الأربعاء، 14 يناير 2015

من ايام انواكشوط
المرتضى/محمد اشفق

المكان شاطئ المحيط الاطلسي ... الشمس تخلع آخرثيابها الداخلية لتغرق فــــي المدى اللامتناهي وتمتزج حمرة أشعتها المودعة بزرقة البحر الهائج ، الناس علــــــى الشاطئ بين هيط وميط  , نزل من السيارة ليرى البحر لأول مرة في يقظته، نعم ليراه حقيقة لاصورة شعرية أو لقطة  دعائية على الشاشة الصغيرة، سار فـــــي خطى الواثق من نفسه الذي تعود زيارة البحر وتعوده البحر ، وخيل الــــــــــيه أن ولد آدم كلهم قد حضروا ليشهدوا النهار يحتضر ويجود بآخر انفاسه وانهم يتأهبون لتشييع جنازته، راى البحر غولا يبتلع  الشمس رويدا رويدا ,  البحر دنيا العجائب والاسرار , امواجه المتصارعة مع نفسها هي لغته ورسائله  الى زوار الشاطئ , تخلق فيهم مزيجا من انس ووحشة , من انجذاب وخوف , من متعة واضطراب...
الفتيات على الشاطئ عابثات لاهيات، هذه تنزوي فـــــــــــي  حجر ربوة صغيرة مع أنيس يتدفق من فمه الدخان كبئر نفط تحترق، وتلك تسير حافية القدمين فـــــي مشية إوزية ساذجة، وهنالك شابــــــات أخر أشد عبثا يتناولن كــــــل مار بنكتة وشغب، اماهو فقد مر بسلام ولعله لم يبلغ عندهن مستوى الـــنكتة فضنن بها عليه اذ كل مايظهر منه صارف عنه ، نعلاه حديثتا عهد بإصلاح وتجميل الا أن رطوبة الــــبحر وانغراسهما في الحصباء الرخوة مساهما بعطب يتطلب علاجا مستعجلا، هكذا استفاد مـــــن سوء الــــمظهر ورثاثة الـــــحال , فقد نفعاه في هذه اللحظة الشعرية كما ينجوالسفلة من ضرائب الشرف الــــــقبلي، تقدم الـــــــى البحر ,  بل ان ألسنة أمواجه كانت تلحس قدميه لحسا خفيفا ومسرعا فيه حذر شديد ، فساءت الحالة الصحية لنعليه واحتاجتا الى اسعاف عاجل .
وقف على الشاطئ وراى البحر وامواجه ورأى المساء المتسارع مع هدير الأمواج ، وحانت لحظة القفول فعرج على الاحمدي والميناء وسوق السمك ورأى مستخرج الملح.
وفي الصباح كانت الــرحلة الى البنك وثم التقى زميلين كريمين وكان من نعم الله على ثلاثتهم  أن زائرات البنك في ذلك الصباح لما راينهم لم يكبرنهم ولم يقطعن ايديهن قائلات حاشا لله ما هؤلاء بشرا ان هؤلاء الا ملائكة كرام  .
كانوا بين تلك الجموع التي يتنفس فيها النعيم والبذخ والموضة , كرعاة بداة يجلبهم مسترعوهم الى المدينة للتصويت او لركوب الجمال في استقبال امير البلاد , فيظهر التشاكس والتنافر بين مظهرهم في الدراعة الجديدة المنتفخة من اءاثار الصمغ والصباغة وبين ما يتراكم على اجسامهم من ءاثار التعب وشظف العيش ولفح الشمس وجفاف الصحراء...مع التحملق في كل شيء في ديار الحكومة ...
دخل  البنك فولج الباب رجل معتم برداء اسود فـــــــي يده حقيبة سوداء سلم عليه بل احتضنه حتى سال على وجههي منه عرق غزير , جعله طول نفسه في الحديث يؤجل مهمته الى الغد.
في الطريق الى التصحيح بين ضجيج السيارات ولغط الــــمارة وباعة المتاع الرخيص راى نفسه  اهون من عبوة غاز صغيرة فارغة نال منها عبث الصبيان ، دخل القاعة فاذا الارض قد بدلت غير الارض والناس غير الــناس ، تفرس الوجوه فلم ير وجها يعرفه ,  كأنه قادم من إحدى مغارات اوكار ولأول مرة اقتنع بتفاهة وظيفته ، القاعة هي الـــمدرج الكبير , المصححون في جميع المواد حاضرون ، شارك في مناقشة موضوع العربية فاختلف مع اثنين فـي اعراب كلمة وصيغة اخرى اما الثالث فلم يتكلم ثم بداله ان ينضم الى الإثنين وبقي هو الاحد , لكنه لـم يآسف عليه لأنه قال في اول راي نحوي له ان (يمكن) مشتقة من كان وأن الاسم الذي بعد ها اسم لها، صاحب الراي من اكبر شعراء البلد في ايام الناس هذه... اتفقوا علـــى عدم الاتفاق فا نزوى صاحبنا في مقعد منعزل لأنه لا يآنس بأحد من الجالسين , في هذه الأثناء تقدمت الــــــيه فتاة شقراء بقدح من الشراب العذب وأخبرته أنها احدى تلميذاته القد يمات , وأنهاتصحح مادة الفيزيا وواظبت على عملها الطيب مدة التصحيح.
توجه الى زميلين كريمين ليستريح معهما باجترار حكايات الطلبة ، واستعادة بعض الاشراقات في عهود الفتوة والاحلام , اما أحدهما فقيل له انه أصبح تاجرا فـــــــي مستودع للإسمنت، واما الأخر فأخبروه أنه هجر مكتبه منذ زمن طويل وأصبح في دكان لبيع الحديد.....حضرته هنا مسرحية اهل الكهف وكان حديث عهد بالحديث عنها لتلاميذه....
المكان ابلوكات حيث الرمل الأسود الممزوج بوسخ الـــــغسالين، دخل قاعة هاتف عمومي وقبل أن يكمل الضغط على الأرقام دخل شاب من اهل قريته في بذلة مدنية يتأبط محفطة فـي حزامه جهاز الكتروني صغير تقدم اليه باشا ضاحكا  ، خرجا معا لكن الصحبة لــــــــــم تطل فافترقا قبل أن يصلا الى الشارع..وحق له ان يفعل فالبدوي اما ان يستهدي بك فيضيع وقتك , واما ان يركب معك فتتولى دفع التذكرة , واما ان يراك بعض معارفك المتمدنين معه فيحرجك قرب الاشعث الاغبر.. ذهب صاحبنا لموعد مع السيد الندى لينسى تعب الجسم , وفراغ البطن , وارهاق الفكر...ولما ودعه وجد نفسه من جديد وسط الــــــغبار والضجيج وصياح الـداعين الى ركوب الحافلات وفـي مساء ذلك اليوم التقى احد زملاء الدراسة كان يظنه من قاطني قصورلا قصور بها , قبل ان  يدرك انه يخفي في يده اليسرى (بطتين من اكلورياء )..انتهى اليوم في احد فنادق العاصمة مع السيد عبد الجليل  في جو مفعم بكرم اصيل , وود اثيل...
                                                                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق