الخميس، 19 نوفمبر 2015

المرتضى /محمد اشفق

الشمع الأحمر 
هل يمكن لغبار السنين المتتالية أن ينقشع فجاة وفي الحفرة قبس متوهج؟؟؟؟ ما كان صاحبنا يقدر وهو يرتب الارقام السبعة ان الصوت الذي سينبعث يختزل مسافات زمنية طويلة ؟؟وكان حديث عابر لغوي , فيه مجاملات باردة....
لكنه انتهى وفي النفس حروف كان ينبغي تخرج....فتحركت..ونمت....وتمددت......وكبرت......وضاق
بها الصدر...فتحسست طريقها , وانقضت على المقبض وخرجت عبر الارقام السبعة....واذا الصوت يحمل حرارة , وعطرا, ودنيا....ثم تواصل انين الحروف وهي تكابد ولادة عسيرة لجنين شاخ في الرحم.....ثم كانت ليلة....كان كل شيء هادئا.....النجوم متدثرة بالغبار, وموجات البرد الضعيفة تتحرك عبر فترات متباعدة, وسكن الليل وسابلة الليل......الا من لغط المراهقين يضربون في الارض على غير هدى يفنون بعض طاقاتهم , ويهدرون بعض عافيتهم عبر امواج الدخان يقذفونها من افواههم في كل اتجاه.........وكان الحي الهدف يشهد انبعاثا مفاجئا لاضواء المصابيح اليدوية, اغلبها عند شيوخ يبحث بعضهم عن عجول كبار استانست بالراحة والدفء وراء الدور الخربة بدل جلد الحلابين والضروع الفارغة, وبعضهم يبحث عن نعاج ملت المغازلات الاليمة لاثدائها كي تجود بما لاتملك....وربما وجه اليك بعض هؤلاء الشيوخ مصباحه متوهما انك الضالة او ليستخبرك عنها....
التقيا من قبل عرضا, في تقاطعات متباعدة , لكن الاثارة كانت نائمة , اما حديثهما الان فكان اكثر حميمية من ذي قبل او هكذا خيل اليهما وهما في نقطة البداية , وبذل صاحبنا الجهد كي يختزل عبر فترات الشرود والذهول والحيرة , والفناء في لحظة العدمية.........وكانت اعتذارات من هنا وهناك تشد الى الزمن الميت واخرى تحاول ان تجر بعناء الى الزمن المفقود.........
سرحا قليلا...حاولا ان يجترا من الماضي ..لكن..؟؟؟ ما أقسى ان نبحث عن موجود مفقود ....وما اتعس الانسان يحاول ان يغير اتجاه الزمن, او ان يوقفه...مستحيل ان تعيش الماضي حقيقة ويقظة , بل تعيشه حلما وحنينا.....تختلس منك لك لحظات تنعدم فيها , وتتحول الى عوالم من السحر, والجمال , والصفاء المطلق , تفر من الزمان الى اللازمان , ومن المكان الى اللامكان , واذا انت شيء لاشيء , سابح غارق في حلاوة العدم, لارقيب ولاناس , كافر بالسبل القبلية والبعدية...ثم تحين لحظة الماساة , لحظة الانتباه المفاجئ والعودة الى الرشد ... واذا الحاضر يشدك شدا عنيفا ليخرجك من عذوبة ضلالك , ومتعة غيك , ويرميك في ضجر الوعي وءالام الصراط المستقيم.....
اعترفت انها حصان من تاثيرات الزمن , بل ان الزمن اضعف من ان يوهن الطاقات الفائقة , وان في التفاصيل التي ترويها برهانا على صدق دعواها..... ثم تدرك ان للزمن اثارا وانها بادية ...وان الكلمات التي كانت تتحدث بها في الماضي بريئة ,, عفوية , فيها شغب الطفولة , وعبق الاسحار,, اما كلماتها الليلة ففيها وقار, وشيء من الانحناء , وفيها اسلوب السرد الواعي الملتفت الى الوراء ,.. كانت تدرك انها الهدف وغير الهدف, كانت تبحث عن شيء ما , تعبت..اعتذرت..., تاهت في منحنيات القصص الرخيص لكنها لم تهتد الى نفسها.....كان صاحبنا غارقا الى اذنيه في بحر الحيرة ..والشرود...لقد انفصل عن ذاته....وهو يستمع ولا يسمع شيئا...كانت الجمل كالغيلان تصفعه...وكان ينتبه من حين لاخر فيدرك انه خال الوفاض من الكلمات وان لسانه مشدود الى وتد...او كانه في غابة حروف محترقة.....ينظر تلقاء نفسه فلا يرى الا رمادا باردا.....تراكم الليل على بعضه , وثقلت خطا المارة, وهما يحلمان ,, ويصغيان الى اللاشيء, والتقت يداهما على قنينة الشمع الاحمر...
                                                          المرتضى/محمد اشفق 

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015


   من مفردات الزمن الرديء:                              
المرتضى/محمد اشفق


 الديمقراطية المحنة (1):كتب نفمبر2002 

كانوا صغارا يكتفون بالفتات وما يانف الكبار عن حمله من رخيص المتاع  لصيق الارض , ..يخرجون اليه في العتمة , ويعودون باجربة ملئت حشفا ومزعا متسخة وسرجينا وتارة بارجل الصراصير.
كان دورهم التفرج من بعيد , وترديد عبارات التمجيد الزائفة ..اما الغنائم وشرف الانتصار فللكبار, والصغار- بفتح الصاد - فللصغار..
في الصباح تحدث معركة ضروس تستخدم فيها السكاكين والقواديم مع حركات متقنة من سواعد مفتولة لرجال اشداء ...الضحايا قطعان شاء وابل وبقر ..تنقل اخيرا بعد عملية الفتك والتقتيل الى قبورها..القبور هي بطون الناس....عندما يخيم الليل ياتي دور الابطال الصغار...كلاب سائبة وقطط  تلتقط ما استقذره الجزارون..وكم هو ضحل ما يتعفف الجزارون عن حمله وبيعه..
هناك جزارون ءاخرون يبيدون قطعانا ليست من الشاء والابل والبقر ..هي قطعان ءادمية...وهناك دواجن صغار ليسوا من الكلاب ولا القطط السائية ..بل من ولد ءادم...يظهرون في مجازر السياسة اول امرهم
ملثمين , مقرين ان عملهم حقير , واهدافهم وضيعة , لذلك احتاجوا الى الليل والهمس والاقنعة التنكرية..ففي الناس بقية اخلاق..
وعندما يشتد لهيب المعركة , ويكثر الضحايا و الغنائم ..يتدفق لعاب الشهية مدرارا وتسيل اودية وبطاح بقدرها..ويتزاحم الناس الساق بالساق والمنكب بالمنكب والضرس بالضرس لا ليرصوا صفوفهم في الصلاة ولا ليقبلوا الحجر الاسود...هنا يحتاج الكبار الى الصغار في المعركة فيشرعون لهم حق التطفل من قريب لكن بشرط قاس !! لابد ان يخضع كل الصغار لعملية خصاء حتى ينسوا انهم كانوا رجالا , ويسخروا من مهزلة الشرف والشهامة...ثم يسمح لهم ان يدخلوا خدر الحسناء دون ان يؤذوها.
بعض الكلاب والقطط الداجنة لم تعد تتجشم السرى الى المجزرة البعيدة , ففي ما يبقى على الاوضام مما ياباه المشترون بل ما يفوق حاجتهم ما هو اغلى واطيب واقل كلفة...الصغار ايضا فاقدوا الرجولة اصبحوا يرفضون ان يصنفوا مع غير اولي الاربة من الرجال , فقد اكتنزوا لحما وطبقوا شحما والزمن اصبح اكثر رداءة والقيم اشد ضعة...لكن فعل الذبح الذي مارسه عليهم الجزارون السياسيون جعل نصيبهم لا يتعدى الفتات الملتصق بافرشة الطعام ...حبات ارز, وقطع لحم ممصوصة , وعظام مهشمة متفولة استعصت على اضراس الكبار...هل نسوا انهم كانوا يصطرعون عليها حبوا على الركب والمرافق , وزحفا على البطون , لان قاماتهم تعودت حالة الانبطاح...
وذات يوم حمي الوطيس ووجه الكبار سلاحهم الى بعضهم ....وبطشت سكين الجزار السياسي بكرش منافسه فتدلت الاقتاب وما حوت الحشايا من الشحوم....واذا صغار الامس يتدافعون لياخذوا مواقع اشد هبوطا...فسمح لهم ان يكونوا دروعا بشرية واجساما مفخخة , فاحتاجوا الى وقود يتناسب وحجم الحركة...الى علف زائد...فصار لهم ان يتلقوا الكدمات والصفعات والبصاق على الوجوه ونتف اللحى.....ثم تلبد الفضاء السياسي بغيوم اقتم وتحركت الاعاصير والزلازل...وبعد ان هدات الطبيعة واستوت السفينة في قعر المستنقع تشققت الارض عن اؤلئك الصغار في شكل مخلوقات مشوهة يقتلها الضوء وتختنق بالاكسيجين..ولهث الجميع في حمارة القيظ وصبارة القر والقوا كل الاقنعة التنكرية , فما عادوا بحاجة اليها ولا الى  الليل والهمس...لهثوا وراء العجوز القبيحة وعقدت انكحة سياسية بين المحارم , ودون انتظار لاكتمال العدد ففي الفقه سعة وفي الفقهاء انفتاح و سماحة....حاولوا تلميع الهدف...حاولوا ان يجعلوه نبيلا لكن الصورة ظلت معتمة , فالعروس لا يبني بها الا الخصيان...عاد الكبار الى مدارج لم يتجاوزوها اصلا , الى طفولتهم السياسية ..اما الصغار فحاولوا استنبات لحاهم لكن اثداءهم كانت تتدلى.
                   
                             المرتضى ولد محمد اشفق 2002
من مفردات الزمن الرديء :
المرتضى/محمد اشفق
              الديمقراطية المحنة (2) كتب فبراير2006

هاذم اللذات، مفــــرق الأحبة..... لو سألت مشرد الأزقة ، او حتى غراب المزبلة عن المقصود لأجابا: الموت ... كان هذا أيــــــام كان الموت وحده مفرق الأحبة وهاذم اللذات ، الموت ظاهرة حتمية وقضاء ماض دون تعثر,هو الغول الــــذي يهـــــدد هدوء الـحياة وطيبها، لكنه كان ظاهرة مألوفة تصد أثار جحافـــله مهما بطشت وفتكت بسلاح أمضى وقوة أعظم هي الإيمان ... ثم  نزل اهل بيت لئيــــم ( الفكر الهزيل ورداءة الزمن) والقيا عصا التسيار في هذه الارض وطاب لهما فيها القرار ... وجاءت المشؤومة وسبق الجسم العقل اليها وخطب فيــــــــها البلغاء وحاز باقل جائزة الـــــخطيب، وخطبها كل فحل وكل خصي، واذا العجوز الشمطاء برزة  بضة فـــي اعين العور، فانتفخت اجسام  رغم النحول، وألف الأميون المجلدات فـــــي شتــــــى صنوف المعرفة، وملأت لحى النساء مابين مناكبهن.. وتدفــــــق الــــــحليب مدرارا ومغزارا من أثداء الرجال المتدلية كاورام سرطانية , وهم يتمايلون يجرون اعجازا كحناطير الاسكندرية، والطوابيركيلومترية فـــللشاب مصة وللشيخ مصتان، فراينا الاقزام يتطاولون الى تلابيب القمر ، وراينا ذوي الاظافر القرعاء يحفــــــــــرون فــــــي الصخر ليؤذوه ، وراينا اصحاب الارجل القصيرة يتـسلقون القمم...وامتلات السوح بشيوخ بني المصطلق يبكون الناس بمواعظهم  وعجائز بني قريظة يحرضن القوم على الوفـــاء والنقاء وسلك الصراط المستقيم... ونجحت الدعية فـــــي اغـــوائنا فـــعبدناها .. شهدنا بنبوة مسيلمة وصلينا وراءه...استمعنا من ابي لهب لدرس الفقه والقرءان...وتحلقنا حول سجاح تشرح الموطا والاربعين..... انتفـــخت بطوننا كالصهــــاريج ولم نشبع، وامتلات الجيوب بالــــمال الساري فـــــي دهمة ليل بشع من الـخزي والعار وظللنا مساكين نستجدي بائعات القرنفل والنعناع .... ، واذانحن كرمال الصحراء نرحل يمينـــــا وشمالا ، وتمتد الـــسنتنــــــــا صوب المشرق لتلحس الفــــــتات القادم مـن الشرق ، وتنساب اذرعا نحو الــــمغرب لتلعق الصديد الـــمتدفق من الغرب.... ما ارحم الموت يدفــــــــــــن ضحاياه رغم الجراح النازفة الـى حين .... اما اموات الدعية فجيف تملا الشوارع والقصور وحتــــــــــى اكواخ القش وبيوت الـوبر، ويظل النتن ورائحة الدود المزدحم والصراخ المتواصل من الم المتعة وعويل الاعراس المقرفة اغنية الافاكين.
الضائع اليوم من فكر فــــــــي رحلة البحث عن الذات ، امس رحلنا تجارا ومتعلمين الـــى ما وراء البحار لنحميها واليوم عدنا تجـــــارا وعلماء لنبيعها بثمن بخس.. دراهم ملفوفــة...عدنا و وجوهنا حديد اكله الصدا وحياؤنا آوى الى وكر لبد..
عدنا لنفتح  اسواق الــــــنخـــــاسة الــــسياسية.. ونــــبيع حشــــفا وسوء كيلة.... والقوم يلحنون ويربحون. ..وعلـــــى كل وضم تتناثر مزع قصيدة جاهلية عافتها الكلاب الضمر..المحظوظ منا من قبل بعد امتحان عسير عضوا وضيعا في جوقة الزعيم...مطبلا او مزمرا..او متسولا سياسيا او لاعق ملاعق...او عجلا سمينا في القطيع المعد للذبح.... قدر علينا ان نظل فــــي رحلة الــــــتيه والضياع نطارد اطماعا عراضا فــــــي سنوات عجاف... قدر ان نرى بقرات عجافا واخر اعجفها الـشحم، وسنبلات يابسات واخر ايبستها الخضرة.. ويموت العزيز وتاتي العير فاذا الخازن يؤسف لايوسف...