الاثنين، 12 مارس 2012

الباحث عن الحقيقة (1)
المرتضى / محمد اشفق
الشيخ عبد الله
كان الشيخ عبد الله ولد المصطفى رجلا صالحا , تقيا , ورعا , زاهدا في الدنيا , منقطعا للعبادة والتحنث , وكانت له كرامات مشهودة مازلنا نرويها عمن رواها عمن شاهدها وحضرها من الثقات والعدول...
قال يوما لزوجه : أ خديجة انتظري ولدا صالحا ذا شان سيولد لنا باذن الله , استشعارا او رؤيا, وتقول الرواية ان ولدهما محمدا ولد بعد ذلك , لكن الشيخ اخبر (ديج) انه ليس من أريه...ويموت محمد صغيرا ....ثم يموت الشيخ عبد الله بعد ان تحرك الجنين في بطن امه ....وتطبيقا لسنن العرف سموه محمدا عبد الله محمد كما تراءى للوالد اسمه ثم (اسم ابيه ) ...كان ابوه يحذف الشيخ من اسمه اذا دعاه السياق لذكره فيقول : عبد الله وفي بعض المواقف : عبيد الله ....وحذا الابن الذي لم ير والده حذو ابيه , فكان يختم  رسائله ب (....محمد عبد الله بن عبد الله) ...
كانت سنة 1329 هج سنة متميزة , فيها رأى النور بشارة ابيه الشيخ عبد الله....ليستقبل الحياة بلا اب ...لكن امه (ديج)
كانت من النساء المتميزات قوة , وصرامة , وعزيمة .....كانت اهلا لتحمل امانة التربية والتعليم والتدبير لاسرة فيها المضافات والمجرورات , لكنها مضافات ومجرورات يجب ان تبقى في حالة الرفع دائما....
احست الوالدة اذن ان مسؤولياتها متشعبة متعددة , فبين يديها رضيع يتيم ومن حوله ثلاثة اخوة (محمود- اخ لاب- , الشيخ سيد المختار , واحمد , واختان هما فاطمة ومريم ....)...وكما ذكرنا ليست هذه هي الحدود العددية للاسرة فالاسرة الاجتماعية اكبر بكثير....
نشا الطفل بين يدي امه نشاة صالحة , و تلقفته القلوب بحنان واكبار لما تنتظر منه في قابل الايام , فتح عينيه على الشيخ الحضرمي بن اعبيدي ينتظره بفارغ صبر فاخذ عنه القرءان الكريم رواية ودراية ..ثم انتقل الى المحاظر مستزيدا وخصوصا من علوم العربية المختلفة نحوا وبلاغة وشعرا.... منها محظرة عبد القادر بن محمد سالم المعروف ب قار , ومنها محظرة اهل احمدو فال.....
ولم يخط عن ربيعه العشرين الا خطوات قليلة حتى اكتملت فيه صورة الفتى بكل ما تعني الكلمة من دلالات واحالات في الثقافة الموريتانية (التطراك) ... نعم استوى الرجل على ساقيه ففي صدره كتاب الله وزاد معتبر من الفقه والادب , وبين جناحيه قلب شاعر متيم ملك ناصية الموزون والابداع حسانية وعربية...مع نضارة شاب تبرق فيه سيماء الخير والصلاح...
لكن صاحبنا لم يانس بمقومات الفتى الاديب , الوسيم ...لم يانس بادوات شاب الصحراء من جمال , وجمال , وءالة , وخبرة في سوح اظهار البراعات...فاحس بنار الشوق تضطرم وتزداد التهابا كلما غافلته عوالم التامل والحنين....  
راى دافعا قويا يسوقه للبحث عن ظل ندي , وبرد زكي يطفئ به نار الشوق الى حبيب لا يعرف له مكانا ولا زمانا و لا دارا و لاوطنا ولا عشيرة.....حبيب معلوم مجهول , قريب بعيد ....لا بد للمحب من ان يتعذب ويبحث ويسال وياتي المظان والعيون والمناهل حتى يظفر ولو بخبر عن المطلوب...
السيخ سيد المختار ولد الشيخ عبد الله
راى الباحث عن الحقيقة ان جوهرته المفقودة لاسبيل اليها الا بالتخلي عن كل ما يشغل عنها  والايمان ان الدنيا دار غرور وغفلة وان النجاة من حبائلها ومكائدها تتطلب حياة اخرى فيها خشونة وشظف وحنين يشعل حنينا.....فطرق باب التصوف وقد شده الى هذا العالم ما سمع وما قرأ,  وايقن ان مبتغاه ينتمي الى هذا العالم الغريب...اخذ ورد القادرية عن اخيه الشخ سيد المختار بن الشيخ عبد الله رحمه الله..لكنه شعر ان ظماه يزداد , فارتحل الى  الشيخ ابي المعالي رحمه الله وخدمه ولزم ورد التربية حتى ايقن شيخه ان قد اصبح ذا مقام كبير لدرجة ان امره باعطاء الورد , وبقي عنده الى ماشاء الله , ثم انتقل الى الشيخ محمد محفوظ بن الشيخ القاضي رحمه الله , ولازمه حتى توفي , وخلفه الشيخ المصطفى رحمه الله الذي قال له : كلانا ذاهب الى ربه سيهديه...
ظل الرجل الولهان سمير ترانيمه , وعليل اشواقه , يكابد ظما حارقا رغم ما هو فيه من الرخاء , وما ينعم به من تقدير وحب وتبجيل....لكنه كان يرى ذلك كله بديلا وعوضا , وتسلية , ومحاولة استئناس بالقشور عن الجوهر..فلم يهدا ولم يرض وظل يعيش وحدة الشوق والم الامل الذي لا تلوح بوادر تحقيقه قريبا....حتى كان يوم....
محفوظ بن حامد
فلم يزل في رحلة القلق وغربة الروح بين يقين يقوده الى شك , وشك يقوده الى يقين , حتى جاء من الجانب الغربي فتى يعرف الناس نسبه وحسبه , ويعترفون بأمانته وصدقه , من رحلة صحب فيها خاله المرحوم اسلم بن المنجى (وهو اول من اخذ الطريقة التجانية من قبيلته)
اسلم بن المنجى
الى حي  (الشيخان بن الطلبه) , جاء هذا الفتى  من "لعكل" بنبإ عظيم. 
هو المرحوم محفوظ ولد حامد , وقد اخذ الطريقة التيجانية عام 1951 على يدي العالم الجليل الشيخان بن الطلبه , واصطحب معه مؤلفا  للشيخ ابراهيم انياس يسمى "السر الاكبر" وكان يتررد على الشيخ عبد الله ليقراه عليه , وكان حريصا ان يكثر من قراءته عليه ..كان محفوظ يريد ان يقع في حبائله صيد سمين , واحس الشيخ عبد الله ان شراك محفوظ بن حامد قدر يترصده , وان مائدة الكتاب بدات تسيل منه لعاب شهية الاستزادة , وادرك انه كلما طعم منها تضاعف نهمه اليها,  ثم اشتد الفعل وتعدى , ليجد صاحبنا نفسه مرغما  راغبا في شد الرحال , ميمما ارض السينغال حيث صاحب الكتاب...
وان تعجب فاعجب لرجل تربى في حضرة  علمية صوفية , ثم طاف في البلاد كلما ذكر له واد من اودية العلم والتربية نسي الاهل والوطن وحمل عصا التسيار , ووصل الادلاج بالادلاج, حتى حصل ماكان يكفي امثاله من بني قومه  لكنه لم يقتنع ان رحلته قد انتهت وان هدفه قد تحقق....
ازف الرحيل , فقرب الشيخ عبد الله راحلته , وتزود بالحنين والشوق , وولى وجهه شطر بلاد السودان حيث سمع الناس "فتى" يذكر هناك يقال له ابراهيم....
كيف يستساغ ان يرحل رجل في قدر الشيخ عبد الله قدرا ومنزلة, وحلما وعلما وورعا , كيف يودع الاهل والاحبة والارض التي نيطت فيها عليه تمائمه ليلحق برجل من "الولوف" في ارض السينغال يبغي عنده صلاح الحال !!! ان رجال هذا المنتجع القصي يرحلون الى السينغال للتجارة او للانتفاع بوسائل اخرى , بل يزعمون انهم هم حملة النور والهدى الى بلاد الزنج ,  فكيف يرحل صاحبنا لجلب بضاعة زعم قومه انهم اهلها ورسلها الى العالم.....
حل صاحبنا سنة 1952 بارض ما وراء البحر ,  و الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان....
                                                                
                                                                                     (يتواصل)


هناك تعليق واحد:

  1. ابراهيم ولد محمد اطفيل15 مارس 2012 في 12:10 م

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أستاذنا ومرشدنا لقد حركت شجونا بهذه المقالة الطيبة هذه الصور اثرت فينا وذكرتناب بأيام لا يمكننا أن ننساها.
    ومما لا يمكنني أن انساه أن والدتي كانت تتعاهد خالها السيد اسلم ولد المنجي وحينها كنت صفيرا ولا انسي شوقي لتلك الزيارة لأنه كانت لا تفارقه حزمة من الدراهم يوزعها علي الاطفال وكان حظي منها وافرا فضلا عن رحابته وسعة صدره.
    نعم هو ونعم الاسرة الكريمة.
    جزاك الله خيرا علي هذه الكتابات.

    ردحذف