الأحد، 19 فبراير 2012

Tijani.jpg
الشيخ التيجاني ولد اداع

رحلة طالب

كانت الساعة تشير الى السادسة و25 دقيقة من صباح يوم الاحد الرابع والعشرين اكتوبر 2004 عند ما اخترقت طائرة البوينغ 737 أجواء مطار محمد الخامس الدولي ، تحدثت احدي المضيفات عبر مكبرات  الصوت بالطائرة < بعد قليل ستهبط الطائرة على مدرج المطار>.

أطللت من شرفة النافذة... لم تتضح لي الصورة كثيرا ..كان هناك ضباب لم اتمكن بسببه من رؤية الأسفل.
انتظرت القليل الذي تحدثت عنه المضيفة ، لكني استنتجت أنه ربما هناك اختلاف في المقاييس الزمنية بيننا مع المضيفات – ربما لأنهن جميلات فإنهن يرين أن وقوفهن أمامك سيجعل عقارب الساعة تسير الى الخلف-
مضت 3 ساعات على القليل الذي تحدثت عنه صاحبتنا , ولم نر بعد مدرج المطار.
بدأت الأفكار تتسلل الي رأسي وأسئلة كثيرة مخيفة بمجملها تبحث عن أجوبة , هل هناك خلل في الطائرة؟
التفت الى صاحب المقعد الذي بجانبي وبهدوء محاولا أن يهدئني <ربما أن الأحوال الجوية لاتسمح بهبوط الطائرة> نظرت أمامي ,  كان هناك شبان أثقلوا مسامعي بالحديث عن بطولاتهم الماضية , وصولاتهم وجولاتهم في مجال كرة القدم , كل منهم يتحدث عن تتويجه كأحسن لاعب في السنة كذا وكذا , وربما كان أحدهم بمهاراته وراء فوز البرازيل بكأس العالم في المرات الخمس التي فازت بها . نطرت إليهم فإذاهم صامتون, كأن الطير فوق رؤوسهم ,  لاشيء يسمع في الطائرة.
حاولت النظر في ساعة يدي , فرفعت يدي اليمنى وبدأت أنظر في ساعدي لعلي أرى عقارب الساعة الموجودة في الساعد الأيسر.
خيل لي أني عرفت الساعة نظرة في جهاز الكومبيوتر المعلق في السقف , الطائرة على ارتفاع 18000 قدم وعلى بعد 157 كلم من المطار والساعة تشير الى 9و27 دقيقة ( أي بعد ثلاث ساعات من الدوران)
اخترق صوت الطائرة المخيف صوت المضيفة من جديد قائلة (( لقد تحول مسار الطائرة وبعد 25 دقيقة سنهبط في مطار فاس للتموين بالوقود)) ازداد خوفي من أن تكون 25 دقيقة  تعني يوما و ليلة من التحليق.
هبطت – بحمد الله- الطائرة بعد معاناة كبيرة ولكن هذه المرة في مطار فاس , فكرت في أن أهبط من الطائرة وأكمل الرحلة سيرا على الأقدام لكنهم أحكموا علينا إغلاق أبواب الطائرة ولمدة ساعة جاثمة على أرضية مدرج فاس اساس الدولي. خلال الساعة داخل الطائرة بدأت إعادة شريط  الماضي ، مر على كل شيء تذكرت كل شيء ونسيت كل شيء .
أطلت صاحبتنا من جديد (( بعد 25 دقيقة من الطيران سنهبط في مطار محمد الخمس الدولي) مرت اللحظات عصيبة ، الكل صامت أمله أن تكون المضيفة صححت لغتها الرقمية لكن هناك شيء ما يعاند الطائرة في الهبوط ، تأخرت هذه المرة نصف ساعة آخر ، وأخيرا هبطنا دون تصديق على أرضية المطار.
طلب مني الشرطي الجواز فدفعته اليه بعد أن ملأت استمارة الدخول ، تقدمت الى الجمركي فخاطبني : طالب؟ قلت نعم، قال موريطاني قلت نعم ، قال تفضل , جلست أنتظر القطار المتوجه الى الرباط , أول القطارات سيتوجه بعد ساعة , كان اليوم من أواخر أيام النصف الأول من رمضان , وكنت صائما بالطبع.
تحرك القطار السريع على أن أغيره بعين اسبع , كنت متعبا جدا من طول الرحلة ، غيرت القطار في عين اسبع... في كل مرة كان على حمل الأمتعة من المطار الى القطار ومن القطار الى القطار الى التاكسي لاحقا.
عند محطة الرباط المدينة الواقعة على شارع محمد الخامس استقللنا تاكسي صغيرا متوجها الى اقرب فندق , طبعا مع مراعاة الأرخص , هكذا قلت لسائق التاكسي... في احدى غرف الفندق تناولت الإفطار... التعب بلغ مني مبلغا لايمكن وصفه 48 ساعة بلا نوم... رحلة استمرت 12 ساعة.


 مكناس 27 ابريل 2005  
                                   الشيخ التيجاني ولد اداع

                                      

هناك تعليقان (2):

  1. Mahfoud Ould Mouhamdeou Ould Elbar20 فبراير 2012 في 10:25 م

    نص جميل ورائع وقبل ان يقول قائل ان شهادتي عليه مجروحة فاني اقدم المرافعة التالية عن نفسي حول القيمة الادبية للنص : 1 رغم ان سلامة النص لغويا وسلاسة الفاظه من ابجديات الكتابة الا اننا في هذا الزمان نري كتابا كبارا لا تسلم نصوصهم من ذلك و هو مايجعلنا نشيد بلغة النص 2-الادب وصف الشعور او لايكون وقد وصف الكاتب شعوره وصفا رائعا مشيرا الي ذلك التنازع في النفس حب البقاء اذا شعرت بالخوف و حب الجمال لكن بشرط الطمانينة (ربما لأنهن جميلات فإنهن يرين أن وقوفهن أمامك سيجعل عقارب الساعة تسير الي الخلف)3-نفس الشيء لكن مع اختلاف الصفة المحبوبة هذه المرة المفاخرة بدلا من الجمال تحب النفس البشرية الاستعلاء علي الغير لكن حب البقاء اشد ،عند الخوف يبقي الحب الوحيد هو النجاة (كان هناك شبان أثقلوا مسامعي عن بطولاتهم الماضية وصولاتهم وجولاتهم في مجال كرة القدم كل منهم يتحدث عن تتويجه كأحسن لاعب في السنة كذا وكذا وربما أحدهم بمهاراته كان وراء فوز البرازيل بكأس العالم في المرات الخمسة التي فازت بها .نظرت اليهم فاذاهم صامتون كأن الطير فوق رؤوسهم ) 4-نفس الشيء لكن مع اختلاف الصفة المحبوبة ايضا وهي الراحة والدعة و الرفاهية لكن ايضا بشرط السلامة (فكرت في أن أهبط من الطائرة وأكمل الرحلة سيرا علي الأقدام ) 5- لم يخل النص من الفلسفة و لست مؤهلا للإستفاضة في ذلك اكثر فلست فيلسوفا مثل صديقي كل ما اعرفه ان (تذكرت كل شيء و نسيت كل شيء) فلسفة و السلام6-الطرافة :لم يخل النص من الطرافة مثل (حركت رجلي علي بلاط امام الشرطي لأتأكد من أنه يمكنني السير علي الأرض مرة اخري) و مثل الاشارة الي اللكنة المختلفة في نطق موريتاني (مورطاني)7-لم يتركنا الكاتب ننسي رغم هول الامر ان المشاكل لم تنته بالوصول فتلك كانت مشكلة عارضة لم تكن في الحسبان فهو طالب في رحلته الاولي ليس سائحا و لا رجل اعمال وبتعبير ادبي فهمنا كل شيء (استقلينا تاكسي صغير متوجه الي أقرب فندق ,طبعا مع مراعاة الأرخص هكذا قلت لسائق التاكسي)

    ردحذف
  2. أن يدخل الي التحليل الادبي من لايمت له بصلة فتلك جريمة.... شكرا!! للمدونة لأنها جعلت غير الاديب اديبا، كما جعلت المهندس كاتبا روائيا.
    علي أية حال تبقي المدونات الالكترونية "منبر من لامنبر له"

    ردحذف