الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012



المرتضى / محمد اشفق
ممثل السلطان في القرية

هو عسكري سام من لجنة الامراء آنذاك.....تشرفت المدينة البائسة باستقباله قائدا فيها ...فابيضت لياليها ...وبسمت لها الايام بعد عبوس.....هو نور مبارك تعالت اشعته في سماء قاتمة لم تعرف قبله الا الظلام ....هو غيث تدارك  ضعف ظماء الصحاري والضياع...هو هدية السماء لابناء هذه المدينة بعد ان طحنتهم لعنة الحظوظ المتعثرة.....هكذا وصفه قادتنا المحليون الذين طمعوا ان تنظر اليهم عين رعاية حاكم البلاد ....وهكذا كافأهم ممثله بوعد صادق ترقبوه ترقب المنهكين غيث السماء ليخرج لهم من بركات الارض.....اذاعوا في العامة قرب حضور الزعيم البطل...محرر الارض ومجد الوطن....من سيرد الكرامة المهدورة ...ويغني امام السلطان بامجاد القوم ويشرح له كيف كانوا شمسا على  القياد ...وكيف كانوا اقمارا في سماء البطولات والشهامات ...فهو اذن السلطان التي يسمع بها , ويده التي يبطش بها , وعينه التي يبصر بها....كل ذلك ايقظ في العامة شعورا كاد يقتله الياس والسنوات العجاف , ورداءة الزمن الجديد...حمية عصبية تتقد في المغفلين يركبها المكرة الى غاياتهم ...ثم ينسونها ....تفرق دعاة تحضير استقبال الزعيم في مناكب احياء القوم...احضرت الدفوف والمغنيات ....واستحر القتل في الغنم والابل حتى سالت بطحاء الحي دما قربانا لطلعة ممثل السلطان البهية...انتظمت الصفوف تتطلع الى بدر يفري الدجى ضحى ذلك اليوم الذي احتجبت شمسه وراء الغبار وابت عواصفه الا ان تشارك في استقبال كبير قدر المقام.....كان صاحبنا من غزية بل اقنع ان الشعر هو قرى الكبار للكبار لان ما سواه من عناصر الضيافة متوفر لا تتميز فيه امة عن امة.....واذا كبرياؤه تنحني امام خطابات محكمة من وجوب ان يكون " ذو الصوم من القوم"...واذا هو ان رفض عاق خائن بلا كرامة......حضر الشيخ الحربي في بذلته الداكنة.. كنا نترقبه ...وكنا متطلعين الى رؤية هذا المخلوق العجيب النادر من مخلوقات الله... نزل من سيارته ....كان اقرب الى القصر....تقرأ على صفحة وجهه بخط التجاعيد الواضح : انا ابن السبعين....كان جسمه غريبا في بذلته وحذائه الخشن رغم انه حليق لاتميز ذقنه من لسانه....لما رأى الصفوف وسمع المغنيات تصيح ب"اتهيدين" ارتبك وارتعد وكاد يلجمه العرق الذي بلل قميصه وسرواله حتى شرع للبعض ان يقول ان معاليه – لا قدر الله -  قد بال من هول ما رأى ..فلم يستطع ان يرفع بصره عن الارض ... اختلطت خطاه وكات ساقه تعثر ساقه .. رفع يديه رفعا سريعا كموسوس عند تكبرة الاحرام ....كان لا يصدق ان الزغاريد ونقر الطبول وشيوخا وقرا كأن على رؤوسهم كؤوس الماء , ان كل ذلك اعد لاستقبال حضرته واظهار البهجة بطالعه السعد. ....انتبه بعضهم الى ما يعانيه الرجل ...فقصروا الطريق واختزلت بعض مراسيم الحفل.
 في جانب أخر عضو من الوفد الحكومي ..امرة....في غابة من النساء ....ترتفع جلبتهن حتى تجزم انها الحرب استعرت.......كانت المسكينات تبالغن في الترحاب والتودد الى درجة التملق والنفاق......فقد اقنعن ان فرصتهن سنحت لتسطير ما اندرس من مجدهن وسمعة قومهن......فاستكرهن على ان يجدن  بما يؤثرن من امتعتهن : ملاحف ..نمارق....حلى....عطور ..جواهروغير ذلك من مستلزمات غالية ....امتلا صحن الخيمة واصبحت كاحد اسواق العاصمة ايام العيد.....وكانت السيدة تتفضل عليهن بابتسامة شاحبة اعترافا بجميلهن....ثم اقتيدت الى الدار لتستقبلها الماشطات وفنانات الحناء والرسوم على الاكف....
تحلق الناس لسماع خطاب مهم ...فتراصت صفوفهم , وامر آمرهم ان يجلس الكل , وساد الصمت اجلالا لخطبة عظيمة...ثم بدا ان الخطبة  جمل قليلة وجد القائد البطل ممثل امير البلاد صعوبة كبيرة في ترتيب عناصرها ..قال بصوت مهموس يرتعد ويتقطع : الرئيس يسلم الرئيس جدا عليكم وسابلغه سلامكم ان شاء الله بحول الله.. انتهى الخطاب....ومع التصفيق غافلت الحضور والجنود المرافقين للحراسة شابة جسور قليلة الحياء ....شقت الصفوف المتراصة ولم يقدر احد على مسكها اوثنيها عن قصدها ...تواقاها القوم بتغطية وجوههم لما رأوا من نزقها وعدم تهيبها.... بدات الفتاة رقصة رائعة فيها تثني الهنديات وتلوي الافاعى ....دارت دوارانا سريعا كالخذروف , فذرت على رؤوس القوم التراب , وفي اعينهم الحصا.. ثم حملت بساطا من الاشربة وصبته على  ظهور بعض الشيوخ في مغازلة مستهترة وتحد سافر لوقارهم...لم تكتف بهذا فقط بل اقتلعت احدى ركائز الخيمة التي يجلس تحتها القائد ورمتها على راسه ثم تلقفت قدح شراب واهرقته في حجره .....وواصلت طريقها تتفنن في رقصتها العجيبة  ..تتثنى في دلال وكبرياء وسرعة غربية....وكان على بعد امتار صبية يصيحون عليها " جنب..جنب...خيمتن فيها النبي"

المرتضى ولد محمد اشفق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق