الثلاثاء، 20 مارس 2012


        تعليق على تعليق:
المرتضى / محمد اشفق

جلسوا يشربون ويبولون, ويأكلون ويتجشأون , يضحكون ويفـحصون الأرض بأرجلهم وهم يصرخون, ينكتون ثم لأنفسهم يضحكون, يحللون ويستنبطون...
طالبوا بمواصلة الحصارعلى العراق حتى يرضخ صاغرا لكل قرارات الأمم المتحدة, ورأوا ندبية الدعاء على المنابر لإسرائيل والمسلمين . كان اليوم حارا والسمــاء صافية لاأثر فيها للغيوم, الشوارع القريبة أنتن قليلا من جيفة حمارفي أحد أزقة (بوكى أسكال) يوم 27 سبتمبر.                                
جلسوا في القاعة الكبرى يتدارسون مواضيع مختلفـــــــة , وتشعب الحديث ودار مع الأرض والقمر, ثم أصابه كسوف انجلى بحديث فـــــــي مسائل السيرة , فتحدثواعن عدل عمر بن عفان, , وسياسة معاوية الرشـيد, وبـلاغة عمرو بن بحرالمتنبي ,  وقادهم الحديث إلى الجغرافيا فأكدوا كروية الأرض من خلال الآية: (والقمر قدرناه مساكن).                                                                  
 دار الشاي مع الحديث يقدمــــه طاجين من هزيل اللغو والأيمان الحانثة وصب كل ما في جرابه المثقوب من أخبار لو أدركها زمان مسيلمة لقال الناس: رحم الله مسيلمة ماكان أصدقه.
ثم شرعوا في الفقه وشرحوا العويصات والشوارد , وبينوا ما يفعل المسبوق في صلاة الجنازة إن أدرك الإمام راكعا في الثانية , ثم ما يقرأه الفذ في صلاة التلاوة , وتساءلوا عن القبلي هل يكون بعد السلام أم قبله؟ , ثم رأوا أن المستخلف يسلم وينوي الإحرام من جديد . وتحدثوا عن الاجتماعيات فــــــــبكوا على القيم وكبروا عليها أربعا ثم صبوا جام الغضب على الذين نكبوا عنها ولـــــــهثوا وراء المكاسب الفردية ونهجوا سبيل النفعية الأنانية , وتمولوا من الشبه , فنعتوا هؤلاء جميعا بسـوسة القيم وآفـــــة المجتمع وسرطان الأمة, وحمدوا الله أن نجاهم من هذا العارالملم وهذه البلوى العامــة, وطهر سرائرهم كما نقى ظواهرهم ولم يرزقهم إلا حلالا طيبا وإن مع تقتير, والحديث شجون ,  ثم سأل أحدهم عن الشمقمقية فأنشدت وحللت تحليلا مستفيضــــا تثاءبت منه نعاج اهل سيدي , وأشارواإلى نواقص في لامية الأفعال , وعرض أحدهم نظما أنشأه حديثـــــا في التركة, وخلصـــــــوا إلى الأدب وكانت وقفة مع شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان الفارسي , واستعرضواسرقات المتنبي , ونماذج من مروقه اللغوي, ثم عاطفة أبي نواس, ووصف البحتــــــري , ثم مقامات الحريري , والإبداع في شعر نزار قباني , ومفهـوم الحداثة هل ترتبط  بالزمن الفيزيائي أم لا؟ ثم تحدثوا عن زمن الفعل العربـــي , ووضحوا علل الزيـــــــادة , وحددوا القافية وعيوب الشعر والمباحات المستحسنة والمباحات المستــــقبحة, وعرفـوا الخبن والخبل والوقص والترفيل والتذييل والزحاف الذي  يقوم مقام العلة , ثم وصلوا إلـــى الشـعر المحلي فبكوا جدب الديار وتحسروا على سقم الذوق الأدبي ثم استراحوا مع الغزل وتحاكوا بعـــــــــض غزلياتهم , وتباروا في وصف حسناواتهم , فتدخل واحد فقال إن غزلية ابن حنبل التي يقول فيها: - احبك تعتزين في خمس عشرة- من أروع ما قيل في شعر الغزل , فاعترض واحد وقال إن غزلية ورش التي يقول فيها : - هذا ابن فظيمة إن كنت لاتعرفه - أجود ما قيل في هذا المجال .
وعادوا إلى الشعر المحلي وتنـــــــــاولوا بعض النصوص المحلية بالدرس والتحليل ووقفوا عند بعض النماذج الآثمة التــــــــــــي تجمع بين سطحية الأفكار وعبثية الموضوع فانتفخت الأوداج وتدفق العرق, وانتفش الشعر وبرقت العيون, وارتعشت السواعد , واشتعل حريق الغضب والغيرة , وعم الجوانب النفسية والجسمية حـــــتى كادت القاعة تنفجر, وتذكــــــــروا الأيام السوالف , وكيف كانوا يدافعون عن الشرف بالرصاص ومواصلة الزحف, ويسطرون مـــــــــجد الأمة بطاهر الدماء , ويفدون عرضها بإهدار الأموال والابتعاد عن مظان الدناءة والشبه. وفي هذه اللــــــحظة ارتفعت الجلبة ودوى في الشارع صخب طفلي وتشاكست الأصوات ما بين لاعن أباه وناعت أمه بالسوء وتســـــــرب إلى القاعة منها: لعن الله القبيلة وقصة الشرف المستعار , عاش المال, المال والجاه للمنخلعين, خذوا المــــــال والعنوا أنفسكم , دوسوا قيمكم , لا تفتكم فــــــــرصة غنى الدهر, فالآذان لاتسمع والعيون لاترى , خذوا المال واتركوا أسطورة الشرف للمحرومين والاغبياء والبائسين ,,,.
فصاحوا مع الصائحين: الموت للضمير, علينا اللعنة, لاشرف إلا بالمال, وكل الطرق إليه مباحة, وغدا نتوب أوبعد غد والله يحب التوابين.


المرتضى بن محمد أشفق 1999 م 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق