الجمعة، 13 مارس 2015


يحيى ولد اشفق
المرتضى محمد اشفق

رحــــل ليــــــــبقى :
سبع وعشرون سنة فقط عمر قصير..واي فتى لا يحلم ان تسير به سفينة الزمن مسافات طويلة...واي ام لا تنتظر ان يعمر طفلها وترى الشيب قد غزا قذاله ولحييه.....سبع وعشرون صفحة فقط  ويكمل الفتى تصفح كتاب حياته ويصل غلافه الايسرويرسم الزمن نقطة النهاية...
عرفته وانا طفل في ذلك الحي من اهله , اسمر اللون , هادئ الطبع , وادركت رغم حداثة سني ان للشاب احلاما اكبر من سنيه , في عينيه حالة شرود الى آفاق غير مرئية , وترتسم على محياه الوديع علامات استفهام لزمن شد راحلة اللانتظار , ومسحة حزن حيرى , وكان يبدو مسافرا عابرا , وفارسا لم يمنح فرصة حط سرجه , اذكر يديه الناعمتين واذكر كيف كانت صفحتا كفيه تختلفان عن باقي الاكف...كانتا تبدوان اكثر  لينا وبلون آدم....وكان يلفت انتباهي فيه طبيعة مدنية تميزه عن باقي اترابه الذين لم تسمح لهم الايام بالتخفف من اثقال البادية وكدرتها ...ومن بعض طباعها التي لا تختفي بسرعة عمن بدلوا بدار المدينة دارها....كان حسن الهندام نظيف الجسم......
احترام الفارق العمري يشرع غالبا اعتداء الكبير على الصغير....ولعل ما كان يحدث من معارك باسم "الاعصار" في مجتمعات محافظة ....متدينة....يتلى فيها القرآن ءاناء الليل واطراف النهار...وتقام فيها صلاة الجماعة...وتدرس فيها المتون الفقهية....كان راجعا الى طبع بدوي جاهلي لم يمت ,  تبيح فيه الرجولة المستمدة من العنف العضلي كل مظاهر الوحشية والدموية...كم راينا من اخ كاد يقضي على اخيه باسم الحمية "للعصر" ويتقبل المجتمع الحدث رغم قسوته وكانه امر طبيعي.....كنت اشاهد بعض تلك المظاهر التي جنحت في طفولتي الى بعض الخفة ....كانت تتجلى في بعض الالعاب ك"هيب" و"شات" وغيرها من فرص تصفى فيها الحسابات المختلفة..... كان بعض الكبار يتفنن في إيذاء الصغار وطردهم , خصوصا الكبار الجبناء الذين يبدون ضعافا امام من هم في اعمارهم , فيعوضون عن ذلك باهانة الاطفال والانتقام لانفسهم بهذه الطريقة , لكنني كنت ادرك ان اخانا يحيى لم يكن ابدا يميل الى تلك المظاهر التي يتضرر منها من حرمهم الله سواعد وعضلات قوية....بل كنت الاحظ فيه رفضا صامتا واانكارا لا ينزلق به الى مصاف المارقين على اخلاق "القوم" لان عليه ايضا ان ينتمي ....لكنه كان يتجاوز....
صاحبنا هو فتى لمع واختفى كبروق حزيران.....كم شخص اهل البادية في العشر الاواخر من حزيران الى الشرق وقد قضى المحل على المراعي وصوح النبت ورعي الهشيم......كم انتظروا برقا غير خلب يفرج كربهم .....كم رجوا ان تحبل السماء وتتفرق مواليدها في الاودية والسهول.....لتخضر بعد يبس وتندى بعد ذبول....
ذات يوم من ايام 1950 احتضنت المرحومة مريم بنت محمد اطفيل وليدها يحيى.....احبته وهي العطوف على كل عباد الله وربته ورعته وارضعته لا بلبانها فقط بل باخلاق فاضلات وطباع كريمات....اما والده فما ذا نقول عنه وقد دوى صيته في كل صقع واصاب كل جديب من سيبه صبب....محفوظ ولد اشفق الذي حفظت اخباره واخلاقه وعظيم قيمه مع الفاتحة وميمية البصيري....رجل تبهرك صنائعه يخيل اليك وانت تسمع قصصه عند رجال الحي انه عاش قرونا اوانه اسطورة ...والغريب انه لم يكمل عقده الخامس.....رحمه الله.....ما كان للطفل اذن ان يتخلف عن نهج ابويه فقد نشا يجسد تلك الاخلاق كلها رغم حداثة سنه .
رحل يحيى مبكرا الى المدينة , حل بنواذيب فترة ثم استقر في انواكشوط , في سنة 1975 عمل في قسم المخطوطات بالمعهد الموريتاني للبحث العلمي....ثم لم يلبث ان صار رئيسا لقسم المخطوطات الوطنية ....الى جانب فطاحلة العلم والادب مثل المختار ولد حامدن رحمه الله والشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر....وهناك في ذلك الوسط العلمي الكبير رسم يحيى لوحة جميلة سطر فيها بعض مخزونه الثقافي والاخلاقي العظيم , ولنا ان نحار في فتى لم يتجاوز يومها 25 سنة يزاحم بكرمه وموهبته وعظمته ونبله فرسانا من الوزن الثقيل في ميدان الممارسة والتطبيق....كان يسطر على صفحة الزمن حروفا لامعات ....مازالت دررا شاهدات تحملها ذاكرة الايام لفتى لم تمهله الاقدار طويلا....
في احدى ليالي  1977 وجمت قرية اغشوركيت واغبر افقها بما حمله صباح لم يدر عمق الجرح وجلال المصاب....لكن تلك النفوس المؤمنة ادركت ان الصبر عند الصدمة الاولى وان دواء كل مصيبة : انا لله وانا اليه راجعون ...استرجعت امه واهله وكل الناس اهله واحبابه....
تعدى الجرح ذلك الحي من اهل الفقيد ...فبكاه اصحابه...ومعارفه والذين عايشوه من قرب بحكم العمل : فهذا علامة موريتانيا وموسوعتها المختار ولد حامدن يقول:

نتيجة بحث الصور عن صورة المختار حامدن







تفيض علــــى يحي ابن الفغ اعين     و تذكـــره بالخير و الفـــضل ألسن
 فلله من هـــــــو مومـن هو موقن    ولله من هو مسلم هــــــو محــسن
 كهمك منــــــه طاهر القلب طيب      كريم السجايـــــــا لين الطبع هيـــن
 واما الندي و الحلم و العلم والتقي   فأشياء من شمس الضحى فيه ابين
 و يشهد في دار الثقافــــــــة بحثه    علي انه الفـــــــــــــــــنـي و المتفنن
 فيا امه صبرا ويــــــــــــا اخواته     فليس عن اجر الصبر يرغب مومن
ويغنيك يا يحـــــــي من الله رحمة     عن الاهل ان بالاجر عنك هم أغنوا
لقد كنت في محياك دينك سالم         و حظك موفـــــــور و عرضك صين

ويقول الشاعر الكبير احمدو ولد عبد القادر


نتيجة بحث الصور عن صورة احمدو ولد  عبد القادروهذا الشاعر الكبير احمدو ولد عبد 















مالنا نملأ الحــياة امانــــــــــــــي     لم نفـــكر في طارق الحدثان                
مالنــــــــــــا و الحياة شــيء قليل     ثم تأتـــي المنون في غليان
 جل خطب هز العقول و غطــت     اوجــــه البشر بردة الاحـــزان
غاب شخص الايمان و الاحسـان      ذاك يحـيى اعجوبة الازمان
اننا اليوم بالمصاب ثكالــــــــــى      قد فـــــــجئنا بداهيات الزمان
و بكــي العلم فــوق ايك التعازي      عز منه تسلق السلـــــــوان
كان ينصــــــــــــاع للعبــادة لاه       بدروس الحـــــديث والقرءان
خلق يبهر الجبال الرواســــــــي       وعفــاف يسمو عن الاقران
قد عرفــــــــــــناه اريحيا كريما       أبي الضيــــم مستنير الجنان
يتأبي الخني و يسمو عن الجهــــــــــــــــل بنفـــــــس زكية ولسان
 فترة عاشها من العمر فـــــــينا       قلت لكن قد انتهت فـي امان
رب اذ طاب فــــــي الحياة هواه      اجعل القبر روضة من جنــان
 اجر الاهل في المصائب واخلف    عن فــــقيد الايمان والاحسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق