الأحد، 8 أبريل 2012

فاطمة بنت ابريك
المرتضى / محمد اشفق
لن انساها


هذه سطور قصيرة عن المرحومة فاطمة بنت ابريك والدة "اهل دمب افي"




ولو كان النساء كمن فقدنا              لفضلت النساء على الرجال
عاشت السيدة "ابيكه" - هكذا كنت اناديها قبل ان ترحل وسابقى كذلك ان شاء الله -  عاشت عمرا جميلا , كتبت فيه تاريخا عظيما لامراة عظيمة....
هي والدتي ارضعتني بلبانها , وهي جدة اخوي ابني الحاج احمد ولد الندى رحمه الله , قدر لي ان اعيش معها  سنة كاملة في الاك لما كنت في القسم الثاني اعدادي وكنت ممنوحا , وكان من عادة التلاميذ الممنوحين ان يعطوا منحهم لبعض من يسكنون معهم يتصرفون فيها , عرفانا بالجميل الذي يبقى دائما فوق منحة زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع , هكذا كنت اسمع عند اصدقائي اما انا فلم امر بتلك التجربة .. لما جئتها على استحياء شهقت وانكرت ان افكر في مثل هذا , فهي كما قالت من يجب عليها ان تدفع لي بدل ان تخذ مني ..وقد فعلت , لن انسى ابدا يدها تدخل مغافلة جيبي لتحط فيه الف اوقية هي حظ تلميذ مثلي يومذاك من الدنيا , استمر هذا الصنيع مدة اقامتي معها.... حتى اني عندما غادرتهم لم اقطع الزيارات المتقاربة لما اسمع من عبارات الترحيب والتبجيل , ولما ارى من حبور وانشراح في ذلك الوجه الباسم الناطق بكل معاني الكرم والنبل , ثم شوقا الى يدها تدخل جيبي بسرعة الخائف وتحط فيه الدراهم حارصة ان لا يشهد على ذلك شاهد من اهلها...
ولست الوحيد , كانت در اهل "دمب" محط رحال من انقطعت به السبيل او بخلت عليه الايام...ترى الضيوف المقيمين , من البسطاء , والاعيان , والثقلاء , والحمقى , كل اؤلئك يغص بهم صحن البيت وبهو العريش ....لكنك ترى الحفاوة والقرى يتسعان كلما اتسعت حلق هؤلاء....وكانت شخصية "ابيك" مركزية في تلك الدار , اسلم لها الكل القياد بمن فيهم الوالد المرحوم "دمب" لفضله وتقديره لمقامها , وكان مشغولا بصلاته واذانه في المسجد...
"ابيك" امراة نادرة , وهبها الله عقلا ضافيا , راجحا ونافعا سيرت به علاقات متعددة , ومتناقضة في بعض الاحيان , فمحيطها الاجتماعي واسع ومتنوع , ومشاربه ومواقفه مختلفة متنافرة....كان لابد ان تراعي وضعيتها الشخصية , وتحترم ما تفاجئ بها الايام من امور السياسة المختلفة , معنى ذلك انها لم تكن معنية فقط بسياسة الاك ومحيطها الداخلي الضيق بل كانت معنية بسياسة اغشوركيت , لان الحاج احمد رحمه الله كان رجلا سياسيا , وكانت تحبه وتجله الى قصى ما تكون المحبة والاجلال , وظلت بحكمتها وعقلها وتوفيقها مرجعية يطمئن اليها الكل , كانت اذا حمي وطيس السياسة واستعر اوارها ورات الخلافات تعصف باحبابها واصدقائها امرت ابناءها بالانقسام على المجموعات السياسية محافظة على خواطر كل من تربطه بها علاقة مهما كانت درجتها من المختلفين في الآراء والتوجهات..كانت تريد ان تقول بذلك لكل صديق اوقريب انا معك , لن تفرقنا امور طارئة وتافهة ..كانت ركنا ياوي اليه كل من كبا به جواد الزمن اوعثر حظه او اجدبت عليه الديار....رزقها الله قلبا رحيما , ويدا شجاعة مسلطة على ما عند صاحبتها من قليل المتاع ,  فكان اكثر المتحلقين حول قصعتها الضعفاء , وذوي الاحتياجات الخاصة , حتى المصابون في عقولهم بقي من عقولهم ما يدركون به انها ارحم من يأتون...تراهم يسرحون ويمرحون كانهم في بيوت امهاتهم ....
حادثة طريفة: 
في تلك السنة عندما كنت مقيما عندهم حضرت من اغشوركيت صحبة احد الاخوة , وكنا في عطلة قصيرة , وكان معنا ما اعتاد التلاميذ قبل ان يعودوا الى المدينة للدراسة ان يحملوه معهم من نقود .... وفي المساء خرجنا للتجوال خارج المدينة وكانت يومها تنتهي شمالا عند محطة بنزين يسيرها محمد فال بن ببكر سير, خرجنا لنستعرض ثيابا جديدة احضرناها من "لخيام " ونشرب امام البسطاء زجاجات من اسبرك وكان حديث عهد بالظهور ....كان بالقرب منا شابات في اعمارنا , وكن يستدرجننا بالاقتراب منهن , وكنا كلما الححن في الاستدراج تلاحقت دقات قلوبنا فرقا منهن ....لكنهن كن يقتربن خلسة وكنا نرتعش خجلا  وحياء لاننا لانتقن فنون تلك الميادين   ....لم نكن نتخيل ان نجد انفسنا على الارض والشابات على صدورنا وحمدنا الله ان عملية الاغتصاب استهدفت نقودنا فقط.......وانسحبنا بمعنويات محطمة , ورجولات مذلة ...عدنا الى اهل دمب , ولا حظت "ابيك" حالنا فاستخبرتني وحكيت لها الامر وسميت لها اثنتين من البنات ...فغضبت وخرجت مسرعة مع ثلاث من بناتها واصطحبتني معها ولما رآها والدا البنتين تلقياها باحترام لا يدريان من امر بنتيهما شيئا .....احضرت البنتان وانهال عليهما ابوهما ضربا وامهما توبيخا , وخطبت الوالدة ابيك في الجمع خطبة بليغة ومعتدلة استرجعت فيها معنانا المهدور ودراهمنا المغتصبة ...فجزاها الله عنا خيرا...
كانت امراة "متروشة" سباقة الى غرس القيم الفاضلة , والخصال النادرة في اسرتها ومحيطها الخاص , كانت همتها عالية , ونفسها كبيرة , واهدافها في الحياة جليلة ...ظلت هباتها تتدفق في كل اتجاه , وعطاياها سيلا يسقي ما غرست من طيب العلاقات ...اشهد انها كانت تحب المساكين , وان صدقاتها لا تتوقف , كانت برة بوالدتها التي عمرت وبقيت بعدها سنوات....
ستبقى  احياء الاك ودور "لبرت" تذكرها ...تذكر حسن اخلاقها ...تذكر صلاتها وصلاتها ...لتلك الدور والاحياء ان تقر ان غيابها فراغ لايسد وان ذكراها جميل لاينسى ..

المرتضى / محمد اشفق



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق