الجمعة، 31 أكتوبر 2014

حكايات محمذ سالم
المرتضى / محمد اشفق

لم يبق رمل ابيض او اسود الا غرس فيه محمذ سالم رجليه.....وحل فيه قصره...زاحم نينان محيطات الاطماع فابتلع مرجان البحر وهياكل السفن الغارقة.....صارع قردة الغابات على "تيفنكران" فالتقط السليمة والعوراء....طارد الكلاب والنسور عن جيف الاعنز الجرباء ....غالب الخنازير البرية على بقايا شوك القتاد المتوارية بين حجارة الاجداث, فتشققت اشداقه وسالت الدماء تخضب لحيته وعارضيه .....لزقت بين اصابعه اشساع النعال لمواصلة الترحال....ولصق ذقنه على ترقوته من طول ما نظر الى اسفل ليرى درهما تسلل من تكة بخيل...لاحظ جلاسه على وجهه مسحة حزن وجهومة حتى شبهوه بابن قزعة الذي يقول فيه بشار:
ولا تبخلا بخل ابن قزعة انه            مخافة ان يرجى نداه حزين
رغم جده المجدب , وحظه العاثر , استطاع محمذ سالم ان يحافظ على هندام مقبول ...دراعة من بزاه (درجة متوسطة )....نعلين ينتميان الى اعلى السلم الطبقي للنعال....ساعة يد يجعلها في يمناه لانه "امعسر" وهي صفة يزعم انها للموهوبين والعباقرة....يدعي ان له صداقات واعمالا مع اجانب ....يحرص على لبس البذلة في المدينة , ويدعي انه استوردها من "الخارج" الى ان جرت سفينة دعاويه بما لا يشتهي , دخل احد اعضاء حلقته في "لخيام" عليه في حانوت لبيع "افوكوجاي" ورأه في غرفة تجريب الملابس....فبادر – وقد سقط في يده قائلا – هل تعلم يا فلان ان اللباس الجيد لا يوجد الا عند باعة الملابس القديمة , انا والاروبييون وبعض العرب اكتشفنا ذلك منذ ايام......
محمذ سالم رجل ناقم ...يضمر حقدا لم تسطع الليالي الباسمة ان تمحوه من قلبه......فهو محارف مكدود , لم يفلح في حرفة .....له زاد علمي محظري وعصري لم يجلب اليه منفعة....لذلك راى ان الدنيا الحقيرة الغدارة تبخل عليه بنعيمها ....وتضن برخائها الا على الذين هم اراذل الناس وشذاذ الآفاق...كان جلاسه في الغالب يصغرونه سنا و علما ....وكانت احاديثه المسترسلة واحكامه وفتاويه التي يطلقها دون اكتراث بالدليل - لانه آمن في مجلسه من الملاحقة العلمية - تسحر هؤلاء البسطاء وهم يشاركونه كراهية اهل الحظوة والمنعمين... كان يتلذذ بتشويه من يرى انهم اسعد منه حظا  , يتمنى ان تزول النعم عن اصحابها  ويراهم غرقى بين المصائب والنقم ...وكان ينتقم لنفسه باذاعة قصص يطمع ان تكب رجالا بسمت لهم الايام , - وأرته هو عبوسة وجهها- على مناخيرهم في وحل الفضائح والرذائل...
وكثيرا ما ينطلق بعد حران ,  وينبجس بعد رشح ...طبعا لسانه لا يده ...
قدم ذات يوم من المدينة , بعد سفرة بائسة استعمل فيها ما أوتي من اساليب الاستجداء المدعوم بالاقذاع , اطلق لسانه يرعى في اعراض القوم , ويطعس كل عوراء من الكلام ....قاء كثيرا ..ولطخ اسهال لسانه كل بر بريء لكنه كذلك لم يفلح فى التصيد  بالسباب والارجاف....
قال محمذ سالم وقد قرر ان يأخذ بثأره ممن ضحكت لهم الحياة , بكشف ما اخفته الليالي ووارته الايام , قال وهو يعرك جمله :هل تعرفون "احميميد" الذي يدعوه القوم اليوم زعيما , ويتسابق رجال المسجد للسلام عليه ؟ هذا كان ياكل لوحه ....كررها , لما راى الحيرة طافية على وجوه المتحلقين حوله...فتابع : كنا عند لمرابط نيفا وثلاثين نفرا , وفوجئنا ب"كتبة" احميميد تصبح كل يوم ممحوة من لوحه وتحل محلها آثار غريبة كأثار أخفاف الحيران على الحصباء الناعمة - ذلك ربما لاتعرفونه انتم اهل هذا الزمان - هي اذن كرسم بزاه الصين الذي يلبسه الملعون "اسويد"هذه الايام .....فقال قائلنا ان الجن تسري على لوحه ...وقال بعض ان الجن تخاف من القرآن.....هددنا لمرابط واتهمنا بالكيد ل"احميميد" رغم انه لم يستطع حفظ سورة البينة, حتى قال له لمرابط انت شقي , هذه السورة لا تمكث في صدور الاشقياء....رغم ذلك توعدنا لمرابط وهددنا , وكان هو الآخر خائفا من تكرار الظاهرة.....حتى اكتشفنا انه خلال ذلك الاسبوع نفد الصمغ الذي كان لمرابط يصلح به حبر الكتابة , فعوضه بقطعة صغيرة من السكر ...وكان احميميد ينزوي بلوحه ليلحس كتبته يتحسس طعم السكر...هل رايتم هذا الحقير القبيح  ؟ انه يمتلك السيارات والقطعان والفيلهات الجميلة...هذه ليست حياة....وهذه ليست دولة...
وهل تعرفون "امحيفيظ" الذي يتقلب  بين المناصب السامية اليوم , وتزاور عنا وتقرضنا ذات اليمين وذات الشمال ؟ انا الذي غششت له في (لبريفى) ...وعند الامتحان يكرم المرء او يهان , لقد حللت له تمارين الحساب , واعربت له الجمل , وكتبت له القرآن على كمه...كان دائما ذيل الراسبين.....ولما كنا في الابتدائية كان يسبق فرق الكنس الى الفصل لياكل "عداتنا" وهي سبحات طويلة من "امبسكيت" والتمر الرديء الصلب ينظمها المعلم في خيط ويعلقها على جدار الفصل ليشرح بها دروس الحساب , كان امحيفيظ ياتي الكسرة والتمرة من اطرافهما حتى لا يبقى منهما غير الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلك , كان شيطانا ماهرا في صنعته كنا نسميه "الفار" ...اريتم ان مثل هذا لايستحق ان تعينه الدولة في منصب....لكنها الدنيا الدنية التي لا تزن عند الله جناح بعوضة.....هذه ليست حياة...وهذه ليست دولة....
هل تعرفون "امزيدف" صاحب الحظوة والمقام والحوانيت على رصيف العاصمة ...وقد سمعتم ان والد خديجة فضله علي , هذا الرجل أغرل..وعند الختان يكرم الرجل او يهان..عندما اكمل الشيخ محمود عمليته ....وجاء دور امزيدف صاح مغضبا :....هنو ابنكم لا تدركه الابصار , ولا تقدر عليه المناقيش....انا لم ار الا نتوء دقيقا كلسعة البعوضة خلتها اولا حبة من "لحمير" ملتصقة اسفل بطنه  ..هذا بنت .. انا لااختن النساء...فردت والدة امزيدف غضبى : ابني طفل نبيل ذوحسب ونسب وليس مثل هؤلاء الحمير وابناء الزناء...
امزيدف يا اخواني ولد خداج...القته الرحم بعد ان خافت من صورته , هل ايقنتم ان الحياة اليوم غدارة فاجرة ..هذا العنين الاغرل يقيم في كل موسم عرسا تغني فيه الملاح حتى الصباح..هذه ليست حياة..بطن الارض خير من ظهرها للرجال الاقحاح...لا حت الطلائع الاولى لفجر جديد ..انفض المجلس ...وتفرق القوم , وانهم ليحنون الى الاستزادة من احاديث محمذ سالم...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق