السبت، 31 مارس 2012

 

     

  في رثاء المرحوم سيد بن الشيخ نعمه المتوفى يوم الخميس 17/01/2002

المرتضى / محمد اشفق
سيد بن الشيخ نعمه











الموت حق وللأعمـــــــــار آجـــــال     والخلق تجريـــــــــــــه آلام وآمـال
يدبر الأمر والأقدار تخـــــــضعـــــه     لما يشا واحد في الأمــــــــــر فـعال
والمرء للدين والأخلاق مرجـــعــــه      إن مات ساقته فـي أخـراه أعمال
وماقضى من قضى عـمرا تزينـــــه      فيه خصال كريمــات وأفــــــــــعال
وكان سيد إمام الفــــــضل أجمعــــه      سيان في الحـــــــــال إكثار وإقلال
عاش الرجــال وفي الدنــيا تنافسهـــم    والهم منها أبــــــــــــاطيل وأمـوال
وعاش سيـــد وفي البيضاء سيرتــــه    بذاك تــــــــــــــشهد أسحار وآصال
فكان أحلــــى وأندى عشـــــرة ويـــدا    لم يشــبه القوم إن ملوا وإن مـالوا
ويجبر الكسر ممن جاء مــــــنكـــسرا    أوجاءه الــــــــكل خفت عنه أثـقال
فيا أعز فتى في الناس فــــي زمـــــن    فيه الرداءة والأخـــــــــلاق أوحـال
قد سدت جودا وإخلاصــــا ومنزلـــة     لأنك الدهـــــــــــــــر للأعباء حمـال
لم تعرف ابوابك الكبرى لــــها قفـــلا    في حين عمت علـــى الأبواب أقفال
وبيتك الرحب قـــد كانت تعمـــــــره     شيب ضعاف وشبــــــــــان وأطفــال
والصدر أرحب مــا أبديت من ضجر    ما صد راجـــــــيك إمهال أواهمـــال
أفعالك الغيث ما فـــــي الناس من أحد    إلا له منك تصبــــــــــاب وتهطــال
كأن بيتك في نوكشــــوط مـــــــــكتبة    أو مسجد أو لقا ياتيه عـــــــــمـــال
حقائب الضيف أنواع مرتبــــــــــــة     والنــــــــــعل بالبــاب أعداد وأشكال
من كل أشعث ذي طمرين مغتـــرب     من غير قربى فـــــــــلا عم ولا خال
وكل شيخ بلا شغل يؤملـــــــــــــــــه     وكل جاء له هم وأشـــــــــــــــــغال
واليوم قلوا وكانوا قبـــل قد كثــــــروا    لـــهم إلـى ا لبيت إسراع وإقبــــال
قلوا وكان لهم والنـــــــــــــاس شاهدة    فــي صـــحن بيتك تشراب وتجوال
وإن يكن قل من ياتــــــيك في صـــلة    فــذا زمــــــــان به للــــــــحق إبطال
والناس في زمــــــن الإملاق في ملق    فـإن هم انتفعوا أطغاهم الــــــــمال
والناس تنسى جميــــــل الناس تنكره     لا يعلم الــــــنـاس أن اللؤم قــــتال
صفاتك اليوم في الآفــــــــــاق ناطقة     بـــــــــــــر صبور ومفــضال وبذال
فكنت أعظم مــــــــــن عيش يسود به    عصر الــــــــرداءة أوبــاش وأنذال
وقد رحلت حميد الســــــعي أفضل من   عـــــرفــت ما صورت ذكراك أقوال

                   المرتضى بن محمد أشفق 2002

الأربعاء، 28 مارس 2012


     الشمع الاحمر(أقصوصة)
المرتضى / محمد اشفق

هل يمكن لغبار السنين المتتالية أن ينقشع فجاة وفي الحفرة قبس متوهج؟؟؟؟ما كان صاحبنا ينتظر وهو يرتب الارقام السبعة ان الصوت الذي سينبعث يختزل مسافات زمنية طويلة ؟؟وكان حديث عابر لغوي , فيه مجاملات باردة....لكنه انتهى وفي النفس حروف كان ينبغي ان تخرج....فتحركت..ونمت....وتمددت......وكبرت......وضاق بها الصدر...فتحسست طريقها , وانقضت على المقبض وخرجت عبر الارقام السبعة....واذا الصوت يحمل حرارة , وعطرا, ودنيا....ثم تواصل انين الحروف وهي تكابد ولادة عسيرة لجنين شاخ في الرحم.....ثم كانت ليلة....كان كل شيء هادئا.....النجوم متدثرة بالغبار, وموجات البرد الضعيفة تتحرك عبر فترات متباعدة, وسكن الليل وساكنة الليل......الا من لغط المراهقين يضربون في الارض على غير هدى يفنون بعض طاقاتهم , ويهدرون بعض عافيتهم عبر امواج الدخان يقذفونها من افواههم في كل اتجاه.........وكان الحي الهدف يشهد انبعاثا مفاجئا لاضواء المصابيح اليدوية, اغلبها عند شيوخ يبحث بعضهم عن عجول كبار استانسوا بالراحة والدفء وراء الدور الخربة بدل جلد الحلابين والضروع الفارغة, وبعضهم يبحث عن نعاج ملت المغازلات الاليمة لاثدائها كي تجود بما لاتملك....وربما وجه اليك بعض هؤلاء الشيوخ مصباحه متوهما انك الضالة او ليستخبرك عنها....
التقيا من قبل عرضا, في تقاطعات متباعدة , لكن الاثارة كانت نائمة , اما حديثهما الان فكان اكثر حميمية من ذي قبل او هكذا خيل اليهما وهما في نقطة البداية , وبذل صاحبنا الجهد كي يختزل عبر فترات الشرود والذهول والحيرة , والفناء في لحظة العدمية.........وكانت اعتذارات من هنا وهناك تشد الى الزمن الميت واخرى تحاول ان تجر بعناء الى الزمن المفقود.........
سرحا قليلا...حاولا ان يجترا من الماضي ..لكن..؟؟؟ ما أقسى ان نبحث عن موجود مفقود ....وما اتعس الانسان يحاول ان يغير اتجاه الزمن, او ان يوقفه...مستحيل ان تعيش الماضي حقيقة ويقظة , بل تعيشه حلما وحنينا.....تختلس منك لك لحظات تنعدم فيها , وتتحول الى عوالم من السحر, والجمال , والصفاء المطلق , تفر من الزمان الى اللازمان , ومن المكان الى اللامكان , واذا انت شيء لاشيء , سابح غارق في حلاوة العدم, لارقيب ولاناس , كافر بالسبل القبلية والبعدية...ثم تحين لحظة الماساة , لحظة الانتباه المفاجئ والعودة الى الرشد ... واذا الحاضر يشدك شدا عنيفا ليخرجك من عذوبة ضلالك , ومتعة غيك , ويرميك في ضجر الوعي وءالام الصراط المستقيم.....
اعترفت انها حصان من تاثيرات الزمن , بل ان الزمن اضعف من ان يوهن الطاقات الفائقة , وان في التفاصيل التي ترويها برهانا على صدق دعواها..... ثم تدرك ان للزمن اثارا وانها بادية ...وان الكلمات التي كانت تتحدث بها في الماضي بريئة ,, عفوية , فيها شغب الطفولة , وعبق الاسحار,, اما كلماتها الليلة ففيها وقار, وشيء من الانحناء , وفيها اسلوب السرد الواعي الملتفت الى الوراء ,.. كانت تدرك انها الهدف وغير الهدف, كانت تبحث عن شيء ما , تعبت..اعتذرت..., تاهت في منحنيات القصص الرخيص لكنها لم تهتد الى نفسها.....كان صاحبنا غارقا الى اذنيه في بحر الحيرة ..والشرود...لقد انفصل عن ذاته....وهو يستمع ولا يسمع شيئا...كانت الجمل كالغيلان تصفعه...وكان ينتبه من حين لاخر فيدرك انه خال الوفاض من الكلمات وان لسانه مشدود الى وتد...او كانه في غابة حروف محترقة.....ينظر تلقاء نفسه فلا يرى الا رمادا باردا.....تراكم الليل على بعضه , وثقلت خطا المارة, وهما يحلمان ,, ويصغيان الى اللاشيء, والتقت يداهما على قنينة الشمع الاحمر...
                                                          المرتضى/محمد اشفق 
                              


قصة ودرس
hamady cheikh med's profile photo
حمادي/الشيخ محمد


كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء ، خلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه.
الرجل الذي ضرب على وجهه تألم و لكنه دون أن ينطق بكلمة واحدة كتب على الرمال : اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي استمر الصديقان في مشيهما إلى أن وجدا واحة فقررا أن يستحما , الرجل الذي ضرب على وجهه علقت قدمه في الرمال المتحركة و بدأ في الغرق، و لكن صديقة أمسكه وأنقذه من الغرق و بعد ان نجا الصديق من الموت قام و كتب على قطعة من الصخر : اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي .
الصديق الذي ضرب صديقه و أنقذه من الموت سأله : لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال و الآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة ؟
فأجاب صديقه : عندما يؤذينا أحد علينا ان نكتب ما فعله على الرمال حيث رياح التسامح يمكن لها أن تمحوها ، و لكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا ان 
نكتب ما فعل معنا على الصخر حيث لا يوجد أي نوع من الرياح يمكن أن تمحوها

**********************************************

تعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال و أن تنحتوا المعروف على الصخر


حمادي / الشيخ محمد



الأربعاء، 21 مارس 2012

إليك أيها الصوفي (الفتى السني)

إليك أيها الصوفي فكل ما رميت به السلفية من التشبيه والتجسيم هي دعاوي وأكاذيب عارية عن البرهان وأنت كغيرك من أعداء السلفية حاطب ليل تركض خلف كل ناعق علك تجد عنده ما يشفى غليلك لعجزك عن مواجهة الأدلة الدامغة بانحراف الطرق التي تعتنقها وتدين لها بالولاء ، فالسلفيون سلاحهم القلم والكلمة والدليل وكتبهم في العقائد وغيرها كثيرة مشهورة ومعروفة للجميع ولو عددت لك كتبهم في العقائد فقط لا يتسع المكان لذلك هم أكثر من صنف في العقائد وغيرها واختصارا للوقت والجهد انقل لك فقط مختصرا مما قاله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حول صفات الله من كتابه الدرر السنية ان كنت طالب حق ففيه الكفاية وان كنت غيرذلك فنسال الله لنا ولك العافية وسوف تسال أمام الله فأنت تعلم حرمة وشناعة الكذب على الفرد العادي حتى ولو كان خصما فكيف بالكذب وترويجه على العلماء والأخيار من الناس  قال الشيخ رحمه الله : [ من الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وصفاته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ؛ لأنه سبحانه لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه .
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه أهل التحريف و التعطيل ، فقال ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ))
ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم ، وأهل هذا أعداء لأهل هذا ، والحق وسط بينهما .
انتهى كلامه رحمه الله

الثلاثاء، 20 مارس 2012


        تعليق على تعليق:
المرتضى / محمد اشفق

جلسوا يشربون ويبولون, ويأكلون ويتجشأون , يضحكون ويفـحصون الأرض بأرجلهم وهم يصرخون, ينكتون ثم لأنفسهم يضحكون, يحللون ويستنبطون...
طالبوا بمواصلة الحصارعلى العراق حتى يرضخ صاغرا لكل قرارات الأمم المتحدة, ورأوا ندبية الدعاء على المنابر لإسرائيل والمسلمين . كان اليوم حارا والسمــاء صافية لاأثر فيها للغيوم, الشوارع القريبة أنتن قليلا من جيفة حمارفي أحد أزقة (بوكى أسكال) يوم 27 سبتمبر.                                
جلسوا في القاعة الكبرى يتدارسون مواضيع مختلفـــــــة , وتشعب الحديث ودار مع الأرض والقمر, ثم أصابه كسوف انجلى بحديث فـــــــي مسائل السيرة , فتحدثواعن عدل عمر بن عفان, , وسياسة معاوية الرشـيد, وبـلاغة عمرو بن بحرالمتنبي ,  وقادهم الحديث إلى الجغرافيا فأكدوا كروية الأرض من خلال الآية: (والقمر قدرناه مساكن).                                                                  
 دار الشاي مع الحديث يقدمــــه طاجين من هزيل اللغو والأيمان الحانثة وصب كل ما في جرابه المثقوب من أخبار لو أدركها زمان مسيلمة لقال الناس: رحم الله مسيلمة ماكان أصدقه.
ثم شرعوا في الفقه وشرحوا العويصات والشوارد , وبينوا ما يفعل المسبوق في صلاة الجنازة إن أدرك الإمام راكعا في الثانية , ثم ما يقرأه الفذ في صلاة التلاوة , وتساءلوا عن القبلي هل يكون بعد السلام أم قبله؟ , ثم رأوا أن المستخلف يسلم وينوي الإحرام من جديد . وتحدثوا عن الاجتماعيات فــــــــبكوا على القيم وكبروا عليها أربعا ثم صبوا جام الغضب على الذين نكبوا عنها ولـــــــهثوا وراء المكاسب الفردية ونهجوا سبيل النفعية الأنانية , وتمولوا من الشبه , فنعتوا هؤلاء جميعا بسـوسة القيم وآفـــــة المجتمع وسرطان الأمة, وحمدوا الله أن نجاهم من هذا العارالملم وهذه البلوى العامــة, وطهر سرائرهم كما نقى ظواهرهم ولم يرزقهم إلا حلالا طيبا وإن مع تقتير, والحديث شجون ,  ثم سأل أحدهم عن الشمقمقية فأنشدت وحللت تحليلا مستفيضــــا تثاءبت منه نعاج اهل سيدي , وأشارواإلى نواقص في لامية الأفعال , وعرض أحدهم نظما أنشأه حديثـــــا في التركة, وخلصـــــــوا إلى الأدب وكانت وقفة مع شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان الفارسي , واستعرضواسرقات المتنبي , ونماذج من مروقه اللغوي, ثم عاطفة أبي نواس, ووصف البحتــــــري , ثم مقامات الحريري , والإبداع في شعر نزار قباني , ومفهـوم الحداثة هل ترتبط  بالزمن الفيزيائي أم لا؟ ثم تحدثوا عن زمن الفعل العربـــي , ووضحوا علل الزيـــــــادة , وحددوا القافية وعيوب الشعر والمباحات المستحسنة والمباحات المستــــقبحة, وعرفـوا الخبن والخبل والوقص والترفيل والتذييل والزحاف الذي  يقوم مقام العلة , ثم وصلوا إلـــى الشـعر المحلي فبكوا جدب الديار وتحسروا على سقم الذوق الأدبي ثم استراحوا مع الغزل وتحاكوا بعـــــــــض غزلياتهم , وتباروا في وصف حسناواتهم , فتدخل واحد فقال إن غزلية ابن حنبل التي يقول فيها: - احبك تعتزين في خمس عشرة- من أروع ما قيل في شعر الغزل , فاعترض واحد وقال إن غزلية ورش التي يقول فيها : - هذا ابن فظيمة إن كنت لاتعرفه - أجود ما قيل في هذا المجال .
وعادوا إلى الشعر المحلي وتنـــــــــاولوا بعض النصوص المحلية بالدرس والتحليل ووقفوا عند بعض النماذج الآثمة التــــــــــــي تجمع بين سطحية الأفكار وعبثية الموضوع فانتفخت الأوداج وتدفق العرق, وانتفش الشعر وبرقت العيون, وارتعشت السواعد , واشتعل حريق الغضب والغيرة , وعم الجوانب النفسية والجسمية حـــــتى كادت القاعة تنفجر, وتذكــــــــروا الأيام السوالف , وكيف كانوا يدافعون عن الشرف بالرصاص ومواصلة الزحف, ويسطرون مـــــــــجد الأمة بطاهر الدماء , ويفدون عرضها بإهدار الأموال والابتعاد عن مظان الدناءة والشبه. وفي هذه اللــــــحظة ارتفعت الجلبة ودوى في الشارع صخب طفلي وتشاكست الأصوات ما بين لاعن أباه وناعت أمه بالسوء وتســـــــرب إلى القاعة منها: لعن الله القبيلة وقصة الشرف المستعار , عاش المال, المال والجاه للمنخلعين, خذوا المــــــال والعنوا أنفسكم , دوسوا قيمكم , لا تفتكم فــــــــرصة غنى الدهر, فالآذان لاتسمع والعيون لاترى , خذوا المال واتركوا أسطورة الشرف للمحرومين والاغبياء والبائسين ,,,.
فصاحوا مع الصائحين: الموت للضمير, علينا اللعنة, لاشرف إلا بالمال, وكل الطرق إليه مباحة, وغدا نتوب أوبعد غد والله يحب التوابين.


المرتضى بن محمد أشفق 1999 م 


من (اوراق منسية)
المرتضى / محمد اشفق

أحبك ياقبضة من درر
أحبك يا نفحة من زهر
أحبك ياشبحا من خفر
أحسك بين الغيوم وفوق الشجر
أحسك في وحشة الغاب, في دهمة الليل
أحبك طيفا بصمت السحر
أحبك يا بسمة حلوة, يا شعاعا رقيقا
ويا ظبية أنت تصطاد صلد الحجر
أحبك يا نغمة تضرم النار, تذكي جحيما من الذكريات لظى تستعر
أحبك أنت جموح الخيال, وأنت اختزال الزمان
وأنت انبلاج الصباح الأغر
وأنت انفلات المشاعر من قفص الكبت
أنت الخواطرتخترق الوهم والحاجز المشمخر
وأنت ملاك الجنان ووحي الفكر
أحبك في صبية يركضون وراء الظلال
أحبك في ومضة البرق, في نفحات العبير الزكيه
وفي دندنات الطبول وفي لمعان حلى بدويه
وميس الغصون, وحين يباغتني هاجس قدسي
أحبك في أحجيات السمر
أحبك أغنية من حديث الزهور تهد الجبال, وتسبر غور البحار
وتعبر موج الأثير لتنقر قلب القمر
فأنت نبوغي وملهمتي وحروفي تدوي مجلجلة وملوحة لتغرس قوس الظفر
وأعترف اليوم أني ضحيه
وأني سعيد لأني أحبك
أني ابتلعت سهام القدر
فكم مرة قلت أنساك, أسلوك, جئت لأخرى
لألهو بعيدا عن الذكريات
وكم قد تلاشيت في حوة الشفتين
وكم قد تضاءلت عند جنون حور
أضعت صوابي بين جدائلها العسليه
وفي راحتيها وفي جيدها المهوي
فلم تجدني الفاتنات
ولا الأعين الناعسات
فكنت أجاملهن  وقلبي إليك
وهاأنذا اليوم عدت إليك, سليني لماذا رجوعي إليك؟ لماذا وقوفي عليك؟
لماذا مكوثي لديك؟
سليني لماذا أكون جبانا, سليني لماذا أكون ضعيفا, لماذا أنا لاأقر؟
أنا اليوم بين أناملك الناعمات, أنا الخيط فلتعزفيني الوتر
وبين يديك وجودي, فهل تقبليني وصيفا يرتب بيتك, يحكي الأساطير, يروي العبر
ويحمل باقات ورد إليك, يسوي الشعر
وإلا فنقشا بإحدى الحجر
فإن تفهميني أكن قوة لاتحركها العاديات
وهوج الرياح, أكن قوة لاتخاف الصواعق
ولا العاتي المنهمر
وإن تفهميني أكن كوكبا شاهقا, أكن فارسا, أكن بطلا عبقريا يداعب حبك بين النجوم
أكن شاعرا يحتسي جرع الكوثر العذب
يستل من قلبه رامسات الصحاري, وتيه السراب, وينسى ليالي السهر
يعيش بحبك فوق البشر


المرتضى بن محمد أشفق 1986

الجمعة، 16 مارس 2012

الشيخ عبد الله
الشيخ ابراهيم انياس
الباحث عن الحقيقة (2)
وصل الشيخ عبد الله الى كولخ لا كما كان ياتيها من قبل...وصلها بعد ان ملك عليه كتاب ابن عمه محفوظ بن حامد (مؤلف للشيخ ابراهيم انياس) مجامع قلبه , وسار في وجدانه دنيا من الذهول والاستغراق دفعته دفعا الى رحلته الكولخية تلك....
المرتضى/محمد اشفق
وقف الزائر بين يدي المزور ....شيخ تختلف بشرته عن بشرات ابناء جلدته , وتختلف لغة امه عن لغاهم , وتختلف الاكواخ المتناثرة  في سواد السينغال عن خيام الوبر ترصع الصحراء مترامية  في نظام بديع , سيفتقد صاحبنا حنين النوق , ومغازلة البدر للحصباء , سيفتقد لا شك سرى الصبا سحرا تضمخ الرمل بندى المحيط....لكنه يسترخص كل ذلك واكثر في سبيل وقفة يقفها بين يدي صاحب السحنة السوداء ... ستحلو له لجبة العجم ...سيانس بذلك العالم الذي حفر في الذاكرة الشعبية لبعض ابناء جلدته انه عالم السحر ومص الدماء والوثنية ,...وفي موقف معاكس يعتبر هؤلاء" السلالون" بفطرتهم الاسلامية كل فاتح البشرة وكل قادم من الشمال "حيدره" ...ويستحضرون فيه قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وجهاد الفاتحين الاول , وبدل تعويذات رد السحر و"السل" , يقدمون له الهدايا ويلتمسون منه البركة والدعاء  والبون شاسع بين الموقفين... لاا نسى كيف كان باعة الخرز يحلون في الاحياء ...وكيف كان بعض النساء الراغبات في تجارتهم , خائفات مما يتوهمن من سحرهم و"سلهم" يستقدمنهم ثم يخفين الاطفال وراء ظهورهن اتقاء الشر ويكثر الهمس المسموع بالبسملة وقراءة التعاويذ وتغرق رؤوس الصغار بامواج من ريق التحاصين....مرد كل ذلك الابتعاد عن جوهر الدين الذي لا يميز بين ابيض واسود ....وتحكم الخرافة والاسطورة...
الشيخ ابراهيم انياس سليل اسرة علمية عريقة ....والده الحاج عبد الله علامة عصره , وامام الطريقة التيجانية بمصره, تميز اولاده جميعا بالعلم والذكاء والورع...لكنه ادرك ان ولده ابراهيم طفل نابه وفطن , وان شيئا ما وقر في صدره ...فتابعه وراى كيف يختزل المسافة الزمنية في التحصيل المعرفي...فاولاه اهتماما خاصا ...واستهدفه بالاستثمار العلمي والتربوي....ونبغ الشاب ...وتعدى الحدود التقليدية , واذا الروضة المعطار المعطاء تؤتي اكلها  طلعا نضيدا ودفقا سلسبيلا يستقطب الاباعد من ابناء الجبل والصحراء ...واذا هو يصبح علما من اعلام الطريقة التيجانية وركنا من اركان علماء الاسلام ....جمع المفترق , ووحد المتشظي , ومهد المتحفر , وقوم المعوج...وصار قبلة طلاب التربية , و الظماء الى برد السكينة والاطمئنان , المفتقرين الى مغالبة اضطرابات الحيرة و الشك بهدوء اليقين...
وقف الشيخ عبد الله بين يدي الشيخ ابراهيم بعد رحلة طويلة بين المهامه , حيران قلقا , وقف على الشطآن لكن حرقة قلبه والم اشتياقه استعصيا على بردها ونداها ان يمتصاهما او يرطباهما , ادرك هنا ان وقفة على الشاطئ لاتكفيه لانه ليس سائحا يتمتع بهدير الامواج ونسائم البحار , وليس باحثا عن لون "ابرونزي" يتمدد له تحت اشعة الشمس على رمال الشاطئ...عليه ان يدخل البحر ويغرق ويغوص في الاعماق لان :
زبد البحر تراه رابيا           واللآلي الغر في القعر رسب
 هل يقول هذا مطلبي هذا اكبر , وهل سيقول يوما لا احب الآفلين !!! وبين يدي الشيخ انشد ميميته الرائعة فاتضح ان الفتى العربي هنا ليس غريب اللسان:

بحب الشيخ ابراهيم هيمــــــوا     ففــي الأحشاء منه هوى مليم
وكونوا تحت طاعته وأمــــــوا      صراط الختم احمد واستقيموا
ولا تلفـــــــوا بساحة غيره ما       بساحتــــــــــه هدى لكم قويم
وهيموا فـــــــــــي محبته فإني      أهيم بحبه و بـــــــــــــه أهيم
وفيه وفــــــــــي محبته فلا لا        تلومنــــــي وان شئتم فلوموا
فــــــــــــلي في حبه عهد قديم       وود فـــــــــــي محبته صميم
ومالــــــــــي غير ذكرته أنيس       ولا خــــــــل يروق ولا حميم
وأشكــــو ما أقاسي من هواه         كمـــا يشكو من الداء السقيم
أيـــــــــا برهام عبد الذات إني       الى جدواك مفــــــــــتقر عديم
ومــــــا زاد من التقوى اليكم         قدمت به ولا قلب سلـــــــــيم
قدمت وما قدمت به اليكـــــــم         سوى أنــــي لحضرتكم خديم
وأنى فـــــي فؤادى من هواكم        وساوس لا تنـــــــام ولا تنيم
وأنـــــــــي بين أحشائي وقلبي       جوى من برح ذكراكـــم قديم
وأني بـــــي من البلواء منكم         عذاب لايفــــــــارقني ألــيــم
وأني بي من الأشواق منكـــم        غـــــــرام لا يـــزول ولا يريم
وأني شيق بكــــــــــــــم وأني        بقلبي من محبــــــتكم كلـــوم
ولي نفـــــس يطالعني هواها         كمــا المديان طالعه الغريـــم
فـــــأشكو من خدائعها وأمني         لها أبدا كمـــــا يشكو السليم
فنـــفسي ليس يعلم حين تبلى         حقيقة خبثـــــــها الا العليــم
ولكنـــــــــــــــي أسلمها اليكم         فــتصفــو عند ذاك وتستقيم
فــــــأنت خليفة الختم التجاني         ووارثـــــه وانت له الخديـم
بل انت الختم عيـن الختم انتم         وعينكم هــــي الختم العظيم
أيا ركني ومعتمدى وحصنى           وأمـنـى يوم تجتمع الخصوم
أرجـــــــي صحبة لكم بصدق          تقارنها المعارف والفــهوم
وفــــــــــــيها ما أأمل ثم اني          أروم به لنفــــــسي ما أروم
أأمل توبة وهدى وفـــــــتحا           ومعرفــة تزول بها الغمــوم
وجذبة واصل يفــــني ويفنى         ويفـــنى حيث تنعدم الرسـوم
ومهمــــــــــا بعد جذبته تدلى         يراد بـــه الصراط المستقيــم
فيمحى في الرسول بكم ويبقى       وحيدا لا يزاحمــــــــــه أريــم
ويمحى فى التجاني محو إرث       وغـــوثيــة تــــــدوم وتستقيم
ويمحى فيك يا برهام محــــوا        ينـــــــال به المرام لمــا يروم
فــــــأنت المحو والإثبات منه        وأنت الصبــح والليل البهيـــم
وصاحب فيضة الختم التجاني       بل أنت الختـم والفيض العميم
وها أنذا قدمت هنا وحسبــــي       مــــــــن الأسباب ذلكم القدوم
فخصوني ولا تنسوا صحابــي      فـما كخصوصة الشيخ العموم
على الهادي الكريم صلاتنا ما      عليه وصحبه صلــــــى الكريم
                    

                                   (  يتواصل)



الاثنين، 12 مارس 2012

الباحث عن الحقيقة (1)
المرتضى / محمد اشفق
الشيخ عبد الله
كان الشيخ عبد الله ولد المصطفى رجلا صالحا , تقيا , ورعا , زاهدا في الدنيا , منقطعا للعبادة والتحنث , وكانت له كرامات مشهودة مازلنا نرويها عمن رواها عمن شاهدها وحضرها من الثقات والعدول...
قال يوما لزوجه : أ خديجة انتظري ولدا صالحا ذا شان سيولد لنا باذن الله , استشعارا او رؤيا, وتقول الرواية ان ولدهما محمدا ولد بعد ذلك , لكن الشيخ اخبر (ديج) انه ليس من أريه...ويموت محمد صغيرا ....ثم يموت الشيخ عبد الله بعد ان تحرك الجنين في بطن امه ....وتطبيقا لسنن العرف سموه محمدا عبد الله محمد كما تراءى للوالد اسمه ثم (اسم ابيه ) ...كان ابوه يحذف الشيخ من اسمه اذا دعاه السياق لذكره فيقول : عبد الله وفي بعض المواقف : عبيد الله ....وحذا الابن الذي لم ير والده حذو ابيه , فكان يختم  رسائله ب (....محمد عبد الله بن عبد الله) ...
كانت سنة 1329 هج سنة متميزة , فيها رأى النور بشارة ابيه الشيخ عبد الله....ليستقبل الحياة بلا اب ...لكن امه (ديج)
كانت من النساء المتميزات قوة , وصرامة , وعزيمة .....كانت اهلا لتحمل امانة التربية والتعليم والتدبير لاسرة فيها المضافات والمجرورات , لكنها مضافات ومجرورات يجب ان تبقى في حالة الرفع دائما....
احست الوالدة اذن ان مسؤولياتها متشعبة متعددة , فبين يديها رضيع يتيم ومن حوله ثلاثة اخوة (محمود- اخ لاب- , الشيخ سيد المختار , واحمد , واختان هما فاطمة ومريم ....)...وكما ذكرنا ليست هذه هي الحدود العددية للاسرة فالاسرة الاجتماعية اكبر بكثير....
نشا الطفل بين يدي امه نشاة صالحة , و تلقفته القلوب بحنان واكبار لما تنتظر منه في قابل الايام , فتح عينيه على الشيخ الحضرمي بن اعبيدي ينتظره بفارغ صبر فاخذ عنه القرءان الكريم رواية ودراية ..ثم انتقل الى المحاظر مستزيدا وخصوصا من علوم العربية المختلفة نحوا وبلاغة وشعرا.... منها محظرة عبد القادر بن محمد سالم المعروف ب قار , ومنها محظرة اهل احمدو فال.....
ولم يخط عن ربيعه العشرين الا خطوات قليلة حتى اكتملت فيه صورة الفتى بكل ما تعني الكلمة من دلالات واحالات في الثقافة الموريتانية (التطراك) ... نعم استوى الرجل على ساقيه ففي صدره كتاب الله وزاد معتبر من الفقه والادب , وبين جناحيه قلب شاعر متيم ملك ناصية الموزون والابداع حسانية وعربية...مع نضارة شاب تبرق فيه سيماء الخير والصلاح...
لكن صاحبنا لم يانس بمقومات الفتى الاديب , الوسيم ...لم يانس بادوات شاب الصحراء من جمال , وجمال , وءالة , وخبرة في سوح اظهار البراعات...فاحس بنار الشوق تضطرم وتزداد التهابا كلما غافلته عوالم التامل والحنين....  
راى دافعا قويا يسوقه للبحث عن ظل ندي , وبرد زكي يطفئ به نار الشوق الى حبيب لا يعرف له مكانا ولا زمانا و لا دارا و لاوطنا ولا عشيرة.....حبيب معلوم مجهول , قريب بعيد ....لا بد للمحب من ان يتعذب ويبحث ويسال وياتي المظان والعيون والمناهل حتى يظفر ولو بخبر عن المطلوب...
السيخ سيد المختار ولد الشيخ عبد الله
راى الباحث عن الحقيقة ان جوهرته المفقودة لاسبيل اليها الا بالتخلي عن كل ما يشغل عنها  والايمان ان الدنيا دار غرور وغفلة وان النجاة من حبائلها ومكائدها تتطلب حياة اخرى فيها خشونة وشظف وحنين يشعل حنينا.....فطرق باب التصوف وقد شده الى هذا العالم ما سمع وما قرأ,  وايقن ان مبتغاه ينتمي الى هذا العالم الغريب...اخذ ورد القادرية عن اخيه الشخ سيد المختار بن الشيخ عبد الله رحمه الله..لكنه شعر ان ظماه يزداد , فارتحل الى  الشيخ ابي المعالي رحمه الله وخدمه ولزم ورد التربية حتى ايقن شيخه ان قد اصبح ذا مقام كبير لدرجة ان امره باعطاء الورد , وبقي عنده الى ماشاء الله , ثم انتقل الى الشيخ محمد محفوظ بن الشيخ القاضي رحمه الله , ولازمه حتى توفي , وخلفه الشيخ المصطفى رحمه الله الذي قال له : كلانا ذاهب الى ربه سيهديه...
ظل الرجل الولهان سمير ترانيمه , وعليل اشواقه , يكابد ظما حارقا رغم ما هو فيه من الرخاء , وما ينعم به من تقدير وحب وتبجيل....لكنه كان يرى ذلك كله بديلا وعوضا , وتسلية , ومحاولة استئناس بالقشور عن الجوهر..فلم يهدا ولم يرض وظل يعيش وحدة الشوق والم الامل الذي لا تلوح بوادر تحقيقه قريبا....حتى كان يوم....
محفوظ بن حامد
فلم يزل في رحلة القلق وغربة الروح بين يقين يقوده الى شك , وشك يقوده الى يقين , حتى جاء من الجانب الغربي فتى يعرف الناس نسبه وحسبه , ويعترفون بأمانته وصدقه , من رحلة صحب فيها خاله المرحوم اسلم بن المنجى (وهو اول من اخذ الطريقة التجانية من قبيلته)
اسلم بن المنجى
الى حي  (الشيخان بن الطلبه) , جاء هذا الفتى  من "لعكل" بنبإ عظيم. 
هو المرحوم محفوظ ولد حامد , وقد اخذ الطريقة التيجانية عام 1951 على يدي العالم الجليل الشيخان بن الطلبه , واصطحب معه مؤلفا  للشيخ ابراهيم انياس يسمى "السر الاكبر" وكان يتررد على الشيخ عبد الله ليقراه عليه , وكان حريصا ان يكثر من قراءته عليه ..كان محفوظ يريد ان يقع في حبائله صيد سمين , واحس الشيخ عبد الله ان شراك محفوظ بن حامد قدر يترصده , وان مائدة الكتاب بدات تسيل منه لعاب شهية الاستزادة , وادرك انه كلما طعم منها تضاعف نهمه اليها,  ثم اشتد الفعل وتعدى , ليجد صاحبنا نفسه مرغما  راغبا في شد الرحال , ميمما ارض السينغال حيث صاحب الكتاب...
وان تعجب فاعجب لرجل تربى في حضرة  علمية صوفية , ثم طاف في البلاد كلما ذكر له واد من اودية العلم والتربية نسي الاهل والوطن وحمل عصا التسيار , ووصل الادلاج بالادلاج, حتى حصل ماكان يكفي امثاله من بني قومه  لكنه لم يقتنع ان رحلته قد انتهت وان هدفه قد تحقق....
ازف الرحيل , فقرب الشيخ عبد الله راحلته , وتزود بالحنين والشوق , وولى وجهه شطر بلاد السودان حيث سمع الناس "فتى" يذكر هناك يقال له ابراهيم....
كيف يستساغ ان يرحل رجل في قدر الشيخ عبد الله قدرا ومنزلة, وحلما وعلما وورعا , كيف يودع الاهل والاحبة والارض التي نيطت فيها عليه تمائمه ليلحق برجل من "الولوف" في ارض السينغال يبغي عنده صلاح الحال !!! ان رجال هذا المنتجع القصي يرحلون الى السينغال للتجارة او للانتفاع بوسائل اخرى , بل يزعمون انهم هم حملة النور والهدى الى بلاد الزنج ,  فكيف يرحل صاحبنا لجلب بضاعة زعم قومه انهم اهلها ورسلها الى العالم.....
حل صاحبنا سنة 1952 بارض ما وراء البحر ,  و الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان....
                                                                
                                                                                     (يتواصل)


السبت، 10 مارس 2012

 في القناعة                       
المرتضى / محمد اشفق












ان يكن بيع النفس يعطي النضارا        وجنانـــــــــــــــا مشكلات ثمارا
وقصورا في كل حي ومصـــــــر        وبروجـــــــــــــــاتزين الاقطارا
ومئات القطعان مــــن كل صنف         تملا الارض صوفــــــة وخوارا
وحسابات فــــــــي البنوك تنادي         انقذوني انــــــــي اموت انفجارا
فـــــــكل الخبز دون زيت وجبن          ودع النعـــــــل والبس الاطمارا
واشرب الماء صافـــيا او بطين           واسكن الكـــــــوخ مائلا منهارا
واحفظ النفس ان تميل لهــــــون          واحذر الذل خفـــــــية او جهارا
ان اغلـــى ما يملك المرء نفــس          ان يهنها فـــــــــــحقه ان يوارى
لا تزلف مستجديــــــــا نال زيد           انه ان اعطاك اعطاك عـــــــارا
واسع كــــــي تحيا مستقلا وحرا          لا تكن للجهـــــــول ذيلا مدارى
ولسانا يسل فــــــــــــي كل جمع          وخطيــــــــــــبا مع عيه مهذارا
لا تردد كالببغا لاتصفـــــــــــــق          كــــــي يرى بكر مغنما اوفخارا
واطلب الرزق من طريق شريف         لاتحد عـن ذاك الطريق ازورارا
فادخل السوق بائعا كيس فــــــحم         او دجاجــــــــا به تقيت الصغارا
وافلح الارض وابن واعمل وصمم       لا ترفــــــــــع عما يقيك الصغارا
ان ذل الســــــــــــــــؤال ذل بغيض     ولبيع النفــــــــــــوس اجدب دارا

                                       المرتضى ولد محمد اشفق1999

الأربعاء، 7 مارس 2012


المرتضى / محمد اشفق
 إساءة الإحسان:

كان قمرتسع عشرة يطل بعين رمداء من التل المكتنف بغشـــاء غليظ من غبار يوم عاصف , وكانت ألسنة اللهب أمــــام خيمة المبروك تلحس الهواء لحسا خفيفا, والريح تنبئ من وقت لآخر أنها لم تهجع بعد, فتحول (أكورار) إلى بطن حبلى تارة وطورا إلى خصر هيفـاء, قال أبو عمران: لم أر كاليوم ما فشا في الناس من إساءة الإحسان! قال أبو ليلى: ماذا تقول؟ أليس بين الكلمتين تنافر؟
قال أبو عمران: لولا ذلك لما كان ثم وجه للاستغراب, واعلم يا أباليلى أن جدي لم يكن يفوح بالمال ذات اليمين وذات الشمال ولايبالي, وما كان يترفـــــــع عن أخذ بقية نقوده من بائعات البيض والنعناع, وما كان ينحرالبدن والجزر للمغنيات بأمجاد القبيلة, فــــــــــــما كان جدي الوليد, ولا السفاح , ولا المعتصم, ولم تكن جدتي الريح المرسلة , فلم تكن تجيع أطفـــــــــــالها لتطعم أطفال اليهود والقطط السائبة لكرم أرومتها, فليست بنت إسماعيل ولا يوسف ولايعقوب ولا حتى أبرهة الأشرم؛
لذلك اكتشفـــــــت أن كثيرا من بشر اليوم يتملصون من مسؤولياتهم نحــو أولادهم ليلقوها على آخرين؛
فظاهرة إرسال الولد الذي أكمل دراسته فـــــــي مدرسة الحي إلى المدينة ليتابع ويكون نزيل قوم آخرين لا مشكورين ولا مأجورين ظـــاهرة منتشرة, ومن أضرارها على الولد الحرية التي يبدأ يتنفسها في الجو الجديد, وسرعان ما يمل من الدروس ويتوقف لا فــي منتصف الطريق بل في بدايتها, فيكبر على الجهل ومضاره.
والغريب أننا نرحل إلى بلاد قصية, ودول أجنبية لتنمية رؤوس الأموال والبحث عن مشاريع للاستثمار, وأي رأس مال أغلى وأدر من طفل يرعــى ليصلح؟ الولد بالمقياس المادي البسيط مشروع اقتصادي إذا سهرنا عليه سهرنا على مشاريعنا الزراعية أعطى أكثر منها بما لايقبل المقارنة.
أما المخاطر الاجتماعية, يا أبا ليلى فــكثيرة, ولا تستغرب إذا قلت لك إن كل طفل تسكنه معك هو عداوة محققة مع ذويه, وهذا هو معنى قولنا إساءة الإحسان, واعلم أن هؤلاء النزلاء الجدد يطلبون منك مــــا يلي:
1- كوكبة من المطربين فيهم إسحاق الموصلي, ومحمد عبد الوهاب, وأم كلثوم, وولد انجرت يغنون                            لهم أناشيد الترحاب كلما عادوا إلى المنزل صباحا وبعد الظهيرة وعشاء وحين السحر.
2- فرقة عسكرية تقدم لهم تحية الشره عفوا الشرف ذهابهم وإيابهم
3- جوقة شعبية متخصصة في الفولكلور تنقر الطبل وتغني بأمجاد أسرهم
4- نخبة من الشعراء من بينهم أبو تمام, والبحتري يصفون برك آبائهم وفتح عمورياتهم
فإذا ضمنت لهم هذا يا أباليلى اكتفوا بمايلي:
1-    محاولة مداهمتك في غرفة النوم متلبسا بجريمة الاستراحة
2-    تعذيب أطفالك وتخويفهم بخنق الصغير, وغرس الأظافر في الرضيع, وتعريض دفاترهم للغنم لتأكلها, واهانة بناتك وإذاعة أنهن أقبح فتيات المدينة
3-    إشاعة فيمن يزورونهم أن طعامكم رديء, ولحمكم قليل نصفه مصارين ورئة, وثلاثة أضعاف لبنكم ماء
4-      أمكم تسقي أطفالها اللبن الصراح, وتهرق قربة ماء على إدام  النزلاء
5-    أطفالكم يتغدون مرتين, مرة مع النزلاء ومرة في غرفة النوم بما تخصصه لهم الأم العدو
6-    يقسم بعضهم أنه عد يوما حبات أرز الغداء فوجدها لاتتجاوز 12 حبة يتحلق حولها 17 نفرا.
7-    إتلاف الأثاث بنتف الحشايا, وتمزيق لباسها, وترك المصباح مضيئا طيلة النهار
ثم إذا عادوا إلى أهلهم أطلعوهم على مــــــــــــا كانوا موضعه سنة الضيافة من تجويع وقسوة حال, ورداءة عيش, وسوء خلق أهـــــــــل البيت من الرضيع إلى الأبوين , وإذا كان المثل يقول (والدوكم قادرون) فإن(أولادكم صادقون وإن ادعوا النبوة), وعندئذ يتعاون الأهل والعائدون على إذاعة بخلك يا أبا ليلى , وتلفيق الفـــضائح وإلصاقها بك, وليس ذلك غريبا فلم يكن جدك ينحر أودية الإبل إحياء لمجد القبيلة, ولم تكن أمك تقطع أثداءها لتطعم أيتام العصافير..
                               المرتضى ولد محمد أشفق 2001.

السبت، 3 مارس 2012


المرتضى / محمد اشفق

تائه بين المواقع

ظاهرة الحنين الى الماضي تعبير عن افلاس الحاضر وعدم قدرته على توفير البدائل عما افتقده الانسان مع غروب شمس امسه...فيعوض عن ذلك بحنين الى ماض مفقود  , اوامل في مستقبل مجهول , يظن ان ما تسطره له احلام يقظته خير لا محالة مما يعيشه ويمتلكه....ذلك ان الخيال احلى من الحقيقة ....خذ صورة التقطت لك قرب بيتك فسيخيل اليك ان المنظر العام اكثر رومانسية من الواقع ..وبين المفقود والمجهول يتيه  الانسان في رحلة غامضة كلما قست جذبت , وكلما عذبت عذبت....
الامل وهم لا يدرك , ...فكم تحققت ءامال قادت الى ءامال غيرها ....وتستمر رحلة مطاردة المجهول.....
اما الحنين فهو توهم الانسان ان امسه خير من يومه... والماضي لا يعود ...انه مفقود لا سبيل اليه...وحين يرى الانسان تجاعيد شيخوخته , وارتعاش اعصابه , وترهل عضلاته....ويرى الموازين قد تغيرت...فلم تعد اوامره منفذة , ولم يعد رايه صالحا لزمان غيره , يحاول الفرار الى الوراء  , فيتحرك الالم والحسرة والحنين الى حقبة الشباب والقوة والنضارة وسيادة قيم المجتمع.....فتتقد لواعج الشوق لادراك المستحيل....
اما حنيننا فالى ايام سوالف , كنا نسمع فيها المذيعة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلاملة الموريتانية اليكم نشرة الاخبار مبدوءة بالمقدمة....(ما زلت اذكر وانا تلميذ في السنة الثالثة اعدادية قول استاذ اللغة العربية التونسي هادي احميده في بوكى: لموريتانيا ان تفتخر بالناه بنت سيدي نظرا لسلامة لغتها وحسن نبرتها وتوقفها عند الفواصل....)
كانت الاذاعة الوطنية مصدرا وحيدا للخبر في عموم التراب الوطني...لكن المواطن كان يصدقها بل كان يؤمن بعصمتها من الكذب والتلفيق.
ويمضي الزمن وتتلاحق مراحل تطوره لنصبح اليوم مع هذه الطفرة الغريبة من وسائل النشر وما تقذفه لنا على مدار الثانية من اخبار وكتابات....وكم رجونا ان تنعم بلادنا بثورة معلوماتية واعلامية تخرج البلد من حقب الظلام وندرة المعلومة والخبر ....كم رجونا ان يشرق يوم صحو ونرى السماء صافية قد اغتسلت من ادران الغيوم والاتربة والتعتيم....
نعم تحقق شطر الرجاء...فغصت ساحاتنا الاعلامية بالمواقع والصحف ...فاستبشرنا بتنمية شاملة تسح على البلد وتخرجه من عذابات الفاقة والجهل الى طمانينة السعة والازدهار....انتظرنا ان يرى المواطن في كل شبر قوة خلاقة وجيشا جرارا متراص الصفوف متوحد الهدف يزحف ليدك حصون حقب من التخلف والتهميش والظلم..لا بذخيرة تسفك الدماء وتنهب الاموال وتحرق العباد والبلاد ...بل بمعركة قذائفها كلمات طيبة وطنية بناءة , وافكار نيرة مخلصة تنبع من مرجعية الاسلام الذي يعصم للانسان حقه كاملا غير منقوص ....
كم انتظرنا ان تظهر اقلام شريفة ولاؤها للوطن وحده تنير للمواطنين الابرياء الدروب , وترشدهم الى الصواب وتمنحهم الحقيقة كما هي لاكما تهوى الاقلام , وتهديهم التحليل بريئا من شوائب الانتماء الضيق : عرقا او لونا او وجهة نظر سياسية...ان المواطن البريء تربكه هذه الاشياء الغريبة على تاريخه وحضارته ودينه وقيمه ...فالموريتاني محفورة في ذاكرته الثقافية ومكونته الاجتماعية صورة الكوخ والخيمة يتعانقان عناقا عضويا بلحمة اسلامية ترتل (انما المؤمنون اخوة....ان اكرمكم عند الله اتقاكم ...لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى),  صورة العمامة والقلنسوة , خوار البقرة البيضاء وحنين الناقة الشقراء ...
ان المواطن البريء لا يفهم مفردات الزمن الرديء التي تجزئ غير المجزإ , وتتبنى الفكر الدعي الدعائي , ان المواطن البريء في خلقه وخلقه ركب من عجينة محظرية يمتزج فيها اذان الفجر بسورة الرحمن , والحبر الاسود بالالواح الخشبية واقلام "الجريد" والصمغ وفحم الطلح....و-عبد الاله الشنجطي يشتري....- في ولاته , وءايرمبار, ووادان , وغابو وشنجيط...
لكن هذا الانفجار الكبير ما ان بشرنا حتى انذرنا وما ان انذرنا حتى دمرنا ....فعمدت مواقع كثيرة الى الغوص في اعماق عكرة تتراكم فيها الجيف والنفايات لتخرج وقد نتنت كلماتها وتلوثت افكارها فحركت في القارئ حالة الغثيان وارغمته على التقيء وتشمير اللثام على الانف , بدل ان تنزل الى المياه الصافية وتوزع ما اخرجت من درر على زوار الشطآن النظيفة....
صفحات بعض المواقع انقلبت الى ميادين استعراض العضلات اللغوية والمهارات الفنية , واصبح الناس يتفرجون عليها تفرجهم على حلبات مصارعة "الكتش" ويتسلون باساليب التجريح والاقذاع , تماما كما يتسلى الاطفال وعديمو الثقافة بالضربة القاضية يصوبها الملاكم الى مقتل خصمه...
بعض المواقع يبدع في صياغة العنوان , فلا يتمالك القارئ عن نشر التفصيل قبل قراءة بقية العناوين , ليدرك ان الجهد الصحفي انحصر في جملة العنوان , كمن يطلق قذيفة لقتل نملة...
بعض المواقع ينزلق خضوعا لمتطلبات  السبق والسرعة الى التكبير اربعا على مزية التروي والتحري والتدقيق..فهناك صنف تعجله هذه الاكرهات عن الروية والصدق....وهناك صنف لا يعتمد على أي مصدر مهما ضعف خبره , بل يختلق ويروج حسب ما يمليه عليه المزاج النفسي , والراي الشخصي او السياسي ...وبين هؤلاء واؤلئك تضيع الحقيقة ويحن القارئ الى سماع السيدة الناه بنت سيدي تقول : هنا انواكشوط اذاعة الجمهورية الاسلامية الموريتانية اليكم نشرة الاخبار ابداها بالمقدمة....

 المرتضى / محمد اشفق

الجمعة، 2 مارس 2012


هوالعلم اغلى ما يشد له رحل...
المرتضى /محمد اشفق

هو العلم اغلــى مـــــا يشد له رحل    ويهجر فــــي تحصيله الصـحب والاهل
واعظم مقصود واقدس مـــــــكسب    ينــال به عز وينمــى به فـــــــــضـــــل
ويناى عن الاوطـــــان سعيا لنـــيله    ويبعد محبوب يطيب بـــــــــه وصـــــل
وينسى الفـــــتى البيضاء تلهو بلبه    وقد لاح منهـــــا الدل والاعين النجـــل
تهون به الاخطـــــار يحلوبه الطوى   ويؤلف وحــــش الغاب والذئب والليــل
ولا عجب فالعلم هو زينة الفــتــــى    وكل صعــــــاب فيه هـــــــــــو لها اهل
فشمر له عـــن ساق جدك وانصبن    تابط جراب الصبر ان ضاقت السبـــــل
ولا تشتـــــــغل عنه بلهو وريــــبة      وجانب هوى نفس فبئس الهوى الشغل
ولا تلتـــفـــــــت الا لامر علمتــــــه    الـــــــــــــــى العلم ينمى او يرام به نبل
ولا يكن المقصود عندك سمــــــعة     وتزييف نجح حيث يستفحــــــــل الجهل
ولا تترك الوقت الثميــــــن مضيعا     به كن ضنينا اذ هـــــــــــنا يجمـل البخل
ومن رام نيل العلم يسلك سبيـــــله     وهي سبيل من مكــــــــــــــــاره لا تخلو
فكم دونه الاشواك والهم والســرى    وبيد مخيفــــــــــــــات يحـــار بها العقل
ولكن اذا صبرت نفـــــــسك طالــبا     جنت ثمر مسعاها وطاب لهــــــــا النزل
فكل فـــــــــــعال لم يسمها ذميمـــة     فبالعلم يسمــو الخلق والقول والفـــــعل
وتبنى به الاوطان فــي العز والعلا     ويعلو به الانسان فـــــــــــي كل ما يعلو
وبالعلم يحيا المرء حــــرا معظمــا     له الراي والتبيـــــــان والكلمة الفــصل
وبالعلـــــــم يـــدري كيف يعبد ربه      ويكفــــــــــيه فـخرا ان به يورث الرسل

                                            المرتضى /محمد اشفق
                                                         ( 1993)