الاثنين، 6 يوليو 2015

المرتضى/محمد اشفق

موصم الهجرة الى الشمال !!!

       










   روى الجاحظ في قصص البخلاء ان حمارة زهاء خمسين رجلا ترافقوا في سفر فما رآ  منهم رجلين ياكلان معا...كان لكل رجل قطعة من اللحم واذا حان الطبخ تنادوا الى قدر واحدة لا حبا في المشاركة بل بحثا عن الاقتصاد في الحطب والملح والتوابل الخ...ويربط كل رجل لحمه بخيط فيه خوصة ويبقى ممسكا به حتى لا يختلط بخيوط رفقته فاذا نصج اللحم ابتكروا طريقة غريبة لاقتسام المرقة : يخضون قطع اللحم في المرق كالدلاء داخل البئر ثم يجذب كل واحد قطعته ويمص ما علق بها من مرق ويكون النصيب على قدر حجمها واذا نفد المرق انكفأ كل على قطعته ياكلها وحيدا.. 
        
            اللهم لاترنا في ارضنا ما رآه الجاحظ في بلاد مرو بفارس...
ما كان رمضان عاصفة هوجاء تفرق الاحبة وتشتت الشمل وتقتلع الناس من جذورهم لتلقي بهم بعيدا عن منابتهم.....

وما كان رمضان مناسبة لانسلاخ المرء من حضنه الاجتماعي يقول : نفسي وولدي وزوجي ومالي ..اللهم لا ترحم معنا احدا... 

رمضان رحمة...وتواصل...وتكافل...وتضامن...وصبر.....

شهدت حواضرنا منذ سنتين اوثلاث ظاهرة غريبة على مجتمع كان اقوى دعائم تماسكه وترابطه الحرص على البقاء في ارضه التي الفها والفته واحبها واحبته ...ولسان حاله يقول: 
بلاد بها نيطت علي تمائمي      واول ارض مس جلدي ترابها

.....

وحبب اوطان الرجال اليهـــم      مآرب قضاها الشبــــاب هنالكـا 
اذا ذكرت اوطانهم ذكرت لهم    عهود الصبا فيـــــها فحنوا لذلكا 
ولــــــي وطن آليت اني اعزه    والا ارى غيري له الدهر مالــكا..

وسمع معاوية زوجه ميسون بنت بحدل تنشد : 
لبيت تخفـــق الارواح فيه    احب الــي من قصـــر منيف 
واكل كسيرة من كسر بيتي  احب الـــي من اكل الرغيف 
واصوات الرياح بكل فج      احب الـــي من نقر الدفوف 
ولبس عباءة وتقر عيني     احب الي من لبس الشفوف 
وخرق من بني عمي نحيف  احب الـــــي من علج عنيف 
         شابة لم ينسها النعيم في قصور الخليفة بؤس ارضها وشظف العيش في باديتها....اي رخاء تنشد
وهي زوج اميرالمؤمنين؟ واي عز تريد وهي في قصر الخليفة؟  لكن وفاءها لا رضها وقومها جعلها لا تبغي بهم بديلا....
فقال معاوية : ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجا من علوج الروم ويقال انه جهزها وردها الى اهلها ....
اما هنا فترى الدور خاوية ...فتتذكر مناطق الحرب واللاجئين الذين استكرهوا على الرحيل عن اوطانهم....الحمد لله نحن ننعم بالعافية ومغادرتنا لمنازلنا مجرد استجابة لرشوة يقدمها المحيط الاطلسي في بعض اماسيه لسكان العاصمة يستقدم بها سكان الداخل ليصبحواموائد مجانية لعصابات البعوض التي لا تنام ولا تنيم...

فما ان يطل شهر ابريل حتى يشكو الناس من شدة الحر وكانهم ولدوا في سيبيريا اوعلى شواطئ المحيط المتجمد فلا يستطيعون صبرا على شمس افريقيا ورياح مايو الحارة....نسوا انهم ولدوا تحت خيام هي غرابيل تبصق الشمس منها على وجوهنا في الهاجرة ..واحتموا ب "آسار  " الذي لا  يرد عليل النسائم فكيف بسموم ايار؟ نسوا كيف كانوا ينتظرون القربة تاتي في الهزيع من بئر بعيدة على ظهر حمار اعجف....هل نسينا الجوع وطول المسافة الزمنية بين الوجبات الثلاث عند الميسورين والاثنتين عند اغلب الناس (البعض لا يتعشى ويشي لا طفاله ان ذلك مفيد لطول القامة)...

نسينا اننا في ظروف كهذه كنا نصوم رمضان فلا نشكو حرا ولا عطشا ....وكنا نقوم ليله بالصلاة والدعاء والقراءة....يانس الجار الى جاره فلا يستحلي ما ينقصه ولا يستاثر عنه بشيء ....نتقاسم الحر والعطش فلا نحسهما ونتقاسم الطعام والشراب فلا نفقدهما...رحماء بيننا يشد بعضنا بعضا كالبنيان المرصوص.....

واليوم عندما اتخم الناس الترف وانتشرت الدور الراقية بين الكثبان الرملية واصبح كل بيت كيانا مستقلا له اكتفاؤه الذاتي من الطاقة والثلاجات والمواد الغذائية المختلفة....واصبح الماء ياتينا من داخل بيوتنا وبرد الظل وصدت الجدران هجمات "إريف"...واصبح في كل بيت متجر يبيع اصناف الطعام الى غير ذلك من آيات الترف بطرنا وتاقت نفوسنا الى اكثر...
ان التضامن والتآزر والتكافل الذي كان لحمة النسيج الاجتماعي بدأ بالتلاشي....اختفت سيروا سير ضعفائكم وحلت محلها سيروا عن ضعفائكم...كيف تسمح مروءتنا ان نقدم على امر اقعد البعض عنه الفقر اين المثل "ال ملح ما ملح جاروا لا كيف ال ما ملح" ...
الاولى الا نستعذب البرودة اذا كنا نزعم ان اخوة لنا في الجحيم....الاولى الا يسيل لعاب شهيتنا انهارا على موائد 
ازينت بالوان الطعام واخوتنا لا يجدون الا قليلا مما يقيم اودهم...الاولى الا ينعم اطفالنا بانواع العصائر والحلويات وابناء عمومتنا محرومون لايجدون الى ذلك سبيلا....
         والغريب ان ما ننفقه على لعب اطفالنا ورغباتهم المختلفة في الماكولات الجاهزة التي لا تعد وجبات رئيسية كاف لشراء اللحم والزيت والسكر ودفع فاتورة الماء لكثير من الاسر في حواضرنا...

كنا نقرأ في باب المروءة وسماحة الاسلام ان على البيت ان يحجب رائحة مرقه عن جاره الذي ليس عنده لحم....

واليوم نشتري لاطفالنا ارقى الهواتف الذكية و آلات اللعب بمآت الآلاف من الاوقية  ويعبثون بعشراف الآلاف لشراء الحلوى وغيرها واترابهم من أقاربهم ينظرون اليهم خجلين من قلة ذات ايدي آبائهم ..سيولد هذا فيهم نزعة الكراهية والحسد في المستقبل المفضية الى التفكك الاجتماعي الخطيروهو ما كان سلفنا يتجنبه بالمساواة بين الاطفال وعدم جرح براءتهم......

والحق ان الذين تمسكوا منا باوطانهم واخوانهم ومساجدهم ومحاظرهم وبموتاهم في مقابرهم لا ينقصهم شيء يصلون خمسهم في مساجدهم ....يصومون نهارهم ويقومون ليلهم ويصلون رحمهم ويؤدون حق جارهم ...يتسوقون في احيائهم وفضل طعامهم لاخوانهم....ما اطيب ان تسمع صوت قريبك يوقظ طفله ليذهب الى لوحه....ما أرق ان تسمع ثغاء عنز اخيك تحاول اقتحام سياجك لتشارك نعاجك اعلافها....ماأجمل الاذان في احد مساجد الحي وتحلق الرجال من الاخوان والاقارب والجيران حول تمرات الافطار....ما ألذ ان نستلقي بعد صلاة التراويح مرتاحين ان قد عمرنا مساجدنا لننام آمنين من جحافل الناموس.....ما احلى ان ان يوقظنا ديك في الجانب الغربي من حينا بصياحه وقت السحر..
ليس من الوفاء للارض ان نهجرها حين تتجرد ويصوح نبتها ونعود اليها اذا اخرجت زينتها وانبتت من كل زوج بهيج..
لماذا تنسينا حرارتها بردها ودفءها...لماذا ينسينا القحط فيها الخريف والامطار واودينها ومروجها الخضراء... 
       اليس لمنازلنا الحق في ان نقرأ فيها القرءان في رمضان...ونصلي فيها في جوف الليل...ونستغفر فيها الله ونصلي فيها           على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟


موت الرجال حياة في مواطنهم      فان هم اغتربوا ماتوا وما ماتوا 
...ثم ما ذا يضر لو عطشنا في رمضان ...ماذا يضر لو اشتد الحر في رمضان...الا يزيد لاجر مع المشقة اين فضيلة الصبر؟؟انستبدلها بالعجز والكسل والوهن؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق