السبت، 21 سبتمبر 2013


المرتضى محمد اشفق


الرحالة موهوب (1)


اسرج حصانه وغافل قمرا قوسته تسع عشرة ليلة من الادلاج المتواصل , حجبته جوابة آ فاق من سحب لا تكاد تؤنس حتى تيئس ...عابرة للقرى والارياف لكنها  تختفي بسرعة وقديما قال كثير عزة 

واني وتهيامي بعزة بعدمــــــا     تخليت عمــا بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما     تبوا منها للمقيل اضمحلت

...سحب رقيقة وشفافة كملاحف صبايا ليالي الصيف...لكن عشاق السرى يحبونها ويرونها سميكة انخداعا لداعي الغاية ...وانتهازية النهم وصاحب المشروع الميت.....
غادر موهوب مضارب قبيلته ويمم اللاوجهة محددة ...عدا الحصان ملء فروجه....اشرقت الشمس ...واعلمت التائه المتحمس بحرارتها الشديدة....انذرته عبر اشعة كانت تختلس المرور بين بقايا سحب الليلة الماضية التي بدا جمعها في التشتت والتلاشي كمهرجان شعبي يخطب فيه عيي والشمس في رابعة النهار..و كمصلين غالبوا الاستماع الى محاضرة في التركة بعد احدى جمع ايار..في وادي ذات الافاعي حط سرجه ...وفي ظل "طلحاية" عجوز جلس واخرج من جرابه ورقة فيها مكتوب متعرج السطور كآثار نملة عرجاء...قرا ثم اخرج ادوات حلاقته وارسل على لحيته اعصارا جعلها كالحجر الصلد الاجدب بعد ان كانت غابة من شعر...اخرج سيجارة ...ورحل....تمتم: صرت مقبولا بينهم ....استقبل موهوب بحفل كبير وثناء كثير فهو الحسيب النسيب...العالم العامل..المثقف المتوقد....والجهبذ العبقري....والسياسي الواعي....انه غمامة مباركة تداركت ضعف الصدي...كابد كبت خواطر متفرقة ازدحمت في صدره ...الجم بعسر قهقهات ساخرة كادت تفضحه وهو يسمع الثناء عليه من علية لم يحلم بان يصافحوه ....لكنه لجا الى حيلة غريبة..استحضر قطيعه الذي فقده ...والذي استنتج منه ان هناك لعنة اسمها المطر ...تبيد القطعان ان حبست وتقضي عليها ان ارسلت....فغلب الحزن البشارة....اطرق اطراقة المفكر الشارد في اجواء الحيرة والشك...او ان شئت اطراقة حمار يستظل ضحوة بجدار بيت خرب يخيل الى رائيه انه يفكر في ازلية الكون وابديته....لقنوه ما يجب ان يؤدي من ادوار...كالخروج من القمقم القبلي والديني والثقافي....فمن التخلف والحيف ان يظل موهوب غير موهوب يحشر فكره المتنور وءاراءه الحرة لتبقى راكعة لوثن القبيلة واله العلوم التلقينية , كما كان يفعل هو "ل اماكليف" كلما ضعفت شهيتها عن العلف  ...كان يحشو بطنها مستعينا بالماء وبعض الاصحاب في عملية عدوانية راحمة...غلط  مرة في حديث تعبوي امام جمهور بسيط فقال : هيدال ولد داداه ولما صوبوه صب لعناته على الدولة وعلى الحاضرين وقال همسا لا يهم كلهم سواء ....الاعيان لا يميزون بين الرجال والنساء...
لم تمت في موهوب نزعته البدوية بعد , فما زال يكشف المستور , ويذيع احاديث الليل والسر...وما زال ضعيفا امام صوت الانثى ..يرمق اعجاز النساء باعين قذرة....اعطوه الميكروفون مرة ليذيع بنبرته الجهورية بعض الوعود لجمهور مختلط.....لاحظ ان جمع المؤنث السالم غالب على الجموع...فقال انه التقى "ماري تشوي" وهي في الطريق لتمويل مشاريع نسوية مدرة للدخل...غمزه احدهم مصوبا ....فارعد الطبل وقال هكذا كان يفعل زعماؤنا المحليون من قبل.....واضاف ان بعثة طبية يرأسها "بوتن" وبعضوية "شيراك وميشل ابلاتين ومسي وكوفي عنان " قريبة لاجراء عمليات العين والانف ....دوى التصفيق وفاجا موهوب , فارتعش ولم يصدق ان حناجر القوم بحت بالدعاء والتمجيد....فكاد يصدق ما قال وشرع يصفق لنفسه.....
في قاعة الاستراحة علل موهوب لرفقاء البعثة الحزبية انه عمد الى تلك الاسماء ليكون مثقفا...وهو لا يعرف من تكون ...حفظ بعضها من الاطفال والآخر من خصم صديقه العائد من الخارج...وقد اكتشف بعد دربة وطول مراس ان الشعب تسحره اسماء النصارى واستعمال الكلمات الاجنبية  وان كثرة الاستشهاد بها اكبر دليل على التميز الثقافي والحظوة في امتنا الغالية.....
ثم بدا لفارسنا انه لم يخلق للسكون والقرار ...وكيف يالف البدوي طول مكث في الدار....اليست الصحراء الشاسعة ميدان ترحال ...ورمزا للحرية والانعتاق....
اطلق لجواده العنان ...فتحرر بعد حبس..وتنفس الصعداء.....وطوى الارض ميلا...ميلين...عشرة اميال ثم اختلط الزمان والمكان واستحال العد.....في وقفته قرب قطيع بقر تحلق يندب فقيدة لعلها كانت ذات شان وقرن اخرج ورقته ....وقرر المكث حتى تتبدل حاله.....استوحش وجهه وهو يرى في المرآة شيخا وقورا يصلح ان يكون له اتباع وان تقدم له الهدايا والنذور....فاطمان وقال مخاطبا نفسه بصوت مسموع : " الثانية بقي كم ؟ ثلاثة اواربعة لا يهم العدد الآن"....وجد نفسه مسبوقا باثنتين...فاكمل الفائت ..لكنه تذكر انه سها عن تفقد صلاتهم هل يقبضون ام يسدلون....قرر ان يجمع بين القبض والسدل .....اكرم موهوب مرة اخرى وصيغت بيانات محكمة النسج بتثمين التحاقه...فهو العالم بن العالم ...والقلمس الثبيت.... القدوة الفهامة....والمتخطرف الخانر كما قدمه  احدهم بلغة "فيروزآبادية"....واستحفظ ادوارا بدات سطحية ثم صار موهوب مفكرا محللا وخطيبا مفوها.....كان يكثر من التلاوة ....يبدا شطر الآية جهرا ثم يخمن نهايتها سرا مع انين طويل كالضارع يرى جهنم تلقاء وجهه....في احدى اماسيه الدعائية تحدث للناس عن عظمة القائد الكبير "مراد علم دار" وكيف وقف امام النصارى في معركة عين جالوت ...حاول احد مجاوريه على المنصة ان يصوبه فقال انا لا اعرف هذه الاسماء لي طفل صغير "يهدرز" بمراد ولي ابن اخ يقرا التاريخ سمعته يقول حطين وعين جالوت...لكن المهم ان يدرك القوم اني عالم ومثقف عالمي وهذا كما تعلم زمن "الحراقة" ...وانا عضو في التجمع الموريتاني "للحراقة" وفيه كثير من علماء البلد وادبائه وشعرائه ....
تمهر موهوب في قنص الجمهور من الصف السفلي....وكانت سهاراته الدعائية مشوقة ...كان حسن الصوت ...قال ليلة لبعض السمار انه في بلاد الافرنج جعل قدمه اليسرى مباشرة على خط "اكرينتش " الاحمر وكان يبدو كعرف ديك فرنسي...
واصاب موهوب الدوار ...ومل التقيد ببرنامج محدد .....فتابط  جرابه وقرر الرحيل....وما احوجه للنجعة وقد استبدت آلهة القحط وبسطت سلطانها تاكل الخلق ناحلا وسمينا.....ادرك انه اشتهر وانه لم يعد بحاجة الى هوية مظهرية .....وقال في خطبة الوداع : ايها الناس اسمعوا مني ابين لكم ...والسلام عليكم ورحمة الله .....
في طريق عودة موهوب استوقفه رجل في لباس غريب وساله من تكون ؟ فاجاب موهوب : انا حقيقة هو انا كما تراني لا انقص ولا ازيد...هل انت اعمى يا رجل ؟
الرجل  - قدم بطاقة هويتك
موهوب – انا اشرف واشهر من بطاقة الم تتابع التلفزون والاذاعة ؟
الرجل -  نعم هو انت اذن
موهوب – لا انا لست انا ...من تعني ؟ قل لي انت منهم ام منا ؟
الرجل – وانت منهم
موهوب – نعم انا منا
الرجل – من ؟
موهوب – الذين انت منهم سواء لم اكن منهم ....فمن هم؟ اريد ان أ ؤخر جوابي عنك هل تعرف " انكام " في كلام "البيظان" اذن " انكام"
الرجل- انا منهم
موهوب – انا في الحقيقة لا اعرف من انا ولا غيري يعرف من انا......انا تارة اكون انا وتارة اكون غير انا الذي هو انا ....مثلا اسمع هل تعرف الوجيه ....هل تعرف الاحزاب السياسية ...والطوائف القبلية ...هل سمعت بالمعارضة والموالاة؟؟؟؟ فانا الذي لست انا انتمي اليها جميعا , وانا الذي هو انا لا انتمي الى شيء لاني دعي سياسي ..ولقيط فكر وجدني الناس ذات يوم في بركة "آمنيزير" .. .........فهل عرفتني يا رجل؟؟؟ ....لقد علمتني تجاربي ورحلاتي ان الرجل لا يتوقف عن الحركة الم يقل الشاعر:
سافر تجد عوضا عمن تفارقه   وانصب فان لذيذ العيش في النصب
اني رايت وقوف الماء يفسده   ان يجر طاب وان لــــم يجر لم يطب
ونحن مطالبون بالانتشار في لارض والابتغاء من فضل الله قال تعالى (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله)....اما التوقف فدليل الموت ...والاستقرار صفة القبور...والدور....و نحن احياء نتحرك لنعيش ...وليس لنا وطن محدد ..فالوطن المحدد هو السجن والقيد ...وطننا  حيث يكون الرعي والماء والصحراء الواسعة والافق الحر....وقد رايت بعض الاغبياء يستوطن حزبا معينا او جماعة محددة وهذا عين السخف وقلة الفهم وقصور الوعي...قدرنا ايها العاقل الالب ان نظل في حالة ترحال كلما اجدبت دار بدلنها بدار مخصبة ...وكلما اجدب حزب قربنا اجمالنا ورحلنا الى حزب ادسم طعاما واسخى يدا.....فانا كما ترى وسمعت هو كل هؤلاء لا تسعني ارض ولا سماء ولا منصة ..ولا لون ...والتلون ميزة الحذاق الذين رضعوا الدهر اشطره ...اما الشقي في هذا الزمان فهو المتخلف عن ركب المحظوظين ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما ينشد في مرابع المغفلين اشعار عنترة ولبيد وابن الطلبه , ويلقي على الدمن والاثافي ارجازا واقفافا بتمجيد الضمير والتشبث بالمبادئ والقيم السامية.....ان ذلك هو الخسران المبين..قل لي : هل رأيت قصرا فخما شيدته المبادئ ؟ هل رأيت سيارة راقية جلبها نقاء الضمير ؟وهل رايت قطعانا تملا مابين "آفطوط  الساحلي وفم لكليته" وفرتها يد مغلولة عما تسمونه المال العام.....ومذهبي ايها الرجل  هو ممارسة السياحة السياسة بالانتجاع والترحال لذلك ترى حصاني مسرجا ابدا....واحزابنا السياسية التي تفوق احزاب القرآن الكريم عددا كلها تسعى لبناء الوطن وحماية الوحدة الوطنية والتشبث بالاسلام....هي جميلة ومتجانسة في طرحها النظري....اما زعماؤها فهم من خيرة ابناء الوطن ....ان جئتهم اخجلوك بالثناء والتبجيل , لكن – هل انت مصغ الي ؟- اياك والعجلة فكلما تباطأت ظنوك تستشير عقلك  فابق ردحا من الزمن في منطقة التردد والتحري مفتعلا انك حرون اذا تعلق الامر بالبحث عن الافكار المقنعة والطرح السليم , سيتتدفق اليك المال تحت عناوين مناسبة تقيك الشعور بالمهانة والاذلال ..سيقال لك هذه هدية متواضعة يشرفنا ان تتقبلوها منا فانت شريف لان الشرف من الام وخالة "نسيبتك " ارضعتها "لوادية" تدعي انها كانت ماشطة احدى الشريفات....وهذا يساعدك في ما تجود به على اتباعك المتحمسين لنا.....ثم امكث طويلا مع المؤلفة قلوبهم فهم ايضا اصحاب حظوة واكرام......واسلل لسانك على كل من تأمن شره وبوائقه حتى يخافك الاقوياء والكبار, فتنحل صوبك صررهم ,وتتدفق اليك دنانيرهم.....وجرد قلمك فهو كلب صيد اهل المدينة ,وأرسله خلف كل صاحب مقام يتتبع عوراته ويكشف سوآته ...وتقوَل عليه ان لم تمتلئ معدة قلمك من نقائصه, ثم ترصده وغافله بزخات متواصلات من قيء قلمك تدنس بريقه وتعفي نضارته ....سيبتغي اليك الوسيلة ناطقة وصامتة , سمها هندا وقل ماقال بن حامدن رحمه الله:

مشت بيني وبين الشعر هندي   وهندي املح الشفعاء عندي

عفوا قبل ان نفترق  هذه محفوظات قد تنفعك ان وعيت وصاتي وهي سر حصاتي : جمال عبد الناصر..سيد قطب...البناء...ميشل عفلق..صدام حسين...لينين....كاسترو..القذافي...الربيع العربي......سانكارا...السلفية.....مبارك.....الصين....جفارا....حماس....نجدة العبيد...الاعتصام....افلام....الشرعية الدستورية...النقابة الوطنية للاحذية المسروقة.....رابطة هواة قتل العصافير....جمعية تشريع عقوق الامهات......نادي القمامة الوطنية....المؤسسة الوطنية لبيع حليب النمل..المنظمة الخيرية لمحاربة الصلاة في المساجد....

المرتضى / محمد اشفق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق