الخميس، 30 يوليو 2015

إحبـــــــاط...
المرتضى/محمد اشفق



جلس في قاعة الانتظار....تذكر الايام الخوالي .تذكر ساحة الثانوية العر بية وكيف كانوا يقضون دقائق الراحة في صراع دائم مع الحارس محمد سالم الذي كان يقول للتلاميذ ( لماذا تدرسون ولن تصبحوا جميعا رؤساء )وصاحب الحديقة الذي نسي اسمه..وكانوا يسرقون عليه الكاروت والنعناع..  تذكرايام مدينR ومدين G ومدين "بوش" حيث تخرج اكبر ساسة البلد من الجامعات السياسية المختلفة التي تسمى خلايا التكوين العقائدي..
استحضركل شيء....ايام النضال في التنظيمات السرية في الزمن الجميل زمن الايمان والمبادئ والتضحيات...ايام كانوا يصرفون على السياسة من جيوبهم بلوازم شهرية متواضعة يدفعونها عن طيب نفس ... تذكر انواكشوط المدينة الصغيرة النائمة بين احضان الرمال ودفء المحيط الاطلسي...كل شيء هادئ وجميل...
تقلك تاكسي من "كابتال" الى "سيزييم" بعشر اواق....واذا مررت غرب سوق العاصمة قرب حوانيت "اهل بوفلان" رمتك "مريم الرجاله" بكلمات فيها احراج شديد....واذا ارتايت حضور امسية شعرية او محاضرة للمرابط محمد سالم ولد عدود يعلق عليها الشيخ حمدا ولد التاه في دار الشباب القديمة التقيت استاذ الفلسفة "بادو" بسرواله القصير يمص عنفقته خارجا او داخلا في (راسينك اكليب ) ليلعب التنيس مع بعض الفرنساويين...
واذا احببت ان يلتقط لك مونديال فوتو صورة قرب  police des accidents 
لا بد ان تمر على مقر مصلحة البكالوريا  Office du bacلترى رئيس المصلحة G.FROID ببطنه المنتفخ المتحدي ..
تذكر اصدقاء الدراسة..مطرب الفصل..مشاغب القسم..رئيس القسم..فكاهي الفصل..تذكر زملاء السياسة..وكيف كانوا يحلمون بتوحيد الامة وتحرير فلسطين..
بعض هؤلاء اصبح يشغل مناصب سامية في الدولة.... وزراء..ولاة..قضاة..مديرين كبارا..عقداء في الجيش والدرك..
وبعضهم تعثرت لياليه فأوردته اودية الظلام ...انشغل بالتخصص في انواع "ركل" المدرة للبن و"ركل" المهزلة للبدن...وانواع العقاقير المبيدة لقمل العجول والخراف االمجور عليها في الخريف والمختنقة ببرد كانون الاول كل ذلك لا عن دراسة علمية بل رجما بالغيب وابحارا متواصلا في متهات الفراغ والبطالة..
وذات يوم اراد ان يوقظ بعض ذكرياته القديمة ...سولت له نفسه ان يزور واحدا من هؤلاء ليجترا معا "حكايات زمان"..رمقه العقيد بطرف عينه وودعه قبل اكتمال نشيد السلام عند "البيظان..اياك لباس...اشطار كاع...ايو شريتو طار) الذي كان يردد من جانب واحد...ودعه قائلا مر على الكاتبة....
لم يتمالك غضبا وقال "اميسى" تظنني جئتك متسولا؟ ياخسارة ...الآن تفكر ان بزتك العسكرية تخولك نزعة التعالي على البشر؟ حتى اصدقاء المراهقة والشباب؟ اين مبادئك؟ اين قيمك؟ اين ما كنت تتشدق به من مثل وعزم على البساطة والتواضع ان قدر لك يوما ان تفلح في مهمة؟ ..
ذهب الى الوزير "سيداتي" فتذكر الليالي الثلاث التي قضاها في مخفر الشرطة وكيف كان غلمان الشرطة المبتدئون يجربون فيه "الجكوار" واطفاء اعقاب السجائر على اكتافه لينتزعوا منه اعترافا بقيادة "سيداتي" لمظاهرة السوق الشهيرة....تذكر ان "سيداتي" كلف بالوقوف قرب بائعات "امنيجه" ليراه بعض من يعرفونه فيشيرون الى من هم دونه رتبة بمكان الانطلاق....لكنه في ءاخر لحظة تمارض وكرر الدخول الى المرحاض ليوهم انه يعاني من الاسهال....لكنه اسهال سواويط شرطة المفوض(ٍك) الذي كان يتلذذ بتعذيب المعتقلين من التلاميذ والطلبة......
وجده قابعا في جوف كرسي فخم وثير يكاد يبتلعه....بالاجهاد الشديد تلامس قدماه الارض...هو "سيداتي" الصغير بحجمه العملاق بعقله وتعاليقه وطرفه ثم باحلامه ..تذكر كيف اخبرهم ان والدته بعثت اليه رسالة تقترح عليه فيها ان يتزوج باحدى قريباتها وكان وقتها في باريس وكان كثير المقارنة بين رشاقة الفرنسيات واناقتهن وخفتهن وبين الموريتانيات ضحايا السمنة...قال انه اجاب والدته ان عليه اذن الانتظار حتى يتمكن من استجلاب "اكرادير"...واخشاب وبندقية وكلاب بوليسية....وبدأ يشرح لنا فقال: ابنة عمي سمينة جدا فانا احتاج الى "اكرادير" لازاحة الكثبان اللحمية عن طريقي...ثم اخشاب امشي عليها فوق الاخاديد الغائرة...والسلاح للقضاء على ما قد يخرج من تلك الاخاديد من ثعابين وارانب...اما الكلاب البوليسية فانا كما ترون صغير الحجم واخشي ان اضل الطريق واتيه في الانفاق فاحتاجها لتهديني الى بئر الادران.....
...كان يقول في جلسات النقاش انه لا بد من ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر تقتلع ازلام المستعمر من حكام وتلقي بهم في مزبلة التاريخ ..وان الطريق الى القدس هو بحرهائج مائج من دم الفدائيين الابطال من ابناء الامة العربية وفي مقدمتهم ابناء شنقيط الخالدة تقضي على اليهود الملاعين حفدة القردة وقتلة الانبياء!!!..
جلس احمد ينتظر ساعات انس تنسيه جفاء "اميسى" وتنكره المخزي للزمالة وايامها الحلوة....
ظل "سيداتي" يهتز في مقعده الدوار كانه جان ....نظر الى ساعته...ضغط على منبه الكاتب الذي بادره بأمر برم بليل قائلا : السيد الوزيرموعدكم مع السفير الاسرائيلي قد حان...فقال "سيداتي" : صحيح وتلك امة عظيمة ومحترمة وتحافظ على دقة المواعيد...ثم التفت الى احمد قائلا:
bon ok à plus tard ...
فاجابه احمد:
OK à plus tard espèce de batard
...واردف :وعند اسرائيل كثير من الجرافات والكلاب البوليسية
..تذكر المناضل الكبير "مولاي"الذي كان من القلائل المكلفين بتوزيع المناشير السرية والكتابة على الجدران....ايام كانت تلك المناشير وتلك الكتابات الليلية على الجدران والصراع الدائم مع العسس من الشرطة ابلغ بيانا واسلم لغة من كثير مما ينشر اليوم في ظل الفوضى الاعلامية المدمرة...
"مولاي" رغم تضحياته واخلاصه  لم يفلح في استجلاب وظيفة....هو خياط  يؤجرجزءا من ظل حانوت في "كابتال"..لكنه واثق من نفسه ...هو هو كما عرفه ايام مدين R باسم المحيا حلو الحديث لم تستطع شهب الليالي ان تنال من جوده وسخائه...تعانق الرجلان...وما احوج احمد الى عناق صديق...وقد شعر بالاحباط ....
قال مولاي معلقا على احاديث احمد : يا صديقي ان في بعضنا عقدة خبيئة هي حب ممارسة التسلط والكبر اذا بسمت لنا الايام وراينا انفسنا فجأة من اهل الامر والنهي والمال والجاه..
ينسينا ذلك فضيلة التواضع والوفاء...الموريتاني يا صديقي الا من حفظ الله"الا كيف السلال ابلا صاحب" فصديق الوزير هو الوزير وانت لست وزيرا وسيداتي وزيرا ليس سيداتي مناضلا حالما واهما في بيوت الظلام....وصديق العقيد هو العقيد فموسى عقيدا ليس موسى رفيقا في تنظيم سري فقير....في بلادنا صديق الوزير هو الوزير وصديق العقيد هو العقيد وصديق المدير هو المدير وصديق الوالي هو الوالي....الخ...لكنهم جميعا ينسون الضغط على (حفظ) وهكذا تنتهي الصداقة بانتهاء الوظيفة...
شربا شايا عذبا واكلا لحما طريا على قارعة الطريق احرارا في الهواء الطلق وقلب نبض الشارع الذي يحكي كل شيء.. نعما باحاديث الحمالين والعامة واصوات ضحكاتهم التي تكاد تزلزل السوق..ثم سعدا وهما يستمعان الى هؤلاء البسطاء احرارا في احاديثهم يتلفظون بالمناطق الداخلية من الجسد واسماء العورة  بعيد ا عن "ابروتوكول" كبار المسؤولين المسجونين بين جدران مكاتبهم ....



الجمعة، 24 يوليو 2015

من مفردات الزمن الرديء

المرتضى /محمد اشفق
هذه مناسبة اترحم فيها على استاذي  الكبير : الاستاذ محمد ولد محمد المصطفى ولد احمد , الذي فهم هذا النص , وشد من ازر صاحبه ايام محنة التحامل عليه ...فبينما رءاه البعض عرضا وقحا لافكار رجل عاق ...يسب ءاباءه واهله....ادرك استاذي الجليل رغم سنه ومحافظته وتمسكه بالقيم الاصيلة ان الهدف هو وقف نزيف , واخماد حريق ياكلان الناس ناحلا وسمينا , ..ولا تعجب عزيزي القارئ هي ازمة شهدتها البلاد تلك الايام وبلغت ذروة – ان كان للهزيل ذروة- بشاعتها في نكبة تنصيب وحدات الحزب الجمهوري..حيث تابع الناس جهارا نهارا فصولا ليست من المسرح التمثيلي ولا من المسرح الذهني, بل من الواقع المتجسد دون حياء ولا ترفع ولا مروءة ..راينا الرجل ينكراخاه , وخاله , والمراة تتبرأ من اختها وتحاول فقء عين زوج ابنتها  , دون الحاجة الى ستاريواري سوءة الفعل وانتحاب الاخلاق .....

اما الشاعر فهو احد ابطال ميدان التعبيد  فهم اللعبة فقال:

    من يشتـــــري قبيلة        بنـــــــــاقة او بــــقره
   اوببعير اجــــــــرب          او نعجــــة او بعــــره
   اوخــــــــرقة مثقوبة        او طــــوبـــــة مكسره
   او ساعة فـــي ساحة       فــــــــسيحة مشــــجره
  او قطة مـــــواؤهـــــا       كالنغمـــــات المسكـــره
  قبيلتـــــي تســـاق من       سمـــــــسرة لسمــسره
  لانهـــــــــــــا بـــريئة        نـــــقية مسخـــــــــــره
  عظيمة ذكيـــــــــــــة        عقولهــــا مخـــــــــدره
  واعية ترفــــــض ان         تظل فـــــــــي المؤخره
  تريد ان يقودهــــــــا          ذوو العـقول النــــــيره
  والعقل في قبيلتـــــي          والله رب المغــــفــــره
  ما ينفع الانسان فــي         هــــذي الحــياة المدبره
  هــــــي اذن بضاعـة         جــــيدة ميســــــــــــره
  لذا انــــــــــــا ابيعهـا         سومـــوا ولو بشــعره
  او طفــــــلة وضيعـة         مسيئــــة وقــــــــــذره
  او أي شـــيء حاضـر        كــــصورة مكــــــــبره
  او كلبة نباحهـــــــــــا        يــــوقظ اهل البصـــره
  قبيلتــــــــــــي حكايــة       قديمـــــــــــة مـــزوره
  ءابــــــــاؤنا قد هلكوا      عصـــاتهم والبـــــــرره
  ونحن لن نبقى علـــى      شرع العظــــــام النخره
  اريد قصـــــرا شـاهـقا      صحـــــــــونه مقعـــره
  ووجبــــــــــــة لذيــذة      وشـــربة معتصـــــــره
  كذا احــــــــب ان ارى      قط البيـــــوت المجزره
  ءاكل من صــحن مـنى      ومـــن امـــــــــام نمره
  ومطعــــــــــــم ازوره       فـــــــي داره المــدوره
  وتـــــــــــــــارة اجيئه      عند ابتــــــداء السهره
  وان ارى سيــــــارتي       مريحـــة مطــــــــــوره
  لااشتكــــــــي وقودها      لان جيبــي مفـــــــخره
  تكرمنـــي دراعتــــــي      وساعتـــــي المـجوهره
  وعمتــــــــــي ابيــعها      وخالتـــــي والمحظــره
  وجدتي وبلدتـــــــــــي     وقريتــــــــي والمــقبـره
  وكل مــــــــــا حفظـته     عن امتــــــي المظفـــره
  وشرفــــــــــي وقيمي      وسيري المطهــــــــــره
  ذا كله ابيعــــــــــــــه       بنملـــــــــــــة او قبــره
  او كلمة فــــــــــارغة      معرفــــــــــة او نكــــره
  لانه يحرمنـــــــــــــي       من الحياة الـــــنـضـره

المرتضى/محمد اشفق     

الأحد، 12 يوليو 2015

مقصلة الشعراء؟؟؟؟

المرتضى /محمد اشفق
الشاعر لا يسعى ليكون شاعرا....ولا يبحث عن اعتراف به ككيان وهمي....ليس بحاجة الى ان يقول له الناس : انت شاعر كبير... الالقاب اوعية محدودة السعة , والشعر نغم مطلق لا يسعه فضاء ..
الشعر رفض للمهدئات والتاجيل والحلول المؤقتة... 
الشاعر كائن متوحش متمرد لا يانس بما تواضع الناس على تسميته هموم الحياة وغاياتها ...هو لا يرضى  الا بالعيش بعيدا في براري الفكر حيث لاسلطان الا للفن....
اذا اردت ان تقتل شاعرا فدجنه ...استقدمه الى قصر صاحب المقام العالي...سيخلع – مطيعا- عن راسه تاج قوته وكرامته وكبريائه ..سيتنازل عن رجولته لان في القصر رجلا واحدا هو صاحب القصر... سيفقد فحولته الشعرية .. لان صاحب اي قصر لا يقبل فيه الا الخصية او التابعين غير اولي الاربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء.....سيتحول الى خروف ضخم  يسرح في الحديقة , يرعى الكرم والتفاح ويسبح كبطة سمينة بطينة في برك مرمرية.... وينقلب الى ببغاء يردد احاديث القصور....ان اقتراب الشاعر من كل ذي مقام كبير يضعفه ويفقده لغته الخاصة ...واحتساءه فضلة قهوة الامير سيجعله ينحني ليدخل من الباب القصير المخصص للاقزام , ويصبح شاعرا بلا قضية...ستتحول نار الشعر فيه الى غنج وتخنث وتكسر.....ستتدلى خاصرته ...وتنتفخ بطنه كحبلى مدللة....سيلد في كل مناسبة قصيدة من ذوات الاحتياجات الخاصة بعملية قيصرية ... سينسيه النعيم بؤس المحتاجين واوجاع المظلومين وقدر المحارفين....ستزكمه النسائم العليلة فلا يشم رائحة الالام المتاصعدة من رحم الارض الجرداء وتلك لعمري اولى نطف الخلق في دنيا الفن والابداع...
فرق كبير بين الاسد الملك في عرينه...جائعا يجري ويكدح ليعيش وبين الاسد وراء القضبان في حديقة الحيوانات...تقدم اليه الوجبات الدسمة مجانا...فضمور الاول وشعث شعره وجلده امارة الفحولة والقوة والكبرياء....وانتفاخ الثاني المترف والمتخم بتراكم الوجبات يحوله الى كومة لحم تتعطل فيها حرارة الفعل والارادة....
اليوم ارادوا من الشعر ان يكون رياضة ونشاطا ترفيا ترفيهيا  وجرا للذيول في الساحات المخملية.....حولوه الى بطولات ودورات ...جعلوه كقطعة اثرية  ينادى عليها بالمزاد العلني...ويشارك في تحديد قيمتها الاميون والعامة وحتى النخب والمثقفون الذين لا شان لهم بالشعر ونقده وابداء الراي فيه.....مسابقة امير الشعراء غريبة لانها لا تخضع لموازين النقد والذوق....هي مسرحية "سمينة ومتخمة" على طريقة ديكور "الف ليلة وليلة"  .... جمهورها كجمهور كرة القدم....خليط من هواة ونخب وفضوليين واميين ومشاغبين ومهرجين...ولصوص...الكل ينشد فوزا قد يحصل عن طريق تسجيل احد اللاعبين هدفا قاتلا في مرمى فريقه.....الغالب فيه هو جو الاثارة والترقب ... القائمون عليه يشبهون ملاك النوادي من الشخصيات المترفة التي تتسلى وتتاجر بالرياضة...اليست النوادي الرياضية اليوم ابتعاثا لنخاسة جديدة  حيث يباع اللاعبون في اسواق النخاسة الرياضية كعجول سمينة يتدفق لها لعاب الاثريا الممارسين رياضة الاكل....هل معنى ذلك ان دنيا الفن ستشهد فتح اسواق النخاسة الشعرية ...لنرى اذن الشعر دامية بيد نخاس يقول له انت امير ايها العبد فاشكرمن استجابوا للعبة وفتحوا خزائنهم ياكلها غول الsms ...قبل اخمص قدم من شارك في تدفق اموال البسطاء باسم النعرات تتربح بها الفضائيات وشركات الاتصال ... ومن تفننوا في تحاليل وتعاليق رخيصة يتسلون بها وهم يتلاعبون بمشاعر الشعراء وداعميهم - على طريقة من سيربح المليون- بخرجات الفضول واللغو فيها غالبان على الراي النقدي الرزين المتبصر والمدعوم بالادلة والبراهين...
وعلى كل حال ان كان هذا راينا في طريقة المنافسة ...فاننا نرجو لقاماتنا السامقة في ساحة الشعر النجح والتوفيق...
رحم الله نزارا حين قال ذات يوم:
(ظاهرة الالقاب هذه لا توجد الا لدينا , ولعلها من مخلفات عصور الاقطاع , وموروثات الامبراطرية العثمانية , حيث كانت النياشين والفرمونات والاوسمة التي يحملها الانسان اهم من الانسان نفسه , ...وهكذا صار للشعراء امراء....وللطرب ملوك....وللنثر سلاطين...بحيث لا يموت خليفة على الشعر الا ونجتمع لنبايع خليفة اخر...ولا نتخلص من ملك حتى ندق الطبول لملك جديد....كان قانون السلالات الملكية ينسحب ايضا على السلالات الشعرية..)
وحين قال:
نرفــــض الشعر مسرحا ملكيا          مـــن كراسيه يحرم البسطاء
نرفض الشعر ان يكون حصانا         يمتطيه الطغاة والاقويــــــاء
شعرنـــا اليوم هجمة واكتشاف         لا خطوط كوفـــــــية وحداء
كل شعر معـاصر ليس فـــــيه           غضب العصر نملة عرجـاء
مـــا هو الشعر ان غدا بهلوانا         يتسلــــــــــى برقصه الخلفاء
ما هو الشعر حين يصبح فارا          كسرة الخبز همـــــه والغذاء
الفـــدائي وحده يكتب الشعر             وكــــــــــــل الذي كتبنا هراء
انه الكــاتب الحقيقي للعصر             ونــــــحن الحجاب والاجراء
عندمــا تبدا البنادق بالعزف             تمــــــــوت القصائد العصماء


محمود في القصر
المرتضى / محمد اشفق

..شيد القصر باحدث المعايير المعمارية , وجهز باثاث اسلمه بحر الى بحر , ومحيط الى محيط ....ارائك وحشايا وستائر جزلة الغزل , آسرة النقش , زاهية الالوان....دواليب رقيقات الحواشي تعصبها سبائك دقيقة متراصة من الزبرجد الصافي , تتوسطها مرايا من البلور الناصع ,  وثريات زمردية تتدلى  من السقف المزيف في قداح مرمرية بديعة الاشكال , ترسل اشعة قزحية  في بخل مدني محكم ....وفي بعض الزوايا كومات من نفائس المتاع لم تعرف "افاتو" بعد طريقة استعماله , ما زالت تنتظر من صديقتها في مدريد مهاتفة ب"كود": التشغيل , الجدران تبرق من آثار طلاء عجيب تداخلت فيه الالوان المختلفة كانها تتنكر حتى لا تحدد هويتها , التلفزيون فن فريد انجزته امهر انامل التكنولوجيا وارقها ذوقا , ضامر كطاوي عشر , يلتصق بالجدار يعوذ به كالخائف من عدو مداهم....لكن محمودا وهو شقيق المختار (صاحب الدار) حل ضيفا ليصل رحم اخيه وقد فرقت بينهما الايام , وساقت كلا منهما الى منكب قصي من مناكب الارض ..... هو رجل نحيف , طويل اللحية كثها , شيبتها شمس الصحراء ونفنف ايار , آدم البشرة تتناثر فيها مساحات صغيرة هي اطلال لون فاتح استوطنها ذات مرة , رقبته كجذع شجرة المراح تعلق عليها السرج والحبال , وقيود الحمير , وارسان الخيل ..والمحاليب....نعم في رقبة محمود سيور ممعوسة كالانساع يتعلق ببعضها غمد موساه , وببعضها محفظته الجلدية التي تحوي وثائقه وقلم الرصاص الصغير , وغير بعيد نسع آخر يتدلى منه غمد طويل رقيق هو ملم المسواك , مع مكتبة من التمائم المتفاوتة الاحجام , بعضعها محفوظ في اطار نحاسي والاخر في غلاف جلدي سميك ...اقعس الظهر كمن يتوقى سوطا ثانية , و كا لمتشوف ابدا الى طلائع قافلة الزرع القادمة من شمامه....سحب خنشاته الثلاث وصب متاعه على الزرابي المبثوثة : امداد ا من طحين النبق , واخر من كسكس البادية المجفف , كومة من مساويك الاراك والبشام .ثم رزم من عيدان مثقفة , منزوعة اللحى , ناعمة الملمس.....هي هداياه الى اخيه وزوجه وبنات اخيه الثلاث ....سال الغبار الابيض الناعم غزيرا على "التراكي" والحشايا المتنفسة برائحة المصانع الراقية ...كان محمود لكرمه البدوي مصرا ان يحفن حفنات يدسها في جيوب الداخلين كبارا وصغارا قائلا (كلوا , هذا حدثني من لا اشك في امانته ان "اوفى" رحمه الله اخبره انه هاضم جيد).......
في المساء عاد المختار وافاتو من العمل ليفاجآى بمنظر غريب في هذا القصر المشيد.....استشاطت افاتو غضبا ودعت زوجها الى اجتماع عاجل في غرفة النوم لمناقشة قضايا خطيرة تمس الامن العام والاستقرار في حوزتهم الترابية.....فمحمود صورة نشاز مقززة في المنزل ولا يمكن مهما كانت الظروف والنتائج ان يبقى فيه , لا بد من تدبير حيلة سريعة لترحيله ...كيف تتحمل افاتو منظرا متخلفا لمخلوق غريب طويل اللحية , متسخ الدراعة خلقها , لا يغطي بطنه  , متشقق القدمين , متصلب اصابع اليدين , كلامه جلجلة , وضحكه فرقعة , كيف ستتحمل ان يراه اصدقاؤهم و ما ذا ستقول لصديقاتها عندما يتخذن من منظره تسلية وسخرية ؟؟ كان المختار وهو المعروف بالضعف امام سيدة قصره يهمس في استجداء مفتعل : لكنه اخي ..فترد المراة اياك ان تعيدها , انا لا احب ان يعرف زوارنا ان لك به صلة نسب , حتى بناتي ما كنت احب ان يعلمن انه عمهن.....على كل حال سنجعل له حصيرا في "الكاراج" بينما نكمل تدابير ترحيله , انسحب المختار مهزوما , لكنه توسل بكبرى بناته الى زوجه ان تقبل انضمام اخيه الى معلم القرآن في بيته , فهو لصيق "الكراج" ويخاف ان يراه احد اقاربهم فيذيع في الحي عقوقه....
كانت الليلة معتدلة الطقس , النسيم الرطب الخفيف يتسلل على استحياء من فتحات الستائر فيحرك خيوط الدخان الرقيقة السابحة في سماء الصالون ممزوجة بعطر خفي منعش , ويشتد تارة فيحدث وهو ينساب بين فجوات الاغصان صفيرا ضعيفا كاصوات هوام الليل الآتية من بعيد...
كان السمار من اصدقاء المختار وصديقات افاتو سارحين غائبين في جو تتخلله احاديث فضول منحطة , وخرجات من افانين الغفلة اغلبها اجترار ماتلوكه الشاشات الصغيرة من نفايات الفنون الرخيصة تتخلص منها كبريات شركات الافلام العالمية , كانت افاتو - اذا سكت اللغو- تعرفهم على مكونات اثاث الدار ومواطنه الاصلية....
دخل محمود جامعا طرفي دراعته بيده لان سرواله تحت وسادته وبدأ يسلم فنهض القوم للسلام عليه , فكانت يسراه على رؤوسهم تفرق شعر كل واحد منهم وتنغرس اظافره في جلدة الراس مباشرة , فيضيع على القوم جهد كبير قضوه امام المرآة للحصول على تصفيفة  عصرية انيقة , لكن الحسنات اهم من ذلك فمحمود مؤمن انه بقدر ما يمسك من شعر راس المسلم عند المصافحة تتدفق اليه الحسنات , اما يمناه فكانت تضغط على ايامينهم حتى تلمس الراحة الراحة..وما اصعب ان تلامس راحة محمود راحة مصافحه فهي مجوفة كنصف المحقن ..وبين وقت وآخر تفشي موجات الصبا سرا كانت تستره اطراف دراعته قبل ان يحررها محمود ليتمكن من تطبيق مراسيم التحية ....كان بعضهم يسترق النظر اليه فيغبطه على هيفه وضمور ثدييه ....جلس وشرع يسالهم عن قبائلهم , و اسعار النعاج في قراهم وعن سعر مد "تغليت" وليس الزرع الابيض.....وحدثهم عن تفاصيل حياتهم في البادية ....وعن انشغال اخيه الاصغر بالرعي والسقي عند البئر....اما امه فكانت غازلة وبر,  وناسجة بنائق الصوف والحصر, تضرب اليها اكباد الابل وكانت رحمها الله تقيت عيالها بمداخيل ذلك العمل الجميل, ومنه صرفت على المختار ليواصل دراسته في كيهيدي.....ويواصل لكن الايام الجميلة ولت مع المختار ولد داداه , كما ولى البقر  الاحمر, والعوذ المطافيل.....
انسحب النساء الى الصالون الافريقي... فتذكر محمود امرا مهما عاد الى بقية متاعه , واحضر رزم العيدان الناعمة المثقفة المنزوعة اللحى , دخل على النسوة وقال خذي يا فاتوهذا "مكرش" وهو واق من الحكة الداخلية لانه من شجر
 السدر, وقد تعلمين ان الماء مضر بالنساء "يدخل عليهن البرد" ..
وانتقل الى الصالون الاوروبي وفرق بقية العيدان على ضيوف اخيه وهو يشرح لهم , وهم لا يفهمون , فاستنجد باخيه قائلا : تعلم ان والدنا رحمه الله ما كان "مكرش" يفارقه في سفر ولا اقامة ...
لم يكن جو غرفة النوم في الليلةالثانية اصفى ولا اهدا منه في الليلة الاولى....بل ان ما بدر من محمود قطع الشك باليقين فهو لعنة نزلت بهذا البيت وحولت احلام ساكنيه الى كوابيس مروعة , كل ساعة تجيء تلد من بوائقه ما لم تحبل به الساعات الماضية .حمي النقاش وكان المختار واهي الحجة هذه المرة خصوصا بعد احاديث اخيه مع الضيوف...فهو حقا لم يخلق ليزور المدينة .فطباعه الغليظة وحتى شكله وتضاريس جسمه كلها منكرة في الحياة المتحضرة وما يزينها من "ماكياج" يطوع الاجسام والطباع يحتاج ليصاغ جسمه من جديد الى ان يفكك ويفرق عضوا عضوا ويشرف على اعادة تركيبه وتقويم المعوج من عظامه والناتئ من مفاصله فريق متخصص ماهر من النجارين والصاغة.....
بدا لمحمود - وقد خلا له الجو - ان يتفقد مملكة اخيه , ففتح الدار بيتا بيتا , واطلع على المطبخ وما حوى , والمخزن وما اخفى , وغرفة النوم وفيها حدثت واقعة كانت ثالثة الاثافي ....رأى رجلا يشبهه شكلا , يتقدم اليه باشا هاشا , ومد يده لمصافحته , فبادر اليه هرولة وبادله ابتساما بابتسام وحفاوة بحافاوة , ليجد نفسه يصطدم بمرآة دولاب الملابس و الحلى, فتنكسر ويسقط محمود والدماء تنزف كالشلال من جبهته....فما كان الرجل الا صورته في المرآة...
مصائب الرجل متعددة متنوعة....فبعد ان يخلد اهل البيت الى النوم وقبل ان ينقطعوا عن عالم الصحو يبدأ الاستغفار وانشاد ميمية البوصيري باعلى صوته ...فيفر النوم - وهو زائر ليلي حذر وجبان يطرده الهمس والنجوى ويرتعد فرقا من مناغاة الرضيع , فكيف  يواجه جند البدو ودوي حناجرهم - يفر لا من دار الاسرة المنحوسة  فحسب بل من دور الجيران ايضا....
وحان يوم الرحيل فحجزوا له في "امشامله" ضخمة , ركابها من جنسيات مختلفة : ففي منكبها الايمن  ثلاثون طنا من الاسمنت , وفي منكبها الايسر  عشرون طنا من انواع الحديد , وفي صحن صدرها تتربع خمسة مولدات بجوارها اعمدة ضخمة من اصناف الانابيب ...ولم يكن لآدم بين تلك الاحمال ولد سواه , فاختار راكبا آ خر لا يثور غباره كالاسمنت , ولا ترتفع ضوضاؤه كالحديد....هو جار هادئ الطبع , طويل الصمت , مطرق كالمفكر في العواقب ,  يجثم على سرة الشاحنة , رتب محمود متاعه وخنشاته وقد حوت اعدادا من دراريع اخيه المصابة بداء ثقب الجيب وهو شيب الدراريع المنذر بدنو اجلها , وبعض الاقمصة المتساقطة الازرار, ونعالا نسائية  غير متجانسة تخلصت منها زوج اخيه ....فاطمأن الى جواره وانس اليه , وتمنى ان يقتبس الناس من اخلاق "البلدوزر" ...
  

الاثنين، 6 يوليو 2015

المرتضى/محمد اشفق

موصم الهجرة الى الشمال !!!

       










   روى الجاحظ في قصص البخلاء ان حمارة زهاء خمسين رجلا ترافقوا في سفر فما رآ  منهم رجلين ياكلان معا...كان لكل رجل قطعة من اللحم واذا حان الطبخ تنادوا الى قدر واحدة لا حبا في المشاركة بل بحثا عن الاقتصاد في الحطب والملح والتوابل الخ...ويربط كل رجل لحمه بخيط فيه خوصة ويبقى ممسكا به حتى لا يختلط بخيوط رفقته فاذا نصج اللحم ابتكروا طريقة غريبة لاقتسام المرقة : يخضون قطع اللحم في المرق كالدلاء داخل البئر ثم يجذب كل واحد قطعته ويمص ما علق بها من مرق ويكون النصيب على قدر حجمها واذا نفد المرق انكفأ كل على قطعته ياكلها وحيدا.. 
        
            اللهم لاترنا في ارضنا ما رآه الجاحظ في بلاد مرو بفارس...
ما كان رمضان عاصفة هوجاء تفرق الاحبة وتشتت الشمل وتقتلع الناس من جذورهم لتلقي بهم بعيدا عن منابتهم.....

وما كان رمضان مناسبة لانسلاخ المرء من حضنه الاجتماعي يقول : نفسي وولدي وزوجي ومالي ..اللهم لا ترحم معنا احدا... 

رمضان رحمة...وتواصل...وتكافل...وتضامن...وصبر.....

شهدت حواضرنا منذ سنتين اوثلاث ظاهرة غريبة على مجتمع كان اقوى دعائم تماسكه وترابطه الحرص على البقاء في ارضه التي الفها والفته واحبها واحبته ...ولسان حاله يقول: 
بلاد بها نيطت علي تمائمي      واول ارض مس جلدي ترابها

.....

وحبب اوطان الرجال اليهـــم      مآرب قضاها الشبــــاب هنالكـا 
اذا ذكرت اوطانهم ذكرت لهم    عهود الصبا فيـــــها فحنوا لذلكا 
ولــــــي وطن آليت اني اعزه    والا ارى غيري له الدهر مالــكا..

وسمع معاوية زوجه ميسون بنت بحدل تنشد : 
لبيت تخفـــق الارواح فيه    احب الــي من قصـــر منيف 
واكل كسيرة من كسر بيتي  احب الـــي من اكل الرغيف 
واصوات الرياح بكل فج      احب الـــي من نقر الدفوف 
ولبس عباءة وتقر عيني     احب الي من لبس الشفوف 
وخرق من بني عمي نحيف  احب الـــــي من علج عنيف 
         شابة لم ينسها النعيم في قصور الخليفة بؤس ارضها وشظف العيش في باديتها....اي رخاء تنشد
وهي زوج اميرالمؤمنين؟ واي عز تريد وهي في قصر الخليفة؟  لكن وفاءها لا رضها وقومها جعلها لا تبغي بهم بديلا....
فقال معاوية : ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجا من علوج الروم ويقال انه جهزها وردها الى اهلها ....
اما هنا فترى الدور خاوية ...فتتذكر مناطق الحرب واللاجئين الذين استكرهوا على الرحيل عن اوطانهم....الحمد لله نحن ننعم بالعافية ومغادرتنا لمنازلنا مجرد استجابة لرشوة يقدمها المحيط الاطلسي في بعض اماسيه لسكان العاصمة يستقدم بها سكان الداخل ليصبحواموائد مجانية لعصابات البعوض التي لا تنام ولا تنيم...

فما ان يطل شهر ابريل حتى يشكو الناس من شدة الحر وكانهم ولدوا في سيبيريا اوعلى شواطئ المحيط المتجمد فلا يستطيعون صبرا على شمس افريقيا ورياح مايو الحارة....نسوا انهم ولدوا تحت خيام هي غرابيل تبصق الشمس منها على وجوهنا في الهاجرة ..واحتموا ب "آسار  " الذي لا  يرد عليل النسائم فكيف بسموم ايار؟ نسوا كيف كانوا ينتظرون القربة تاتي في الهزيع من بئر بعيدة على ظهر حمار اعجف....هل نسينا الجوع وطول المسافة الزمنية بين الوجبات الثلاث عند الميسورين والاثنتين عند اغلب الناس (البعض لا يتعشى ويشي لا طفاله ان ذلك مفيد لطول القامة)...

نسينا اننا في ظروف كهذه كنا نصوم رمضان فلا نشكو حرا ولا عطشا ....وكنا نقوم ليله بالصلاة والدعاء والقراءة....يانس الجار الى جاره فلا يستحلي ما ينقصه ولا يستاثر عنه بشيء ....نتقاسم الحر والعطش فلا نحسهما ونتقاسم الطعام والشراب فلا نفقدهما...رحماء بيننا يشد بعضنا بعضا كالبنيان المرصوص.....

واليوم عندما اتخم الناس الترف وانتشرت الدور الراقية بين الكثبان الرملية واصبح كل بيت كيانا مستقلا له اكتفاؤه الذاتي من الطاقة والثلاجات والمواد الغذائية المختلفة....واصبح الماء ياتينا من داخل بيوتنا وبرد الظل وصدت الجدران هجمات "إريف"...واصبح في كل بيت متجر يبيع اصناف الطعام الى غير ذلك من آيات الترف بطرنا وتاقت نفوسنا الى اكثر...
ان التضامن والتآزر والتكافل الذي كان لحمة النسيج الاجتماعي بدأ بالتلاشي....اختفت سيروا سير ضعفائكم وحلت محلها سيروا عن ضعفائكم...كيف تسمح مروءتنا ان نقدم على امر اقعد البعض عنه الفقر اين المثل "ال ملح ما ملح جاروا لا كيف ال ما ملح" ...
الاولى الا نستعذب البرودة اذا كنا نزعم ان اخوة لنا في الجحيم....الاولى الا يسيل لعاب شهيتنا انهارا على موائد 
ازينت بالوان الطعام واخوتنا لا يجدون الا قليلا مما يقيم اودهم...الاولى الا ينعم اطفالنا بانواع العصائر والحلويات وابناء عمومتنا محرومون لايجدون الى ذلك سبيلا....
         والغريب ان ما ننفقه على لعب اطفالنا ورغباتهم المختلفة في الماكولات الجاهزة التي لا تعد وجبات رئيسية كاف لشراء اللحم والزيت والسكر ودفع فاتورة الماء لكثير من الاسر في حواضرنا...

كنا نقرأ في باب المروءة وسماحة الاسلام ان على البيت ان يحجب رائحة مرقه عن جاره الذي ليس عنده لحم....

واليوم نشتري لاطفالنا ارقى الهواتف الذكية و آلات اللعب بمآت الآلاف من الاوقية  ويعبثون بعشراف الآلاف لشراء الحلوى وغيرها واترابهم من أقاربهم ينظرون اليهم خجلين من قلة ذات ايدي آبائهم ..سيولد هذا فيهم نزعة الكراهية والحسد في المستقبل المفضية الى التفكك الاجتماعي الخطيروهو ما كان سلفنا يتجنبه بالمساواة بين الاطفال وعدم جرح براءتهم......

والحق ان الذين تمسكوا منا باوطانهم واخوانهم ومساجدهم ومحاظرهم وبموتاهم في مقابرهم لا ينقصهم شيء يصلون خمسهم في مساجدهم ....يصومون نهارهم ويقومون ليلهم ويصلون رحمهم ويؤدون حق جارهم ...يتسوقون في احيائهم وفضل طعامهم لاخوانهم....ما اطيب ان تسمع صوت قريبك يوقظ طفله ليذهب الى لوحه....ما أرق ان تسمع ثغاء عنز اخيك تحاول اقتحام سياجك لتشارك نعاجك اعلافها....ماأجمل الاذان في احد مساجد الحي وتحلق الرجال من الاخوان والاقارب والجيران حول تمرات الافطار....ما ألذ ان نستلقي بعد صلاة التراويح مرتاحين ان قد عمرنا مساجدنا لننام آمنين من جحافل الناموس.....ما احلى ان ان يوقظنا ديك في الجانب الغربي من حينا بصياحه وقت السحر..
ليس من الوفاء للارض ان نهجرها حين تتجرد ويصوح نبتها ونعود اليها اذا اخرجت زينتها وانبتت من كل زوج بهيج..
لماذا تنسينا حرارتها بردها ودفءها...لماذا ينسينا القحط فيها الخريف والامطار واودينها ومروجها الخضراء... 
       اليس لمنازلنا الحق في ان نقرأ فيها القرءان في رمضان...ونصلي فيها في جوف الليل...ونستغفر فيها الله ونصلي فيها           على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟


موت الرجال حياة في مواطنهم      فان هم اغتربوا ماتوا وما ماتوا 
...ثم ما ذا يضر لو عطشنا في رمضان ...ماذا يضر لو اشتد الحر في رمضان...الا يزيد لاجر مع المشقة اين فضيلة الصبر؟؟انستبدلها بالعجز والكسل والوهن؟؟؟