش " الاحمر وكان يبدو كعرف ديك فرنسي...
واصاب موهوب الدوار ...ومل التقيد ببرنامج محدد .....فتابط  جرابه وقرر الرحيل....وما احوجه للنجعة وقد استبدت آلهة القحط وبسطت سلطانها تاكل الخلق ناحلا وسمينا.....ادرك انه اشتهر وانه لم يعد بحاجة الى هوية مظهرية .....وقال في خطبة الوداع : ايها الناس اسمعوا مني ابين لكم ...والسلام عليكم ورحمة الله .....
في طريق عودة موهوب استوقفه رجل في لباس غريب وساله من تكون ؟ فاجاب موهوب : انا حقيقة هو انا كما تراني لا انقص ولا ازيد...هل انت اعمى يا رجل ؟
الرجل  - قدم بطاقة هويتك
موهوب – انا اشرف واشهر من بطاقة الم تتابع التلفزون والاذاعة ؟
الرجل -  نعم هو انت اذن
موهوب – لا انا لست انا ...من تعني ؟ قل لي انت منهم ام منا ؟
الرجل – وانت منهم
موهوب – نعم انا منا
الرجل – من ؟
موهوب – الذين انت منهم سواء لم اكن منهم ....فمن هم؟ اريد ان أ ؤخر جوابي عنك هل تعرف " انكام " في كلام "البيظان" اذن " انكام"
الرجل- انا منهم
موهوب – انا في الحقيقة لا اعرف من انا ولا غيري يعرف من انا......انا تارة اكون انا وتارة اكون غير انا الذي هو انا ....مثلا اسمع هل تعرف الوجيه ....هل تعرف الاحزاب السياسية ...والطوائف القبلية ...هل سمعت بالمعارضة والموالاة؟؟؟؟ فانا الذي لست انا انتمي اليها جميعا , وانا الذي هو انا لا انتمي الى شيء لاني دعي سياسي ..ولقيط فكر وجدني الناس ذات يوم في بركة "آمنيزير" .. .........فهل عرفتني يا رجل؟؟؟ ....لقد علمتني تجاربي ورحلاتي ان الرجل لا يتوقف عن الحركة الم يقل الشاعر:
سافر تجد عوضا عمن تفارقه   وانصب فان لذيذ العيش في النصب
اني رايت وقوف الماء يفسده   ان يجر طاب وان لــــم يجر لم يطب
ونحن مطالبون بالانتشار في لارض والابتغاء من فضل الله قال تعالى (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله)....اما التوقف فدليل الموت ...والاستقرار صفة القبور...والدور....و نحن احياء نتحرك لنعيش ...وليس لنا وطن محدد ..فالوطن المحدد هو السجن والقيد ...وطننا  حيث يكون الرعي والماء والصحراء الواسعة والافق الحر....وقد رايت بعض الاغبياء يستوطن حزبا معينا او جماعة محددة وهذا عين السخف وقلة الفهم وقصور الوعي...قدرنا ايها العاقل الالب ان نظل في حالة ترحال كلما اجدبت دار بدلنها بدار مخصبة ...وكلما اجدب حزب قربنا اجمالنا ورحلنا الى حزب ادسم طعاما واسخى يدا.....فانا كما ترى وسمعت هو كل هؤلاء لا تسعني ارض ولا سماء ولا منصة ..ولا لون ...والتلون ميزة الحذاق الذين رضعوا الدهر اشطره ...اما الشقي في هذا الزمان فهو المتخلف عن ركب المحظوظين ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما ينشد في مرابع المغفلين اشعار عنترة ولبيد وابن الطلبه , ويلقي على الدمن والاثافي ارجازا واقفافا بتمجيد الضمير والتشبث بالمبادئ والقيم السامية.....ان ذلك هو الخسران المبين..قل لي : هل رأيت قصرا فخما شيدته المبادئ ؟ هل رأيت سيارة راقية جلبها نقاء الضمير ؟وهل رايت قطعانا تملا مابين "آفطوط  الساحلي وفم لكليته" وفرتها يد مغلولة عما تسمونه المال العام.....ومذهبي ايها الرجل  هو ممارسة السياحة السياسة بالانتجاع والترحال لذلك ترى حصاني مسرجا ابدا....واحزابنا السياسية التي تفوق احزاب القرآن الكريم عددا كلها تسعى لبناء الوطن وحماية الوحدة الوطنية والتشبث بالاسلام....هي جميلة ومتجانسة في طرحها النظري....اما زعماؤها فهم من خيرة ابناء الوطن ....ان جئتهم اخجلوك بالثناء والتبجيل , لكن – هل انت مصغ الي ؟- اياك والعجلة فكلما تباطأت ظنوك تستشير عقلك  فابق ردحا من الزمن في منطقة التردد والتحري مفتعلا انك حرون اذا تعلق الامر بالبحث عن الافكار المقنعة والطرح السليم , سيتتدفق اليك المال تحت عناوين مناسبة تقيك الشعور بالمهانة والاذلال ..سيقال لك هذه هدية متواضعة يشرفنا ان تتقبلوها منا ....وهذا يساعدك في ما تجود به على اتباعك المتحمسين لنا.....ثم امكث طويلا مع المؤلفة قلوبهم فهم ايضا اصحاب حظوة واكرام......واسلل لسانك على كل من تأمن شره وبوائقه حتى يخافك الاقوياء والكبار فتنحل صوبك صررهم وتتدفق اليك دنانيرهم.....وجرد قلمك فهو كلب صيد اهل المدينة وأرسله خلف كل صاحب مقام يتتبع عوراته ويكشف سوآته ...وتقوََّل عليه ان لم تمتلئ معدة قلمك من نقائصه ثم ترصده وغافله بزخات متواصلات من قيء قلمك تدنس بريقه وتعفي نضارته ....سيبتغي اليك الوسيلة ناطقة وصامتة سمها هندا وقل ماقال بن حامدن رحمه الله:

مشت بيني وبين الشعر هندي   وهندي املح الشفعاء عندي

عفوا قبل ان نفترق  هذه محفوظات قد تنفعك ان وعيت وصاتي وهي سر حصاتي : جمال عبد الناصر..سيد قطب...البناء...ميشل عفلق..صدام حسين...لينين....كاسترو..القذافي...الربيع العربي......سانكارا...السلفية.....مبارك.....الصين....جفارا....حماس....نجدة العبيد...الاعتصام....افلام....الشرعية الدستورية...النقابة الوطنية للاحذية المسروقة.....رابطة هواة قتل العصافير....جمعية تشريع عقوق الامهات......نادي القمامة الوطنية....المؤسسة الوطنية لبيع حليب النمل..المنظمة الخيرية لمحاربة الصلاة في المساجد....

المرتضى / محمد اشفق




الجمعة، 18 مايو 2012


   من مفردات الزمن الرديء:                              


 الديمقراطية المحنة (1):كتب نفمبر2002 
المرتضى /محمد اشفق

كانوا صغارا يكتفون بالفتات وما يانف الكبار عن حمله من رخيص المتاع  لصيق الارض , ..يخرجون اليه في العتمة , ويعودون باجربة ملئت حشفا ومزعا متسخة وسرجينا وتارة بارجل الصراصير.
كان دورهم التفرج من بعيد , وترديد عبارات التمجيد الزائفة ..اما الغنائم وشرف الانتصار فللكبار, والصغار- بفتح الصاد - فللصغار..
في الصباح تحدث معركة ضروس تستخدم فيها السكاكين والقواديم مع حركات متقنة من سواعد مفتولة لرجال اشداء ...الضحايا قطعان شاء وابل وبقر ..تنقل اخيرا بعد عملية الفتك والتقتيل الى قبورها..القبور هي بطون الناس....عندما يخيم الليل ياتي دور الابطال الصغار...كلاب سائبة وقطط  تلتقط ما استقذره الجزارون..وكم هو ضحل ما يتعفف الجزارون عن حمله وبيعه..
هناك جزارون ءاخرون يبيدون قطعانا ليست من الشاء والابل والبقر ..هي قطعان ءادمية...وهناك دواجن صغار ليسوا من الكلاب ولا القطط السائية ..بل من ولد ءادم...يظهرون في مجازر السياسة اول امرهم
ملثمين , مقرين ان عملهم حقير , واهدافهم وضيعة , لذلك احتاجوا الى الليل والهمس والاقنعة التنكرية..ففي الناس بقية اخلاق..
وعندما يشتد لهيب المعركة , ويكثر الضحايا و الغنائم ..يتدفق لعاب الشهية مدرارا وتسيل اودية وبطاح بقدرها..ويتزاحم الناس الساق بالساق والمنكب بالمنكب والضرس بالضرس لا ليرصوا صفوفهم في الصلاة ولا ليقبلوا الحجر الاسود...هنا يحتاج الكبار الى الصغار في المعركة فيشرعون لهم حق التطفل من قريب لكن بشرط قاس !! لابد ان يخضع كل الصغار لعملية خصاء حتى ينسوا انهم كانوا رجالا , ويسخروا من مهزلة الشرف والشهامة...ثم يسمح لهم ان يدخلوا خدر الحسناء دون ان يؤذوها.
بعض الكلاب والقطط الداجنة لم تعد تتجشم السرى الى المجزرة البعيدة , ففي ما يبقى على الاوضام مما ياباه المشترون بل ما يفوق حاجتهم ما هو اغلى واطيب واقل كلفة...الصغار ايضا فاقدوا الرجولة اصبحوا يرفضون ان يصنفوا مع غير اولي الاربة من الرجال , فقد اكتنزوا لحما وطبقوا شحما والزمن اصبح اكثر رداءة والقيم اشد ضعة...لكن فعل الذبح الذي مارسه عليهم الجزارون السياسيون جعل نصيبهم لا يتعدى الفتات الملتصق بافرشة الطعام ...حبات ارز, وقطع لحم ممصوصة , وعظام مهشمة متفولة استعصت على اضراس الكبار...هل نسوا انهم كانوا يصطرعون عليها حبوا على الركب والمرافق , وزحفا على البطون , لان قاماتهم تعودت حالة الانبطاح...
وذات يوم حمي الوطيس ووجه الكبار سلاحهم الى بعضهم ....وبطشت سكين الجزار السياسي بكرش منافسه فتدلت الاقتاب وما حوت الحشايا من الشحوم....واذا صغار الامس يتدافعون لياخذوا مواقع اشد هبوطا...فسمح لهم ان يكونوا دروعا بشرية واجساما مفخخة , فاحتاجوا الى وقود يتناسب وحجم الحركة...الى علف زائد...فصار لهم ان يتلقوا الكدمات والصفعات والبصاق على الوجوه ونتف اللحى.....ثم تلبد الفضاء السياسي بغيوم اقتم وتحركت الاعاصير والزلازل...وبعد ان هدات الطبيعة واستوت السفينة في قعر المستنقع تشققت الارض عن اؤلئك الصغار في شكل مخلوقات مشوهة يقتلها الضوء وتختنق بالاكسيجين..ولهث الجميع في حمارة القيظ وصبارة القر والقوا كل الاقنعة التنكرية , فما عادوا بحاجة اليها ولا الى  الليل والهمس...لهثوا وراء العجوز القبيحة وعقدت انكحة سياسية بين المحارم , ودون انتظار لاكتمال العدد ففي الفقه سعة وفي الفقهاء انفتاح و سماحة....حاولوا تلميع الهدف...حاولوا ان يجعلوه نبيلا لكن الصورة ظلت معتمة , فالعروس لا يبني بها الا الخصيان...عاد الكبار الى مدارج لم يتجاوزوها اصلا , الى طفولتهم السياسية ..اما الصغار فحاولوا استنبات لحاهم لكن اثداءهم كانت تتدلى.
                   
                             المرتضى ولد محمد اشفق 2002


من مفردات الزمن الرديء :
              
الديمقراطية المحنة (2) كتب فبراير2006

هاذم اللذات، مفــــرق الأحبة..... لو سألت مشرد الأزقة ، او حتى غراب المزبلة عن المقصود لأجابا: الموت ... كان هذا أيــــــام كان الموت وحده مفرق الأحبة وهاذم اللذات ، الموت ظاهرة حتمية وقضاء ماض دون تعثر,هو الغول الــــذي يهـــــدد هدوء الـحياة وطيبها، لكنه كان ظاهرة مألوفة تصد أثار جحافـــله مهما بطشت وفتكت بسلاح أمضى وقوة أعظم هي الإيمان ... ثم  نزل اهل بيت لئيم ( الفكر الهزيل ورداءة الزمن) والقيا عصا التسيار في هذه الارض وطاب لهما فيها القرار ... وجاءت المشؤومة وسبق الجسم العقل اليها وخطب فيــــــــها البلغاء وحاز باقل جائزة الـــــخطيب، وخطبها كل فحل وكل خصي، واذا العجوز الشمطاء برزة  بضة فـــي اعين العور، فانتفخت اجسام  رغم النحول، وألف الأميون المجلدات فـــــي شتــــــى صنوف المعرفة، وملأت لحى النساء مابين مناكبهن.. وتدفــــــق الــــــحليب مدرارا ومغزارا من أثداء الرجال المتدلية كاورام سرطانية , وهم يتمايلون يجرون اعجازا كحناطير الاسكندرية، والطوابيركيلومترية فـــللشاب مصة وللشيخ مصتان، فراينا الاقزام يتطاولون الى تلابيب القمر ، وراينا ذوي الاظافر القرعاء يحفــــــــــرون فــــــي الصخر ليؤذوه ، وراينا اصحاب الارجل القصيرة يتـسلقون القمم...وامتلات السوح بشيوخ بني المصطلق يبكون الناس بمواعظهم  وعجائز بني قريظة يحرضن القوم على الوفـــاء والنقاء وسلك الصراط المستقيم... ونجحت الدعية فـــــي اغـــوائنا فـــعبدناها .. شهدنا بنبوة مسيلمة وصلينا وراءه...استمعنا من ابي لهب لدرس الفقه والقرءان...وتحلقنا حول سجاح تشرح الموطا والاربعين..... انتفـــخت بطوننا كالصهــــاريج ولم نشبع، وامتلات الجيوب بالــــمال الساري فـــــي دهمة ليل بشع من الـخزي والعار وظللنا مساكين نستجدي بائعات القرنفل والنعناع .... ، واذانحن كرمال الصحراء نرحل يمينـــــا وشمالا ، وتمتد الـــسنتنــــــــا صوب المشرق لتلحس الفــــــتات القادم مـن الشرق ، وتنساب اذرعا نحو الــــمغرب لتلعق الصديد الـــمتدفق من الغرب.... ما ارحم الموت يدفــــــــــــن ضحاياه رغم الجراح النازفة الـى حين .... اما اموات الدعية فجيف تملا الشوارع والقصور وحتــــــــــى اكواخ القش وبيوت الـوبر، ويظل النتن ورائحة الدود المزدحم والصراخ المتواصل من الم المتعة وعويل الاعراس المقرفة اغنية الافاكين.
الضائع اليوم من فكر فــــــــي رحلة البحث عن الذات ، امس رحلنا تجارا ومتعلمين الـــى ما وراء البحار لنحميها واليوم عدنا تجـــــارا وعلماء لنبيعها بثمن بخس.. دراهم ملفوفــة...عدنا و وجوهنا حديد اكله الصدا وحياؤنا آوى الى وكر لبد..
عدنا لنفتح  اسواق الــــــنخـــــاسة الــــسياسية.. ونــــبيع حشــــفا وسوء كيلة.... والقوم يلحنون ويربحون. ..وعلـــــى كل وضم تتناثر مزع قصيدة جاهلية عافتها الكلاب الضمر..المحظوظ منا من قبل بعد امتحان عسير عضوا وضيعا في جوقة الزعيم...مطبلا او مزمرا..او متسولا سياسيا او لاعق ملاعق...او عجلا سمينا في القطيع المعد للذبح.... قدر علينا ان نظل فــــي رحلة الــــــتيه والضياع نطارد اطماعا عراضا فــــــي سنوات عجاف... قدر ان نرى بقرات عجافا واخر اعجفها الـشحم، وسنبلات يابسات واخر ايبستها الخضرة.. ويموت العزيز وتاتي العير فاذا الخازن يؤسف لايوسف...  



                               المرتضى ولد محمد اشفق  2006   


الأربعاء، 16 مايو 2012



في رثاء المغفور له حباب ولد حيبلا / ت : 30/4/2012

نحــــــو الجنان بدار الخلد قد ذهبا      لو يفــــــــــتدى انفسا او يقتنى ذهبا

غاب الموطا اكنافـــــــــــــا موطاة      لله مــــــــــــــــــــا قد تلا لله ما كتبــا

مــن القران ومن ضبط له خضعت     به الرقاب له الوهـــــــــــاب قد وهبا

حبــــــــاب الهمه رب الورى خلقا      به تمسك مـــــــــــا جافى وما انقلبا

بالصبـر والحلم والتقوى تعود ان      يخالف النفس والشيطان ما اضطربا

الاكــــــرام شيمته , والبذل عادته      الانفـــــــــــــــاق ديدنه للجار والغربا

ان المروءة فــــــي قبر جعلت بـه      حر بهـــــــا سكنا تختــــــــــاره نسبا

عودت نفــــسك ان ترقى بها ولها      جــــــــــــاد الاله بطهر منه مصطحبا

لما تعكر صفــــو العيش وانطمست    منه المعـــــــــالم كاسا فاض فانسكبا

لبيت داعي اله الناس فـــاجتمعت      لك المحامد لا زيفـــــــــــــــا ولا كذبا

غادرتنــــــا وعيون الحي ترمقنا       خوفــــــا على القلب من تمزيقه اربا

فــــــالحمد لله ان خلفت بعدك من       يشفـــي الغليل ويبري الكسر والعطبا

صبرا بنيه فــــــان الصبر شيمته       لا يرتضي منكــــــم التشنيع والغضبا

فـــــالصابرون لهم فضل ومنزلة       طوبـــى لهم صبرهم يجني لهم رطبا

فــــــالله يجعله في روضة جعلت        له جزاء لمــــــــــــــا من خيره كسبا



حيبنا ولد حيبلا

الاثنين، 14 مايو 2012


 من مفردات الزمن الرديء
سياستناالقبلية وجع خلقي: (نشر2002)
المرتضى / محمد اشفق

سيـــــــــاستا القبلية جحور تتكاثر فيها الجرذان , أكلة المصــاحف وكتب التفسير والتــاريخ   وتنتشرفيها حيات الكدى لتلدغ مفاصل ثوابتنا وتنفث فيها سما وحيا.
هل سمعتم بأمة تنصب لنفسها أعواد المشانق, وتنتحر مطيعة راغبة ؟؟؟  قيمنـــا انبطحت , و طموحاتنا هزلت , وأخلاقنا فجرت.
عصرنا رديء, ونحن تائهون نتردى في حفر القزم والتضاؤل... قاماتنا قصرت حين تشامخ الأقزام, وما زال السرطـــــــــــان المستعصي – سياسة الانحراف- يسوس فضلة القيم التي ورثناها ويحولها تمثيليات ركيكة على أعواد منابرنا .
في سياسة الانحراف ندعـي القبلية, والقبلية اليوم وتر مرخى يشده قراصنة الفن الرخيص في مواسم النخاسة السيـــــاسية , أما القبلية مفهوما للإخاء, والتواصل, والتنافس فــــــي التضحية, وتغييب الأنـــــــــــــا , فقد ركلت الأرجل الجشعة ما بقي من شاهد قبرها منذ زمن وأصبحت أغنية الكذابين والأنانيين وأكلة المال الحرام.
فباسمها نتنابز, ونتحاسد, ويبغي بعضنا هلاك بعض... حساباتنا شخصية وتنافسنا لا إلى الفـــــضيلة والنموذجية, بل إلى سيادة ركائزها ملق, وغش, وحقد.
نـــــــــحن اليوم أدعيـــــــــــاء, إلى من ننتمــــــــــي وأقوالنـــــافــــجوروأفـــــــعالنا عهر؟
الم نقطع الاوصال لنتحول الى فحم مجاني يطبخ عليه الآخرون وجباتهم السياسية؟؟؟
ومع ذلك نحِنُّ الى الماضـي كذبا وخداعا, فندعي المثالية, والأفضلية, والفـــوقية في سلم القيم, وتلك ميزات دفنــاها مع من دفــــنا من عمالقة النبل والشرف والتميز, لاننا انفصلنا عن الماضي انفــــــــصال الحياة عن الموت, فالانتماء إلى الماضي انتماء سلوك وفكر وروح, انتماء إلى الثـــــــــــوابت , إلى الجذور التي تغذينا...الصحابة رضوان الله عليهم ينتمون ماديا إلى مـاض منفــــــصلين عنه روحا وسلوكا لأنه ماض جاهلي وثني, وابن نوح ينتمي ماديا إلى نبي من أولــي العزم من الرسل لكنه انفصل عنه روحا وسلوكا, ولم يتضرر الصحابة ولم ينتفع ابن نوح .
اما أبطالنا اليوم فهم المهرة في النفاق والغيبة والنميمة والحسد والبـــذاءة؟ ألانروي قصص هؤلاء بطولات وتطمئن بها قلوبنا؟
رجال هم خلعاء القيم , و طرداء الفــــــــضيلة, أجسامهم جبال, وأفكارهم وأماناتهم حصــــى , ونعدهم بدور الجماعــات, يحضرون كل جمـــــــــاعة إلا جماعة المسجد , يسهرون حتـــــــى الصباح في اللجاجة والخصام وإذا أصاب حياتنا السياسية بعض العافية ناموا عن أوتارهم , يتلفــــــــون الأموال وينهرون الســــائل والمحروم, ونعتبرهم أئمة في الفقه السياسي, تثب لهم الرجـــال وقوفــــــــــا , و تنحنــــــــي لهم القامات, ويتلقف البسطاء أحـــــــــــاديثهم وينامون عليها.
أي ضياع هذا, وأية دعارة سياسية تلك؟
مجتمع بريء نسوقه بعصي السلاطة والامتهان إلى حروب ومعـــــارك لايفهمها ولا تعنيه , نقحمــــــه بشعا راتنا المزيفة فـــــــــي مطاحناتنـــــــا الساقطة , ونقنعه  أنه يستطيع فتح كل الأقفــال بظفــــــــــــــر خنصره, مجتمع مسكين لانتذكره إلا حيـــن نعتصر من عجزته وفقرائه فاتورة أعراسنا السياسية المخزية:  مآتم قيمنا وفضائلنـــــــا.... ما أغرب أن نعتكف فــــــــي المريخ ونمارس الفاحشة نهاررمضان في مساجدنا.
سياستنــــــــا القبلية وجع خلقـــي , تعلمنا مـــنها شيئا واحدا هو أننا بلا ثوابت , وأي شقاء أمرمن أن نكون معاول هدم لثوابتنــــــا؟ مـــاأتعس حياتنــا حين تبنى على علاقات سياسية متغيرة إذا أصبحت لم تعرف هل سيدركهـــــــــــــا المســـاء , وإذا أمست لم تدر هل سيدركها الصباح, ومع ذلك نستميت فيها وننسى كل شيء ونتذكر كل شيء إلا الله وأنفسنا.
لم لانضحك أونبكي- والضحك والبكاء اليوم سيــــــــان- حين يتحول من كنا نزعم أمس أنه ألد خصم, وأنه الأحقر والأغدر  والأكذب والأبعد , إلى ولـــــي حميم, إلى الأعظم والأوفى والأصدق والاقرب؟ لماذا لانشفق على أنفــــــــسنا ونحن ندارفي مواقف ندرك أنها سخف مؤقت؟... من عجائب زماننا طفولة الشيوخ و كهولة الأطفال.
السياسة فــــــــــينا عجوز عاهر, حلاها غيبة ونميمة , لباسهـا سباب وبذاءة , عطرها طمع وأنـانية , والغريب أننا نقع عليها جميعا, بكل خصبنا الاجتماعي , الكبار والصغار, الرجل مع أبيه,  حتـــى المرأة تنزو عليها , وحتـــــــــــى الخصيان يزنون بها ويدعي كل أنه ضاجعهــــــا بكرا, أما الأغنية التي ننشدها في حفلاتنا السيــــــــاسية فواحدة , نفــــــس الكلمات, نفس الألحـــان: المصلحة العامة, العموم, تحييد الأجنبي.....
المناخ السيــــــــــــــــــاســي القبلـــــي متقلب  , خلال كل اثنتي عشرة ساعة تهب العواصف الـــرملية, وتتحرك الأعــاصيرالرعدية, ويموج البحر ويفــــــــــــرق ركاب السفينة , وتبتلع القروش الجائعة بعضهم , ويركب آخرون قوارب نجــــاة مثقوبة, لذلك فـــالخريطة السياسية فـــــــــــيـنــــــــــا لاتكتمل ابدا, ليست هنــــــــاك حدود ثابتة ولا مواقع مستقرة: الرمــال تواصل زحفها... ومجاري المياه تحول اتجاهاتها... والحفر تكثر وتزداد عمقا ولا تمتلئ.
أبوبكروأبـــــولهب وابن أبي ابن سلول, عندنــــــــا ثلاثة أسماء لرجل واحد حسب معطيات الرصد السياسي وتقلبات المناخ الطائفي, بل قد نجد ثلاثة صديقين وثلاثة آباء لهب وثلاثة أبناء أبي ابن سلول في وقت واحد حسب مواقعهم على الـخريطة السياسية وحسب مصادر الأخبار والنعوت.
إلى أين نحن ماضون؟؟

المرتضى بن محمد أشفق 2002


الجمعة، 4 مايو 2012

                   
عظمة رجل:

المصطفى ولد اداع(1888-1940)
لم تكن السالكة بنت الحاج العلوية تقدر ان السربة "الصربه" الوافدة على حيها للتفاوض حول مشكلة من المشاكل التي تحدث عادة بين المجموعات القبلية عندما ينزلق احد افرادها الى عمل غير محمود كاغتصاب ارض او الاستحواذ على حيوان...لم تكن المراة العلوية تقدر ان "الصربة" القادمة من الغرب ستنتهي مهمتها باصطحابها الى ديارهم....
المرتضى / محمد اشفق
ما كان احد من القوم يعرف السالكه ...و لا حتى يعلم بوجودها...
وقدموا لحل مشكل عالق...وتفنن المقدوم عليهم في اكرام الضيوف ....تنوع الاكرام وتشعب الى التفاصيل...دهان الرؤوس....المساويك....الخ....و"يشي" احد المرافقين بالسالكه الى ضيفها المكرمين.....لقد استرق السمع اليها وهي تقول لاخوتها : لاتاخذوا عوضا من هؤلاء القوم , انا اتولى قضاءه ان كنتم لابد فاعلين.....لم يكن الاخوة يفكرون في اخذ العوض لكن المراة بادرت مستبقة الاحداث والاحاديث....
وشاية مباحة ,بل حسنة , بل واجبة ....وامروا "الواشي" ان يتحسس على هذه المراة لياتيهم من امرها بخبر يقين....واذاع المخبر السري تقرير مهمته: فهي تسمى السالكة بنت الحاج , علوية من فرع "تميل" اخوالها اهل لحبيب من"اولاد نغماش"...وهي التي كانت تحرص على ارسال مفردات الضيافة الجانبية : الدهان والمساويك , انها اذن جوهرة غالية, وسفاه ان يفرط الرشداء في كنز ثمين , هكذا استقر في ذهن كبير الجماعة : محمد عبد الله ولد الحاج محم , فاصر على الا تفوتهم بل الا يتركوها وراءهم....خطبها الخليفة ولد اداع وكان اصغر القوم سنا ...
وعادوا الى مضاربهم وقد "صلحت غيبتهم"
ولدت السالكة ولدها المصطفى واخته آي....وتوفيت عند زوجها الخليفة .....
تميز المصطفى ولد اداع الذي تخبئ له الايام دورا قبليا كبيرا, بدرجة عالية من الذكاء والتقوى والورع..
تعلم على شيخه الكبير محمد سالم ولد جدو الحجاجي , اتقن علوم القرءان والفقه واللغة العربية ..ولا شك انه استزاد من الشيخ احمدو ولد الحاج احماه الله الحسني , الذي استقدمه واقام عنده مدة طويلة لتدريس نجله محمد عبد الله ولد اداع .
نظم الشيخ خليل وله عدة اراجيز منها مرثيته لولده محمد عبد الله الذي اختطفه الموت سريعا ولما يبلغ ال23 من عمره لكنه حصل في هذا العمر القصير ما يعجز بعض المعمرين عن تحصيله...فقد بدا هو الآخر سلسلة من الانظام الفقهية .....وكان شابا تقيا عليما باحكام الشرع , قال لي الوالد محمد حيب الله ولد اغربط رحمه الله انه حضر دفنه وكان صديقه وحضر معه كل رفاق المتوفى ينتحبون وكان والده المصطفى حاضرا يقويهم ويعزيهم ويغالب عاطفة ابوية جريحة بمصاب جلل ..موت ولد , ولا كالاولاد برورا وفتوة وعلما وحلما وورعا , قال المصطفى  مخاطبا القوم بعد ان سووا على ولده التراب :  دفن اليوم كثير من معرفة احكام الشرع....لم يزد على هذا وهو يثشبث بشعر راسه ويجذبه خشية ان تنفلت من عينيه دمعة فيها اعتراض على قدر الله...
عاصر المصطفى ولد اداع فترة الاستعمارالفرنسي للبلاد , فقد ولد سنة 1888 وتوفي يناير1940 واسندت اليه جماعته امرها التقليدي وهو في بواكير شبابه الذي لم يشا الله ان يتجاوزه الا قليلا  فكان نعم المؤتمن , قارع النصارى الحجة بالحجة , والراي بالراي ...واراهم رجلا صلبا لا يساوم في ثوابته....فجمعوا له بين التقدير والاحترام نظرا لقيمه وخصاله , واستثقلوه لعدم مرونته في ما يساومونه فيه من طاعة عمياء.....
وقع مع العلامة الكبير الشيخ باب ولد الشيخ سيديا وتحت رعاية الحاكم العام في اندر وكل من حاكم الاك وحاكم بتلميت على خريطة ترسيم الحدود بين مجموعتيهما المتجاورتين....
اثنتان وخمسون سنة فقط هي عمر رجل شغل الناس....بهر الكل ببديهته , وذكائه , بقوته في الحق , وبسمته وتقاه فقد اجمع العارفون به انه كان رجلا صالحا , محافظا على طهارته المائية رغم قسوة الاحوال وندرة المياه , كان لا يقوم من مسجده في صلاة الصبح حتى يصلي الضحى...يظل مسبلا على وجهه رداءه لا يكلم احدا , ولا يتحرك , منقطعا لاستغفاره ودعائه ...رحمه الله رحمة واسعة وتقبل منه خير الاعمال..

المرتضى ولد محمد اشفق