الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014


انقلاب...
المرتضى / محمد اشفق

محمد يحيى اربعيني موشك على التقاعد قبل التوظيف.... لم يعد  امامه الا ممارسة السياسة المحلية فهي التي توفر للاقزام قامات طويلة وتتلافى الساقطين من ذوي الحظوظ المتعثرة....الم تجعل من "اعيمر" الذي لا يميز بين باريس وافغانستان موظفا ساميا وممثلا للقبيلة في انظمة مختلفة....لماذا يحرم نفسه بحجة المبادئ التي تفقر الناس وتجعل حياتهم شقاء متواصلا وكدحا لا يفلح؟؟
دعا عشيرته الاقربين ... وحثهم على الظهور وممارسة حقهم السياسي دون الوصاية من احد ...الا ينتمون الى اعلى السلم الطبقي خصوصا ان اخوال ابيهم لا احد يعرف اصولهم؟ فلماذا اذن يرضون بالتهميش والتصفيق لغيرهم ليعلو نجمه وتكثر ذات يده ويكتفون بالفتات يرميه اليهم كخراف اقعدها الهزال عن المراعي.....لا ...لا من الآن (بكسر النون لانه على راي السيوطي) فصاعدا سيخلعون عنهم ربقة الاسترقاق السياسي والتبعية العمياء.....
حتى "لفريخ ملعينين" الذي كان يسرق خبز "الكانتين" ويبول اذا نام على سريره في "الدورتوار"  بثانوية لكوارب وطرد من Seconde A صار من ارقى الموظفين.....اما هو فصحيح انه لم يكمل دراسته نظرا "للمحور" الذي كان يبكيه في الفصل لان طعام CORNE BOEUF لم يوافقه ....لكنه يعرف كل الصيغ الصرفية واوزانها ويعرف عمل الصفة المشبهة باسم الفاعل مثل زينب جميل في عينها الكحل...ويعرف زحافات الطويل....والاستعارة المكنية.....ومن الفرنسية يعرف ان جمع un chacal  هو des chacals  وان جمع un cheval  هو des chevaux ومن الرياضيات يعرف identitees remarquables  les  و كوزينيس A هو في الحقيقة مثقف عال ويستحق التعيين.....نسي انه في العلوم يعرف ايضا ان 
l eau est un liquide qui prend la forme du recipient qui le contient
يعرف هذا من قديم الزمان... لا هو في الحقيقة – فتبارك الله - عالم متعدد الاختصاصات
   اصبح محمد يحيى مصدر قلق لبعض النخب السياسية خصوصا امام زيارة الرئيس وقد توعدهم ان يصيح امامه ان منعوه من مقابلته انهم لا يمثلون الا انفسهم ..هددوه..توعدوه...ثم بدا لهم ان يصالحوه....دعوه الى وليمة ضخمة زعموا له انها على شرفه...ولما عدد اطباق الطعام واشكاله تمنى ان لو اعطوه ما انفقوا فيها نقدا ....وفي نهاية الدعوة وعدوه بوظيفة سامية ستمحو عنه اثر السنوات العجاف ....سنوات البطالة والانتظار....
جلس في بهو العمارة يعد اعمدتها الرخامية...ويتلمس الجص والآجر...كاد يقع وهو يفحص الارضية المغطاة بالمربعات الملساء المتعددة الالوان...نظر الى اعلى فاندهش باصطفاف الثريات واشكالها البديعة وهي تبرق وتنبعث منها الوان زاهية....ولج الى الداخل وجلس على مقعد ضحم  مع بعض الزوار....نظر الى الابواب ومقابضها الفضية ...مرر عليها يديه ....حرك المفاتيح اللاصقة الى اعلى واسفل....ثم عاد الى الجلوس وهو يتفقد حركة الداخلين والخارجين كالباحث عن ضالة بشرية....اعجبته البذلات المدنية وربطات العنق...ثم انقطع الى قطيع السكرتيرات وبدا يعلق على سوقهن وعراقيبهن رغم ما يحملن من وقاحة المسوح وما ينفثن من عطر رخيص : فساقا تلك دقيقتان مثل 11 ... وعرقوبا هذه مثل " les guillemets" "اتف الا افيطمة"  وهي حرمه...غيبت الدهاليز القطيع فاجال بصره وتساءل عن موقع مكتبه ...لا شك انه ذو الباب الغامق ...كان على موعد مع زعيم سياسي محلي ..
استعرض المناصب العليا في الدولة ليختار منها قبل ان تقترح عليه ...وكان بعضها يصرفه عن بعض...لم يستطع ان يجزم بايها اوفر مردودية... فكر في منصب الوالي الذي يمثل رئيس الجمهورية في كل شيء لكن وعي المواطنين اصبح يقض مضاجع الولاة وقد ولى عهد الاستبداد والتغطرس والعنجهية ... لم لا منصب محافظ البنك المركزي ? هو مقبول فبين يديه العملات يقلبها كيف شاء ويستطيع ان يملا الصناديق من الفضة دون ان يعلم احد ... "الله اكصر اعمر امحيميد ماه ليه اتفوت ما يفوت ماه اصل فلمسيد" جهر بذلك فرمقه بعض الجلاس حائرين من حديثه لنفسه..عليه ان يرضى بمدير سونمكس على الاقل سيشرب الشاي كيف ومتى شاء ويبيع للتجار بالصفقات المربحة...اوه نسي مفوض الامن الغذائي والقمح والارز والزيت "افرك" قالها جهرا ايضا فخاف بعض الجلاس وابتعدوا عنه شيئا فشيئا ..وعاد الى خواطره... لماذا لا يحاول لقاء الرئيس ويسلك اقصر الطرق ..يطلب منه كيل في كيل من ارض العاصمة...يبيع منه  حتى يصبح من اثرياء البلد....او عشرة "روموركات" جديدة تعطس فوق الكثبان الرملية محملة ب"افارين" الى المخابز "الله ال اسكي"وهو ثالث تعليق يقوله جهرا تفاعلا مع خواطره....
ارتفعت الجلبة داخل العمارة وعم الهرج وخرجت الافواج تجري تغص بها الممرات ...اطلق ساقيه للريح ...سقط ثلاث مرة بفعل الزحام والارضية الملساء ليرى الجماهير في الشارع تصيح : انقلاب...انقلاب....تذكر ان امه "عقدت له الغفران في الا يدخل "اصنادره" فتمتم " الله لا يرحمه " كان يمكنني ان اكون الآن رئيسا او على الاقل عضوا في اللجنة العسكرية فقالت لي "اقرأ" ازواي ما يعود اصنادره" ..." اعلي بصيام اسن ال اتف بلكراي وازواي ءان كاع اثر زاوي الا ش كالوه اخوال"....


هناك تعليق واحد:

  1. انقلاب .....ضد انقلاب..

    يذكرني هذا النص الجميل بزمن "اتبوشيل" واللعب بالفظة وكوم عن العربية وكوم عن الفرنسية.......

    أيام كان الشباب فيها يحترمون الجميع لأن الكبار كانوا عبرة في الأخلاق وتحمل المسؤولية فعلموا الأبناء قيم البرور ومعني الأبوة فلاهم يتخلصون منهم رغبة في حنان الأخوال ولا كبرياء بين السطور.

    فزمنها لاينجح الانقلاب الا علي من انقلبت عليه حاشيته وتنمرت عليه زوجته فكان المطيع بلا منافس لكلامها والمنصت الخائف من اشارتها.

    فتقلب الدهر وتبرأ العاقل م مسؤولياته وأصبح الجميع لا يتقن سوي لعبة اتبوشيل "كوم عن العربية" ولل "كوم عن الفرنسية.

    ردحذف