الأربعاء، 18 مارس 2015

بلا عنوان
المرتضى / محمد اشفق
كثيرا ما يثير فضول تفكيري التمعن في بعض الاساليب والمسلكيات النابعة اصلا عن الضعف العقدي وترسخ الفكر الاسطوري في مخيلتنا الثقافية .....هنات لم تقدر آلة صقل الدين المتوفرة والمتعددة والمتحصنة بالمرجعيات الصحيحة , ان تزيلها  بعد , حتى نرى عقولنا وافكارنا ناصعة قد تطهرت من ادران التخلف الفكري وتشويش المصادر ....
ظاهرة الخوف من العين امر مبرر...فالعين حق ..والله انها لحق ....تدخل الجمل القدر والرجل القبر.....لكننا افرطنا في الغلو ....واستسلمنا لضعف عقلي إيماني غريب على امة حررت العالم من الوثنية والتخلف وحيوانية التامل والتحليل...
فظاهرة القزع - وهي امر منهي عنه شرعا - منتشرة في مجتمعاتنا اليوم ...ما زلت اذكر انواع الحلق وكنت  من اصحاب تلك الاشكال: "العرف" وهو ترك مقدمة الرأس مرسلة.."التبيب" ترك حزام منصف للراس غير محلوق , يذكرناه جدار الفصل الذي تقيمه اسرائيل الآن في فلسطين, ..."الكطاي".وهي ترك خصلة تمثل نقطة وسط الرأس طويلة .."الكرن": ارسال خصلة كقرن الثور من احد جانبي الرأس ...."النباحة".وهي طاردة الجن تنبح البلاء...وهي ترك منطقةاستقرار الراس على الرقبة من الخلف دون حلاقة وقد تتعدد النباحات ....و"الزر" وتعني حلق نصف الراس فقط.....كل هذا لصرف اعين الناس عن استحسان الاطفال الذكور في الغالب..خوفا من ضرر العين...
اما المرأة فتلجأ الى وسيلة أخرى لرد العين عند النفاس....هي رسم مساحات سوداء على وجهها  اما بترسبات الدخان اسفل المراجل ايام كان الطبخ على الحطب , واما بغبار الفحم ....حتى لا تعان  اذا لم تظهر عليها امارات الضعف جراء النفاس , لان الاصل ان تظهر عليها علامات المرض من آثار الولادة...
الخوف من العين اوجد ظاهرة الكذب "المباح" ... لا نعني فقط اخفاء الامتعة المكشوفة امام الزوار ..بل ردود امهات الاسر على رسل بعض الجيران – خصوصا المدمنين على الطلب – الذين يلتمسون  سلف بعض الارز او السكر مثلا , فتحلف الام بيمين لم تنو عقدها ( والله يالتالي عندن ال استعملناه سابك امجيك اشوي ) , والله لقد نفد ما كان عندنا قبل قدومك بقليل او (عجيب مشين عند هاذ الا اعطيناه ظرك لهل افلان) واحسرتاه لقد اعطينا آخره لاهل فلان الآن (ما عندن ال لا ج فلعين اغرقره) ليس عندنا ما يسيل دمع العين ان دخلها....هنا ابداع غريب في المبالغة , تعبير عن التناهي في العدمية ...وكثيرا ما يفضح الاطفال كذب امهاتهم فيقولون ( عندن بعد ذاك فالصندوك) يوجد عندنا الارز والسكرفي الصندوق يا امي , فتلف الام اظافرها الى الطفل وتغرسها في فخذه  معاقبة له على صدقه...وقد لا يكون الدافع بخلا بالمادة بل خوفا من العين , كأن يقول الناس : زاد اهل فلان كثير لا ينفد بسرعة او الخوف من فتح الصندوق امام الرسول تجنبا لرؤيته المتاع....
هناك ايضا اللغة الجاحدة , فنحن نعبر عن غزارة لبن البقرة بقولنا (ابجغمته) و(اجغمه) في لغتنا كمية قليلة لا تملأ الشدقين, وعن غزارة المطر بقولنا (ج رش بعد) و(الرش) عندنا قطرات خفيفة لا تغطي سطح الارض , اذا سمعت هذه العبارة من بدوي اصيل فاعلم ان طوفانا اغرق الانجاد والوهاد.....واذا اردنا ان نعبر عن غنى الرجل قلنا (ابطشة...بنحيسة) ف(الطشة) القطعة الصغيرة من الشيء , و(انحاسة) قطعة نقدية وجاءت مع ذلك مصغرة , وبعد الحصاد اذا قال الفلاح عبارة ( اجبرت هبزه ) و(الهبزة حفنة اليد )فاعلم ان الزرع حاصره وغلبه , وان بيادره ضاقت بالمحاصيل...ولك ان تلاحظ  صيغ القلة في تلك العبارات كلها.....
وهناك ظاهرة بخل لغوية لا تقل غرابة عما سبق , هي رياضيا كالتعبير عن 1 ب – (-1) أي على طريقة (نفي النفي ) إثبات , فبدل ان نقول هذا كبش سمين نختار عدم الرضى , واسلوب الجحود فنقول (ما خاسر اعليه ش )  وحتى اذا عرضت على احدهم اكراما : دراعة راقية ...سيارة ...مليون اوقية سيقول لك (ما يخسر ش) اذا طبقنا القاعدة الرياضية ف( ما) تمثل اشارة (سالب) و(خاسر) تفيد السلب , فحصل الاجابي لكن بالمرور على السلبي...وينتشر هذا الاسلوب في عبارات مثل : (ماه شين) بدل جميل , و (ماه امحيل) بدل سخي , (ماه راخ) بدل جيد (ماه ابعيد) بدل قريب , (ماه محال) بدل متيسر ومتوفر جدا....ومن ذلك عبارة (لباس بيه) أي لا باس به , وهي تفيد دلاليا تعبيرا عن مستوى يتجاوز قليلا مستوى مقبول , لكن اذا قالها لك احدنا فمعناها : باهر...رائع...ممتاز. ...اما قمة البلاغة في التعبير عن تمام الرضى والاستحسان فبقولنا : (فلان افك من باس العين) اي انه متميز , او تلك الناقة (خايف من العين) اي ان لبنها كثير....
البخل بالجواب السريع : تسأل احدهم عن مقعد في سيارته (ابلد) الى نواكشوط , وتكون كل مقاعد السيارة لحد سؤالك شاغرة فبدل ان يقول لك نعم شرف لي عظيم ان ترافقني , يقول لك (اندور انشوف) سوف ارى....يضن برد سريع كريم , وكثيرا ما يوفر لك المقعد...واذا قال لك (اكد اعود ) فمعناها موجود يقينا ....لكنه التسويف , والتردد , ومغالبة بخل كامن تفضحه بعض اساليب الخطاب اللغوي عندنا....

المرتضى ولد محمد اشفق

الجمعة، 13 مارس 2015


يحيى ولد اشفق
المرتضى محمد اشفق

رحــــل ليــــــــبقى :
سبع وعشرون سنة فقط عمر قصير..واي فتى لا يحلم ان تسير به سفينة الزمن مسافات طويلة...واي ام لا تنتظر ان يعمر طفلها وترى الشيب قد غزا قذاله ولحييه.....سبع وعشرون صفحة فقط  ويكمل الفتى تصفح كتاب حياته ويصل غلافه الايسرويرسم الزمن نقطة النهاية...
عرفته وانا طفل في ذلك الحي من اهله , اسمر اللون , هادئ الطبع , وادركت رغم حداثة سني ان للشاب احلاما اكبر من سنيه , في عينيه حالة شرود الى آفاق غير مرئية , وترتسم على محياه الوديع علامات استفهام لزمن شد راحلة اللانتظار , ومسحة حزن حيرى , وكان يبدو مسافرا عابرا , وفارسا لم يمنح فرصة حط سرجه , اذكر يديه الناعمتين واذكر كيف كانت صفحتا كفيه تختلفان عن باقي الاكف...كانتا تبدوان اكثر  لينا وبلون آدم....وكان يلفت انتباهي فيه طبيعة مدنية تميزه عن باقي اترابه الذين لم تسمح لهم الايام بالتخفف من اثقال البادية وكدرتها ...ومن بعض طباعها التي لا تختفي بسرعة عمن بدلوا بدار المدينة دارها....كان حسن الهندام نظيف الجسم......
احترام الفارق العمري يشرع غالبا اعتداء الكبير على الصغير....ولعل ما كان يحدث من معارك باسم "الاعصار" في مجتمعات محافظة ....متدينة....يتلى فيها القرآن ءاناء الليل واطراف النهار...وتقام فيها صلاة الجماعة...وتدرس فيها المتون الفقهية....كان راجعا الى طبع بدوي جاهلي لم يمت ,  تبيح فيه الرجولة المستمدة من العنف العضلي كل مظاهر الوحشية والدموية...كم راينا من اخ كاد يقضي على اخيه باسم الحمية "للعصر" ويتقبل المجتمع الحدث رغم قسوته وكانه امر طبيعي.....كنت اشاهد بعض تلك المظاهر التي جنحت في طفولتي الى بعض الخفة ....كانت تتجلى في بعض الالعاب ك"هيب" و"شات" وغيرها من فرص تصفى فيها الحسابات المختلفة..... كان بعض الكبار يتفنن في إيذاء الصغار وطردهم , خصوصا الكبار الجبناء الذين يبدون ضعافا امام من هم في اعمارهم , فيعوضون عن ذلك باهانة الاطفال والانتقام لانفسهم بهذه الطريقة , لكنني كنت ادرك ان اخانا يحيى لم يكن ابدا يميل الى تلك المظاهر التي يتضرر منها من حرمهم الله سواعد وعضلات قوية....بل كنت الاحظ فيه رفضا صامتا واانكارا لا ينزلق به الى مصاف المارقين على اخلاق "القوم" لان عليه ايضا ان ينتمي ....لكنه كان يتجاوز....
صاحبنا هو فتى لمع واختفى كبروق حزيران.....كم شخص اهل البادية في العشر الاواخر من حزيران الى الشرق وقد قضى المحل على المراعي وصوح النبت ورعي الهشيم......كم انتظروا برقا غير خلب يفرج كربهم .....كم رجوا ان تحبل السماء وتتفرق مواليدها في الاودية والسهول.....لتخضر بعد يبس وتندى بعد ذبول....
ذات يوم من ايام 1950 احتضنت المرحومة مريم بنت محمد اطفيل وليدها يحيى.....احبته وهي العطوف على كل عباد الله وربته ورعته وارضعته لا بلبانها فقط بل باخلاق فاضلات وطباع كريمات....اما والده فما ذا نقول عنه وقد دوى صيته في كل صقع واصاب كل جديب من سيبه صبب....محفوظ ولد اشفق الذي حفظت اخباره واخلاقه وعظيم قيمه مع الفاتحة وميمية البصيري....رجل تبهرك صنائعه يخيل اليك وانت تسمع قصصه عند رجال الحي انه عاش قرونا اوانه اسطورة ...والغريب انه لم يكمل عقده الخامس.....رحمه الله.....ما كان للطفل اذن ان يتخلف عن نهج ابويه فقد نشا يجسد تلك الاخلاق كلها رغم حداثة سنه .
رحل يحيى مبكرا الى المدينة , حل بنواذيب فترة ثم استقر في انواكشوط , في سنة 1975 عمل في قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي....ثم لم يلبث ان صار رئيسا لقسم المخطوطات الوطنية ....الى جانب فطاحلة العلم والادب مثل المختار ولد حامدن رحمه الله والشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر....وهناك في ذلك الوسط العلمي الكبير رسم يحيى لوحة جميلة سطر فيها بعض مخزونه الثقافي والاخلاقي العظيم , ولنا ان نحار في فتى لم يتجاوز يومها 25 سنة يزاحم بكرمه وموهبته وعظمته ونبله فرسانا من الوزن الثقيل في ميدان الممارسة والتطبيق....كان يسطر على صفحة الزمن حروفا لامعات ....مازالت دررا شاهدات تحملها ذاكرة الايام لفتى لم تمهله الاقدار طويلا....
في احدى ليالي  1977 وجمت قرية اغشوركيت واغبر افقها بما حمله صباح لم يدر عمق الجرح وجلال المصاب....لكن تلك النفوس المؤمنة ادركت ان الصبر عند الصدمة الاولى وان دواء كل مصيبة : انا لله وانا اليه راجعون ...استرجعت امه واهله وكل الناس اهله واحبابه....
تعدى الجرح ذلك الحي من اهل الفقيد ...فبكاه اصحابه...ومعارفه والذين عايشوه من قرب بحكم العمل : فهذا علامة موريتانيا وموسوعتها المختار ولد حامدن يقول:

نتيجة بحث الصور عن صورة المختار حامدن







تفيض علــــى يحي ابن الفغ اعين     و تذكـــره بالخير و الفـــضل ألسن
 فلله من هـــــــو مومـن هو موقن    ولله من هو مسلم هــــــو محــسن
 كهمك منــــــه طاهر القلب طيب      كريم السجايـــــــا لين الطبع هيـــن
 واما الندي و الحلم و العلم والتقي   فأشياء من شمس الضحى فيه ابين
 و يشهد في دار الثقافــــــــة بحثه    علي انه الفـــــــــــــــــنـي و المتفنن
 فيا امه صبرا ويــــــــــــا اخواته     فليس عن اجر الصبر يرغب مومن
ويغنيك يا يحـــــــي من الله رحمة     عن الاهل ان بالاجر عنك هم أغنوا
لقد كنت في محياك دينك سالم         و حظك موفـــــــور و عرضك صين

ويقول الشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر


نتيجة بحث الصور عن صورة احمدو ولد  عبد القادروهذا الشاعر الكبير احمدو ولد عبد 















مالنا نملأ الحــياة امانــــــــــــــي     لم نفـــكر في طارق الحدثان                
مالنــــــــــــا و الحياة شــيء قليل     ثم تأتـــي المنون في غليان
 جل خطب هز العقول و غطــت     اوجــــه البشر بردة الاحـــزان
غاب شخص الايمان و الاحسـان      ذاك يحـيى اعجوبة الازمان
اننا اليوم بالمصاب ثكالــــــــــى      قد فـــــــجئنا بداهيات الزمان
و بكــي العلم فــوق ايك التعازي      عز منه تسلق السلـــــــوان
كان ينصــــــــــــاع للعبــادة لاه       بدروس الحـــــديث والقرءان
خلق يبهر الجبال الرواســــــــي       وعفــاف يسمو عن الاقران
قد عرفــــــــــــناه اريحيا كريما       أبي الضيــــم مستنير الجنان
يتأبي الخني و يسمو عن الجهــــــــــــــــل بنفـــــــس زكية ولسان
 فترة عاشها من العمر فـــــــينا       قلت لكن قد انتهت فـي امان
رب اذ طاب فــــــي الحياة هواه      اجعل القبر روضة من جنــان
 اجر الاهل في المصائب واخلف    عن فــــقيد الايمان والاحسان

الأربعاء، 11 مارس 2015


محمد عبده ولد محمد المصطفى ولد احمد
المرتضى /محمد اشفق

محمد عبده ولد محمد المصطفى ولد احمد :  غروب قبل الموعد


ولد في النصف الاخيرمن خمسينيات القرن الماضي وتربى في رعاية والدين كريمين احاطاه بعناية كبيرة ..كان والده رحمه الله - والذي سيكون موضوع حديث قريب باذن الله – من الجيل الاول من معلمي العربية المجاهدين , يعني ذلك ان محمد عبدو تمدرس مبكرا وانهى مراحل الدراسة الثانوية , انتقل لدراسته بين اغشوركيت والاك وبوكى وكيهيدي ثم انواكشوط , دخل سلك الشرطة ضابطا وترقى بحكم مؤهلاته حتى اصبح مفوض شرطة متميزا على المستوى الوطني , خدم مديرا للامن في مناطق متعددة من البلاد , فخلق المعارف ووطد الصلات ونمى شخصية وطنية اخلاقية ميزها الجود والحكمة والعقل حتى اسندت اليه مهمة صعبة تدل على الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها في مختلف الاوساط , حيث كان اول مدير لمشروع بطاقة التعريف الوطنية ..وهو منصب تمناه كثيرون , ولم يسلك اليه صاحبنا الطرق المعروفة كالوساطة والرشوة والسياسة...
كان محمد عبدو ولد محمد المصطفى ولد احمد جوهرة اغشوركيت التي اضاءت في كل بيت ونالت حب كل انسان , كان الاجماع على حبه والاعتراف بخصاله معجزة في زمننا هذا , زمن التناحر السياسي والطائفي , زمن غابت فيه المرجعيات الصحيحة , وطغت فيه الاطماع والماديات , زمان انبطاح القيم وهزالها ونكران الفضل في اهل الفضل ...لكن الرجل كان اكبر من الانزلاقات واعلى قامة من الدخول من الابواب التي يرغم الداخل منها على شيء من الانحناء....وكم هو صعب ان يحافظ الانسان في ايام الناس تلك وهذه على موقف موحد واصل ناسج روابط الاخوة بين من فرقتهم الاهواء وعلا فيهم صوت الشحناء....
 محمد عبده غمامة هطلاء  ارسلها الله الى الارض الماحلة , وقد صوح نبتها وذوي زرعها , فتحولت الى جنة معطاء سالت على اجاديبها منه روافد يهدر موجها ويقتلع الهشيم والقش لتخصب ويحلولي الثمر ويستوي الزرع من جديد على سوقه ويكون لذة ومتعة .....
عبدو سلطه الله على هلكة ما ءاتاه من امكانيات زهيدة في الحق ...كانت يده الكريمة تمتد الى المحتاجين , كان يواسي المرضى ويعودهم ....كان يعطي من لايتصور ان يد الرجل تمتد اليه بهدية وعن طيب نفس....لم ينس محمد عبدو زملاء دراسته الذين تخلفوا عن الركب ...لم تغرره المناصب ولم تطغه ...ظل اصدقاؤه اصدقاءه لا يطيب له الانس الا بالسمر بينهم يتبادلون الطرف ويقتاتون على بعض حكايات ماضيهم الذي عاشوه معا وتقاسموا فيه كل شيء حتى عواطف الطفولة وبراءتها....
تمتع عبد بمساحة اخلاقية غريبة وسعت كل الناس , فيها يسرح الضعيف ويمرح ويظن انه المخصوص بين كل الناس...وفيها يجول القوي ويصول يزعم اليس لغيره من الرجل نصيب....البسطاء والوزراء , البيض والسود كل اؤلئك يسبحون في فضاء رحب من عظمة محمد عبدو فلا يضايق واحد منهم الاخر.....
لم تستهوه السياسة والسياسيون , كانت همومه اكبر من الانتماءات الضقية , كان وطنيا بامتياز وكان من حماة القيم الكبرى في قومه , يهتم بشؤونهم , يحل مشاكلهم دون مقابل من المواقف المبيعة ودون اقصاء للاخرين...
لم يعمر عبدو طويلا لان الاشياء الجميلة قدرها ان ترحل سريعا وهكذا كان عبدو , عبدو الظاهرة العجيبة جاء على غفلة منا وحين استقر في شغاف القلوب  , وانساب شعاعه بين منحنيات العتمة مضيئا وهاجا انتزعه الغروب منا قبل الاوان , وما زال في النفس اليه حنين وفي الخلق والخلق اليه حاجات...
وصله "مساج" الموت ينبئه بقرب الموعد...فوجد امامه قوة الايمان والتسليم والرضى بقضاء موشك ان يحل...شغله شيء واحد :ان يخفي طبيعة مرضه عن والدته...كان يبتسم امامها ويخفف لها ما به....ولو رايت القواد والوزراء يصارعون الدموع وهم عائدون من عيادته ولاتربطهم به قرابة , لحيرتك عظمة رجل بات على دقائق من الرحيل  
ولورايت الجموع الباكية ليلة دفنه في المقبرة وكيف تدافع الناس من كل لون ومن كل جهات الوطن حول القبر , وكيف انهدم القبر مرات ومرات لعلمت ان الخطب جلل وان الرجل من الصنف النادر..رحمه الله رحمة واسعة...

     مرثية المرحوم محمد عبد ولد محمد المصطفى ولد أحمد المتوفى يوم 30/8/2003

الله ربــــــي بالبقاء تفـــــــــــــــردا                 وله الرضـــــــــى مـن كل عبد وحدا
إذ لا يرد قضـــــــاءه دمــــــــع ولا                 يجدي البكــــــــا بــــل حقه أن يحمدا
فــــــــــالحمد لله العلي المجتبـــــــي                مــــــــن خلقه خير الأنــــــــام محمدا
من خـــــصه برسالـــــــة تهدي إلى               سبل الهدى يا فــــــوز من فيها اهتدى
لكنــــــــه لمــــــــــــا أتم بلاغــــــه                 لبــــــــى الدعــــاء فغاب أحمد أسعدا
أصحـــــــــــابه ذاقوا أمـــــر رزية                 فـــــــرضوا بذاك مسلمـــــــا وموحدا
وفــــــــقيدنــــا عبد الإلــــــــه أجله                حتـــــــــــى غدا فـــــينا الأبر الأمجدا
وأمده بمكـارم الأخلاق لــــــــــــــم                 نر موطئـــــــا ما جاءه قدمــــــــــا يدا
لمـــــــــا بدت أخلاقنا صحــراء جا                 عبد الغمـــــــــام فلم نعد نشكو الصدى
مثل السحــاب تصببـــا يسقي القرى               يسقي الفيـــــافـــــــــي والمكان الأبعدا
عبد الإبــــا, عبد السخــا, عبد العلا               عبد الصفـــــا, عبد الوفـــا, عبد الندى
عبد المضيع, والمــهيض جنــــــاحه              عبد المحامـد والفــــضائل والجـــــدى
عبد الضــــعيف وعـــبد كل محــــــــــارف        لله عبــــــــدا صــار فــــــينــــــا سيدا
انس الضعيف , حمى الكسير المبتلى             ولكل عـــــــــــــــان كان عبد الموردا
والله سلطه علــــــــــــى أن يهلك الأ   م          مــــــــــوال فـــــــــــي حق الإله تعبدا
أحيـــــــــى المواســــاة التي من قبله             ماتت فــــــــصار لهــــا الطريق معبدا
هـــــو الذي زان المناصب كلهـــــــا               بعـــدالة وشهــــــامة ورجــــــا هدى
إن حــــــــاز أمرا ناله كــل الـــورى               عكس الـــذي إن حازه يومــــــا كدى
من لليتامـــــــى والأرامــــل بـــعده؟               بل من لــمـن من بؤسه يبــــغي الردى
من للمريض ومن لجائعنــــــا الذي                أبدا لــــــه عبد العشـــــا , عبـــد الغدا
لله درك يا فتـــــى حقا فتـــــــــــــى                 نحن التـراب وأنـــت كنت العــــسـجدا
قد كنت فـــي المعــروف أطول قامة               فـــــينــــا وإن كنـــا لفـــــــضلك حسدا
لله درك يـــافــتـــــــــــــى شرفت به                أرضي وصارت للفـــــضائـــل مقصدا
يجـــلــــــــو جــوادك قبل كل مسابق               فــي الخير, أو في الجود كنت الأجودا
ءاجالنا مرسومة نسعـــــــــــــــى لها             اذ كل عمــــر كـــــــــــــــان قبل محددا
حتى إذا متنــــــــــــا انتهت أخبارنــا               نبقى الحصــــى من ذكرنــــا والجلمدا
لكن ذكرك يا فتــــــــى يبقى علــــى                آفـــــــاقنــــا عمر الزمــــــــــان مخلدا
لما رحلــــت تزلزلت أركاننـــــــــــا                وتبددت ورأت بــــــأن قصــــر المدى
كل بدا مـــــــن رزئه فـــــــي ورطة                يبغــــــــي بهــــا لو أنه كان الفـــــدى
لولا الإله يصوننـــــــا برعــايــــــــة               حتـــــــى نظل علــــــــــى سبيل أرشدا
ويحـــــل عبد ذرا الجنان مكـرمـــــا                ومجـــــــاورا خير الــــــبـــرية أحمدا


                                    
                                         المرتضى بن محمد أشفق/01/9/2003