الثلاثاء، 24 يوليو 2012



الرحالة موهوب (3)
المرتضى / محمد اشفق

ادرك موهوب  انه تدفق بكلام كثير امام "محمدو"..وتذكر ان احد خواصه همس في اذنه مرة قائلا : يا موهوب خذها مني نصيحة خيرا لك من حمر النعم , وصرر التبر الاحمر : لتكون نجما لا معا في سماء السياسية  تعلم اللغة الديبلوماسية , فقال موهوب : تلك لغة متخصصة يجيدها السفراء والقائمون بالاعمال ومن شاكلهم فكيف لي ان اتعلمها ؟ يا موهوب اللغة الديبلوماسية عندنا هي ان تتحاشى الحقيقة , هي الكذب , حتى اذا سئلت عن اسمك فلف ودر , ومص شفتك السفلى , وقل "أ" برواية ورش واشبعها مدا , وتعمد الغلط...ثم تبسم وانت تقول : اسمي مع السكرتير الخاص..ولوح بخنصرك وبنصرك فقط....وانج بنفسك....
تذكر موهوب هذه النصيحة لكن بعد فوات الاوان....وبدا له ان يكفر عن خطيئة قبلي الكلام ببعدي الصمت......
لكنه في سره مطمئن سعيد.....انقطع لنفسه في مناجاة داخلية , استخلص منها ان رحلاته علمته ان الكرم السياسي في بلاده رائع , وان الوافد - جديدا او عائدا بعد هجرة- تتحات ذنوبه السياسية حتى يكون كيوم ولدته امه.....فلا الذاكرة الجمعية وان احتفظت بتفاصيل سيرته غير المطهرة تحاسبه عليها...فلا يحتاج الى شهادة تبريز , ولا كفارة صغرى....بل لا يحتاج الى ان يعلن توبته ...حسبه ان يكون خشبا يزيد النار اشتعالا ولو بدخان اسود كالقطران...وان يغتسل في نهر الادران , ويمر على عرايا التشويه  ليجعل مسوح التقبيح على قيهله من جديد , تلك طقوس المؤمنين الاوفياء  لعقيدة النجعة والرحيل.....ولا تهمه الحدود الوهمية بين الفريقين المتصارعين على اغتصاب بلاده....هو سيمثل في كل فريق ...وسيكون بطلا في كل حلبة صراع ..فهو فنان في افتعال"الغيظ وتوززت"...هو معارض موال , وهو موال معارض ,.... وهذا هو موقف كل معارض مهما تطرفت مواقفه الآنية , وهو موقف كل موال مهما ابدى من آيات الولاء والتزلف..وكان يتمثل لنفسه مبررا هذه الافكار ب(احبب صديقك هونا ما فربما ينقلب عدوا , وابغض عدوك هونا ما فربما يصبح صديقا) سيقول حكماء كل فريق ألاّ صاحب بلا عيوب وسينشدون قول الشاعر:
ولست بمستبق اخا لاتلمه               على شعث أي الرجال المهذب
وقد دخل خلوة اصطحب فيها ديوان الحطيئة وبشار ....وحفظ كثيرا من "درر الشمت" من الشعر الحساني حتى امتلا وفاضه ومزوده ...بل اصبح هو نفسه لايصبر على اللغة المهذبة ...يصيبه الدوار فلا يهدا حتى يغرق خصومه المفترضين باسهال نتن من بذاءات لسانه , كان يتمرن في توجيه خطبه الى الحميراولا – فالحمير مامونة الشر , لاتعض كالكلاب والجمال , ولا تنطح كالكباش والبقر-  ليتخلص من حالات الارتباك امام الآدميين , واستعمل لغة جسده كمفتون خجول سحره لحظ عيطموس شرود.....استعرض موهوب كل هذا وهو يشغل مخزون ذاكرته وما سجله من تجارب اصدرها في كتاب سماه : المختار في  فوائد الاسفار واضرار المكث والاستقرار .
اكسبه شروده مع هذه الافكار شجاعة وهو يعود الى من هجرهم امس واعلن على الملإ افلاس خطابهم , وقذارة افكارهم , وانحطاط مراميهم ...فاسمعوه من الثناء والتمجيد ما لم تسمعه اذن المعز والرشيد , فالعود احمد والطالع اسعد....فقال موهوب ايها الناس ....ايها الناس  انا الهدهد لقد ذهبت عنكم لآتيكم من "سبإ بنبإ عظيم" ....فالحمد لله الذي تداركني من عثرتي , وسدد خطاي بعد ضلتي ...لم انس ايامي  بينكم كم كانت حلوة كاحضان الامهات ..كم كانت جميلة كاحلام الاطفال كم كانت عميقة كشعر المعري  ....لقد ساقتني شقوة رأيي , ونحس طالعي الى قوم غالبت القيء لما تبدت لي جموعهم , فهم كما ساصف لكم :
عيونهم غائرة كضحايا الإسهال
ابتساماتهم شاحبة كرعاة الصيف
بطونهم منتفخة كالحوامل
أطماعهم كبيرة كجيف الجمال
أفكارهم صغيرة كأرجل النمل
لحاهم خجولة كخمر البغايا
يريدون غنى الدهر في يوم
وربح القرن في ساعة
يلبسون كالمشردين , ويأكلون كالمساكين
الحمد لله ان نجاني منهم كما نجى عيجلوف من جند سليمان
دوى تصفيق الجماهير حتى ذعر بعض الحاضرين وذعر موهوب نفسه من لجبة الاكف....فنتر مرافقه دراعته قائلا : انت غلطت هذا نص خطابك امام اصحابك الشهر الماضي ..قال موهوب ما زلت في غبائك القديم ..هم ايضا يعلمون ذلك ....لكنهم يقبلون مكرهين ...وينخدعون عارفين .....هذا مكمن الداء يا محمدو....نحن امة عطلت عبقرياتها في مختلف الفنون لتتمحض لفن العصر : التكسب السياسي.....نحن جميعا مجهزون على ضحية اسمها الوطن نمزقه ونحتقره  , ونختزل عظمته في حماقة طفلية....نطحنه ليسهل ازدراده الى كهوف معداتنا المظلمة ...الم اقل لك انك لن تستطيع معي صبرا....ان اصررت على ان ترافقني فلا تسالني ولا تعلق على  احاديثي ...فساكشف لك في قابل الايام من امرها خبرا....لقد نسيت احاديثي الماضية..الم اقل لك في سالف الحقب والاعصار , اننا في زمن العهر السياسي , ورجولة المخنثين ....وان الزمن الرديء سمح للخصية من اشباه الرجال ان يدّعوا افتضاض ابكار المواقف والافكار ...وتدنيس عذرية الفضائل والاخلاق .....الم تر اقلامنا اليوم ترقص على لحن العذاب والموت ...السنا اليوم اسرابا من الزواحف تغني على أنين الجياع والمنكوبين .....الا نركض مسرعين لاختطاف رغيف من امام مسن قعيد....
لقد نسيت ان اخبرك ....نسيت وليتني ما تذكرت ....
في طريق عودتي يا محمدو اعترضني فارس غريب ...له قرنان يرتفعان حلزونيا فوق اذنيه....وقد ضفرهما ودهنهما ورطبهما بمسك غليظ سميك ...تقطر على رقبته حبات عرق ازرق وتختفي بسرعة ..تذكرت حكايات البادية والطفولة و"بوتويلتميت من لحديد"...اقشعر جلدي واحسست بشعري ينتفش وحركة غير محددة المكان تهزني هزا وتأزني أزا.....قال لي وقد ادرك اني انكر منه كثيرا : لا عليك انا نزيل مقبرة في تلك الاكمة التي امامك.....استاذنت حارسها فابى ..فغافلته وانسللت مسترخصا ما سانال من ضرب المقامع.....وعض الثعابين , انا هو انت ياموهوب....اهتزت الارض تحت قدمي وتلاحقت دقات قلبي حتى حسبته انسل وطار الى السماوات العلى ...ربت على منكبي قائلا : لا عليك يا أنا ..الا تذكر ؟ انت مت منذ دهور في رحلتك عن مضارب القبيلة ....واسلمت نفسك راغبا الى مقاصل القوم فشنقوك وصلبوك وعلقوك حتى سال الصديد الاسود من اظافر قدميك وتجمهرت الخنافس والنمل الاحمر يروون ويدخرون....انتفخت كالبالون الطائر وتساقطت اعضاؤك منتنة تملا جوف الوادي فلم يبق فيه ذربان, وتحلقت حولك الذئاب تاكل مشمرة على انوفها....دفنوك هنا ....وانظر يديك وقد مجلتا حتى سال القيح من اخاديد راحتيك ولما دفنوك حكموا عليك بالتصفيق رغم المجل ....تحسس تجاويف فمك فانت أدرد ولسانك مدور كافعى يسمك شدقيك الم تك خطيبا تقيء العوراء ؟؟ واليوم في قبرك الزموك ان تظل تمص لهاة عجوز مغراء من آل شارون , مثقوبة المنخر , بخراء , جخنّة , دقيقة الساقين....نخامتها كالمح..سرتها تدمى باستمرار وتقطر في محارة مشدودة بشعرة من لحيتك حتى اذا آلمك المص ولغت في ما تحلب في المحارة فيكون كالضماد وتعود العافية الى لسانك... وانظر الى تلة الجنادل تلك , ذاك احد رموسك وهناك حولوك الى شيخ وقور واجلسوك في بؤبؤ عوراء عيناء مغلولة اطرافك من خلاف لك ثدي واحد يتدلى الى كعبك ترضعه ديدان  رقطاء وثعابين صغيرة لا تروى كلما امتلات بطونها وضاقت بما حوت تسلقت على شعر لحيتك وبالت في انفك....هل ترى ذلك العجوز الاحدب الجالس جنب ذلك الجدث....انه شيخ من الجن خاله الشيطان يريد ان يستقضيك عن رشاوى دفعها لك ولم تف بالوعد كما هو ...لقد كنت اكرم من المطلوب وذلك جالب للضرر على الذين امتهنوا عد الحصى واستعذبوه....هل ترى ذلك الشاهد الرمادي الباهت ذاك واحد من اجداثك لكنهم حنوا عليك , بل اكرموك توقيرا لأمارات النبل البادية في صلعك من الخلف , وشعر صدرك فانت من عرق نقي لم تشبك كعاعة من نسب.....هناك حولوك الى كائن وديع في روضة ندية ..انت هناك قملة كسيحة ترعى عانة قرد عنين....
يا محمدو!! كل هذا وانا جالس يقظان ...نهضت مسرعا , واستعذت بالله من الشيطان الرجيم , وقرأت سورة يس وصليت الصبح لاول مرة في المسجد وكدت اصلي الضحى ....لكنني تذكرت انها "تكره" لمن لا يواظب عليها ...
هؤلاء هم نحن فما ذا تامل ان يفعل موهوب واشباح كابوسه ترافقه انى حل؟؟هل ترى ان ما نعيشه اليوم هو نفسه ما انبأتني به الكوابيس بعد ان نزعت الغشاوة من عيني واضمحل وهم الحياة....يا صاحبي انظر الي جيدا هل انا هو انا ؟؟هل انا  نائم ام يقظان ؟؟ ..


المرتضى ولد محمد اشفق

الجمعة، 20 يوليو 2012



فضول قلم
المرتضى / محمد اشفق

كثيرا ما يثير فضول تفكيري التمعن في بعض الاساليب والمسلكيات النابعة اصلا عن الضعف العقدي وترسخ الفكر الاسطوري في مخيلتنا الثقافية .....هنات لم تقدر آلة صقل الدين المتوفرة والمتعددة والمتحصنة بالمرجعيات الصحيحة , ان تزيلها  بعد , حتى نرى عقولنا وافكارنا ناصعة قد تطهرت من ادران التخلف الفكري وتشويش المصادر ....
ظاهرة الخوف من العين امر مبرر...فالعين حق ..والله انها لحق ....تدخل الجمل القدر والرجل القبر.....لكننا افرطنا في الغلو ....واستسلمنا لضعف عقلي إيماني غريب على امة حررت العالم من الوثنية والتخلف وحيوانية التامل والتحليل...
فظاهرة القزع - وهي امر منهي عنه شرعا - منتشرة في مجتمعاتنا اليوم ...ما زلت اذكر انواع الحلق وكنت  من اصحاب تلك الاشكال: "العرف" وهو ترك مقدمة الرأس مرسلة.."التبيب" ترك حزام منصف للراس غير محلوق , يذكرناه جدار الفصل الذي تقيمه اسرائيل الآن في فلسطين, ..."الكطاي".وهي ترك خصلة تمثل نقطة وسط الرأس طويلة .."الكرن": ارسال خصلة كقرن الثور من احد جانبي الرأس ...."النباحة".وهي طاردة الجن تنبح البلاء...وهي ترك منطقةاستقرار الراس على الرقبة من الخلف دون حلاقة وقد تتعدد النباحات ....و"الزر" وتعني حلق نصف الراس فقط.....كل هذا لصرف اعين الناس عن استحسان الاطفال الذكور في الغالب..خوفا من ضرر العين...
اما المرأة فتلجأ الى وسيلة أخرى لرد العين عند النفاس....هي رسم مساحات سوداء على وجهها  اما بترسبات الدخان اسفل المراجل ايام كان الطبخ على الحطب , واما بغبار الفحم ....حتى لا تعان  اذا لم تظهر عليها امارات الضعف جراء النفاس , لان الاصل ان تظهر عليها علامات المرض من آثار الولادة...
الخوف من العين اوجد ظاهرة الكذب "المباح" ... لا نعني فقط اخفاء الامتعة المكشوفة امام الزوار ..بل ردود امهات الاسر على رسل بعض الجيران – خصوصا المدمنين على الطلب – الذين يلتمسون  سلف بعض الارز او السكر مثلا , فتحلف الام بيمين لم تنو عقدها ( والله يالتالي عندن ال استعملناه سابك امجيك اشوي ) , والله لقد نفد ما كان عندنا قبل قدومك بقليل او (عجيب مشين عند هاذ الا اعطيناه ظرك لهل افلان) واحسرتاه لقد اعطينا آخره لاهل فلان الآن (ما عندن ال لا ج فلعين اغرقره) ليس عندنا ما يسيل دمع العين ان دخلها....هنا ابداع غريب في المبالغة , تعبير عن التناهي في العدمية ...وكثيرا ما يفضح الاطفال كذب امهاتهم فيقولون ( عندن بعد ذاك فالصندوك) يوجد عندنا الارز والسكرفي الصندوق يا امي , فتلف الام اظافرها الى الطفل وتغرسها في فخذه  معاقبة له على صدقه...وقد لا يكون الدافع بخلا بالمادة بل خوفا من العين , كأن يقول الناس : زاد اهل فلان كثير لا ينفد بسرعة او الخوف من فتح الصندوق امام الرسول تجنبا لرؤيته المتاع....
هناك ايضا اللغة الجاحدة , فنحن نعبر عن غزارة لبن البقرة بقولنا (ابجغمته) و(اجغمه) في لغتنا كمية قليلة لا تملأ الشدقين, وعن غزارة المطر بقولنا (ج رش بعد) و(الرش) عندنا قطرات خفيفة لا تغطي سطح الارض , اذا سمعت هذه العبارة من بدوي اصيل فاعلم ان طوفانا اغرق الانجاد والوهاد.....واذا اردنا ان نعبر عن غنى الرجل قلنا (ابطشة...بنحيسة) ف(الطشة) القطعة الصغيرة من الشيء , و(انحاسة) قطعة نقدية وجاءت مع ذلك مصغرة , وبعد الحصاد اذا قال الفلاح عبارة ( اجبرت هبزه ) و(الهبزة حفنة اليد )فاعلم ان الزرع حاصره وغلبه , وان بيادره ضاقت بالمحاصيل...ولك ان تلاحظ  صيغ القلة في تلك العبارات كلها.....
وهناك ظاهرة بخل لغوية لا تقل غرابة عما سبق , هي رياضيا كالتعبير عن 1 ب – (-1) أي على طريقة (نفي النفي ) إثبات , فبدل ان نقول هذا كبش سمين نختار عدم الرضى , واسلوب الجحود فنقول (ما خاسر اعليه ش )  وحتى اذا عرضت على احدهم اكراما : دراعة راقية ...سيارة ...مليون اوقية سيقول لك (ما يخسر ش) اذا طبقنا القاعدة الرياضية ف( ما) تمثل اشارة (سالب) و(خاسر) تفيد السلب , فحصل الاجابي لكن بالمرور على السلبي...وينتشر هذا الاسلوب في عبارات مثل : (ماه شين) بدل جميل , و (ماه امحيل) بدل سخي , (ماه راخ) بدل جيد (ماه ابعيد) بدل قريب , (ماه محال) بدل متيسر ومتوفر جدا....ومن ذلك عبارة (لباس بيه) أي لا باس به , وهي تفيد دلاليا تعبيرا عن مستوى يتجاوز قليلا مستوى مقبول , لكن اذا قالها لك احدنا فمعناها : باهر...رائع...ممتاز. ...اما قمة البلاغة في التعبير عن تمام الرضى والاستحسان فبقولنا : (فلان افك من باس العين) اي انه متميز , او تلك الناقة (خايف من العين) اي ان لبنها كثير....
البخل بالجواب السريع : تسأل احدهم عن مقعد في سيارته (ابلد) الى نواكشوط , وتكون كل مقاعد السيارة لحد سؤالك شاغرة فبدل ان يقول لك نعم شرف لي عظيم ان ترافقني , يقول لك (اندور انشوف) سوف ارى....يضن برد سريع كريم , وكثيرا ما يوفر لك المقعد...واذا قال لك (اكد اعود ) فمعناها موجود يقينا ....لكنه التسويف , والتردد , ومغالبة بخل كامن تفضحه بعض اساليب الخطاب اللغوي عندنا....


المرتضى ولد محمد اشفق


الأحد، 15 يوليو 2012


المرتضى / محمد اشفق

تائه بين المواقع 
(نعيد نشره استجابة لبعض الطلبات)

ظاهرة الحنين الى الماضي تعبير عن افلاس الحاضر وعدم قدرته على توفير البدائل عما افتقده الانسان مع غروب شمس امسه...فيعوض عن ذلك بحنين الى ماض مفقود  , اوامل في مستقبل مجهول , يظن ان ما تسطره له احلام يقظته خير لا محالة مما يعيشه ويمتلكه....ذلك ان الخيال احلى من الحقيقة ....خذ صورة التقطت لك قرب بيتك فسيخيل اليك ان المنظر العام اكثر رومانسية من الواقع ..وبين المفقود والمجهول يتيه  الانسان في رحلة غامضة كلما قست جذبت , وكلما عذبت عذبت....
الامل وهم لا يدرك , ...فكم تحققت ءامال قادت الى ءامال غيرها ....وتستمر رحلة مطاردة المجهول.....
اما الحنين فهو توهم الانسان ان امسه خير من يومه... والماضي لا يعود ...انه مفقود لا سبيل اليه...وحين يرى الانسان تجاعيد شيخوخته , وارتعاش اعصابه , وترهل عضلاته....ويرى الموازين قد تغيرت...فلم تعد اوامره منفذة , ولم يعد رايه صالحا لزمان غيره , يحاول الفرار الى الوراء  , فيتحرك الالم والحسرة والحنين الى حقبة الشباب والقوة والنضارة وسيادة قيم المجتمع.....فتتقد لواعج الشوق لادراك المستحيل....
اما حنيننا اليوم فالى ايام سوالف , كنا نسمع فيها المذيعة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلاملة الموريتانية اليكم نشرة الاخبار مبدوءة بالمقدمة....(ما زلت اذكر وانا تلميذ في السنة الثالثة اعدادية قول استاذ اللغة العربية التونسي هادي احميده في بوكى: لموريتانيا ان تفتخر بالناه بنت سيدي نظرا لسلامة لغتها وحسن نبرتها وتوقفها عند الفواصل....)
كانت الاذاعة الوطنية مصدرا وحيدا للخبر في عموم التراب الوطني...لكن المواطن كان يصدقها بل كان يؤمن بعصمتها من الكذب والتلفيق.
ويمضي الزمن وتتلاحق مراحل تطوره لنصبح اليوم مع هذه الطفرة الغريبة من وسائل النشر وما تقذفه لنا على مدار الثانية من اخبار وكتابات....وكم رجونا ان تنعم بلادنا بثورة معلوماتية واعلامية تخرج البلد من حقب الظلام وندرة المعلومة والخبر ....كم رجونا ان يشرق يوم صحو ونرى السماء صافية قد اغتسلت من ادران الغيوم والاتربة والتعتيم....
نعم تحقق شطر الرجاء...فغصت ساحاتنا الاعلامية بالمواقع والصحف ...فاستبشرنا بتنمية شاملة تسح على البلد وتخرجه من عذابات الفاقة والجهل الى طمانينة السعة والازدهار....انتظرنا ان يرى المواطن في كل شبر قوة خلاقة وجيشا جرارا متراص الصفوف متوحد الهدف يزحف ليدك حصون حقب من التخلف والتهميش والظلم..لا بذخيرة تسفك الدماء وتنهب الاموال وتحرق العباد والبلاد ...بل بمعركة قذائفها كلمات طيبة وطنية بناءة , وافكار نيرة مخلصة تنبع من مرجعية الاسلام الذي يعصم للانسان حقه كاملا غير منقوص ....
كم انتظرنا ان تظهر اقلام شريفة ولاؤها للوطن وحده تنير للمواطنين الابرياء الدروب , وترشدهم الى الصواب وتمنحهم الحقيقة كما هي لاكما تهوى الاقلام , وتهديهم التحليل بريئا من شوائب الانتماء الضيق : عرقا او لونا او وجهة نظر سياسية...ان المواطن البريء تربكه هذه الاشياء الغريبة على تاريخه وحضارته ودينه وقيمه ...فالموريتاني محفورة في ذاكرته الثقافية ومكونته الاجتماعية صورة الكوخ والخيمة يتعانقان عناقا عضويا بلحمة اسلامية ترتل (انما المؤمنون اخوة....ان اكرمكم عند الله اتقاكم ...لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى),  صورة العمامة والقلنسوة , خوار البقرة البيضاء وحنين الناقة الشقراء ...
ان المواطن البريء لا يفهم مفردات الزمن الرديء التي تجزئ غير المجزإ , وتتبنى الفكر الدعي الدعائي , ان المواطن البريء في خلقه وخلقه ركب من عجينة محظرية يمتزج فيها اذان الفجر بسورة الرحمن , والحبر الاسود بالالواح الخشبية واقلام "الجريد" والصمغ وفحم الطلح....و-عبد الاله الشنجطي يشتري....- في ولاته , وءايرمبار, ووادان , وغابو وشنجيط...
لكن هذا الانفجار الكبير ما ان بشرنا حتى انذرنا , وما ان انذرنا حتى دمرنا ....فعمدت مواقع كثيرة الى الغوص في اعماق عكرة تتراكم فيها الجيف والنفايات لتخرج وقد نتنت كلماتها وتلوثت افكارها , فحركت في القارئ حالة الغثيان وارغمته على التقيء وتشمير اللثام على الانف , بدل ان تنزل الى المياه الصافية وتوزع ما اخرجت من درر على زوار الشطآن النظيفة....
صفحات بعض المواقع انقلبت الى ميادين استعراض العضلات اللغوية والمهارات الفنية , واصبح الناس يتفرجون عليها تفرجهم على حلبات مصارعة "الكتش" ويتسلون باساليب التجريح والاقذاع , تماما كما يتسلى الاطفال وعديمو الثقافة بالضربة القاضية يصوبها الملاكم الى مقتل خصمه...
بعض المواقع يبدع في صياغة العنوان , فلا يتمالك القارئ عن نشر التفصيل قبل قراءة بقية العناوين , ليدرك ان الجهد الصحفي انحصر في جملة العنوان , كمن يطلق قذيفة لقتل نملة...
بعض المواقع ينزلق خضوعا لمتطلبات  السبق والسرعة الى التكبير اربعا على مزية التروي والتحري والتدقيق..فهناك صنف تعجله هذه الاكرهات عن الروية والصدق....وهناك صنف لا يعتمد على أي مصدر مهما ضعف خبره , بل يختلق ويروج حسب ما يمليه عليه المزاج النفسي , والراي الشخصي او السياسي ...وبين هؤلاء واؤلئك تضيع الحقيقة ويحن القارئ الى سماع السيدة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلامية الموريتانية اليكم نشرة الاخبار ابداها بالمقدمة....

 المرتضى / محمد اشفق

السبت، 14 يوليو 2012



المرتضى / محمد اشفق
أنا لا أجيد فنون الركوب
لذاك سقطت
وظلت وحيدا أراقب شمس الغروب
وهي تغوص , ويبلعها البحر
والموج يقذف هول الكروب
وثارت من البحر بعض القروش
توقد جوعا , وتنبئ أن حان ليل الخطوب
                   ***
           ***********
                   ***
لأنيَ خضت جميع الدروب
لأني حفظت دروسي جميعا
وقمت بحل التمارين في منزلي
لأنيَ لم أتغيب
ولم أتأخر
فقد كرموني بحق الرسوب
لمــــاذا؟
لأني تعلمت ألاأذوب
فذا هو ذنبي , خطير يفوق جميع الذنوب
لذلك قررت ألا أتوب

المرتضى / محمد اشفق

الجمعة، 13 يوليو 2012



مزاح الاصدقاء / (جواب لرسائل مفترضة من صديقين)
المرتضى / محمد اشفق
الاك 14 رمضان 1421
..اليكم يعود اطيب السلام , يا اصحاب السعادة الفضلاء , اساطين المحبة وفرسان السخاء , قواميس الفضل , وائمة البذل, اعلام البيان , ومشتهى الخرد الحسان , وصلتنا الرسائل الكريمة , فيا لها من رسائل الاشراف النبلاء , والجحاجحة العظماء , سبحان الله ما اروع بيانها , واشع مرجانها , واحكم سبكها , وامتع عبارتها , واوفى دلالتها , ما هذا الخط الذي يخر له الكوفي تبجيلا , وينحني له الاندلسي تفخيما , ويتوارى اسند عنه تقديرا , والورق !!! لله جيب سخا لجلبه من متنائي الامصار , ونفس ركبت اليه الاخطار , واستخفت بثوران امواج البحار , لله يد رسمت تلك الحروف الصامتة في كبرياء , الناطقة بنباهة ودهاء , ما اطيب العطر الذي رشت به قبل ان تودع الظروف ,
ايها الاحباب الالباء , والاخلاء الاوداء , وقاكم الله كل شر وداء , ان روح المنافسة التي لمسناها في هذه الكتابات امر مطلوب , وعاجل جناه موفور مرغوب , فكيف اذا كان الهدف الصاحب المحبوب , لكن لماذا هذا الالحاح واللج , والاخوة تعني الصدق ورفع الحرج , لماذا السهر شوقا الى طلعاتنا البهية , ولماذا الهدية تتلو الهدية , اننا ناسف لشوق محرق اهزل منكم الاجسام , وسود عليكم بيض الليالي والايام ...
لكن صدقتم لقولكم ان الامر توى منكم العقول , وصيركم ضحايا للوساوس والذهول , فكيف يعقل ان يكون ولد حامد وزميله في هذه الديار , بعيدي الاهل والمزار , ويصنعان لنفسيهما الافطار , وانتم من اهل المدينة , قريبوا الدار , وقد فرضت عليكم الظروف فيها القرار , هذا كله صحيح وربما خطر علينا الخاطر في هذه الدواهي فنصرفه , فنحن كما تعلمون لا نستطيع الافتراق , وامر تضييفنا معا بلوى لاتطاق , وقولكم ان لرمضان ظروفه الخاصة , والآثار المكتوبة على ما فيه من تضاعف الاجر ناصة , وقد انضاف الى الشوق المبرح تصيد الثواب في افطار الصوم , خصوصا للعلية من (الكوم) , هذا كله صحيح , وقد عبرتم عنه بلسان عربي فصيح , وبتوسل صريح , وقد هدانا تفكيرنا بعد طول نظر , وادمان تفكر وتدبر , الى طريق وسط , ليس فيها حيف ولا شطط ,  راينا ان نحل عليكم بالقسط , فالليالي اثنتان ....اؤلاهما عند الكريم الهادي , زين المجالس والنوادي , , والثانية عند فتانا الاسعد , الشيخ سيد احمد , قد يقول قائلكم ان غيبتنا ليلة كاملة لا تحتمل , فلنقرب لداعي الشوق الاجل , فنقول ان بركتنا لن تبرح منازلكم , ستغيب منا الاجسام , وتبقى البركة ما بولغ في الاكرام , لكن هذا كله بشرط : فنحن كما تعلمون اخوة واصحاب واحباب , ولا داعي للمجحف من التكاليف , والمبالغة في المصاريف , لا تفكروا ابدا في حفل استقبال تضرب فيه الدفوف , وتنتظم فيه الصفوف , وتغني فيه القيان , وترقص فيه النسوان , حتى تظهر منهن النحور والسيقان , فذلك جالب لعظيم سخطنا , وصارف لنا عما ازمعنا , ولا داعي لنحر الجزر وذبح الاغنام , والاكثار من التمور وانواع القشدة , والاشربة المختلفة ....هذا اسراف نحذركموه , فانتهوا عما نهيتم عنه , وان كان لا بد من شيء من ذلك فيكفي جذع من الضان , وثنية من المعز , لها عن نزو الفحل شهر ,  ولا باس بصحون من السمك المصفر , والدجاج المزعفر, وشيء من تلك الفواكه التي يسمونها العنب والتفاح ...وعشر قداح , مملوء ة بلبن اللقاح....
ونوصيكم بالتكتم التام على ما ستكرموننا به من المواساة العينية , وقد تعلمون ان "الطماع" كثر وينتظرون ممن قابلتموه عرضا في الشارع ان تغرقه اكفكم الندية , بالاعطيات والهبات النقدية , فكيف اذا كان ضيفا وضيفنا عليكم , وقد اخفيتم من المحبة والشوق اضعاف ما ابديتم , واكتبوا على كل ظرف اسم صاحبه , وأحكموا غلقه قبل ان يعطى لكاتبه , فكم جلبت الدراهم من الشرور , ما لم يطمس آثاره تتابع الدهور...
كتب لاربع عشرة خلت من رمضان الابرك 1421هج

الخميس، 12 يوليو 2012


حكايات محمذ سالم
المرتضى / محمد اشفق

لم يبق رمل ابيض او اسود الا غرس فيه محمذ سالم رجليه.....وحل فيه قصره...زاحم نينان محيطات الاطماع فابتلع مرجان البحر وهياكل السفن الغارقة.....صارع قردة الغابات على "تيفنكران" فالتقط السليمة والعوراء....طارد الكلاب والنسور عن جيف الاعنز الجرباء ....غالب الخنازير البرية على بقايا شوك القتاد المتوارية بين حجارة الاجداث, فتشققت اشداقه وسالت الدماء تخضب لحيته وعارضيه .....لزقت بين اصابعه اشساع النعال لمواصلة الترحال....ولصق ذقنه على ترقوته من طول ما نظر الى اسفل ليرى درهما تسلل من تكة بخيل...لاحظ جلاسه على وجهه مسحة حزن وجهومة حتى شبهوه بابن قزعة الذي يقول فيه بشار:
ولا تبخلا بخل ابن قزعة انه            مخافة ان يرجى نداه حزين
رغم جده المجدب , وحظه العاثر , استطاع محمذ سالم ان يحافظ على هندام مقبول ...دراعة من بزاه (درجة متوسطة )....نعلين ينتميان الى اعلى السلم الطبقي للنعال....ساعة يد يجعلها في يمناه لانه "امعسر" وهي صفة يزعم انها للموهوبين والعباقرة....يدعي ان له صداقات واعمالا مع اجانب ....يحرص على لبس البذلة في المدينة , ويدعي انه استوردها من "الخارج" الى ان جرت سفينة دعاويه بما لا يشتهي , دخل احد اعضاء حلقته في "لخيام" عليه في حانوت لبيع "افوكوجاي" ورأه في غرفة تجريب الملابس....فبادر – وقد سقط في يده قائلا – هل تعلم يا فلان ان اللباس الجيد لا يوجد الا عند باعة الملابس القديمة , انا والاروبييون وبعض العرب اكتشفنا ذلك منذ ايام......
محمذ سالم رجل ناقم ...يضمر حقدا لم تسطع الليالي الباسمة ان تمحوه من قلبه......فهو محارف مكدود , لم يفلح في حرفة .....له زاد علمي محظري وعصري لم يجلب اليه منفعة....لذلك راى ان الدنيا الحقيرة الغدارة تبخل عليه بنعيمها ....وتضن برخائها الا على الذين هم اراذل الناس وشذاذ الآفاق...كان جلاسه في الغالب يصغرونه سنا و علما ....وكانت احاديثه المسترسلة واحكامه وفتاويه التي يطلقها دون اكتراث بالدليل - لانه آمن في مجلسه من الملاحقة العلمية - تسحر هؤلاء البسطاء وهم يشاركونه كراهية اهل الحظوة والمنعمين... كان يتلذذ بتشويه من يرى انهم اسعد منه حظا  , يتمنى ان تزول النعم عن اصحابها  ويراهم غرقى بين المصائب والنقم ...وكان ينتقم لنفسه باذاعة قصص يطمع ان تكب رجالا بسمت لهم الايام , - وأرته هو عبوسة وجهها- على مناخيرهم في وحل الفضائح والرذائل...
وكثيرا ما ينطلق بعد حران ,  وينبجس بعد رشح ...طبعا لسانه لا يده ...
قدم ذات يوم من المدينة , بعد سفرة بائسة استعمل فيها ما أوتي من اساليب الاستجداء المدعوم بالاقذاع , اطلق لسانه يرعى في اعراض القوم , ويطعس كل عوراء من الكلام ....قاء كثيرا ..ولطخ اسهال لسانه كل بر بريء لكنه كذلك لم يفلح فى التصيد  بالسباب والارجاف....
قال محمذ سالم وقد قرر ان يأخذ بثأره ممن ضحكت لهم الحياة , بكشف ما اخفته الليالي ووارته الايام , قال وهو يعرك جمله :هل تعرفون "احميميد" الذي يدعوه القوم اليوم زعيما , ويتسابق رجال المسجد للسلام عليه ؟ هذا كان ياكل لوحه ....كررها , لما راى الحيرة طافية على وجوه المتحلقين حوله...فتابع : كنا عند لمرابط نيفا وثلاثين نفرا , وفوجئنا ب"كتبة" احميميد تصبح كل يوم ممحوة من لوحه وتحل محلها آثار غريبة كأثار أخفاف الحيران على الحصباء الناعمة - ذلك ربما لاتعرفونه انتم اهل هذا الزمان - هي اذن كرسم بزاه الصين الذي يلبسه الملعون "اسويد"هذه الايام .....فقال قائلنا ان الجن تسري على لوحه ...وقال بعض ان الجن تخاف من القرآن.....هددنا لمرابط واتهمنا بالكيد ل"احميميد" رغم انه لم يستطع حفظ سورة البينة, حتى قال له لمرابط انت شقي , هذه السورة لا تمكث في صدور الاشقياء....رغم ذلك توعدنا لمرابط وهددنا , وكان هو الآخر خائفا من تكرار الظاهرة.....حتى اكتشفنا انه خلال ذلك الاسبوع نفد الصمغ الذي كان لمرابط يصلح به حبر الكتابة , فعوضه بقطعة صغيرة من السكر ...وكان احميميد ينزوي بلوحه ليلحس كتبته يتحسس طعم السكر...هل رايتم هذا الحقير القبيح  ؟ انه يمتلك السيارات والقطعان والفيلهات الجميلة...هذه ليست حياة....وهذه ليست دولة...
وهل تعرفون "امحيفيظ" الذي يتقلب  بين المناصب السامية اليوم , وتزاور عنا وتقرضنا ذات اليمين وذات الشمال ؟ انا الذي غششت له في (لبريفى) ...وعند الامتحان يكرم المرء او يهان , لقد حللت له تمارين الحساب , واعربت له الجمل , وكتبت له القرآن على كمه...كان دائما ذيل الراسبين.....ولما كنا في الابتدائية كان يسبق فرق الكنس الى الفصل لياكل "عداتنا" وهي سبحات طويلة من "امبسكيت" والتمر الرديء الصلب ينظمها المعلم في خيط ويعلقها على جدار الفصل ليشرح بها دروس الحساب , كان امحيفيظ ياتي الكسرة والتمرة من اطرافهما حتى لا يبقى منهما غير الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلك , كان شيطانا ماهرا في صنعته كنا نسميه "الفار" ...اريتم ان مثل هذا لايستحق ان تعينه الدولة في منصب....لكنها الدنيا الدنية التي لا تزن عند الله جناح بعوضة.....هذه ليست حياة...وهذه ليست دولة....
هل تعرفون "امزيدف" صاحب الحظوة والمقام والحوانيت على رصيف العاصمة ...وقد سمعتم ان والد خديجة فضله علي , هذا الرجل أغرل..وعند الختان يكرم الرجل او يهان..عندما اكمل الشيخ محمود عمليته ....وجاء دور امزيدف صاح مغضبا :....هنو ابنكم لا تدركه الابصار , ولا تقدر عليه المناقيش....انا لم ار الا نتوء دقيقا كلسعة البعوضة خلتها اولا حبة من "لحمير" ملتصقة اسفل بطنه  ..هذا بنت .. انا لااختن النساء...فردت والدة امزيدف غضبى : ابني طفل نبيل ذوحسب ونسب وليس مثل هؤلاء الحمير وابناء الزناء...
امزيدف يا اخواني ولد خداج...القته الرحم بعد ان خافت من صورته , هل ايقنتم ان الحياة اليوم غدارة فاجرة ..هذا العنين الاغرل يقيم في كل موسم عرسا تغني فيه الملاح حتى الصباح..هذه ليست حياة..بطن الارض خير من ظهرها للرجال الاقحاح...لا حت الطلائع الاولى لفجر جديد ..انفض المجلس ...وتفرق القوم , وانهم ليحنون الى الاستزادة من احاديث محمذ سالم...



المرتضى محمد اشفق


موقف 

المرتضى / محمد اشفق

سياستي ليس لها أب
ولا أم
ولا لها سلف
سياستي يا سادتي شيء بسيط مختلف
لأنني منذ الصغر
تقودني قناعتي
وسوف أبقى هكذا
مهما توحش الهدف

*************

كل سياسي كبير محترف
كدت اقول منحرف
لغته مدهشة مخيفة مثل مساء المقبره
غريبة محيره
مثل "نهيق" البقره
وعندما يخطب في قبيلتي
تحدث ألف مجزره
فكل فاعل
تراه قد جرح
وكل مصدر
 تراه قد ذبح
أما أنا وأعترف
فعندما حاولت أن أخطب في قبيلتي
لم أستطع
فقد بدأت أرتجف
وسقطت مني العصا
لأنني لا أستطيع صرف ما لاينصرف




المرتضى بن محمد أشفق  2001  

الاثنين، 2 يوليو 2012


وفاء لرجل
عبدو ولد صمب فال
المرتضى محمد اسفق

صاحبنا اليوم هو المرحوم عبدو ولد صمب فال , لذلك لن نفيض بسرد طويل عن حياته ....لن نحرر له وثقيقة مدنية فيها تاريخ ومحل الميلاد واسماء والديه , ففي بلدنا مواليد كثر بأباء كالنجوم علوا,  والجبال وزنا, لم تحبل بهم امهات....لن نسترسل في كتابة سيرته الذاتية فوطني انكهته السير الذاتية يسطرها المدبجون من محيطات الخيال.....وما ينفع الرجل ان نذكر كل ذلك...فكل الناس , وكل دببة العالم , وكل ثعابين الجبال ..تحيا وتموت وتعقب.....

عبدو اذن غنى عن وسائل التعريف لانه ليس نكرة , وغني عن مسوح التجميل لان نصاعة سيرته انقى من كل طلاء....  رأى النور في بتلميت حاضرة العلم وعمل في مناطق مختلفة من الوطن....لكنه حط  الرحال واستقر في  الاك ....
فيه ارسى دعائم مؤسسته الاخلاقية العظيمة ..... كان المجتمع الموريتاني البدوي القديم بعيدا عن اسباب التحضر والثقافة الصحية ...وكانت الامراض وحتى الاقل خطرا اليوم , تقضي بصورة وبائية على كثير من الناس لقدر الله ولانعدام الادوية....وكان بحاجة الى شخصية مزجت بين الطب التقليدي والعصري , وتحرص على ابراء المرضى بالبشارة والتخفيف والوجه المنبسط  , قبل مجسة الطبيب وحقنته....وكان عبدو تلك الشخصية التي سخرها الله لعباده في تلك الحقبة الصعبة من تاريخ المدينة...
هو رجل سمعت عنه عند والدتي , فقد ورثتها والدتها حبه....لما كان يخصها به من اهتمام ومودة...كانت تقول انه جعل من نفسه الابن البار والاخ المخلص العطوف...
لما عرفته منتصف السبعينات ابدى لي كثيرا من التلطف ....كان يتحفني بهدياه , وذكر آصرة الاخوة التي تربطه بالوالدتين , رحمه الله , لا يعلم ان الاطفال لا يحتاجون الى مبررات لقبول الهدية....
ومرت الايام ...وكبر الرجل وكبرت...وبحكم العمل جمعتنا مدينة الاك من جديد...فحرصت على نشر ما طوته الايام من ماضي علاقتي بالرجل ...قررت ان انتزع من الزمن والعمل وقتا قصيرا لزيارته....وكان لا يفتر عن تقوية الرابطة بيننا بالتذكير بما يعرفه من عطف وحنو في جدتي والتي كانت كما يقول بمثابة امه...اذكر انني مررت امام بيته وكنت عجلا وقررت ان اؤجل السلام عليه الى وقت آخر,  فتنكرت بشد اللثام على انفي ...وكانت المفاجاة ...عبدو ينادني ويقول : لقد عرفتك ...هذا لا يرضي والدتيك.....فافحمني وقد صدق.....
وفق عبد ولد صمب فال الى اعانة الضعيف ...و علاج المريض , ومد اليد الى المساكين.....عرف الجياع مرق جفنته ...وتحلق البسطاء حول قصعته....ووقت اكسيته صرير القر عن المعدمين.....
كان محدثا جذابا ....مدعوما بثقافة تاريخية متماسكة ...ومرجعيات من قصص الاقدمين وحكمهم....
واستطاع ان يكتب تاريخ رجل عظيم في هذه المدينة الشاهد اهلها على وفرة خصاله وحسن اخلاقه....
كان صبورا لا يعترض على قضاء الله ...زرته معزيا في موت ولده صمب , وهو ولد صالح عزيز ...معروف بالفضل والجود واكرام الضيف.....لكنني لم اجد والدا محطما...لم ار والدا مكلوما .....وجدته جالسا على كرسي في هيبة السلطان , في ثياب جديدة تنبعث منها رائحة الطيب والكحل في عينيه..وكان يبدو جميل الشيب والوقار...قال لي انا اليوم في عيد , الا ترى زينتي ؟؟؟ واشهدك اني احتسب ولدي لوجه الله....وبدا يباسط المعزين ويتحدث مع كل منهم بما يعنيه...
ظل عبد رجل مسجد ....يصلي فيه خمسه ...وينادي فيه ان حي على الصلاة.....بل جعل من نفسه خادما لبيت الله ...ساعيا في مصالحه...راعيا لحقوقه.....حتى توفاه الله اليه ...رحمه الله رحمة واسعة و جعله مع الصديقين والشهداء...

المرتضى  ولد محمداشفق