الخميس، 19 أبريل 2012


4 =1 : (1+1+1+1 =1) اربعة تساوي واحدا

المرتضى محمد اشفق
يسر مدونة اغشوركيت ان تؤكد لقرائها الكرام تمسكها بالخط الثقافي - العلمي - الادبي , بعيدا عن الاخبار والسياسة , منطلقة من مبادئها التي عرفت بها نفسها اعلى الصفحة , فقد اخذت عهدا الا تسيء الى احد ولا تجرح خاطرا, فللسياسة والاخبار ميادينهما ومواقعهما وفرسانهما , وفي رد على طلبات من بعض المتصفحين بادلاء المدونة دلوها في ما يجري اليوم في الوطن من نزال بين المعارضة والموالاة , تكتفي المدونة بالقول ان الكلمتين مصدران على وزن مفاعلتن من فعلي ( عارض  و والى ) وكلاهما على وزن (فاعل) ويصح من هذا الوزن وزنان للمصدر هما (فعال بكسر الفاء مثل وافق وفاقا وموافقة) (ومفاعلة بضمها مثل خاصم مخاصمة وخصاما) , وقد انقلبت اللام  في موالاة الفا لانها ياء مفتوحة وجاء ما قبلها مفتوحا (موالية = موالاة= مفاعلة ) هذه هي القاعدة المبسطة لنا معشر المبتدئين بعيدا عن تفاصيل وتدقيقات اهل هذا الفن....
اما موريتانيا فهي الوطن والحمى ونحن لها الفدى , نرجو ان يصونها ابناؤها كما مات اسلافهم في سبيل حريتها , املنا ان يؤمن كل الموريتانيين ان الوطن امانة مشتركة , وانه يسع الجميع باختلاف مذاهبهم واعراقهم وافكارهم...
ونرجو ان يتمسك الكل بثوابت الامة : الاسلام , الوحدة الوطنية , واللغة العربية بوصفها لغة الدين لا لغة الجنس...
والاسلام دين التعددية قبل ديمقراطية الغرب ....ففي اقدس نص (القرءان) تعددت القراءات ,  وفي القراءة الواحدة تعددت الروايات , وما انكر قارئ قراءة غيره , بل تعتبر كل قراءة - صحيحة – صحيحة والشك فيها كفر... اما كان يمكن ان يكون القرءان نصا بقراءة واحدة وهو المحفوظ المنزل على المعصوم ... ثم اليس للحديث الواحد روايات مختلفة ومتعددة ؟..و تعدد ت المذاهب الفقهية وفيها اغلبية تسمى المشهور , واقلية تسمى غير المشهوراو الشاذ , وفي مجال العلوم تتعدد المدارس النحوية والفكرية....الخ
واما وطني فليس وظيفة سامية , او منصبا كبيرا ان اعطيتهما رضيت وقلت عاش الوطن ...وان حرمتهما سخطت وقلت لا للوطن....وطني ليس صفقة مدرة لدخل جيبي , مضرة بدخل قومي , اصفق واطبل ان وهبتها , و العن الحياة والوطن ان حرمتها ....انا لا اختزل وطني في مكسب وغنيمة , فهو اكبر واعظم واغلى من كل شيء ...ليس وطني قماشا اخيطه بحجم جسمي , بمقاسات ابعاد قامتي , بعرض اكتافي وتدور راسي ...انا قزم ووطني دنيا اكبر من جوغرافية افكاري وتضاريس رؤيتي ....وطني انقى من اوساخ اطماعي  ...وطني هو وجودي وحريتي وامني ...انا لااحب وطني لتقريب وتولية , ولا اقلوه لعزل وتصفية , وطني يجب ان يبقى مدارج صبا اطفالي , ومسارح انعامي , وملهم افكاري,  ومفجر ينابيع عطائي ..وطني صرح تاريخي عملاق يتربع على عرش من كبرياء , واركان من شموخ ورفض واباء ....وطني حاضر جميل يتنفس عبق البطولات و التاريخ الوضاء , جبار الاصول تليد المنبت , وطني نور تدفق ذات  يوم في عرصات الحضارات الكبيرة  ليصنع من عظمة جذوره الممتدة في اعماق لا تسبر , ومن عز حاضره ومجده الاقعس  مستقبلا من رخاء ,  ومنارات من ثقة وطمانينة وازدهار....
وطني منابر حق وصدق ومحبة للجميع...محاريب عرفت اخبات الاتقياء والصالحين ....وطني تراتيل , وخشوع , وتجاف عن المضاجع  للتفكر في خلق الرحمن....وطني معركة وازدحام لزرع قيم الفضل والاخاء والتسامح....وطني عرق تصبب من جباه شريفة ليغرق الوهاد والانجاد ويخلق حياة العز والكرامة .....وطني سهر, وجد , وقهر للتراخي والتكاسل ليفجر بحار علم تهدر امواجها فوق كل ربوة , وجبل , وتكتسح كل منبسط وسهل لتحيي رميم تراثي وتنير دروب الماضين على سبل الخلق والبذل والوجود....
وطني عطر محابر المحاظر وصرير اقلامها , وطني صهيل خيل الفتح , وحنين نوق الصحراء ...وطني اثمان , واقفاف , واشعار تدوي اذا هدا الليل و نامت نجومه في احضان بدر مهيب وسط سماء صيف صافية....وطني كلاب تنبح في الهزيع كلما اقتربت سابلة الليل من زريبة غنمنا....وهو اذان السحر , وديك الحي الغربي يصيح لفجر كاذب.....
وطني نغم جميل تردده زهر الليالي في كل واد من اودية الحياة الطاهرة....وطني نفحة ندية تهبط مع كل غيمة تجرر اذيالها فوق تموجات رمل بري ابيض...
وطني عناق ابدي بين ضادي ودالي , بين سوادي الفاحم , وسمرتي الداكنة , وبياضي ...هو خصوبة تنوعي , وانصهار تمايزي , وتوحد تعددي......هو اشهد واسهد , هو اسأل واسعل , هو 1+1+1+1 = 1 هو اربعة تساوي واحدأ رغم انف اهل الحساب....


المرتضى محمد اشفق

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

المرتضى محمد اشفق

   

الكتابة مغامرة (نعيد نشره تلبية لرغبة بعض المتصفحين)

يمر النص قبل ان يصبح مادة معروضة في موائد الفن والادب , ووجبة من وجبات الثقافة والفكر , بمراحل مخاض عسيرة ..وتعترضه عقبات جمة ومعيقات موجعة , ومعابر محروسة صعبة الجواز...
فهذا الرقيب اللغوي واشدد به من رقيب عتيد ...يمرك على طريق طويل اول مفتشيه سيبويه , وبعد ان يرهقك جرا ونصبا ورفعا , ويشبعك فحصا وتمحيصا ونصحا بالاحتياط , وايقاعا في مهامه التاويل وتعدد القراءات , يجيزك الى الفراهيدي ليزن حتى اوتاد خيمتك بالدانق ومثقال الذرة...قبل ان يستبقيك مدة في غرف الحجز الست عشرة ..ثم تعرج على الجاحظ  ليجس نبض نصك ببيانه وتبيينه ويلقي عليك درسا مستفيضا في الفرق بين المقتصد والبخيل....فان وضع الثلاثة ختم القبول على تاشرة مرورك ,  ووهبوك رخصة التجوال الحر, وظننت ان قد تعديت الصعاب, وتراءت لك الطريق منبسطة سالكة الى العوالم البكر  , اعترضتك المفازات التيه المتنفسة بفيح الحميم لتنضب شلال عطائك , وتمتص الندى في نضارة كلماتك  , وتذر الغبار الرمادي على الق عباراتك ... تجد نفسك في قبضة الرقيب الاجتماعي والخلقي فتشعر بحدة الضغط  , والصرامة في التحقيق ,  والتفتيش في تجاويف حقائب سفرك عن مادة محظورة , او مخدر ملفوف في الجيوب الداخالية ..اوحزام متفجرات لنسف الحواجز المنصوبة امام النصوص المتمردة. ...الكاتب في هذه المرحلة من الرحلة يحتاج جرعة جرءة زائدة , ويحتاج شجاعة لاقصاء المعيق حتى يتحرر من الكتابة تحت الوصاية , لا بد ان يتحلى بروح التحدي المسؤول لاختزال بعض الوقفات الشكلية من برنامج التحقيق معه.....
هنا يخبرك حراس  بوابات العالم الذكوري ان الكلمة  "الانثى"ممنوعةالدخول...قطيع الكلمات الماذون له هو فحول كثئران"الجلابة" كل كلمة فيه طويلة اللحية مثل "كارل ماركس" يتدفق من علبائها وقذالها عرق اسود كريه الرائحة ...لامجال ابدا لكلمة فيها تغنج ودلال , فتلك فاجرة تشيطن الضعفاء وتدغدغ مشاعرهم وتحرك فيهم طبعا غير مرغوب , وهنا اما ان تطيع  فيتحول النص الى درس محض في الارشاد والوعظ المتشدد..او ترفض الركوع والاملاء فتسجل في الآثمين...  
ظاهرة التطرف والغلو والارهاب لا تهدد فقط القادة والسياسيين ..هي مع هؤلاء ظاهرة فتية , اما في المجال الادبي فقديمة قدم الكتابة نفسها , تتجلى تارة في صراع الاصالة والمعاصرة ...(معركة التجديد والتقليد ...اشكال القدامة والحداثة , الثابت والمتحول) , وغير ذلك من المصطلحات التي غزت الساحة الادبية والنقدية خصوصا...بجيشين عظيمين من المحافظين والمجددين.... هذه حقا مراحل قاسية , مخيفة , مثبطة , صارفة عن رحلة مغامرة غير مامونة العواقب .
فاذا حانت لحظة الحسم , وجاء الاديب المخاض بعيدا عن جذع نخلة يهزه اليه هزا لتساقط عليه رطبا جنيا , يقول له قائل مشفق عليه : ياابن ءادم ما كان ابوك امرأ سوء وما كانت امك بغيا , لقد جئت شيئا فريا ..
الكتابة  اذن معاناة ووجع ... وءالام , وترقب لاحكام قاسية تصدر في حق كل من ءامن ان سلطة الفن  سلطة حاكمة غير محكومة , وان حرية النص ورجولته يتجليان في رفضه الرضوخ لثقافة التدجين...
هي حرية في ظل الالتزام بالمبادئ الكبرى والقيم السامية (دينية - خلقية – اجتماعية – جمالية...وهي قيم ينبغي ان تظل متداخلة) خدمة للامة والفرد في مناحي الحياة المختلفة .....بطرق مباشرة , او غير مباشرة , تلميحا اوتصريحا , وعندها يجب ان ننظر الى النص -  شكلا ومضمونا- بعين اخرى مكبرة ملتمسة - بامكانية تعدد التاويلات – الفهم الكبير المشحون بالتاسمح والانفتاح بعيدا عن التقليب لرؤية الجانب الملتصق بالارض , فهو لا شك متسخ معفر بالرغام ....
هدف النص  اثارة لقيمة او لمجموعة من القيم , وخصوبته  وثراؤه يكمنان  في امكانية تعدد التاويلات ..لهذا يرى البعض ان النص الخالد يولد مع كل قراءة , وكاتبه يبقى صاحب النسخة الاولى  التي خرجت نتيجة عوامل وظروف معينة....وقد تتغير رؤية الكاتب كما تتغير ءاراؤه وافكاره ومطامحه , لكن النصوص التي كتبها بآراء وافكار قديمة ينبغي ان تبقى كما هي , لانها شهود حقبة , ولانها ابناؤه الشرعيون , ولا يجوز ابدا ان ننكر ابناءنا حتى وان خالفونا الراي والفكر....فبعض الادباء عندما تتقدم به السن يرى  بعض اغراضه الادبية القديمة لغوا وفضولا , ان لم يرها ءاثاما تستوجب التوبة النصوح  بالحرق قبل ان تعاجله كف المنون...وبذلك تضيع تجارب وحقب وعوالم من الجمال والسحر الحلال...  
والماساة ان  لابد لزوار وادي عبقر من شر ينتفعون به , وضر يسعدون به ,  ضريبة يستدرون بها ملوك ذلك العالم الليلي , الجني , المخيف عندما يبدا التشكل الداخلي للنص ,  واعراض وحم الكتابة , وءالام الحمل , والخوف على الجنين الذي يريدون له ان يكون خلقا سويا....

                                     المرتضى ولد محمد اشفق


الأحد، 8 أبريل 2012

فاطمة بنت ابريك
المرتضى / محمد اشفق
لن انساها


هذه سطور قصيرة عن المرحومة فاطمة بنت ابريك والدة "اهل دمب افي"




ولو كان النساء كمن فقدنا              لفضلت النساء على الرجال
عاشت السيدة "ابيكه" - هكذا كنت اناديها قبل ان ترحل وسابقى كذلك ان شاء الله -  عاشت عمرا جميلا , كتبت فيه تاريخا عظيما لامراة عظيمة....
هي والدتي ارضعتني بلبانها , وهي جدة اخوي ابني الحاج احمد ولد الندى رحمه الله , قدر لي ان اعيش معها  سنة كاملة في الاك لما كنت في القسم الثاني اعدادي وكنت ممنوحا , وكان من عادة التلاميذ الممنوحين ان يعطوا منحهم لبعض من يسكنون معهم يتصرفون فيها , عرفانا بالجميل الذي يبقى دائما فوق منحة زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع , هكذا كنت اسمع عند اصدقائي اما انا فلم امر بتلك التجربة .. لما جئتها على استحياء شهقت وانكرت ان افكر في مثل هذا , فهي كما قالت من يجب عليها ان تدفع لي بدل ان تخذ مني ..وقد فعلت , لن انسى ابدا يدها تدخل مغافلة جيبي لتحط فيه الف اوقية هي حظ تلميذ مثلي يومذاك من الدنيا , استمر هذا الصنيع مدة اقامتي معها.... حتى اني عندما غادرتهم لم اقطع الزيارات المتقاربة لما اسمع من عبارات الترحيب والتبجيل , ولما ارى من حبور وانشراح في ذلك الوجه الباسم الناطق بكل معاني الكرم والنبل , ثم شوقا الى يدها تدخل جيبي بسرعة الخائف وتحط فيه الدراهم حارصة ان لا يشهد على ذلك شاهد من اهلها...
ولست الوحيد , كانت در اهل "دمب" محط رحال من انقطعت به السبيل او بخلت عليه الايام...ترى الضيوف المقيمين , من البسطاء , والاعيان , والثقلاء , والحمقى , كل اؤلئك يغص بهم صحن البيت وبهو العريش ....لكنك ترى الحفاوة والقرى يتسعان كلما اتسعت حلق هؤلاء....وكانت شخصية "ابيك" مركزية في تلك الدار , اسلم لها الكل القياد بمن فيهم الوالد المرحوم "دمب" لفضله وتقديره لمقامها , وكان مشغولا بصلاته واذانه في المسجد...
"ابيك" امراة نادرة , وهبها الله عقلا ضافيا , راجحا ونافعا سيرت به علاقات متعددة , ومتناقضة في بعض الاحيان , فمحيطها الاجتماعي واسع ومتنوع , ومشاربه ومواقفه مختلفة متنافرة....كان لابد ان تراعي وضعيتها الشخصية , وتحترم ما تفاجئ بها الايام من امور السياسة المختلفة , معنى ذلك انها لم تكن معنية فقط بسياسة الاك ومحيطها الداخلي الضيق بل كانت معنية بسياسة اغشوركيت , لان الحاج احمد رحمه الله كان رجلا سياسيا , وكانت تحبه وتجله الى قصى ما تكون المحبة والاجلال , وظلت بحكمتها وعقلها وتوفيقها مرجعية يطمئن اليها الكل , كانت اذا حمي وطيس السياسة واستعر اوارها ورات الخلافات تعصف باحبابها واصدقائها امرت ابناءها بالانقسام على المجموعات السياسية محافظة على خواطر كل من تربطه بها علاقة مهما كانت درجتها من المختلفين في الآراء والتوجهات..كانت تريد ان تقول بذلك لكل صديق اوقريب انا معك , لن تفرقنا امور طارئة وتافهة ..كانت ركنا ياوي اليه كل من كبا به جواد الزمن اوعثر حظه او اجدبت عليه الديار....رزقها الله قلبا رحيما , ويدا شجاعة مسلطة على ما عند صاحبتها من قليل المتاع ,  فكان اكثر المتحلقين حول قصعتها الضعفاء , وذوي الاحتياجات الخاصة , حتى المصابون في عقولهم بقي من عقولهم ما يدركون به انها ارحم من يأتون...تراهم يسرحون ويمرحون كانهم في بيوت امهاتهم ....
حادثة طريفة: 
في تلك السنة عندما كنت مقيما عندهم حضرت من اغشوركيت صحبة احد الاخوة , وكنا في عطلة قصيرة , وكان معنا ما اعتاد التلاميذ قبل ان يعودوا الى المدينة للدراسة ان يحملوه معهم من نقود .... وفي المساء خرجنا للتجوال خارج المدينة وكانت يومها تنتهي شمالا عند محطة بنزين يسيرها محمد فال بن ببكر سير, خرجنا لنستعرض ثيابا جديدة احضرناها من "لخيام " ونشرب امام البسطاء زجاجات من اسبرك وكان حديث عهد بالظهور ....كان بالقرب منا شابات في اعمارنا , وكن يستدرجننا بالاقتراب منهن , وكنا كلما الححن في الاستدراج تلاحقت دقات قلوبنا فرقا منهن ....لكنهن كن يقتربن خلسة وكنا نرتعش خجلا  وحياء لاننا لانتقن فنون تلك الميادين   ....لم نكن نتخيل ان نجد انفسنا على الارض والشابات على صدورنا وحمدنا الله ان عملية الاغتصاب استهدفت نقودنا فقط.......وانسحبنا بمعنويات محطمة , ورجولات مذلة ...عدنا الى اهل دمب , ولا حظت "ابيك" حالنا فاستخبرتني وحكيت لها الامر وسميت لها اثنتين من البنات ...فغضبت وخرجت مسرعة مع ثلاث من بناتها واصطحبتني معها ولما رآها والدا البنتين تلقياها باحترام لا يدريان من امر بنتيهما شيئا .....احضرت البنتان وانهال عليهما ابوهما ضربا وامهما توبيخا , وخطبت الوالدة ابيك في الجمع خطبة بليغة ومعتدلة استرجعت فيها معنانا المهدور ودراهمنا المغتصبة ...فجزاها الله عنا خيرا...
كانت امراة "متروشة" سباقة الى غرس القيم الفاضلة , والخصال النادرة في اسرتها ومحيطها الخاص , كانت همتها عالية , ونفسها كبيرة , واهدافها في الحياة جليلة ...ظلت هباتها تتدفق في كل اتجاه , وعطاياها سيلا يسقي ما غرست من طيب العلاقات ...اشهد انها كانت تحب المساكين , وان صدقاتها لا تتوقف , كانت برة بوالدتها التي عمرت وبقيت بعدها سنوات....
ستبقى  احياء الاك ودور "لبرت" تذكرها ...تذكر حسن اخلاقها ...تذكر صلاتها وصلاتها ...لتلك الدور والاحياء ان تقر ان غيابها فراغ لايسد وان ذكراها جميل لاينسى ..

المرتضى / محمد اشفق



السبت، 7 أبريل 2012


                                 
          الرصاصة الاولى
المرتضى / محمد اشفق

غابت الشمس مساء ذلك اليوم البارد وراء الغابات المتراصة , والحقول الممتدة ملء البصر في اصطفاف هندسي عجيب حول (بيبور) , تتبع تعرجاته وتحتضنه متماسكة كانهــــا تخاف ان ينفلت الثائر المائج ويضل الطريق...فــــــــــــــــي الافق بقايا سحب نحيلة , اكسبتها الشمس الآفلة لون اللهب...وفــــي السهل المنبسط تتناثر بضع كديات سمراء , اختار القادم من وراء البحار احداها لمقامه...كانت موجات البرد الخفـــــــيفة تهز الخيمة المضروبة على (الخوبه) هزا لطيفا...وكان الفـــــــــــــــــــــــــــتى الرومي يواصل سمره مع قطيعه المدجن وانامل الليل تعزف ايقاع الصمت والسكون...بدات النجوم تتهاوى كانما المشرق والمغرب يتحاوران عبر تراشق ودي بديع...كان الرومي يقرا في علو منزله معنى التكبر وهو يرى اولئك البداة حول مواقدهم في الحقول يستدفئون وفي الاخصاص والخيام المتناثرة يهجعون...
ما كان الفتى الرومي العائد لتوه من بلاده وقد نزع اشواك الشك من طريق نصره المزعوم يتصور ان ذلك السهل المنبسط وقاطنته (السذج)  يخفون مايخفون..فتية مشاغبين..(.فتية ءامنوا بربهم فزادهم هدى....وقد ابرموا امرا بليل..)..ما كان يدري ان هذه الليلة حبلى بمولود سيكون له شان أي شان..
مشى النصراني في الساحة فرحا وتبختر بطرا وهو ينظر الى الكون السابح في بحر الظلام , والعالم التحتي الصغير ينازل البرد والباعوض , والريبة في امر هذا الضيف الثقيل...تراكم الليل على بعضه فلا يسمع سوى الاصوات الوهمية يحدثها الصدى من لاشيء , وحركات ناشطة , الليل وهي عندنا الجن والشياطين والسحرة المتجلين في حيوانات وطيوركالكلاب السوداء والنسور والغربان...وربما انبعثت اصوات بعض المعذبين من نزلاء القبور..الى غير ذلك مما تختلقه المخيلة الشعبية المستندة غالبا الى الخرافة والاسطورة...طبعا لم يكن صاحب البشرة البيضاء يفكر كما نفكر, لكن له شياطينه وجنه..له مصادر شر يجهلها , يتخيلها ويسترق السمع اليها... رجع الى مخدعه واسلم نفسه لنوم اراده هادئا لكن شغب الفتية كان له بالمرصاد....ما كاد كبلاني يتابع بغبطة وهناء شريط الاحلام الذي بدا بتحقيق حلمه الكبير:(قلعة الاك الامنة) حتى جاء الليلة المخاض وبدا الطلق.. اهتزت الارض وضجت الافاق , وقطع الزلزال ذلك الهدوء الليلي , وتلك الاحلام الجميلة عن الفتى الواهم الحالم وهو يغط في نوم عميق...تسارعت انفاسه..تلاحقت نبضات قلبه...وجه الاوامر الى مجهول...صرخ ثم انهار وسقط...لم يمت..لم يتوقف قلبه عن الوجيب , لكنه تمزق , وتعذب , وهو يرى صرح احلامه يتهاوى ,.. لقد صار الحلم كابوسا , والكابوس حقيقة اذاقت الرجل وجع الفضيحة الشخصية حين زعم ان اولئك البداة السمرصاروا عجينة بين يديه , واذا العجينة تتحول الى حمم ونارتلتهم عظمة وجبروت فرنسا...نعم فعلها البداة السمرابناء الخيمة والصحراء ..تحرك فيهم دم الرفض والاباء..دم المسلم الحر يابى الخنوع والاستسلام..فيرى كبلاني وقطيعه المدجج , وفرنسا وعديدها وعتادها , كل ذلك يتقزم ويتضاءل ويتلاشى , لان الحق في قلوب المجاهدين وان كانت الوسائل بدائية اقوى من الباطل في قلوب الظلمة وان ملكوا العدة والعديد..وها هي الانامل التي كانت تعزف بهدوء ورتابة تشد الاوتار, وتغير المقام..صار الايقاع جلجلة والنغم زلزلة...والبنادق البدوية الخشبية ترسل خطابا عاجلا الى الفتى الرومي ..خطابا لن يحوجه الى ترجمان لانه سيفهمه ...الزمان 1903/12/09 ,المكان الاك , الابطال: الامير احمدو ولد سيد اعل وفريق من المجاهدين من جهة...واكزافيى كبلاني ورهطه على (خوبة)الاك من جهة اخرى...ونترك المشهد يروي نفسه : وابل من الرصاص على خيمة كبلاني وقطيعه , الخيمة تحترق , قتلى وجرحى في صفوف القطيع , الخيل تقطع الحبال وتجرى مجفلة في كل اتجاه , وكبلاني يرتعد فاقد الصواب وهو يتابع عملا متقن الصنعة : لعلعة الرصاص وصهيل الخيل في عناق شاعري...والقطيع يعوي والدماء تنزف..
لقد مات كبلاني مرتين : مات موتته الاولى هذه الليلة (1903/12/09 في الاك) عندما انكسر تعاليه , وبان زيف وعده , وجلدت كرامته , ثم حرم متعة ورحمة الموت في هذه اللحظة الصادمة , ثم مات موتته الثانية في تجكجة ليلة (1905/05/12 )  على ايدي فرقة استشاهادية بقيادة سيد ولد مولاي الزين وكانت حالة استثنائية فقل ان يقتل راس حملة استعمارية...
عملية الاك اذن ذات دلالة خاصة لانها الصفعة الاولى والمفاجئة , ففي ليلة 1903/12/09 في الاك دوت اول رصاصة موريتانية ضد المستعمر الفرنسي المتجلي في شخص كبلاني , اول حاكم فرنسي لموريتانيا, ليواصل الموريتانيون بمختلف الوانهم واعراقهم وجهاتهم معركة الجهاد المقدس ...فلقنوا المستعمر دروسا في الرفض والشموخ والاقدام ما كان يتصور ان امة بدوية تملكها , واذاقوه جلل المصاب ومرارة الهزائم وقدموا في سبيل ذلك مواكب من الشهداء هم الان احياء عند ربهم يرزقون.

                                   المرتضى ولد محمد اشفق

الجمعة، 6 أبريل 2012


لست انساك
حواء بنت اداع


يا جموحا لا ينـــــال      وعزيــزا لا يطـــــال
وقريبا من فــــؤادي       وبـــــعـيدا للمــــــنال
وحبيبا ليس ينســــى       ساحرا عذب المقــال
أنت يا سر هيامــــي      أنت يـا شبه الغـــزال
أنت يا زهو الليـــالي     أنت يا عطر الخـيال
أنت يا مر الفــــراق       يا لذيذا في الوصـال
أنت يا صفـوا نقيــــا        رائقا عــــذبـا زلال
وطني سمح المحيـــا       شاهقا مـثل الجــبال
وطني صنو الثــــريا      ساحرا مـثل التــلال
لست أنســاك حبيـــبا      يحتويني في انعـزال
لست أنســاك أنيســـا      في ليالي الطـــــوال
لست أنساك حليـــفــا       ونصيرا في النضال
لا أراني الله يــــومـا        تختشي فيه الـزوال
لا تدع طيفك يمضــي     لا تقدنــي للخبــــال
قدري أنـــي جميــــل       و ولائــي للجــمال



عودة

كانت قد وقعت تحت سيطرة تلك الهمسات القليلة الجميلة، التي كانت تحظى بها من حين لأخر.
كان الموضوع عاما جدا، ولكن الصوت الدافئ كان يتسلل إلى الفؤاد كما يتسلل ماء فرات إلى كبد عطشى.
مر الزمان قاتما حزينا، خاليا من الألوان، متثاقلا، مشحونا  بالرتابة، ومليئا بالملل، إلا من همسة تأتي بعد طول انتظار،لكنها تنسي ما قبلها.
لم يصل طموحها يوما إلى التفكير بأن الهمسات تتحول يوم إلى لقاءات خاطفة مسروقة من الزمن.
أي حظ، هذا الذي يبخل طويلا بقطرات تستجديها المسكينة منه ،ويجود أخيرا بسيل عارم من المشاعر والبوح الجميل؟
لقد انقلب كل شيء رأسا على عقب، لقد عادت البهجة إلى أرجاء محطمة.
قلب كسير فقد كل شيء...
جسد هزيل تراكمت عليه السنون.
لقد عاد الجمال بكل أبعاده، وانعكس على كل شيء

الأربعاء، 4 أبريل 2012

بداه ولد البصيري ومنهج أهل السنة {الفتى السني }

كان الشيخ بداه ـ رحمة الله عليه ـ من قادة السلفية في هذا البلد ، والمنافح عن ذلك المنهج ، وقامع البدعة والمبتدعة ، وظل على ذلك حتى لقي ربه ـ كما نحسبه ـ
سمع الشيخ بداه في يوم من الأيام أحد عبدة البور والجيف المنتنة ( الصوفية ) وهو يردد :
ابن تيمية وابن القيم ... نهجهما في الدين غير قيم
فقال الشيخ بداه له : كذبت ، بل قل :
ابن تيمية وابن القيم ... نهجهما في الدين جد القيم
ولا غرو إن كان الشيخ بداه رحمة الله عليه هو البذرة الأصيلة لما يعرف حاليا بالوهابية
جاء في تقريظ العلامة المختار بن أبلول الحاجي لكتاب " أسنى المسالك " للشيخ " بَداه " ما نصه : ( إنه الإمام العلامة المتقن ، ناصر السنة ، قامع البدعة ) .
و قال عنه الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر القلادي : ( إنه العلامة الجليل النبيل ، الذي ليس له فيما يعانيه من مثيل ، ولا يكون له به كفيل ، وما ذاك إلا لخلو البلاد ممن يدانيه ، ولا قريب من مبانيه ، لقيامه بالسنن عندما أميتت ، و إماتته للبدع بعدما أبيحت ) .
و قال عنه صاحبه و تلميذه العلامة محيي الدين محمد بن سالم بن المفتي : ( إنه العام المحقق ، قامع الباطل بالحق ، ودافع الشبهة بالحجة ، الداعي إلى الحق ، المتمسك بالكتاب و السنة ) . و قال عنه صديقه الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله : ( هو العالم الصالح السلفي ، الذي نفع الله به أهل بلده )
رحمك الله يا بداه

الثلاثاء، 3 أبريل 2012



المرتضى /محمد اشفق
نواكشوط 1982/بمناسبة ترحيل الفلسطينيين من لبنان الى تونس (قصائد نائمة) 








أيهــــــــــا الرائمون دحــــــر الغــزاة      ســـــــــــــــطروا بالدمـــاء مجد الأباة
واكتبوها علـــــــــــــى خدود العذارى     سورا من آي الكفـــــاح عظـــــــــــات
شيدوا جسرا من رؤوس الضحايـــــا     تقتفيه قوافـــــل الحـــــــريـــــــــــــات
فجروا الأرض أبحــــــرا لـــــــــتروي     كل نهــــــــر فيهـــــــــا وكــــــل أضاة
يا فـــــــــــــــدائي أنت رمز التـحـــدي    أنت بالــــــــنـــــــــار تخلق المعجزات
عبث الـــــــــــدهر أن يراك خـــؤونـــا    مستكينا للعـــــــــار والعـــــــــــــثرات
أنت بركان فـــــــي حشاشـات شــــعب    فـي صدور الشـــــــــــيوخ والأرملات
وعلى بسمة الصغــــــــــــير تنــــاغـى    فــــــــــي فـــضاء الأحـــــــلام بالانات
في قبورالأبطـــــــــال بذرة عــــــــــزم    يجتنيهاالجنين فــــــي الظلمـــــــــــات
في سفوح الجبــــــال جلــــمــود صخر    يتمنى الرصـــــــاص والهجـــــــــمات
فــــــــي الــــــبساتين أنت زهــر وورد    يتلقى النيـــــران بالبسمـــــــــــــــــات
بلهيب النــــــــــــيران أصبحت ســطرا   عربيــــــــــــــا علــــــــى كتاب الحياة
في ذرا لبنان العــــــــــــــروبة تـــردى   فـــــــــيــــــــــرد الحكـــــــام بالكلمات
كم صغيــــــر هـــــــــــوى وراء جــدار   يطعم الموت من جيوش العــــــــــــداة
مستـــــــــــــغيثا أمام جســـــــم شهيــد   ويصيح: أمـــــــــاه في الطـــــــــرقات
فـــــيسد الـــــــــــعدو فـــــــــاه بسهــم    فيرد الحكام بالكلــــــــــــــمـــــــــــــات
كم فتاة عذراء زفــــــــت للــــــــــــحـد    يعتليهــــــــــــا العدو بالعربــــــــــــات
وتموت الفتــــــــــاة تــــــــحمل ترســا    فـيرد الحكــــــــــــــــام بــــــــالكــلمات
كم نساء صرخن من فـــــــــرط ضرب   يستغثــــــــــــن الشيوخ بالعبـــــــرات
وكلوم الشيوخ تدعو وترجــــــــــــــــو   فيرد الحكـــــــــــــام بالكلمــــــــــــــات
هكذا تـــــــــلكم القضيـــــــــتة صـارت    لعبة فــــي بنـــــــود مؤتــــــــــــمرات
فـــــــــي جراب الــــــوزير يدعم فـيها    مـــــــن يمد الأيدي لعون الطغـــــــــاة
يــــــــا فدائي أنت ســـــــــــد التصـدي    يــــــــا ربيب التـــــــــــــلال والربوات
ليس للعــــــــــــــــار مثل سيفك يمـحو   إذ نبذنــــــــــــــا الجهـــــاد والواجبات
يــــــــــــــا فــــــدائي قد غدوت وحـيدا    تجتني بالدماء ثمر الحيـــــــــــــــــــاة
بأزيز الرصـــــــــــاص بالقصـف طورا  بركـــــــــــــام الـــــــــدخان بالطائرات
وهدير العواصف انفـــــــــــــــض عنه  فــي وطيـس الـوغى إباء الحمــــــــــاة
لتهــــــز الفــــــــــــــروع هزا وتذري   فـــــــي الـفـــــــيافي أوراقها اليابسات
لعبة الطفل جمــــجمــــــات عـليهــــــا   أثر للرصـــــــــاص والطعنــــــــــــات
يحتسي من سنـــابل ا لـــــــحرب خمرا  ينتشــــي بالقواصف الموريـــــــــــات
سبحة الشيــــــخ من شظـــــايــا جحيم  نظمتهــــــــــــا قوادح العــــــاديـــــات
وحبيب الفتـــــــــاة قصـــــــــف ورعد   يضرمــــــــــــــــــان الصدام والزفرات
ترتدي حلة البنـــادق زيـــــــــــــــــــــا   تتحلــــــــــى بلؤلؤ القنبــــــــــــــــلات

المرتضى بن محمد أشفق1982


الاثنين، 2 أبريل 2012


     تحية لاطفال الحجارة/1988(أوراق منسية)

المرتضى محمد اشفق









مرحى فـــــــــقد نطق الحجر    والحق مـــــــــــا قال الحجر
كل اللغات فــــــــــــــضيحة     وخطيئة لاتغتفـــــــــــــــــر
فليــــــــــــخرس الاقزام من     ابنــــــــــــــاء كندة او مضر
لمــــــــــــــا العروبة زيفـت     وترملت مــــــــــــــن كل بر
واستسلمت للمعــــــــــــتــدي    وتقزمت بيــــــــــــــن البشر
وتحــــــــــــــــــولت لقبـــائل   تقتات من رعــــــــــــي البقر
بــــــــــــزغ الصغــار ارادة     احيت لنــــــــــــا مجد الحجر
مجد الحجارة مجدنــــــــــــا      اولا نحج الى حــــــــــــــجر
فـــــــــــي كل عام راحــلين     حجيجنا مد البصـــــــــــــــر
ركبا ورجلانـــــــــــــــا الى     بيت بمكة من حــــــــــــــجر
بيت حمته حجــــــــــــــارة      لمـــــــــــــــا تعرض للخـطر
ونظل بيــــــــــــــــــن مقبل     ومحــــــــــــاول لمس الحجر
واذا نصلــــــــــــــــي وقتنا      فــــــــــــــصلاتنا نحو الحجر
امواتنـــــــــــــــــا يبقون لا      ينسون مــــــــن فضل الحجر
اسمـــــــــــــــاؤهم منقوشة       فوق القبور علـــــــــــى حجر
ومن الحجارة نــــــــــــارنا      والمـــــــــــــاء ينبع من حجر
ومن الحجـــــــــــارة عيشنا      فـــــــــــالقمح يطحن بالحجر
لالقمة الا لهــــــــــــــــــــــا      عرق يمت الـــــــــــــى حجر
تاريخــــــــــــــــــنا مع كل      نذل كـــــــــــان يكتب بالحجر
اولم يبادوا عندمــــــــــــــا       جحدوا الرســــــــــالة بالحجر
والاخشبان حجــــــــــــارة       كـــادت تبدد من كفــــــــــــــر
واليـــــــــــــوم نحن نذيقهم      لمــــــــــــا نســوا طعم الحجر
ياايها الطفــــــــــــــل الذي       رضع الحـــــجارة في الصغر
انت الشموخ وانت فـــــــي      الزمن الرديء لنـــــــــــا عمر
فـــــــــــي كل شبر من مسا      حة فــــــــــــــكرنا ينمو حجر

               
                          المرتضى محمد اشفق 1988