الخميس، 7 مارس 2013

المرتضى / محمد لشفق

الديمقراطية المحنة(1): 
كانوا صغارا يكتفون بالفتات وما يانف الكبار عن حمله من رخيص المتاع  لصيق الارض , ..يخرجون اليه في العتمة ويعودون باجربة ملئت حشفا ومزعا متسخة وسرجينا وتارة بارجل الصراصير.
كان دورهم التفرج من بعيد وترديد عبارات التمجيد الزائفة ..اما الغنائم وشرف الانتصار فللكبار, والصغار- بفتح الصاد - فللصغار..
في الصباح تحدث معركة ضروس تستخدم فيها السكاكين والقواديم مع حركات متقنة من سواعد مفتولة لرجال اشداء ...الضحايا قطعان شاء وابل وبقر ..تنقل اخيرا بعد عملية الفتك والتقتيل الى قبورها..القبور هي بطون الناس....عندما يخيم الليل ياتي دور الابطال الصغار...كلاب سائبة وقطط  تلتقط ما استقذره الجزارون..وكم هو ضحل ما يتعفف الجزارون عن حمله وبيعه..
هناك جزارون ءاخرون يبيدون قطعانا ليست من الشاء والابل والبقر ..هي قطعان ءادمية...وهناك دواجن صغار ليسوا من الكلاب ولا القطط السائية ..بل من ولد ءادم...يظهرون في مجازر السياسة اول امرهم
ملثمين , مقرين ان عملهم حقير واهدافهم وضيعة , لذلك احتاجوا الى الليل والهمس والاقنعة التنكرية..ففي الناس بقية اخلاق..
وعندما يشتد لهيب المعركة , ويكثر الضحايا و الغنائم ..يتدفق لعاب الشهية مدرارا وتسيل اودية وبطاح بقدرها..ويتزاحم الناس الساق بالساق والمنكب بالمنكب والضرس بالضرس لا ليرصوا صفوفهم في الصلاة ولا ليقبلوا الحجر الاسود...هنا يحتاج الكبار الى الصغار في المعركة فيشرعون لهم حق التطفل من قريب لكن بشرط قاس !! لابد ان يخضع كل الصغار لعملية خصاء حتى ينسوا انهم كانوا رجالا ويسخروا من مهزلة الشرف والشهامة...ثم يسمح لهم ان يدخلوا خدر الحسناء دون ان يؤذوها.
بعض الكلاب والقطط الداجنة لم تعد تتجشم السرى الى المجزرة البعيدة ففي ما يبقى على الاوضام مما ياباه المشترون بل ما يفوق حاجتهم ما هو اغلى واطيب واقل كلفة...الصغار ايضا فاقدوا الرجولة اصبحوا يرفضون ان يصنفوا مع غير اولي الاربة من الرجال فقد اكتنزوا لحما وطبقوا شحما والزمن اصبح اكثر رداءة والقيم اشد ضعة...لكن فعل الذبح الذي مارسه عليهم الجزارون السياسيون جعل نصيبهم لا يتعدى الفتات الملتصق بافرشة الطعام ...حبات ارز وقطع لحم ممصوصة وعظام مهشمة استعصت على اضراس الكبار...هل نسوا انهم كانوا يصطرعون عليها حبوا على الركب والمرافق وزحفا على البطون لان قاماتهم تعودت حالة الانبطاح...
وذات يوم حمي الوطيس ووجه الكبار سلاحهم الى بعضهم ....وبطشت سكين الجزار السياسي بكرش منافسه فتدلت الاقتاب وما حوت الحشايا من الشحوم....واذا صغار الامس يتدافعون لياخذوا مواقع اشد هبوطا...فسمح لهم ان يكونوا دروعا بشرية واجساما مفخخة فاحتاجوا الى وقود يتناسب وحجم الحركة...الى علف زائد...فصار لهم ان يتلقوا الكدمات والصفعات والبصاق على الوجوه ونتف اللحى.....ثم تلبد الفضاء السياسي بغيوم اقتم وتحركت الاعاصير والزلازل...وبعد ان هدات الطبيعة واستوت السفينة في قعر المستنقع تشققت الارض عن اؤلئك الصغار في شكل مخلوقات مشوهة يقتلها الضوء وتختنق بالاكسيجين..ولهث الجميع في حمارة القيظ وصبارة القر والقوا كل الاقنعة التنكرية فما عادوا بحاجة اليها ولا الى  الليل والهمس...لهثوا وراء العجوز القبيحة وعقدت انكحة سياسية بين المحارم ودون انتظار لاكتمال العدد ففي الفقه سعة وفي الفقهاء انفتاح و سماحة....حاولوا تلميع الهدف...حاولوا ان يجعلوه نبيلا لكن الصورة ظلت معتمة فالعروس لا يبني بها الا الخصيان...عاد الكبار الى مدارج لم يتجاوزوها اصلا , الى طفولتهم السياسية ..اما الصغار فحاولوا استنبات لحاهم لكن اثداءهم كانت تتدلى.
                    
                                                                   المرتضى ولد محمد اشفق