الاثنين، 2 يوليو 2012


وفاء لرجل
عبدو ولد صمب فال
المرتضى محمد اسفق

صاحبنا اليوم هو المرحوم عبدو ولد صمب فال , لذلك لن نفيض بسرد طويل عن حياته ....لن نحرر له وثقيقة مدنية فيها تاريخ ومحل الميلاد واسماء والديه , ففي بلدنا مواليد كثر بأباء كالنجوم علوا,  والجبال وزنا, لم تحبل بهم امهات....لن نسترسل في كتابة سيرته الذاتية فوطني انكهته السير الذاتية يسطرها المدبجون من محيطات الخيال.....وما ينفع الرجل ان نذكر كل ذلك...فكل الناس , وكل دببة العالم , وكل ثعابين الجبال ..تحيا وتموت وتعقب.....

عبدو اذن غنى عن وسائل التعريف لانه ليس نكرة , وغني عن مسوح التجميل لان نصاعة سيرته انقى من كل طلاء....  رأى النور في بتلميت حاضرة العلم وعمل في مناطق مختلفة من الوطن....لكنه حط  الرحال واستقر في  الاك ....
فيه ارسى دعائم مؤسسته الاخلاقية العظيمة ..... كان المجتمع الموريتاني البدوي القديم بعيدا عن اسباب التحضر والثقافة الصحية ...وكانت الامراض وحتى الاقل خطرا اليوم , تقضي بصورة وبائية على كثير من الناس لقدر الله ولانعدام الادوية....وكان بحاجة الى شخصية مزجت بين الطب التقليدي والعصري , وتحرص على ابراء المرضى بالبشارة والتخفيف والوجه المنبسط  , قبل مجسة الطبيب وحقنته....وكان عبدو تلك الشخصية التي سخرها الله لعباده في تلك الحقبة الصعبة من تاريخ المدينة...
هو رجل سمعت عنه عند والدتي , فقد ورثتها والدتها حبه....لما كان يخصها به من اهتمام ومودة...كانت تقول انه جعل من نفسه الابن البار والاخ المخلص العطوف...
لما عرفته منتصف السبعينات ابدى لي كثيرا من التلطف ....كان يتحفني بهدياه , وذكر آصرة الاخوة التي تربطه بالوالدتين , رحمه الله , لا يعلم ان الاطفال لا يحتاجون الى مبررات لقبول الهدية....
ومرت الايام ...وكبر الرجل وكبرت...وبحكم العمل جمعتنا مدينة الاك من جديد...فحرصت على نشر ما طوته الايام من ماضي علاقتي بالرجل ...قررت ان انتزع من الزمن والعمل وقتا قصيرا لزيارته....وكان لا يفتر عن تقوية الرابطة بيننا بالتذكير بما يعرفه من عطف وحنو في جدتي والتي كانت كما يقول بمثابة امه...اذكر انني مررت امام بيته وكنت عجلا وقررت ان اؤجل السلام عليه الى وقت آخر,  فتنكرت بشد اللثام على انفي ...وكانت المفاجاة ...عبدو ينادني ويقول : لقد عرفتك ...هذا لا يرضي والدتيك.....فافحمني وقد صدق.....
وفق عبد ولد صمب فال الى اعانة الضعيف ...و علاج المريض , ومد اليد الى المساكين.....عرف الجياع مرق جفنته ...وتحلق البسطاء حول قصعته....ووقت اكسيته صرير القر عن المعدمين.....
كان محدثا جذابا ....مدعوما بثقافة تاريخية متماسكة ...ومرجعيات من قصص الاقدمين وحكمهم....
واستطاع ان يكتب تاريخ رجل عظيم في هذه المدينة الشاهد اهلها على وفرة خصاله وحسن اخلاقه....
كان صبورا لا يعترض على قضاء الله ...زرته معزيا في موت ولده صمب , وهو ولد صالح عزيز ...معروف بالفضل والجود واكرام الضيف.....لكنني لم اجد والدا محطما...لم ار والدا مكلوما .....وجدته جالسا على كرسي في هيبة السلطان , في ثياب جديدة تنبعث منها رائحة الطيب والكحل في عينيه..وكان يبدو جميل الشيب والوقار...قال لي انا اليوم في عيد , الا ترى زينتي ؟؟؟ واشهدك اني احتسب ولدي لوجه الله....وبدا يباسط المعزين ويتحدث مع كل منهم بما يعنيه...
ظل عبد رجل مسجد ....يصلي فيه خمسه ...وينادي فيه ان حي على الصلاة.....بل جعل من نفسه خادما لبيت الله ...ساعيا في مصالحه...راعيا لحقوقه.....حتى توفاه الله اليه ...رحمه الله رحمة واسعة و جعله مع الصديقين والشهداء...

المرتضى  ولد محمداشفق

هناك تعليق واحد:

  1. لقد تربيت في مدينة الا ك ودرست طويلا في اعداديتها وثانويتها الي ان انتقلت عنها ولم اكن ازورها للاسف الا نادرا. وفي احد الايام مررت بها فاذا بها قد تغيرت ملامح المدينة كما انني لا حظت تغير غالب الاوجه التي كنت اعهدها من اساتذة وتجار ووجهاء وحرفيين ... ونسيت انني كنت ممن عاشوا فترة طويلة في هذه المدينة المتوسطة بين اطراف البلد والتي عرفت بكرم اهلها وكرامتهم. الا انني مع تصفحي لهذه المدونة بدات اتذكر ما نسيت ويحضر لي ماغاب عني. فكل علم من اعلام المدينة ذكره ذكر لكثير من تاريخ المدينة واحياءا لما قد اندثر واعترافابالجميل علي الاقل للذين خدموا واعطوا لهذه القرية حين كان الناس منشغلون. ولا شك ان من فهم رسالة المدونة ستكون عليه مسوولية المشاركة فيها واثرائها بالصور والوثائق الثمينة التي قد لاتوجد عند غير.هذا كله من اجل المحافظة علي تراث هذه المدينة.
    واخيرا اشكر القائمين علي المدونة كما اشكر المتصفحين لها.
    ابراهيم ولد محمد اطفيل

    ردحذف