الخميس، 23 مايو 2013


فضول قلم :

المرتضى /محمد اشفق
الشاعر لا يسعى ليكون شاعرا....ولا يبحث عن اعتراف به ككيان وهمي....ليس بحاجة الى ان يقول له الناس : انت شاعر كبير... الالقاب اوعية محدودة السعة , والشعر نغم مطلق لا يسعه فضاء ..
الشعر رفض للمهدئات والتاجيل والحلول المؤقتة... 
الشاعر كائن متوحش متمرد لا يانس بما تواضع الناس على تسميته هموم الحياة وغاياتها ...هو لا يرضى  الا بالعيش بعيدا في براري الفكر حيث لاسلطان الا للفن....
اذا اردت ان تقتل شاعرا فدجنه ...استقدمه الى قصر صاحب المقام العالي...سيخلع – مطيعا- عن راسه تاج القوة والكرامة والكبرياء ..سيتنازل عن رجولته لان في القصر رجلا واحدا هو امير المومنين.. سيفقد فحولته الشعرية ويتحول الى خروف ضخم  يسرح في الحديقة , يرعى الكرم والتفاح ويسبح كبطة بطينة في برك مرمرية.... وينقلب الى ببغاء يردد كلام السلطان , وحرس السلطان , وخدم السلطان ....ان اقتراب الشاعر من كل ذي مقام كبير يضعفه ويفقده لغته الخاصة ...واحتساءه فضلة قهوة الامير سيجعله ينحني ليدخل من الباب القصير المخصص للاقزام , ويصبح شاعرا بلا قضية...ستتحول نار الشعر فيه الى غنج وتخنث وتكسر.....ستتدلى خاصرته ...وتنتفخ بطنه كحبلى مدللة....سيلد في كل مناسبة قصيدة من ذوات الاحتياجات الخاصة بعملية قيصرية ... سينسيه النعيم بؤس المحتاجين واوجاع المظلومين وقدر المحارفين....ستزكمه النسائم العليلة فلا يشم رائحة الالام المتاصعدة من رحم الارض الجرداء وتلك لعمري اولى نطف الخلق في دنيا الفن والابداع...
فرق كبير بين الاسد الملك في عرينه...جائعا يجري ويكدح ليعيش وبين الاسد وراء القضبان في حديقة الحيوانات...تقدم اليه الوجبات الدسمة مجانا...فضمور الاول وشعث شعره وجلده امارة الفحولة والقوة والكبرياء....وانتفاخ الثاني المترف والمتخم بتراكم الوجبات يحوله الى كومة لحم تتعطل فيها حرارة الفعل والارادة....
اليوم ارادوا من الشعر ان يكون رياضة ونشاطا ترفيا ترفيهيا  وجرا للذيول في الساحات المخملية.....حولوه الى بطولات ودورات ...جعلوه كقطعة اثرية  ينادى عليها بالمزاد العلني...ويشارك في تحديد قيمتها الاميون والعامة وحتى النخب والمثقفون الذين لا شان لهم بالشعر ونقده وابداء الراي فيه.....مسابقة امير الشعراء غريبة لانها لا تخضع لموازين النقد والذوق....هي مسرحية "سمينة ومتخمة" على طريقة ديكور "الف ليلة وليلة"  .... جمهورها كجمهور كرة القدم....خليط من هواة ونخب وفضوليين واميين ومشاغبين ومهرجين...ولصوص...الكل ينشد فوزا قد يحصل عن طريق تسجيل احد اللاعبين هدفا قاتلا في مرمى فريقه.....الغالب فيه هو جو الاثارة والترقب ... القائمون عليه يشبهون ملاك النوادي من الشخصيات المترفة التي تتسلى وتتاجر بالرياضة...اليست النوادي الرياضية اليوم ابتعاثا لنخاسة جديدة  حيث يباع اللاعبون في اسواق النخاسة الرياضية كعجول سمينة يتدفق لها لعاب الاثريا الممارسين رياضة الاكل....هل معنى ذلك ان دنيا الفن ستشهد فتح اسواق النخاسة الشعرية ...لنرى اذن الشعر دامية بيد نخاس يقول له انت امير ايها العبد فاشكرمن استجابوا للعبة وفتحوا خزائنهم ياكلها غول الsms ...قبل اخمص قدم من شارك في تدفق اموال البسطاء باسم النعرات تتربح بها الفضائيات وشركات الاتصال ... ومن تفننوا في تحاليل وتعاليق رخيصة يتسلون بها وهم يتلاعبون بمشاعر الشعراء وداعميهم - على طريقة من سيربح المليون- بخرجات الفضول واللغو فيها غالبان على الراي النقدي الرزين المتبصر والمدعوم بالادلة والبراهين...
وعلى كل حال ان كان هذا راينا في طريقة المنافسة ...فاننا نرجو لقاماتنا السامقة في ساحة الشعر النجح والتوفيق...
رحم الله نزارا حين قال ذات يوم:
(ظاهرة الالقاب هذه لا توجد الا لدينا , ولعلها من مخلفات عصور الاقطاع , وموروثات الامبراطرية العثمانية , حيث كانت النياشين والفرمونات والاوسمة التي يحملها الانسان اهم من الانسان نفسه , ...وهكذا صار للشعراء امراء....وللطرب ملوك....وللنثر سلاطين...بحيث لا يموت خليفة على الشعر الا ونجتمع لنبايع خليفة اخر...ولا نتخلص من ملك حتى ندق الطبول لملك جديد....كان قانون السلالات الملكية ينسحب ايضا على السلالات الشعرية..)
وحين قال:
نرفــــض الشعر مسرحا ملكيا          مـــن كراسيه يحرم البسطاء
نرفض الشعر ان يكون حصانا         يمتطيه الطغاة والاقويــــــاء
شعرنـــا اليوم هجمة واكتشاف         لا خطوط كوفـــــــية وحداء
كل شعر معـاصر ليس فـــــيه           غضب العصر نملة عرجـاء
مـــا هو الشعر ان غدا بهلوانا         يتسلــــــــــى برقصه الخلفاء
ما هو الشعر حين يصبح فارا          كسرة الخبز همـــــه والغذاء
الفـــدائي وحده يكتب الشعر             وكــــــــــــل الذي كتبنا هراء
انه الكــاتب الحقيقي للعصر             ونــــــحن الحجاب والاجراء
عندمــا تبدا البنادق بالعزف             تمــــــــوت القصائد العصماء

الاثنين، 13 مايو 2013



المرتضى/محمد اشفق
الشمع الأحمر





هل يمكن لغبار السنين المتتالية أن ينقشع فجاة وفي الحفرة قبس متوهج؟؟؟؟ ما كان صاحبنا يقدر وهو يرتب الارقام السبعة ان الصوت الذي سينبعث يختزل مسافات زمنية طويلة ؟؟وكان حديث عابر لغوي , فيه مجاملات باردة....لكنه انتهى وفي النفس حروف كان ينبغي  ان تخرج....فتحركت..ونمت....وتمددت......وكبرت......وضاق بها الصدر...فتحسست طريقها , وانقضت على المقبض وخرجت عبر الارقام السبعة....واذا الصوت يحمل حرارة , وعطرا, ودنيا....ثم تواصل انين الحروف وهي تكابد ولادة عسيرة لجنين شاخ في الرحم.....ثم كانت ليلة....كان كل شيء هادئا.....النجوم متدثرة بالغبار, وموجات البرد الضعيفة تتحرك عبر فترات متباعدة, وسكن الليل وساكنة الليل......الا من لغط المراهقين يضربون في الارض على غير هدى يفنون بعض طاقاتهم , ويهدرون بعض عافيتهم عبر امواج الدخان يقذفونها من افواههم في كل اتجاه.........وكان الحي الهدف يشهد انبعاثا مفاجئا لاضواء المصابيح اليدوية, اغلبها عند شيوخ يبحث بعضهم عن عجول كبار استانسوا بالراحة والدفء وراء الدور الخربة بدل جلد الحلابين والضروع الفارغة, وبعضهم يبحث عن نعاج ملت المغازلات الاليمة لاثدائها كي تجود بما لاتملك....وربما وجه اليك بعض هؤلاء الشيوخ مصباحه متوهما انك الضالة او ليستخبرك عنها....
التقيا من قبل عرضا, في تقاطعات متباعدة , لكن الاثارة كانت نائمة , اما حديثهما الان فكان اكثر حميمية من ذي قبل او هكذا خيل اليهما وهما في نقطة البداية , وبذل صاحبنا الجهد كي يختزل عبر فترات الشرود والذهول والحيرة , والفناء في لحظة العدمية.........وكانت اعتذارات من هنا وهناك تشد الى الزمن الميت واخرى تحاول ان تجر بعناء الى الزمن المفقود.........
سرحا قليلا...حاولا ان يجترا من الماضي ..لكن..؟؟؟ ما أقسى ان نبحث عن موجود مفقود ....وما اتعس الانسان يحاول ان يغير اتجاه الزمن, او ان يوقفه...مستحيل ان تعيش الماضي حقيقة ويقظة , بل تعيشه حلما وحنينا.....تختلس منك لك لحظات تنعدم فيها , وتتحول الى عوالم من السحر, والجمال , والصفاء المطلق , تفر من الزمان الى اللازمان , ومن المكان الى اللامكان , واذا انت شيء لاشيء , سابح غارق في حلاوة العدم, لارقيب ولاناس , كافر بالسبل القبلية والبعدية...ثم تحين لحظة الماساة , لحظة الانتباه المفاجئ والعودة الى الرشد ... واذا الحاضر يشدك شدا عنيفا ليخرجك من عذوبة ضلالك , ومتعة غيك , ويرميك في ضجر الوعي وءالام الصراط المستقيم.....
اعترفت انها حصان من تاثيرات الزمن , بل ان الزمن اضعف من ان يوهن الطاقات الفائقة , وان في التفاصيل التي ترويها برهانا على صدق دعواها..... ثم تدرك ان للزمن اثارا وانها بادية ...وان الكلمات التي كانت تتحدث بها في الماضي بريئة ,, عفوية , فيها شغب الطفولة , وعبق الاسحار,, اما كلماتها الليلة ففيها وقار, وشيء من الانحناء , وفيها اسلوب السرد الواعي الملتفت الى الوراء ,.. كانت تدرك انها الهدف وغير الهدف, كانت تبحث عن شيء ما , تعبت..اعتذرت..., تاهت في منحنيات القصص الرخيص لكنها لم تهتد الى نفسها.....كان صاحبنا غارقا الى اذنيه في بحر الحيرة ..والشرود...لقد انفصل عن ذاته....وهو يستمع ولا يسمع شيئا...كانت الجمل كالغيلان تصفعه...وكان ينتبه من حين لاخر فيدرك انه خال الوفاض من الكلمات وان لسانه مشدود الى وتد...او كانه في غابة حروف محترقة.....ينظر تلقاء نفسه فلا يرى الا رمادا باردا.....تراكم الليل على بعضه , وثقلت خطا المارة, وهما يحلمان ,, ويصغيان الى اللاشيء, والتقت يداهما على قنينة الشمع الاحمر...
                                                          المرتضى/محمد اشفق 


المرتضى / محمد اشفق
الديمقراطية المحنة 2

هاذم اللذات، مفــــرق الأحبة... لو سألت مشرد الأزقة، أو حتى غراب المزبلة عن المقصود لأجابا: الموت... كان هذا أيــــــام كان الموت وحده مفرق الأحبة وهاذم اللذات، الموت ظاهرة حتمية وقضاء ماض دون تعثر هو الغول الــــذي يهـــــدد هدوء الـحياة وطيبها، لكنه كان ظاهرة مألوفة تصد أثار جحافـــله مهما بطشت وفتكت بسلاح أمضى وقوة أعظم هي الإيمان... ثم  نزل أهل بيت لئيم (الفكر الهزيل ورداءة الزمن) والقيا عصا التسيار في هذه الأرض وطاب لهما فيها القرار... وجاءت المشؤومة وسبق الجسم العقل إليها وخطب فيــــــــها البلغاء وحاز باقل جائزة الـــــخطيب، وخطبها كل فحل وكل خصي، وإذا العجوز الشمطاء برزة  بضة فـــي أعين العور، فانتفخت أجسام  رغم النحول، وألف الأميون المجلدات فـــــي شتــــــى صنوف المعرفة، وملأت لحى النساء ما بين مناكبهن.. وتدفــــــق الــــــحليب مدرارا ومغزارا من أثداء الرجال المتدلية كأورام سرطانية، وهم يتمايلون يجرون أعجازا كحناطير الاسكندرية، والطوابير كيلومترية فـــللشاب مصة وللشيخ مصتان، فرأينا الأقزام يتطاولون إلى تلابيب القمر، ورأينا ذوي الأظافر القرعاء يحفــــــــــرون فــــــي الصخر ليؤذوه، ورأينا أصحاب الأرجل القصيرة يتـسلقون القمم... وامتلأت السوح بشيوخ بني المصطلق يبكون الناس بمواعظهم  وعجائز بني قريظة يحرضن القوم على الوفـــاء والنقاء وسلك الصراط المستقيم... ونجحت الدعية فـــــي إغـــوائنا فـــعبدناها.. شهدنا بنبوة مسيلمة وصلينا وراءه... استمعنا من أبي لهب لدرس الفقه والقرءان... وتحلقنا حول سجاح تشرح الموطأ والأربعين... انتفـــخت بطوننا كالصهــــاريج ولم نشبع، وامتلأت الجيوب بالــــمال الساري فـــــي دهمة ليل بشع من الـخزي والعار، وظللنا مساكين نستجدي بائعات القرنفل والنعناع...  وإذا نحن كرمال الصحراء نرحل يمينـــــا وشمالا، وتمتد ألـــسنتنــــــــا صوب المشرق لتلحس الفــــــتات القادم مـن الشرق، وتنساب أذرعا نحو الــــمغرب لتلعق الصديد الـــمتدفق من الغرب... ما أرحم الموت يدفــــــــــــن ضحاياه رغم الجراح النازفة إلـى حين... أما أموات الدعية فجيف تملا الشوارع والقصور وحتــــــــــى أكواخ القش وبيوت الـوبر، ويظل النتن ورائحة الدود المزدحم والصراخ المتواصل من ألم المتعة وعويل الأعراس المقرفة أغنية الأفاكين.

الضائع اليوم من فكر فــــــــي رحلة البحث عن الذات، أمس رحلنا تجارا ومتعلمين إلـــى ما وراء البحار لنحميها واليوم عدنا تجـــــارا وعلماء لنبيعها بثمن بخس.. دراهم ملفوفــة...عدنا ووجوهنا حديد أكله الصدأ وحياؤنا آوى إلى وكر لبد..

عدنا لنفتح  أسواق الــــــنخـــــاسة الــــسياسية.. ونــــبيع حشــــفا وسوء كيلة... والقوم يلحنون ويربحون... وعلـــــى كل وضم تتناثر مزع قصيدة جاهلية عافتها الكلاب الضمر.. المحظوظ منا من قبل بعد امتحان عسير عضوا وضيعا في جوقة الزعيم... مطبلا أو مزمرا.. أو متسولا سياسيا أو لاعق ملاعق... أو عجلا سمينا في القطيع المعد للذبح.... قدر علينا أن نظل فــــي رحلة الــــــتيه والضياع نطارد أطماعا عراضا فــــــي سنوات عجاف... قدر أن نرى بقرات عجافا وأخرى أعجفها الـشحم، وسنبلات يابسات وأخرى أيبستها الخضرة.. ويموت العزيز وتأتي العير فإذا الخازن يؤسف، لا يوسف...  

( حذفت المشاركة خطأ ولما اعيد نشرها سقطت التعليقات : فالمعذرة)