الأربعاء، 11 مارس 2015


محمد عبده ولد محمد المصطفى ولد احمد
المرتضى /محمد اشفق

محمد عبده ولد محمد المصطفى ولد احمد :  غروب قبل الموعد


ولد في النصف الاخيرمن خمسينيات القرن الماضي وتربى في رعاية والدين كريمين احاطاه بعناية كبيرة ..كان والده رحمه الله - والذي سيكون موضوع حديث قريب باذن الله – من الجيل الاول من معلمي العربية المجاهدين , يعني ذلك ان محمد عبدو تمدرس مبكرا وانهى مراحل الدراسة الثانوية , انتقل لدراسته بين اغشوركيت والاك وبوكى وكيهيدي ثم انواكشوط , دخل سلك الشرطة ضابطا وترقى بحكم مؤهلاته حتى اصبح مفوض شرطة متميزا على المستوى الوطني , خدم مديرا للامن في مناطق متعددة من البلاد , فخلق المعارف ووطد الصلات ونمى شخصية وطنية اخلاقية ميزها الجود والحكمة والعقل حتى اسندت اليه مهمة صعبة تدل على الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها في مختلف الاوساط , حيث كان اول مدير لمشروع بطاقة التعريف الوطنية ..وهو منصب تمناه كثيرون , ولم يسلك اليه صاحبنا الطرق المعروفة كالوساطة والرشوة والسياسة...
كان محمد عبدو ولد محمد المصطفى ولد احمد جوهرة اغشوركيت التي اضاءت في كل بيت ونالت حب كل انسان , كان الاجماع على حبه والاعتراف بخصاله معجزة في زمننا هذا , زمن التناحر السياسي والطائفي , زمن غابت فيه المرجعيات الصحيحة , وطغت فيه الاطماع والماديات , زمان انبطاح القيم وهزالها ونكران الفضل في اهل الفضل ...لكن الرجل كان اكبر من الانزلاقات واعلى قامة من الدخول من الابواب التي يرغم الداخل منها على شيء من الانحناء....وكم هو صعب ان يحافظ الانسان في ايام الناس تلك وهذه على موقف موحد واصل ناسج روابط الاخوة بين من فرقتهم الاهواء وعلا فيهم صوت الشحناء....
 محمد عبده غمامة هطلاء  ارسلها الله الى الارض الماحلة , وقد صوح نبتها وذوي زرعها , فتحولت الى جنة معطاء سالت على اجاديبها منه روافد يهدر موجها ويقتلع الهشيم والقش لتخصب ويحلولي الثمر ويستوي الزرع من جديد على سوقه ويكون لذة ومتعة .....
عبدو سلطه الله على هلكة ما ءاتاه من امكانيات زهيدة في الحق ...كانت يده الكريمة تمتد الى المحتاجين , كان يواسي المرضى ويعودهم ....كان يعطي من لايتصور ان يد الرجل تمتد اليه بهدية وعن طيب نفس....لم ينس محمد عبدو زملاء دراسته الذين تخلفوا عن الركب ...لم تغرره المناصب ولم تطغه ...ظل اصدقاؤه اصدقاءه لا يطيب له الانس الا بالسمر بينهم يتبادلون الطرف ويقتاتون على بعض حكايات ماضيهم الذي عاشوه معا وتقاسموا فيه كل شيء حتى عواطف الطفولة وبراءتها....
تمتع عبد بمساحة اخلاقية غريبة وسعت كل الناس , فيها يسرح الضعيف ويمرح ويظن انه المخصوص بين كل الناس...وفيها يجول القوي ويصول يزعم اليس لغيره من الرجل نصيب....البسطاء والوزراء , البيض والسود كل اؤلئك يسبحون في فضاء رحب من عظمة محمد عبدو فلا يضايق واحد منهم الاخر.....
لم تستهوه السياسة والسياسيون , كانت همومه اكبر من الانتماءات الضقية , كان وطنيا بامتياز وكان من حماة القيم الكبرى في قومه , يهتم بشؤونهم , يحل مشاكلهم دون مقابل من المواقف المبيعة ودون اقصاء للاخرين...
لم يعمر عبدو طويلا لان الاشياء الجميلة قدرها ان ترحل سريعا وهكذا كان عبدو , عبدو الظاهرة العجيبة جاء على غفلة منا وحين استقر في شغاف القلوب  , وانساب شعاعه بين منحنيات العتمة مضيئا وهاجا انتزعه الغروب منا قبل الاوان , وما زال في النفس اليه حنين وفي الخلق والخلق اليه حاجات...
وصله "مساج" الموت ينبئه بقرب الموعد...فوجد امامه قوة الايمان والتسليم والرضى بقضاء موشك ان يحل...شغله شيء واحد :ان يخفي طبيعة مرضه عن والدته...كان يبتسم امامها ويخفف لها ما به....ولو رايت القواد والوزراء يصارعون الدموع وهم عائدون من عيادته ولاتربطهم به قرابة , لحيرتك عظمة رجل بات على دقائق من الرحيل  
ولورايت الجموع الباكية ليلة دفنه في المقبرة وكيف تدافع الناس من كل لون ومن كل جهات الوطن حول القبر , وكيف انهدم القبر مرات ومرات لعلمت ان الخطب جلل وان الرجل من الصنف النادر..رحمه الله رحمة واسعة...

     مرثية المرحوم محمد عبد ولد محمد المصطفى ولد أحمد المتوفى يوم 30/8/2003

الله ربــــــي بالبقاء تفـــــــــــــــردا                 وله الرضـــــــــى مـن كل عبد وحدا
إذ لا يرد قضـــــــاءه دمــــــــع ولا                 يجدي البكــــــــا بــــل حقه أن يحمدا
فــــــــــالحمد لله العلي المجتبـــــــي                مــــــــن خلقه خير الأنــــــــام محمدا
من خـــــصه برسالـــــــة تهدي إلى               سبل الهدى يا فــــــوز من فيها اهتدى
لكنــــــــه لمــــــــــــا أتم بلاغــــــه                 لبــــــــى الدعــــاء فغاب أحمد أسعدا
أصحـــــــــــابه ذاقوا أمـــــر رزية                 فـــــــرضوا بذاك مسلمـــــــا وموحدا
وفــــــــقيدنــــا عبد الإلــــــــه أجله                حتـــــــــــى غدا فـــــينا الأبر الأمجدا
وأمده بمكـارم الأخلاق لــــــــــــــم                 نر موطئـــــــا ما جاءه قدمــــــــــا يدا
لمـــــــــا بدت أخلاقنا صحــراء جا                 عبد الغمـــــــــام فلم نعد نشكو الصدى
مثل السحــاب تصببـــا يسقي القرى               يسقي الفيـــــافـــــــــي والمكان الأبعدا
عبد الإبــــا, عبد السخــا, عبد العلا               عبد الصفـــــا, عبد الوفـــا, عبد الندى
عبد المضيع, والمــهيض جنــــــاحه              عبد المحامـد والفــــضائل والجـــــدى
عبد الضــــعيف وعـــبد كل محــــــــــارف        لله عبــــــــدا صــار فــــــينــــــا سيدا
انس الضعيف , حمى الكسير المبتلى             ولكل عـــــــــــــــان كان عبد الموردا
والله سلطه علــــــــــــى أن يهلك الأ   م          مــــــــــوال فـــــــــــي حق الإله تعبدا
أحيـــــــــى المواســــاة التي من قبله             ماتت فــــــــصار لهــــا الطريق معبدا
هـــــو الذي زان المناصب كلهـــــــا               بعـــدالة وشهــــــامة ورجــــــا هدى
إن حــــــــاز أمرا ناله كــل الـــورى               عكس الـــذي إن حازه يومــــــا كدى
من لليتامـــــــى والأرامــــل بـــعده؟               بل من لــمـن من بؤسه يبــــغي الردى
من للمريض ومن لجائعنــــــا الذي                أبدا لــــــه عبد العشـــــا , عبـــد الغدا
لله درك يا فتـــــى حقا فتـــــــــــــى                 نحن التـراب وأنـــت كنت العــــسـجدا
قد كنت فـــي المعــروف أطول قامة               فـــــينــــا وإن كنـــا لفـــــــضلك حسدا
لله درك يـــافــتـــــــــــــى شرفت به                أرضي وصارت للفـــــضائـــل مقصدا
يجـــلــــــــو جــوادك قبل كل مسابق               فــي الخير, أو في الجود كنت الأجودا
ءاجالنا مرسومة نسعـــــــــــــــى لها             اذ كل عمــــر كـــــــــــــــان قبل محددا
حتى إذا متنــــــــــــا انتهت أخبارنــا               نبقى الحصــــى من ذكرنــــا والجلمدا
لكن ذكرك يا فتــــــــى يبقى علــــى                آفـــــــاقنــــا عمر الزمــــــــــان مخلدا
لما رحلــــت تزلزلت أركاننـــــــــــا                وتبددت ورأت بــــــأن قصــــر المدى
كل بدا مـــــــن رزئه فـــــــي ورطة                يبغــــــــي بهــــا لو أنه كان الفـــــدى
لولا الإله يصوننـــــــا برعــايــــــــة               حتـــــــى نظل علــــــــــى سبيل أرشدا
ويحـــــل عبد ذرا الجنان مكـرمـــــا                ومجـــــــاورا خير الــــــبـــرية أحمدا


                                    
                                         المرتضى بن محمد أشفق/01/9/2003       
                                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق